التاريخ الإسلامي لإسبانيا… من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد 1\10
تحمل الأندلس اليوم أهمية بالغة في نفوس العرب والأمازيغ وكل المسلمين، وكما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “أمر باسمك إذ أخلو إلى نفسي، كما يمر دمشقي بأندلس”. لعل الشعر العربي الحديث أبرز ما يطالعنا بهذه الأهمية من فرط تناول الأندلس كموضوع فيه، وهذا موضوع آخر، لكن، ما قصة الأندلس هذه؟
جاؤوها للإغارة والسلب أو فاتحين أو غزاة، لكل وجهة نظره. لكن سنة بعد سنة، صارت الأندلس في ظل الحكم الإسلامي، حضارة لم تعرف إسبانيا من قبل مثلها. ليس في العمارة والزراعة والتجارة فحسب، إنما أيضا من حيث الثقافة والعلماء والمفكرين والشعراء وغيرهم ممن سَجلت أسماءَهم في التاريخ بكونهم أبناؤها.
لكن، يوما ما ستسقط غرناطة، وسيصبح “النصارى” أصحاب الكلمة في شبه الجزيرة الإيبيرية… مع ذلك، لن يجف نبع المسلمين. كثيرون منهم سيظلون هناك، وسيسمون بـ”المورسكيين”، غير أنه هنا، سيبدأ تاريخ محنة الدم والدين، إلى أن تقرر في حقهم الطرد بشكل نهائي عام 1614، وهذه محنة أقسى، في نظر كثير من المؤرخين!
في هذا الملف، سنتناول على مدى 10 أجزاء، تاريخ الوجود الإسلامي في إسبانيا، منذ دخلها طارق بن زياد عام 711، إلى طردهم منها بعد قرون، وسنعتمد في ذلك ـ لما سجل عليهما الباحثون من تناول تاريخي رصين ومحايد ـ على كتاب “الدين والدم… إبادة شعب الأندلس”، للمؤرخ الإنجليزي ماثيو كار، وكتاب “تاريخ المورسكيين.. حياة ومأساة أقلية” للمؤرخيْن، الإسباني أنطونيو دومينغيث أورتيث والفرنسي بيرنارد فانسون.
في الأجواء الصافية، يلحظ الواقف على شواطئ البحر المتوسط بمدينة طنجة أقصى شمال المغرب، دون صعوبة، ملامح الشواطئ الإسبانية المقابلة… نعم، فلا يفصل بينهما غير 31 ميلا بحريا، ليعد بذلك هذا المضيق، أقرب نقطة تفصل بين قارتي إفريقيا وأوروبا.
من هذا المكان، بدأ ذات يوم من ربيع عام 711، تاريخ إسبانيا الإسلامي… من هذا المكان، سيعبر القائد المسلم طارق بن زياد وسبعة آلاف محارب، ثم سينزلون على صخرة تعرف اليوم باسم جبل طارق، مترقبين دخول شبه الجزيرة الأيبيرية.
وفق ما يورده المؤرخ الإنجليزي ماثيو كار في كتابه “الدين والدم.. إبادة شعب الأندلس“، فإن الهدف من هذه الحملة، لم يكن واضحا، إذ لا يُرجح أن يكون ابن زياد قد تصور أن جيشه الصغير كمًّا، سيستطيع إسقاط القوط؛ ولهذا، فمطامحه حينذاك، ربما لم تكن تتجاوز الإغارة والسلب.
عَلِم المَلك القوطي لُذريق بالوجود الإسلامي على أراضيه حينما كان يقوم بحملة على بلاد الباسك، فنزح بجيشه ناحية الجنوب وقد كان عدده يقدر بـ30 ألف محارب، وذلك حتى ينظر في أمر هؤلاء الغزاة.
اشتبك الجيشان في شهر يوليوز، في مكان قريب من وادي لكة بمقاطعة قادس حاليا، لكن الغلبة لم تكن يوما لاعتبار الكم، فبالرغم من أن جيش لذريق كان يفوق جيش ابن زياد بالآلاف، فإن لذريق قد سُحق بأغلب من معه من محاربيه البارزِين.
اعْتُبر انتصار ابن زياد مُذهلا، ولم يقف عند هذا الحد، وإنما راح يفتح أراض أخرى، مثل أندلوسيا وطليطلة التي كانت عاصمة للقوط. مع نهاية العام، كانت العاصمة قد استسلمت بلا مقاومة، فقضى جيش ابن زياد الشتاء فيها، بلا أي إزعاج. في الربيع التالي، كان مدد المسلمين قد وصل، فانتهى الأمر بسيطرتهم على بقية شبه الجزيرة الأيبيرية.
“الأندلس” كان الاسم الذي أطلقه المسلمون على الأراضي التي دخلوها، أما من بقي من النصارى الإيبيريين بأرضهم، فقد أطلقوا على الفاتحين اسم “مورو”، نسبة إلى الاسم الذي أطلقه الرومان على أمازيغ شمال إفريقيا.
