سقوط القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية
سقوط القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية 1193
-----------------------------------------------------------
ملخص ماسبق :   
 ️ الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير أو ثيودوسيوس الأول ( ولد347 - توفي 395 م) آخر إمبراطور للإمبراطورية الرومانية الموحدة حيث انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى شطرين بعد وفاته وهو مؤسس السلالة الثيودوسيوسية  ..
عندما تولى عرش بيزنطة سنة (379م) رأى أنه أصبح من المستحيل هزيمة القوط بقوة السلاح فعقد معهم اتفاقا (foedus) ، يقضي بأن ينزل القوط الشرقيون في بانونيا ، ويستقر القوط الغربيون في الأطراف الشمالية من تراقيا، واعترف لهم بكامل الاستقلال الذاتي ، وأعفاهم من دفع الضرائب، ورتب لهم عطاء مجزيا مقابل الخدمة العسكرية .
وبذلك تجنبت الإمبراطورية وقتذاك تغلغل الجرمان(القوط ) في أراضيها ، وترتب على دخول الغزاة الجرمان في خدمة الإمبراطورية ، أن أصبحوا أداة نافعة في الجيش الروماني .
وكان من عيوب هذه السياسة أن بلغ من تفوق العناصر الجرمانية في الجيش ، ما جعل الجرمان المصدر الأساسي لتكوين الجيش الروماني ، كما أن كبار القادة في الجيش أصبحوا من الجرمان ..
و ترتب على ذلك استنزاف أموال الدولة ، وازدياد الأعباء المالية ، وبالتالي الضرائب و فقر الشعب ؛  وشاع نظام الحماية أو الإلجاء patrocinlum ، الذي يقضي بتنازل صغار الملاك عن أراضيهم لكبار الملاك ، مقابل حمايتهم من جباة الضرائب وعمال الحكومة .
كما أعلن ثيودوسيس اتخاذه مذهب نيقية فانهارت الآريوسية في عهده ،وحرم على الهراطقة أن يعقدوا الاجتماعات بينما سمح بها لأنصار مذهبه ؛ و دعا لعقد مجمع مسكوني سنة 381م ، في القسطنطينية .
أقر مجمع 381 م ماجاء في قرار مجمع نيقية عن الآب والإبن ، غير أنه أضاف إليه :الروح القدس منبثق من الأب . وأخذ بما جرى في نيقية من أن : الروح القدس مساو في الجوهر للأب والإبن .
وتقرر في هذا المجمع أيضا أن يلي بطريرك القسطنطينية أسقف روما في المكانة .. يعني أسقف روما أعلى منه ؛ و تليها القسطنطينية أعلى من سائر الكنائس ؛ وقد ولاقى القرار معارضة شديدة من سائر بطاركة الكراسي الرسولية في الشرق لأن كنائسهم أقدم من القسطنطينية .
وقد أصدر مرسوما قرر فيه ما للحكومة على الكنيسة من واجبات والتزامات ؛ ومنع رجال الدين من إيواء المدينين للحكومة الذين يخفونهم في كنائسهم ؛ وعمل ثيودوسيوس على أن يكون هو المتحكم الوحيد في شئون الكنيسة بالإمبراطورية .
أصدر ثيودوسيوس مرسوما أخيرا ضد الوثنيين سنة (392 م)، حرم فيه تقديم القرابين ، وإحراق البخور ، وما إلى ذلك من المراسيم الوثنية .
والخلاصة أن العقيدة المسيحية ، اتخذت زمن ثیودوسیوس ، صورتها النهائية ، التي تتمثل في مذهب نيقية ، وأضحت الديانة الرسمية للدولة ، أما الديانات والمذاهب الأخرى فلم تعد سارية .
واستطاع ثیودوسیوس قبيل وفاته أن يعيد إلى الإمبراطورية الرومانية وحدتها ، وبرغم حرصه على تلك الوحدة لم تلبث أن تعرضت للتمزق وهو على فراش الموت .
