علماء الفلك يرصدون انفجارا غامضا من الطاقة للمرة الأولى
علماء الفلك يرصدون انفجارا غامضا من الطاقة للمرة الأولى 1356
للمرة الأولى، رصد علماء في الفلك إحدى أقوى الومضات التي يُعثر عليها حتى الآن في السماء، وقد ظهرت نتيجة تصادم بين نجم و”نجم نيوتروني” (جرم صغير لا يتخطى شعاعه 30 كيلومتراً ولكنه يتميّز بكثافة مادته وشدّة جاذبيته) كما يُسمى.
تم ذلك بواسطة علم الفلك الراديوي (الإشعاعي) في نطاق المليمتر لأطوال موجات تردد الراديو، ما يوفر رؤية غير مسبوقة لأحد أعنف الحوادث الفلكية التي يشهدها الكون.
استخدم فريق بحثي بقيادة “جامعة نورث وسترن” في ولاية إلينوي الأميركية، و”جامعة رادبود” في هولندا، “مصفوفة مرصد أتاكاما المليمتري/ ما دون المليمتري الكبير” في تشيلي، التي يُشار إليها اختصاراً باسم “تلسكوب آلما ALMA  الراديوي”، بغية التقاط ذلك التوهج الناجم عما سمي “جي آر بي 211106 أي” (GRB 211106A)، علماً أنه انفجار قصير لأشعة غاما (تدفق من أشعة غاما أو اختصاراً “جي آر بي” GRB) تبين أنه نشأ في مجرة تبعد 20 مليار سنة ضوئية عن الأرض.
تطرقت إلى هذا الاكتشاف وين فاي فونغ، برفيسورة في الفيزياء وعلم الفلك في “جامعة نورث وسترن”، فقالت إن “هذه الرشقة القصيرة من أشعة غاما شكلت المرة الأولى التي حاولنا فيها رصد مثل هذا الحدث باستخدام المرصد “آلما”. من الصعب جداً رصد توهجات لاحقة لرشقات نارية قصيرة، لذا كان من المدهش أن نلتقط هذا الحدث الكوني يلمع بهذا القدر من السطوع”.
والدكتورة فونغ واحدة تنضوي في مجموعة كبيرة من الباحثين الذين شاركوا في دراسة حول عملية الرصد هذه التي ستنشر في عدد مقبل من مجلة “رسائل الفيزياء الفلكية” Astrophysical Journal Letters ، علماً أنها متاحة إلكترونياً الآن على الموقع “أركايف دوت أورغ” arxiv.org على شكل مسودة لم تخضع بعد لمراجعة علماء نظراء.
تذكيراً، “تدفقات أشعة غاما” (اختصاراً GRBs) عبارة عن ومضات قوية من أشعة غاما تنبعث عندما تنهار نجوم ضخمة في نهاية دورة حياتها مكونةً ثقوباً سوداء، أو تندمج، أو تتصادم، نجوم نيوترونية كثيفة المادة في نظام ثنائي، يتألف من نجمين، مع نجوم مرافقة لها لتشكيل ثقب أسود، وهو تصادم كوني عنيف وشديد يُعتقد أنه مسؤول عن وجود معظم المعادن الثقيلة في العالم من قبيل الذهب والبلوتونيوم.
وفي تصريح أدلى به في هذا الصدد، قال عالم الفلك في “جامعة رادبود” والباحث الرئيس في الورقة العلمية تانمو لاسكار إن “عمليات التصادم تطرأ نتيجة إشعاع تخلفه موجات ثقالية (أمواج سريعة جداً غير مرئية تتموج في الفضاء وتنتقل بسرعة الضوء وهي قادرة على إحداث اضطراب عند مرورها في نسيج الزمكان وقد تنبأ بها آلبرت آينشتاين في نظريته النسبية العامة) يزيل الطاقة من مدار النجوم الثنائية، ما يتسبب في دوران النجوم باتجاه بعضها البعض”.
وأضاف الباحث موضحاً أن “الانفجار الناتج رافقته تدفقات من الإشعاع والغاز تتحرك بسرعة تكاد توازي سرعة الضوء. عندما تتوجه واحدة من هذه الإشعاعات إلى الأرض، نرصد نبضة قصيرة من أشعاع “غاما”، أو “تدفقات من أشعة غاما” قصيرة المدة”.
لا تستمر “تدفقات أشعة غاما” القصيرة المدة سوى لجزء من الثانية، في حين يبقى توهجها في أطوال موجية أطول وأقل نشاطاً من الضوء على مدى دقائق أو حتى أيام.
كانت هذه الحال مع “جي آر بي 211106 أي”، إذ اُكتشف التوهج الناجم عنه للمرة الأولى في ضوء الأشعة السينية بواسطة “مرصد نيل غيريلز سويفت” الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، ثم رُصد في ضوء الأشعة تحت الحمراء بواسطة “تلسكوب هابل الفضائي”، وأخيراً في ضوء راديو المليمتر بواسطة “آلما”.
وفي عملية الرصد الأخيرة فقط التي نهض بها “آلما” تبين أن “تدفق أشعة غاما” مصدره مجرة بعيدة.

وأوضح الدكتور لاسكار أن “عمليات الرصد التي أجراها “تلسكوب هابل” كشفت عن مجال غير متغير من المجرات. أما الحساسية المنقطعة النظير التي تتسم بها “مصفوفة آلما” فسمحت لنا بتحديد مكان “تدفق أشعة غاما” في هذا المجال على نحو أكثر دقة، واتضح أنها موجودة في مجرة غير خافتة خارج مجرتنا، وبعيدة جداً.
يعني ذلك بدوره أن انفجار أشعة غاما قصير المدة هذا أقوى مما كنا نعتقد في البداية، ما يجعله واحداً من أكثر الدفقات سطوعاً وطاقة على الإطلاق”.
وبفضل الطول الموجي في نطاق المليمتر، حصل العلماء أيضاً على صورة أوضح لهيكل وكثافة البيئة المحيطة بـ”تدفق أشعة غاما”، وفق الدكتورة فونغ، كذلك سمح للباحثين بقياس العرض الظاهري لدفق الإشعاع والغاز الذي أدى إلى الانفجار بأكثر من 15 درجة فقط، ما يشكل أحد أوسع النطاقات التي قيست على الإطلاق.
تسلط الدراسة الضوء على أهمية رصد ومراقبة الظواهر الكونية المعقدة بواسطة أطوال موجية متعددة باستخدام أكثر الأدوات تطوراً في المتناول، والتي تشمل الآن “تلسكوب جيمس ويب الفضائي” (JWST) الذي بدأ عمله حديثاً.
وذكر الدكتور لاسكار أنه “في المستقبل، يمكننا أيضاً استخدام “تلسكوب جيمس ويب الفضائي” لالتقاط توهجات الأشعة تحت الحمراء ودراسة تركيبتها الكيماوية.أنا متحمس لهذه الاكتشافات المقبلة في مجالنا”.

المصدر: اندبندنت




https://shahbapress.net/archives/27186?fbclid=IwAR0-tAx4wCpFdNEKDuunV-7j_r_wqDW_qiq2wUn_dwiF_uKIUxewuFjPP9o