السلاجقة من البداية إلى النهاية
السلاجقة من البداية إلى النهاية 3_bmp10
أخذ التاريخ يذكر اسم السلاجقة منذ أواخر القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وبدأت قوتهم تظهر على مسرح الاحداث في أوائل القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، ثم لم يلبثوا أن أسسوا دولة كبيرة في المشرق العربي الاسلامي، وازدادت شوكتهم        
حين قيام دولة السلاجقة في أوائل القرن الخامس الهجري كان العالم الإسلامي تتنازعه الخلافة العباسية السنية في بغداد، والدولة الفاطمية الشيعية في مصر والشام، والدولة الأموية في قرطبة بالأندلس إضافة إلى ذلك كان هناك عدة دويلات أخرى أهمها الدولة الغزنوية في بلاد ما وراء النهر والهند، وكانت معظم هذه الدول تمر باضطرابات داخلية وخارجية أدت إلى تقلبات في الأوضاع السياسية، مما هيأ لدولة السلاجقة الظهور                                           
أصل السلاجقة
شهد التاريخ حركة خروج القبائل التركية من مواطنها الأصلية في أواسط آسيا واندفاعها إلى غربي آسيا وشرقي أوروبا ووسطها، وهي حركة امتدت من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) إلى القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي)، وينحدر السلاجقة من هذه القبائل التركية، وينتسبون إلى جدهم سلجوق بن دقاق الذي أسلم هو وجميع من تبعه من رجال قبيلته، وكانت منازلهم في بلاد كشغر الواقعة في غرب بلاد الصين فنزحوا منها في عام 375هـ= 985م بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، أو بسبب الحروب التي كانت تدور بين القبائل المختلفة عادة، وقصدوا إقليم خراسان التابع للدولة الغزنوية، وصاروا تحت تبعية الغزنويين.
بعد وفاة سلجوق تبوأ زعامة السلاجقة من بعده ابن الأكبر إسرائيل، وأصبح للسلاجقة قوة عسكرية يُخشى بأسها، فأدرك السلطان محمود الغزنوي مالهم من قوة وبأس، وشعر بمدى الخطر الذي يمكن أن يشكلوه على دولته فقرر القضاء عليهم، ومن ثم قام بأسر زعيمهم إسرائيل.
خلف ميكائيل بن سلجوق أخاه إسرائيل في زعامة السلاجقة، وأدرك قوة السلطان محمود الغزنوي فهادنه وطلب وده، وأخذ يجمع شتات قومه ويتحين الفرصة للانقضاض على أراضي الدولة الغزنوية، ولكنه قتل في إحدى غزواته، فتولى من بعده ابنه طغرل بك. وجد طغرل بك تأييدًا كبيرًا ومناصرة عظيمة من شعبه، فأعد جيشًا قويًا ووضع نصب عينيه هدفًا هو إقامة دولة للسلاجقة،سرعان ما استغل فرصة وفاة محمود الغزنوي، وتراجع قوة الغزنويين بعده بسبب التنافس على السلطة، فدخل معهم في معارك وحروب وسيطر على المناطق المجاورة له وزاد نفوذه وقوته حتى استقل بإقليم خراسان التابع للدولة الغزنوية في عام 429هـ= 1037م، وجلس على العرش وأعلن قيام دولة السلاجقة، ثم أرسل رسالة إلى الخليفة العباسي في ذلك الوقت القائم بأمر الله يطلب منه الاعتراف بدولته الجديدة.
 اعترف الخليفة العباسي بقيام دولة السلاجقة في عام 432هـ= 1040م، فاكتسب السلاجقة بذلك صفة شرعية، واستطاعوا توسيع حدود مملكتهم بسرعة هائلة، وأخذوا في التوسع على حساب القوى الإسلامية المحيطة، وكذلك على حساب الدولة البيزنطية التي كانت حينذاك قد دخلت في طور من أطوار ضعفها، وبذلك شملت دولة السلاجقة مساحات واسعة من فارس وشمال العراق وأرمينية وآسيا الصغرى.

ثم حدث تطور خطير في سنة 447هـ= 1055م، حيث استنجد الخليفة العباسي القائم بأمر الله بالزعيم السلجوقي طغرل بك لينجده من سيطرة بني بويه على مقاليد الخلافة، وبالفعل استطاع طغرل بك أن يسقط الدولة البويهية، ودخل بغداد في سنة 447هـ، واستقبله الخليفة العباسي، وأمر بأن ينقش اسمه على العملة، وأن يذكر اسمه في الخطبة في مساجد بغداد وغيرها.
