أحفاد كتامة : هوية يكتنفها الغموض
أحفاد كتامة : هوية يكتنفها الغموض 1-496
يشير ابن خلدون في وصفه للمغرب وسكانه خلال القرن الرابع عشر، إلى ان اقليمي بجاية وقسنطينة «اللذين كانا ينتميان قديما إلى قبائل زواوة، وكتامة، والهوارة، أضحى يقطن ترابهما العرب، باستثناء بعض الجبال الوعرة، حيث لازلنا نجد بعض فروع هذه القبائل ..
فالعرب الذين يذكرهم ابن خلدون، هـم في الحقيقة «بربر تعربوا»، وفي معرض حديثه عن تاريخ البربر، يروي بأكثر تفصيل عن أصل القبائل التي كانت تسكن قسنطينة وبجاية في القرن الرابع عشر، مع ابراز الأصل الكتامي لها. فبعد تفكك وحدتهم، وانكسارهم، وانهزامهم، وفقدان مكانتهم، أعادوا تكوين أنفسهم تحت أسماء
أخرى لتكوين قبائل جديدة معزولة عن بعضها ولا رابط يجمعها.
قبائل الغرب: السيدويكيش
استوطنت هذه القبلية منذ القرن السابع منطقة نوميديا الممتدة بين قسنطينة وبجاية، وكان السيدويكيش «يعيشون في الخيام، ويتنقلون عبر البلاد بقطعان الجمال والأبقار»، ونجدهم خلال القرن الرابع عشر منقسمين إلى فرعين هما فرع أولاد علاوة وفرع أولاد يوسف، يستوطنان الهضاب العليا القسنطينية إلى غاية بجاية ومنطقة بابور فهي قبيلة غنية وتتفرع إلى الأعراش التالية: الكاشا، الترسون، البويرة، بني مروان بني عياد ، واركماسن، السغدال، وقد ظلت بعض هذه الأسماء متداولة إلى غاية القرن التاسع عشر ، مثل سيلين وغاشا ولمعي ومويا وبني مروان وبني عياد، الخ، بينما اندثرت الأخرى. وكل هذه الفرق تقع تحت سلطة عائلة قوية، وهي أولاد سواك التي انبثقت منها هذه الأعراش المتحالفة، وكانت قبائل مـن أصـول مختلفة تنضم إلى هذه الأحلاف، لكنها برتبة تابع أو مجرد رعايا ، يخضعون لدفع الجزية، ونلاحظ هنا أن هذا التنظيم
الخاص الذي سنجده لاحقا عند السلالات الحاكمة أو لجـواد (العائلات النبيلة).
فالسلالات الحاكمة كانت تتميز بتشجيع الولاء السياسي، وقد فهم حكام المغرب هذا الشأن، واستغلوه لتوظيـف صراعات العصـب لإرساء سلطتهم. وكانت سياستهم تتلخص فـي عقـد تحالفات مع الفرقة الأقوى، وإن اقتضى الأمر، التخلص منها، وربط تحالفات أخرى، مشجعين بذلك عدم الاستقرار داخل القبائل ونشوب حروب بيـن بعضها البعض، وهذا ما حدث للسيدويكيش تحت حكم الحفصيين. فخلال سنة 1310، بعد اعتلاء أبويحيى سدة الحكم في قسنطينة، تم طرد أولاد علاوة، حلفاء أمير بجاية، من أراضيهم، فتوجهت العائلات المنبوذة للاستقرار في مسيلة عنـد أولاد عياد ، وهـي خليط من القبائل الهلالية.
