من هم الكتاميون ؟
من هم الكتاميون ؟ 1397
إن الاسم القديم الذي عرفت به أول مـرة هـو كيداموسيان Kédamousien ، وحسـب بطوليمي، فيحتمل أنها قدمت من الجنوب لتستقر في جبال بلاد القبائل الحضرة.
أما الحجة الدامغة لتواجدهم، فقـد أعطيـت عنـدمـا تـم العثور على كتابة منقوشة فوق صخر في مضيـق فدولس، في المكان المسمى السوق القديم، وقدر تواجدهـا بيـن القرنين السادس والسابع. وهذه الكتابة اللاتينية المنقوشة تترجم بالعبارة «ملك الأمة الكتامية». وهناك كتابة أخرى، أقدم منها، قد تم اكتشافها في منطقة الحفرة
(قسنطينة) تحمل الحرفين اللاتينيين KT للدلالة على قبيلة كانت تحتل ضواحي سيرتا . إلا أن هذا الطرح الـذي تبناه ا. بيرتيـي A. Berthier لـم يؤيده المؤرخ فيفري.
كمـا نـعـلـم مـن جهـة أخرى، أن خلال فترة الوندال، مثل قس كتامي السكان الذين يسكنـون هـذه المنطقة لدى موريتانيا السطايفية. ويجب انتظار المؤرخين العرب للوقوف على الوجود الفعلـي والـواضـح لهذه القبيلة التي اطلقوا عليها تسمية كتامة
واخرجـوا نسبها وفروعهـا مـن طي النسيان.

لنتوقف عنـد الأهـم ونقول إن الكتاميين قبيلة بربرية، تنحدر، كما يقول ابن خلدون، من كتام أو كتم ابن برنيس، وتنحدر من نفس النسل مع صنهاجة، وهذا الجد الأول كان لـه ولـدان، هـمـا غـرسـن ويسـودة، تفرعتا ومنهمـا تنـاسـلت كل بطـون كتامة، فمـن يسـودة
انحدرت قبائل فاسة وصنهاجة ومتوسـة واوريسن. امـا غـرسـن، فتنـحـدر منهـا كـل مـن لهيسة وجميلة ومسالتة واجانة وغسمان واوفاس وملوزة، التي تكون احدى فروعها هي بني زلدوي، الخ.
وخلال القرن السابع، كان الكتاميون يسيطرون على أهـم الحضائر الواقعة بين الأوراس والساحل، الممتد بين بجاية وبونة، مثل اقجان، وسطيف، وبجاية، ونقاوس، وبلزمة، وتيديس، وقسنطينة، وسكيكدة، والقل وجيجل، أما إحدى فروع كتامة فقد هاجرت نحو إفريقيا القديمة (جربة)، ويشير البكري إلى فروع أخرى انتشرت في
المغرب الأقصى، في قلعة ابن خروب «نحو يوم من السير عن طنجة»، وفي المناطق  المجاورة «إلى غاية سوق كوتامة، توجد قرى مسكونة من الكتاميين»، وكما هو معلوم، تمتد فروع قبيلة كتامة وتنتشر في كافة ربوع المغرب و«بعثت بأبنائها إلى جهات مختلفة المناطق من هذه البلاد».
فعنـد وصـول العرب إلى المغرب وجدوا أبناء كتامة في ديارهم وموطنهم. وإلى هـذا الحـد مـن التاريخ، لا يمكننا أن نواصل النظر إلى هذه القبيلة الكبيرة ككيان واحد وموحد، متجمع تحت سلطة نفس القادة، لكون مختلف الفروع، من الأوراس إلى بجاية،
كانت تتصارع من أجل بسط سيطرتها على البلاد، كل عشيرة منها حسب موقعها و وصفها، وكل واحدة منها تقوم بدور مختلف، تماشيا مع مصالحها وتحالفاتها الخاصة بها. ومـا يهمنـا هنـا هـي قبائل كتامة، التي كانت تسكن منطقة بجاية جيجل-القل
وزواغة، وهي القبائل التي انفردت بارتباط اسمها بالمغامرة الفاطمية.
وقد ظهرت هذه القبيلة لأول مرة في الكتابات التاريخية العربية خلال عام 767. حيث أن كتاميي جبال نوميديا، وحرصا منهم على الدفاع عن استقلالهم، اتخذوا موقف الحيـاد فـي الحـروب القائمة بين البربر والعرب. وتحولت بلادهم، التي تتمتع بحصانة
طبيعية جيدة، إلى ملجئ للمضطهدين من الفريقين. ففي عام 767، التجأ حسان ابن حرب، حاكم تونس، إلى كتامة بعد انهزامه اثر
ثورته على حكم الأغالبة، للهروب من بطش اعدائه الذين لم يتجرؤوا على تعقبه في الجبـال حيث وجد الملجأ الأمـن عنـد كتامة.
خمس سنوات بعد ذلك، أي فـي عام 772، علم المغيلة أبوحاتم، الذي اصبح سيد إفريقيا، بخيانة معاونيه، عمرو ابن عثمان والمخرق، وهـو فـي طريقه إلى طرابلس. ورجع على أعقابه بغية تسليط عقوبة عليهما. فلما بلغهما الخبر، ذهبا إلى جيجل لطلب
اللجوء عند كتامة فكان نعم الملجأ بحسب الرواة، سنة بعد ذلك، أي خلال 773 ، عندما انهزم أبو حاتم أمام اليزيد ، وعندما وجد عبد الرحمان ابن حبيب، قائد القوات العربية والذي انضم إلى ثورة القائد البربري، وجد نفسه في مأزق، فا م تكتف كتامه بمنحه اللجوء بل سمحت له، خلال ثمانية أشهر كاملة، وللبرير المرافقين له أن يقدموا العون، فوق أراضيها، لمقاومة القوات العربية التي ارسلها اليزيد للقبض عليه، فلم يقم اهل كتامة بتسليمه لكنهم لم يقدموا له النصرة، هكذا، من جهة، وجد قائدان عربيان وهما حسان وعبد الرحمان الأمان على اراضي جيجل ضد حكام عرب، ومن جهة ثانية، طلب كل من العربيين عمر ابن عثمان والمخرق الاستفادة من نفس اللجوء والحماية من بطش حاکم بربري هو أبو حاتم.
وضعت ازدواجية الموقف هاته، التي تمزج بمهارة بين الحياد والالتزام، فهي مرحبة بالمضطهدين تارة، وحليفة للمنتصرين تارة أخرى، كتامة في موقف الحكم في قضايا لا تعنيها لكنها تحسن استغلالها. «لم يتغير موقفها، حسب ابن خلدون، منذ دخول الإسلام إلى غاية عهد الأغالبة... ولكونها كثيرة السكان، لم تتأثر كتامة أبدا من اضطهاد هاته العائلة الحاكمة.»
الاتصالات الأولى بين كتامة والمذهب الشيعي
من البديهي أن لا نذكر أي شيء عن أصل المذهب الشيعي وعلى الفرقة الإسماعيلية التي ينتمي اليهـا الفاطميون، لأن هذا سيبعدنا لا محالة عن موضوعنا. زد على ذلك، ماذا يمكن أن نزيده عما دونه علماء أجلاء في كتب خصصت للموضوع؟
عادة مـا يـورد المؤرخون الذين يتناولون ظروف التحاق كتامة بالمغامرة الفاطمية نفس الجزئيات تقريبا ، فهم يطرحون جميعا نفس السؤال، لماذا اختار الشيعة بلاد كتامة لزرع عقيدتهم، وهـي القبيلة التي لم تكن لا أقوى القبائل، ولا أشهرها في بلاد المغرب؟