وتوطيدًا للروابط بين الخليفة العباسي وبين الدولة السلجوقية، تزوج الخليفة العباسي من أبنة الأخ الأكبر لطغرل بك، وتزوج طغرل بك من أبنة الخليفة العباسي، مما زاد من شأن السلاجقة حتى أنهم حلوا محل البويهيين، ليبدأ عهد السيطرة السلجوقية على الخلافة العباسية، ولا شكَّ أن هذا أعطى مكانه كبيرة لطغرل بك في العالم الإسلامي، مما أدى إلى توحيد أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي تحت سيطرته، خاصةً فارس والعراق وأجزاء من الشام وآسيا الصغرى، ثم لم يلبث أن توفي في سنة 455هـ= 1063م ليخلفه ابن أخيه ألب أرسلان.                       
عهد السلطان ألب أرسلان
كان السلطان ألب أرسلان كعمه طغرل بك قائدًا ماهرًا ، كما ، وغيَّر كثيرًا من سياسة دولة السلاجقة في آسيا الصغرى، واستطاع أن يوسع حدود دولته وأن يسجل انتصارات رائعة ضد أعدائه في الداخل والخارج، ومن أهم هذه الانتصارات أنه نجح في أن يهزم الدولة البيزنطية هزيمة ساحقة في معركة ملاذكرد الشهيرة في عام سنة 463هـ= 1071م،                                                          
عهد السلطان ملكشاه
بعد وفاة السلطان ألب أرسلان خلفه في الحكم ابنه السلطان ملكشاه الذي حكم من سنة 465هـ= 1072م إلى سنة 485هـ= 1092م، وكان أحسن الملوك سيرة  ،   ، وقد اتسعت الدولة السلجوقية في عهده لتبلغ أقصى امتداد لها، حيث وصلت من الصين شرقًا إلى بحر مرمرة غربًا، وذلك بمساعدة الوزير الفذ نظام الملك، الذي يرجع إليه الفضل الأكبر فيما وصلت إليه الدولة السلجوقية من اتساع ونفوذ وقوة في عهد السلطان ألب أرسلان وعهد ابنه ملكشاه، وذلك بفضل سياسته الحكيمة.
 نهاية السلاجقة
على الرغم من الاتساع الضخم والقوة العظيمة التي وصلت إليها الدولة السلجوقية في عهد السلطان ملكشاه إلا أنها بموته في عام 485هـ= 1092م، انفرط عقدها وتمزقت وحدتها وقوتها، وانتهى عصر القوة والمجد، وبدأت مرحلة الضعف، وذلك بسبب النزاعات والصراعات التي نشبت بين أبناء البيت السلجوقي، حيث ثارت بينهم الحروب الداخلية مما انعكس سلبًا على الدولة السلجوقية.
على ضوء تلك الخلافات انقسمت دولة السلاجقة إلى عدة دول وإمارات صغيرة:
أولًا: دولة السلاجقة الكبرى، واشتهر منه ألب أرسلان وملكشاه وبركيا روق، وظلت تحكم أقاليم واسعة أهمها العراق وإيران، وكانت لها السيطرة المباشرة على الخلافة العباسية.
ثانيًا: سلاجقة كرمان (جنوب إيران ومنطقة باكستان)، وهم عشيرة قاروت بك بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وهو أخو القائد الكبير ألب أرسلان.
ثالثًا: سلاجقة عراق العجم وكردستان (في شمال العراق).
رابعًا: سلاجقة الشام، مؤسسها تتش بن ألب أرسلان، وهؤلاء انقسموا على أنفسهم عدة انقسامات، وفتَّتوا الشام إلى عدة إمارات.

خامسًا: سلاجقة الروم بآسيا الصغرى، ومؤسسها سليمان بن قتلمش في عام 470هـ= 1077م، وهم بيت قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق، وانتهت أيضًا على أيدي المغول الإيلخانيين في عام 704ه= 1304م.
وعلى الرغم من عجز الدولة السلجوقية عن توحيد بلاد الشام ومصر والعراق تحت راية الخلافة العباسية في ذلك الوقت، وعلى الرغم من أن الانقسام الداخلي بين السلاجقة أنفسهم بعد وفاة السلطان ملكشاه والذي وصل الى حد المواجهة العسكرية فيما بينهم، وهو ما أنهك قوتهم حتى انهارت سلطنتهم، إلا أنهم كانت لهم أعمال جليلة وانتصارات  ،   ضد البيزنطيين وضد الصليبيين ما زالت  في ذاكرة التاريخ.