التربية الجنسية.. كيف تعلم طفلك حماية نفسه من التحرش الجنسي؟


التربية الجنسية.. كيف تعلم طفلك حماية نفسه من التحرش الجنسي؟ 784


"التحرش الجنسي" كلمة أصبحت متداولة على الألسن على امتداد الفترة الماضية، ورغم أن التحرش ظاهرة ليست حديثة على المجتمع الإنساني، فإنه بتطور العالم وتقدمه وتزايد ملاحظة هذا السلوك في الأوساط العامة أصبح من الواجب إدانة ومنع مثل هذه الأفعال، ومن قبلها توعية الفئة التي يطولها التحرش بصورة أوسع، وهم النساء تحديدا. لكن، وما يمكن ملاحظته، ولا نحتاج إلى كثير أدلة عملية للإشارة إليه، أن التحرش ليس حكرا على البالغين فقط، بل في الكثير من الأوقات يكون التحرش الجنسي موجها للأطفال، وتبرز البيدوفيليا (Pedophilia) كأحد هذه المظاهر، ولأننا لا يمكن أن نحمي أطفالنا طوال الوقت ولا أن نصاحبهم في مختلف الأمكنة، يصبح لزاما علينا، نحن المسؤولون عن حياة الطفل، أن نعمل على تعريفه وتوعيته بشأن مظاهر التحرش الجنسي، وذلك عن طريق منهجية غير عشوائية، حتى نتفادى إصابة الطفل بعقدة تجاه الجنس حين يكبر.
قد يأخذ التحرش الجنسي بالأطفال عدة أشكال، ابتداء من الكلام بطريقة بذيئة أو جنسية أمام الطفل، عرض صور إباحية في وجوده، عرض العضو الجنسي أو ممارسة العادة السرية أمامه، لمس أو تصوير الأعضاء الجنسية للطفل، وصولا إلى الاحتكاك الجنسي والاغتصاب.
وتُظهر آخر الدراسات أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال مرتفعة للغاية، ونسبة كبيرة من المتحرشين بالأطفال كانوا من أقارب أو معارف أو أصدقاء الطفل. إن عدم الوعي الكافي للأطفال قد يجعلهم يتقبلون مثل هذه الأفعال، لأنهم حتى وإن استنكروها في أنفسهم، فإن اليد العليا في مثل هذه المواقف عادة ما تكون للشخص المتحرش، فيشعر الطفل بالخزي عند تعرضه لمثل تلك السلوكيات، وقد يشعر بالخوف في حال تم تهديده من قِبل المتحرش، وأحيانا قد يشعر بالفرحة والفخر أنه أصبح مثل البالغين، وهو الأمر الذي قد يشعره بالتميز.(1)


التربية الجنسية.. كيف تعلم طفلك حماية نفسه من التحرش الجنسي؟ 885


لذا فإن توعية الأطفال ضد خطر التحرش الجنسي أصبح من الضروريات. صحيح أن الوعي الكافي لا يعني ضمانة حمايتهم من أن يكونوا ضحايا للمتحرشين جنسيا بالأطفال، كما يشابه الحال أن معرفتك بطرق السرقة لا تمنع بالضرورة تعرضك للسرقة، لكن الوعي الكافي سيمنح الطفل القدرة على إيقاف الأمر في حال استطاع، أو بأسوأ الأحوال أن يقوم بالإبلاغ عما حدث دون خوف من الفضيحة أو من عقاب الأهل.
تهيئة الطفل لاحترام خصوصيته
بداية، يجب توعية الطفل جنسيا منذ إتمامه العامين، بتعليمه أن هناك أماكن خاصة في جسده لا يجب على أحد رؤيتها، سوى من يدخل معه الحمام من الموثوقين، ولا يجب بأي حال أن يلمسه أحد في هذه الأماكن الخاصة بدون داعٍ أو تصويرها، حتى إن كان أشد المقربين له. لا بد من احترام الطفل وإعطائه مساحته الشخصية، فإن كبر الطفل واستطاع أن يدخل الحمام بمفرده فحينها يجب التوقف فورا عن مساعدته في ذلك، وتعليمه الاستحمام بمفرده أيضا، حتى يتعلم أن جسده العاري له خصوصية ويجب ألا يراه أحد.
تُعد التوعية الجنسية المبكرة للأطفال كذلك من أهم الوسائل التي يستطيع بها الأهل الحفاظ على أطفالهم من هذه الحوادث، كما أن تعليم الأطفال أسماء أعضائهم الخاصة منذ الصغر، يساعدهم في التعبير عن أنفسهم بشكل جيد. من المهم أيضا أن ننبّه على الطفل أنه لا يوجد ما يسمّى بالأسرار بينهم وبين من يثق بهم، كالآباء والأمهات، خاصة عندما تتعلق تلك الأسرار بجسدهم، سواء كان تحرشا أو ضربا أو مجرد لمسة بسيطة، على الطفل أن يعلم أنه مهما كان السلوك الذي تعرض له مؤذيا، فإنه يستطيع على أي حال أن يخبر أهله عنه. كما أن هناك أمرا مهما عادة ما يغفل الأهل عن القيام به، وهو أنه يجب ألا نجبر الأطفال أبدا على السلام بالقُبلات مثلا، مهما كانت التهديدات بأن فلان سيغضب أو فلانة لن تعطيه الحلوى، لأن الإجبار في الأمور الصغيرة المسالمة يجعل الطفل معتادا على القيام بالأمور تحت التهديد حتى لو لم يكن مرتاحا فيها. (2)
كيف نوعّي الأطفال بالتحرش الجنسي تحديدا؟
بالإضافة إلى توعية الأطفال بضرورة الحفاظ على خصوصيتهم وأن لأجسادهم حرمة، يجب تنبيههم إلى سلوكيات التحرش الجنسي وأشكالها المتعددة على وجه الخصوص، وألا يكتفي الأهالي بالتحذير من الأمر لمرة واحدة، بل يجب الاستمرار في التوعية. صحيح أنه من البديهي أن يتحدث الأهالي مع أطفالهم حيال اللمسات السيئة، وأن الأطفال قد يشعرون بالخزي أو الخوف، ولكن التأكيد على أن اللمسة السيئة لا تُثير بالضرورة شعورا سيئا هو أمر مهم، فالشعور الجنسي للأطفال موجود، وقد تُثيرهم لمسات المتحرش وأن هناك احتمالا بالشعور بالمتعة، سواء كانت متعة جسدية أم متعة إثبات الذات، لذلك فإن التنبيه على أن اللمسة السيئة ستظل سيئة مهما كان شعور الطفل حيالها.