كان فتح “الكفار” من منظور العالم النصراني اللاتيني، كارثة لا تصدق. نقرأ في كتاب مجهول المُؤلِّف عن فتح إسبانيا، بعنوان “تاريخ 754″، يصف الأحداث بعد نصف قرن من وقوعها: “حتى لو تحولت أوصال الإنسان إلى ألسنة، لما استطاعت الطبيعة البشرية أن تعبر عن خراب إسبانيا وشرورها الكثيرة والكبيرة”.
اعْتُبر سقوط القوط في نظر بعض النصارى، عقابا إلهيا على الفساد الأخلاقي للذريق وبلاطه. فيما برره آخرون بخيانة اليهود الذين قيل إنهم فتحوا أبواب العاصمة للغزاة. أما بعض من التاريخ النصراني، فيقول إن مسؤولا بيزنطيا غامضا اسمه الكونت خوليان، شجع المسلمين على دخول إسبانيا، ودلهم على ذلك، انتقاما من الملك الذي اغتصب ابنته.
يرى المؤرخون الغربيون أن معركة بلاط الشهداء، كانت لحظة فارقة في التاريخ الأوروبي، إذ لولاها لأصبح كامل أوروبا إسلاميا. معركة بلاط الشهداء هذه، أو بواتييه كما تسمى في المراجع الغربية، وقعت في الـ10 من أكتوبر 732، وانتصر فيها الفرنجة بقيادة شارل مارتل على المسلمين بقيادة عبد الرحمن الخافقي.
كانت هذه الهزيمة هي الأكبر في تاريخ غزو المسلمين لغرب أوروبا. بسببها، توقف “الفتح” عند الحدود التاريخية للأندلس. يعزو البعض الكف عن محاولات الفتح بعد ذلك إلى أن الغزاة كانوا ربما معنيين بالغنائم أكثر من الفتح.
برغم ذلك، ستتطور الأندلس منفصلة عن المراكز الرئيسية للقوة الإسلامية، إذ لن تبقى مقاطعة حدودية نائية من الإمبراطورية الإسلامية، إنما فيها نشأت حضارة أندلسية-إيبيرية، تكونت من العرب ، وأمازيغ شمال إفريقيا، والجنود الرقيق المعروفين بالصقالبة، والنصارى القوط والروم الإسبان، إضافة إلى تجمع لليهود اعتبر الأكبر بأوروبا.
ثم بعد أن ازدادت أعداد المسلمين، سواء بالهجرة أو باعتناق الإسلام، أخذت مدن إسبانيا الرومانية والقوطية، تكتسي الطابع الشرقي والإسلامي تدريجيا، فانتشرت المساجد والمآذن والقصور والحمامات العامة والحدائق المزينة بالبرك والنخيل وغير ذلك.
ليس ذلك فحسب، إنما تغير المنظر الطبيعي الإيبيري أيضا، فالمسلمون جلبوا معهم محاصيل جديدة مثل السكر والأرز والبرتقال والحرير والقهوة، وكانوا بارعين في الزراعة والبستنة وتقنيات الري، فوسعوا بذلك من مساحات السهول الخصبة.
الإنتاج الزراعي الذي بلغته الأندلس، إضافة إلى صلاتها التجارية بالعالمين الإسلامي والنصراني، وضعا الأسس الاقتصادية لثقافة حضارية عالمية، جذبت من شتى الإمبراطورية الإسلامية، علماء وموسيقيين ومفكرين عدة.
أما أوج الحضارة، فقد بلغته الأندلس عام 755، حينما هرب الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية (صقر قريش) من العباسيين، فأسس خلافة إبيرية جديدة عاصمتها قرطبة، بلغت من الحضارة والعظمة حد أن نافست بغداد ودمشق حينذاك.
في القرن العاشر، كانت قرطبة قد أصبحت مدينة لا نظير لها في العالم النصراني، فطرقها معبدة، وشوارعها مضاءة كلها، وبها مستشفيات عدة ومدارس وحمامات عامة ومكتبات عامة ضخمة.
كيف لا؟ وأكبر مكتبة في أوروبا كانت تضم 600 مجلد في أحسن الأحوال، بينما كان الخطاطون العرب في قرطبة، ينتجون قرابة 60000 كتاب مكتوب باليد، في العام الواحد.
لا شك إذن في أن هذا الجو العام من الحضارة والثقافة، كان لينتج عددا كبيرا من العلماء والمفكرين، أبرزهم الفيلسوف موسى بن ميمون، والفيلسوف الموسوعي أبو الوليد بن رشد الذي كانت تقرأ كتاباته عن أرسطو في أوروبا بكاملها


ماذا تعرفون عن الإسلام في إسبانيا اليوم؟




حضارة المسلمين في الأندلس - 1438/1/29




الحضارة الاسلامية فى الاندلس-فيلم وثائقى رائع- 1/2




هذا الصباح- مدريد.. شاهدة على عظمة الحضارة الإسلامية





التاريخ الإسلامي لإسبانيا… من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد 1\10 Yo_aea10