شهد عام 431 ميلادي سقوط مدينة « بـونـة » المعروفة حالياً بـ عنّابة شمال شرق الجزائر في أيدي الوندال الآريوسيّين يقودهم ” جنسريق“
بعد حصار طويل ومرير لاقى فيه أسقفها الشّهير ”أوغستين“ حتفه.فجعلوها مقرّا ومستقرا لهم إلى حين استيلائهم على قرطاج في أرض تونس المجاورة عام 439 م والتّي اتّخذوها عاصمة لملكهم في شمال إفريقيا.
وهكذا تمكّن الوندال في بضع سنين من غزو شمال إفريقيا من أقصاها غربا إلى أقصاها شرقا وصولا لطرابلس وما يليها في أرض ليبيا وامتد نفوذهم شمالا إلى جزر صقليّة وسردينيا وكورسيكا وجزر البَلْيَار بل ووصل بهم الأمر أن أغاروا على مدينة روما نفسها، ونهبوا ما فيها عام 455 م .
والوندال هم قبائل من أصل جرماني كانوا يتّخذون من المنطقة الجنوبية لبحر البلطيق ( شمال ألمانيا ) مستقرا لهم قبل أن يرتحلوا إلى بلاد الغال - فرنسا حاليا - ويهاجروا بعدها إلى أرض إسبانيا لينتهي بهم المطاف في أراضي شمال إفريقيا بعد أن عبروا بنجاح مضيق جبل طارق الذي يفصل بين قارتي أوروبا وأفريقيا، عام 429م.
وبلغ عدد قبائلهم التّي عبرت المضيق زهاء ثمانين ألفاً فيما لم يكن عدد المقاتلين الوندال يتجاوز العشرين ألفاً ،ولم يكن الواندال وحلفائهم من ”الآلان“ ليحقّقوا ما حقّقوه من انتصارات باهرة على جيوش روما في ظرف وجيز، وتأسيس مملكة وندالية ”عابرة“ في شمال إفريقيا لولا معونة البربر( الأمازيغ ) في بادئ الأمر و استمالتهم إليهم كل الاستمالة لمجابهة الرّومان بعد أن علم هؤلاء الواندال ما تكنّه صدور البربر من عداوات قديمة ضدّ روما. فضلا عن استفادة الوندال كثيرا من خلافات الرّومان فيما بينهم وبخاصّة من تمرّد القائد الرّوماني”بونيفاس“ في تحقيق انتصارات عسكريّة خاطفة في شمال افريقيا.
وجدير ذكره أنّ مملكة الوندال قد انقضى عهدها نهائيا في النّصف الأوّل من القن السّادس ميلادي جرّاء عوامل عدّة عجلّت بزوالها ، أوجزها في الآتي : سوء إدارة دولتهم في فترة سادت فيها الإضطرابات والمنازعات الدّينية وثورات البربر ضدّهم لما لاقوه من قهر واستبداد على أيديهم .إلّا أنّ الهزائم النّكراء التّي منيوا بها أمام جيوش البيزنطيّين واستسلام آخر ملوكهم جيلمار كان لها الدّور الحاسم في فناء دولتهم عام 534م
كنيسة القديس أوغيستين بعنابة تحفة معمارية تجسد تلاقح الحضارات