فبعد مغادرة أولاد علاوة لبلادهم، حدث لهـم ما يحدث عادة عند الشعوب المغلوبة اتبعوا طبائع الغالب وعاداته وقلدوا ملبسه واتبعوا حياة البدو وتخلوا عن لهجة البرابر (حسب الزعم) لاستبدالها باللغة العربية، ونسـوا فـي الأخير لغتهم الأولى»). أما أولاد يوسف، فقد تمت مكافأتهم لولائهم للحفصيين بتعيين رجل منهم لقيادة السدويكيش. وكبرت هذه العائلة ونمت وانبثق عنها أربعة فروع، هي أولاد محمد بن يوسف، بني مهدي بن يوسف، بن براهيم بن يوسف وأخيرا عائلة بن تاعزيزت التي تسمت باسم أمها تاعزيزت.
وعندما احتل المرينيون إفريقيا عام 1346، قاموا باستبعاد أولاد يوسف وردوا الاعتبار لأبناء عمومتهم أولاد علاوة، وعينوا مهنة لتولي قيادة القبيلة، لكن لم يكد يستو على كرسيه حتى تم اغتياله، وهو ما دفع بأولاد علاوة للهروب إلى المسيلة ثانية.
و يذكر ابن خلدون فرعا من السيدويكيش يخضع لبنـي سـاكن، ويقـع تـراب هـذه القبيلة «بجوار تراب قبيلة لواطة، في نواحي بابور، ويشمل مجمل جزء بجاية». وقد أبدى كبير قبيلـة بنـي سـاكن ولاءا منقطع النظير للحفصيين. ولما اعتقله المرينيـون
قطعـوا يديه ورجليـه مـن خـلاف. لكـن مـع استعادة الحفصيين لقوتهم ومكانتهم، عاد الحكم ثانيـة، ولمدة طويلة لبنـي سـاكن على بجاية.
قبائل الشرق: بني ثابت
ســمـي هـذه الفرع باسم جده الذي كان يقود القبيلة ثابت ابن ابوبکر، ابن تليلان وينحدر من بني تليلان الذين كانوا يقطنون الجبال الواقعة بين قسنطينة والقل. وجدهم هـو الـذي قرر تحت حكم الموحدين «أن يدفع سكان الجبال الضريبة وهو ما لم يكونوا
ذي عهـد به من قبل».
ومنذ ذلك التاريخ، ظلت هذه القبيلة خاضعة لحكام قسنطينة ولم تبد أي تمرد اتجاههم. وفي ظل حكم الحفصيين، قام السلطان أبو العباس (1370-1394) بالإطاحة بسلطة بنـي ثابت وأجبرهم على الخدمة ضمن جيوشه. وأكثر من ذلك، قام بتعيين متصـرف مـن بيـن ضباطه لتسيير شؤون سكان الجبـال. وإذا أردنا أن نعطـي صـورة موجزة لتقسيم سكان بلاد القبائل الحضرة، عند نهاية
القرن الرابع عشر، فأننا نلخصها كما يلي:
منطقة مستقلة، غير خاضعة لأية سلطة، تتكون من الأطلس النوميدي (بين بجاية وايدوغ) ، تسكنها كتامة التـي فـرت مـن عمليات الاضطهاد التي سلطت عليها.
- منطقتان خاضعتان بصفة كاملة، الأولى تحيط ببجاية وتشمل بابور إلى غاية فرجيوة، تسكنها قبيلة السيدويكيش، والثانية على شكل مستطيل، تشكل زواياه القل- سكيكدة، قسنطينة – ميلة، وتسكن شماله قبائل مستقلة تمام الاستقلال وتسكن جنوبها
قبائل بني ثابت والسيدويكيش، التي نسبها الإدريسي عام 1150 إلى أصول عربية. والمراد بالعربية هنـا هـو كلامها بالعربية وخضوعها لسلطة حكام قسنطينة.
وسنتناول فيمـا يـأتـي مـن فـصـول، تاريخ هذه القبائل العاشقة للحرية، وتاريخ بلادهـا الجبلية. إنها بلاد القبائل الشرقية، بلاد القبايل الحضرة.


،،، يتبع
كتاب بلاد القبائل الحضرة عبر التاريخ
المؤلف حسني قيطوني
ترجمة عزالدين بوكحيل
صفحة عرش بني توفوت