كتبه الصحفي المغتال محمد تمالت، في 2016 :


مسيرة مصالي الحاج Z11


هذا الشاب الذي يظهر في الصورة هو مصالي الحاج أو كما يسمى في الوثائق الرسمية حاج ولد أحمد مصالي، وقد التقطت وعمره 35 سنة. مصالي كان مفجر الثورة الجزائرية وكان أكبر خائن لها، وليس في كلامنا أي تناقض مثلما سترون عندما تقرِأون ما سيأتي.
شاءت الحكمة الربانية أن يحكم على مصالي الحاج بالسجن السياسي لأول مرة في 1 نوفمبر 1934 كما تثبته هذه القصاصات الصحفية التي جمعناها لكم: عشرين سنة بالتمام والكمال قبل اندلاع ثورة نوفمبر المباركة.
مصالي اعتقل في 1934 بتهمة إعادة احياء تنظيم محظور هو نجم شمال إفريقيا وتم سجنه مع بلقاسم راجف وعمار إيماش وقد حكم على الثلاثة بستة أشهر سجنا و2000 فرنك غرامة تحولت بقدرة العدالة الفرنسية العرجاء إلى 45000 فرنك يدفعها الثلاثة متضامنين.
مصالي استطاع بكاريزميته وجرأته وقدرته على الخطابة ان يتمرد على كل من صنعوه سواء في الحركة الشيوعية حين كان عاملا في فرنسا أو في الحركة البربرية التي كان دورها مهما في إنشاء حركة نجم شمال إفريقيا قبل أن ينفصل مصالي عن أنصار شمال إفريقيا أمازيغية واحدة ويحول نظره إلى النضال داخل القطر الجزائري فقط بعد أن هاجمه شركاؤه من أنصار القومية الأمازيغية بسبب تأييده للجنرال الإسباني فرانكو الذي كان يذبح أبناء منطقة الريف في المغرب.
بالطبع لا يمكن أن يخلو الفكر القومي الأمازيغي من عيوب ومن تعصب ولكن مصالي كان للأسف المؤسس لفكرة تخوين أنصار الأمازيغية التي اعتبرها لهجة منقرضة يجب أن تموت وتعصب للقومية العربية التي أقنعه بها اللبناني الدرزي شكيب أرسلان حين كان منفيا في سويسرا. فكرة مصالي بأن الحركة الأمازيغية هي حركة خائنة ظلت المرجعية حتى بالنسبة لأعداء مصالي الذين حكموا الجزائر بعد الإستقلال والذين بدل أن يعتبروا شقي الهوية الجزائرية وهما الأمازيغية والعربية جناحين يحملان الأمة الجزائرية نحو المستقبل جعلا من الصراع بين اللغتين سببا للصراع كما كان الإستعمار القديم الجديد يريده تماما.
مصالي انتصر على كل خصومه داخل الحركات التي ساهم في تأسيسها وفي الحركات السياسية الأخرى ولم يكن ينافسه في شعبيته أحد، حتى ابن باديس لم تكن لديه نفس شعبية مصالي زعيم التيار الوحيد الذي جهر صراحة بالمطالبة باستقلال الجزائر. ولو أن عمله من أجل الاستقلال تطور على مراحل خصوصا منذ سجنه في 1 نوفمبر 1934 ولم يكن فكرة أزلية مطلقة تبناها مصالي منذ البداية كما يحاول مؤيدوه تصويره.
خلال العشرين سنة التي ناضل فيها مصالي من أجل الاستقلال كبرت الأنا فيه إلى حد مرضي فأصبح هو الشعب ينطق بلسانه ويفكر بعقله ويحمله أوزار حساباته السياسية الضيقة. كانت بداية انهيار صورة مصالي لدى الشباب الثوري الذي أيده هي تنصله من المنظمة السرية التي أنشأها محمد بلوزداد مع بن بولعيد وبوضياف وآيت أحمد وبن بلة وآخرين بعد انكشاف أمرها في 1950. مصالي خاف على حركته أن تحل بتهمة دعم الإرهاب فترك قيادات المنظمة الخاصة في سجونهم ومنافيهم وحيدين وتفرغ للدخول في انتخابات كان الشعب يرفض الدخول فيها بسبب التزوير الكبير الذي حدث في انتخابات 1947 والتي أثبتت بأن الديمقراطية الفرنسية ليست إلا مخدرا يراد منه إطالة عمر بقاء فرنسا في الجزائر لا غير.
أعضاء المنظمة السرية حاولوا كسب مصالي إلى جانبهم وفاء له أولا وعلما منهم بشعبيته التي رغم تناقصها إلا أنها ظلت كبيرة، لكن شغله الشاغل كان كسب معركته الحزبية ضد أعضاء اللجنة المركزية في حركة انتصار الحريات الذين تمردوا عليه وأرادوا إضعاف سلطته. لذلك سخر مصالي من الشهيد مصطفى بن بولعيد الذي جاء يخبره بأن حركة مسلحة ضد الإستعمار بصدد الإعداد، أما ابن أخته محمد ممشاوي فطلب من الشهيد ديدوش مراد إمهاله حتى القضاء على معارضي مصالي في اللجنة المركزية قبل التفكير في أي عمل مسلح ضد فرنسا.
عندما انطلقت الثورة وبعد أن أيدها كثير من أعضاء اللجنة المركزية المتمردين عليه، حاول مصالي استمالة بعض قيادات جبهة التحرير الوطني في القاهرة وعرض على الجبهة أن تكون الجناح المسلح لحركته السياسية مثلما كانت المنظمة الخاصة التي تخلى عنها قبلها بأربع سنوات. لكن القطار كان قد تأخر كثيرا على مصالي الذي أبى إلا أن يكون قائدا له فإذا به لم يتمكن حتى من الحصول على مقعد درجة ثالثة فيه بل حاول إيقافه من خلال جيش الحركي بلونيس الذي كان يدعمه.

أشعل مصالي شرارة الثورة في 1 نوفمبر 1934 وعندما تحولت الشرارة إلى نار في 1 نوفمبر 1954 نفخ فيها ليطفأها فأحرقته وأصبح مثل اليهود الذين انتظروا المسيح مئات السنين ولما ظهر كذبوه والذين بشروا بنبوة سيدنا محمد سنينا في يثرب فلما هاجر إليها حاربوه. بدأ مصالي مثل أبي بكر الصديق وانتهى مثل مسيلمة الكذاب وكان مصيره درسا لكل من من يسير في طريق شاق حتى تنقطع أنفاسه وعندما تبقى أمتار على وصوله إلى هدفه يقرر الرجوع من حيث أتى.