من النصائح المهمة، والمفيدة، أن يعطي الأهل أطفالهم كلمة سر لا يعلمها أحد سواه، وأن تبدو لغيرهم وكأنها كلمة عادية، وهذه الكلمة تتمثل وظيفتها في أن يستخدمها الطفل في حالة كان برفقة أشخاص لا يشعر معهم بالأمان أو الراحة، ويمكنه استخدام هذه الكلمة سواء كان في المكان نفسه مع الأهل أو كان بعيدا عنهم. للأسف لا يخلو العالم المحيط بنا من قضايا تحرش، يُعرض بعضها في الإعلام، وبعضها في أعمال فنية، أو تتداولها الألسن من حولكم. استغلال هذه المشاهد أمر واجب لفتح الحديث عن هذا الأمر (3) (أو إعادة فتحه في حالة نقاشه سابقا)، وسؤال الطفل إن كان يعرف ما الذي يعنيه هذا الموقف، وإن كان قد تعرض من قبل لحادث مشابه أو كان شاهدا عليه. أيضا يمكن سؤاله حول الكيفية التي سيتصرّف بها في حال مروره بالموقف نفسه، مع إبداء التعاطف الواضح والظاهر مع الضحية (سواء كان طفلا أو امرأة أو رجلا) وإلقاء اللوم على الجاني.
اخلقوا مساحة آمنة من الثقة والحوار
عند تعليم الأطفال أن هناك مساحة من الخصوصية التي يجب على الجميع احترامها، من المهم أن نخبره أنه يملك مساحة آمنة يتحرك فيها، وأن له أشخاصا موثوقين في كل مكان، المنزل والنادي والمدرسة وأي مكان يرتاده بصفة دورية، هؤلاء الأشخاص يستطيع اللجوء إليهم في حالة تعرضه لأي خطر من أي نوع، أي إن هؤلاء الأشخاص أنفسهم مصدر ثقة.
علّموا أطفالكم أنهم يستطيعون قول كلمة "لا" إن شعروا بالخطر وعدم الأمان، وأنهم يستطيعون رفض المطلوب منهم في أي موقف يشعرون فيه بعدم الارتياح، مهما كانت الشخصية التي تطلب منهم فعليهم ألا يخافوا من العواقب، حتى في حال تقدم أحد أولئك الأشخاص بالشكوى.
وبالرغم من تحدث الأهالي باستمرار الدائم مع أطفالهم حول هذا الأمر وتوعيتهم، وبالتالي ما يبني عليه الأهالي من ظن أن الأطفال باتوا في مساحة آمنة يستطيع معها الطفل التحرك بحرية مطلقة، فإن هذا الأمر ليس حقيقيا، فعلى الأغلب إن واجه الطفل موقفا مثل هذا لن يتوجه إليك مباشرة بالكلام، بل لن يكون رده مباشرا وواضحا من المرة الأولى.