قد ينبع هذا الاختيار من توفر عاملين، العامل الأول الذي ذكرناه آنفا، وهو الاستقلال الذي كانت تنعم به هذه القبيلة حيال الحكام العرب ؛ والعامل الثاني، يتعلق بإحداث سابقة هيأت الأرض لهذا الحدث. ففي عام 883، اختار ابن الحوشد ، وهو من اكثر دعاة الشيعة التزاما، وكان مقيما باليمن، اثنيـن مـن مريديه لإرسالهما إلى بلاد المغرب، وهما الحلواني وأبو سفيان، موصيا إياهما:«المغرب أرض بور، فاذهبا فأحرثا حتى يجيء صاحب البذرة».
فالمؤرخون لـم يخبروننـا كيف وصل هذان الشخصان الى وجهتهما، بالمقابل، نحن نعلم أن احدهما قد استقر في مرمجانة والآخر في سوق جيمار، وهما بلدتان تقعان بين البيبان وميلة. وقد وافتهما المنية بعد ان نجحا في غرس فكرة معلمهم. ولما بلغ ابن حوشد خبر وفاتهما كان داعية بجانبه، اسمه أبو عبد الله، على أتم
الاستعداد لإكمال المهمة. وقد كان يوصف بأنه «خارق الذكاء، ذي عقل خصب». فقد اعجب ابن حوشد بشخصيته الراجحة فلم يتوان في تكليفه بإتمام مهمة أسلافه في المغرب قائلا له: «إن أرض كتامة من المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان وقد ماتا
 وليس لهـا غيـرك، فبادر فإنها موطأة ممهدة لك
.


المصدر:مواقع ألكترونية