كونك شخصا آمنا بالنسبة للطفل هذا لا يعني أن يدفعه ذلك للتحدث من تلقاء نفسه، بل يعني استعداده النفسي للبوح بأسراره ومشاكله إن سُئل بطريقة تلائمه، لذا فالمتابعة اليومية مع الطفل ومعرفة أحداث يومه ومن يُصادق وأين ذهب للعب تُعد أمورا ضرورية (4). ويجدر هنا الإشارة إلى نقطة تحذيرية، حيث ينبغي للأهالي تجنب إشعار أطفالهم بأنهم محاصرون بالأسئلة المتعاقبة، بل اجعلوا الأسئلة عامة وبادروا أنتم أيضا بوصف ما حدث في يومكم، فلا تدفع تلك الأسئلة حينها لأن يفزع الطفل من الحصار، خاصة في حال كنتم في حالة شك أنه ضحية لواقعة تحرش جنسي.
علامات تدل على أن طفلك ضحية تحرش جنسي
من الأمور المهمة التي يجب على كل الأهالي معرفتها هو التغييرات التي تطرأ على الطفل في حالة تعرضه لتحرش جنسي أو شهد على واحدة، والتي قد لا يلاحظها الأهل أو لا يفهمون ما وراء هذه التغيرات.(5)
العلامات قد تكون عضوية وظاهرة مثل:
وجود نزيف أو كدمة أو تورم، التهابات دائمة؟
وجع في المنطقة الخاصة أو ما حولها.
العثور على ملابس داخلية تخص الطفل ممزقة أو عليها دم.
إيجاد صعوبة في الجلوس أو المشي.
أو قد تكون العلامات سلوكية أو نفسية مثل:
فقدان الطفل رغبته في الاستحمام وظهور مشاكل تصيبه فيما يرتبط بالنظافة العامة.
فوبيا مستحدثة وخوف غير مبرر.
تبليل الطفل لسريره أو إصابته بالكوابيس فجأة.
بدء فرض حماية أو وصاية على إخوته الأصغر منه سنا أو أولئك الأضعف منه بدنيا.
الانتكاس والعودة لبعض العادات الطفولية السيئة مثل مص الإصبع.
ظهور سلوك جنسي غير لائق.
محاولات الطفل إيذاء نفسه.
لا يجب بالضرورة أن يكون الطفل قد تعرض لتحرش جنسي عند ظهور هذه الأعراض عليه، ولكن في الوقت نفسه لا يجب إهمال هذه العلامات دون التحقيق الجيد في الأمر.



التربية الجنسية.. كيف تعلم طفلك حماية نفسه من التحرش الجنسي؟ 974
إدارة الحوار مع الأطفال له متطلبات
أمر آخر لا يجب إغفاله ولا يقل أهمية عما سبق، وهو الطريقة التي ستوجّه بها الأسئلة والحوار لطفلك الذي تشك في كونه تعرض لتجربة مريعة مثل هذه، فالأمر حساس ومخيف للكبار، وبالتأكيد سيكون وقعه مضاعفا على الأطفال، لذا فإن هناك بعض الأمور الواجب مراعاتها أثناء إجراء مثل هذا الحوار مع الطفل:
اختر مكانا وتوقيتا مناسبا، أي لا تبدأ الحوار مثلا في وجود أشخاص آخرين، ولا في وقت يكون فيه   الطفل متعبا أو مشغولا في أمر آخر.
انتبه جيدا للهجتك التي تتكلم بها، فلا تكن عصبيا أو متعجلا، بل يجب أن تكون متفهما تماما، كذلك   الكلمات المستخدمة يجب أن تكون سهلة الفهم على الطفل.
استمع جيدا لما يقوله طفلك، فلا تجعله مضطرا لإعادة الكلمة أكثر من مرة، وافهم ما يقوله وامنحه   العناية الكاملة.
ابتعد تماما عن لوم الطفل وإلقاء الأحكام عليه، بل أبدِ سُبُل التعاطف والدعم المختلفة.
يقال إن الصبر مفتاح الفرج، والصبر أيضا مفتاح الحوار بينكم وبين أطفالكم في مختلف الأمور، والصبر مطلوب بالتأكيد عند مناقشة مثل هذه المواضيع مع الأطفال، قد يكون الطفل خائفا أو محرجا أو خجولا، وهو ما يزيد من صعوبة الأمر، ولكن بالصبر والاستمرار في الحرص على ما يواجهه الطفل، فإنكم وبلا شك تستطيعون تربية طفل سليم وشجاع، يحاول دائما الدفاع عن نفسه، ولا يخشى أو يخجل من الإفصاح لكم عن الأمور المزعجة التي تعرض لها.

المصدر : الجزيرة


https://www.aljazeera.net/midan/reality/community/2018/12/8/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%B7%D9%81%D9%84%D9%83-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9