وفي سنة 390م عين ابنه الأكبر أركاديوسArcadius إمبراطورا في الشرق ؛ وعين ابنه:هونوريوس Honorius  إمبراطورا في الغرب ؛ وفي زمنهما تعين الحد الفاصل بين الشرق البيزنطى ، والغرب الروماني على الرغم من استمرار فكرة وحدة الإمبراطورية .
فكانت القوانين والمرسومات تصدر باسم الإمبراطورين ، و ما يصدره أحدهما من مرسومات، يسري مفعولها في سائر الإمبراطورية ؛ ولأي منهما تعيين خلف للآخر عند وفاته.
مع ذلك لم يكن بين الحكومتين ، الشرقية والغربية ، من عوامل الود ما يجمع بينهما ؛ وقد سارت الأحداث التي تعرض لها كل شطر من الإمبراطورية في اتجاه مختلف .
نهض القوط الغربيون بزعامة ألارك ، وعاثوا فسادا بشبه جزيرة البلقان ، وامتد تخريبهم وغاراتهم حتى أسوار القسطنطينية ولم يتوقف التخريب إلا بعد أن عينته الدولة الشرقية قائدا للجند في إيليريا ، وشغل جایناس dainas القوطی، منصب القائد العام للجيش .
 وقد  شجع الامبراطور أرکارديوس الحزب المناهض للجرمان في القسطنطينية فلم يلبث الشطر الشرقي ، أن تخلص من جايناس ، وأن يطرد الجرمان من الجيش ، و تخلص من ألريك ، الذي انسحب بجيشه إلى إيطاليا ، فاستولى على روما سنة (410م) ..
وتدهورت الأمور في الغرب ، حيث وقع الشطر الغربي في قبضة وهيمنة القوط ،  بينما تمتع الشرق منذ أوائل القرن الخامس ، بقسط كبير من الهدوء والسلام .
بعد أركاديوس تولى إبنه الأكبر ثيودوسيوس الثاني (408 - 450 م) المسمى بالخطاط حكم الشطر الشرقي و بنى أسوار القسطنطينية (أسوار ثيودوسيوس) وشهد عهده انقسامين عقائديين مسيحيين كبيرين هما النسطورية والأوطاخية .
و قد اعتبر المؤرخون ثيودوسيوس إمبراطورا ضعيفا سيئا ؛   زوجته أخته بولكيريا Pulcheria من أتنایس Attenais ابنة أحد أساتذة البيان بجامعة أثينا  ، والتي اتخذت بعد تنصیرها اسم ایدوسيا Eudocia  ..
وبفضل تأثير إيدوسيا تم إعادة تنظيم الجامعة التي أنشأها قنسطنطين الأول في القسطنطينية ، وتولى التدريس بها واحد وثلاثون أستاذا  قاموا بتدريس النحو و الخطابة ، والقانون  والفلسفة ، وأضحت هذه الجامعة منافسا خطيرا لجامعة أثينا التي كانت آخذة في التداعي بسب غارات المتبربرين و تخريباتهم .
و كان يدرس فيها باللغة اللاتينية ثلاثة أساتذة في الخطابة ، وعشرة في النحو ، بينما صار يدرس باللغة اليونانية خمسة أساتذة في الفلسفة والخطابة ، وعشرة في النحو
وعلى الرغم من أن اللاتينية كانت لا تزال اللغة الرسمية ،
فإن الإمبراطور أخذ يدرك أهمية اللغة اليونانية ، لشيوعها في الشطر الشرقي من الإمبراطورية  .
وبذلك قطعت الإمبراطورية شوطا كبيرا في سبيل اتخاذها  الصبغة اليونانية إذ صارت هذه الجامعة ، هي النواة التي تركز حولها كل عوامل الثقافة والحضارة البيزنطية.

--------------------------------------------------------------------
عودة إلى القسم الغربي من الإمبراطورية  و سقوط روما
 ترتبت عدة نتائج على تقسيم الإمبراطورية الرومانية بين إبني ثيودوسيوس الأول : أركاديوس Arcadius في القسطنطينية ؛ و هونوريوس Honorius  في روما :
:black_small_square:︎1 - إزداد نفـوذ الجـرمـان السياسي والحـربي داخل الإمبراطورية فـأعـتـمـد هونوريوس في الغرب على قائد من الوندال يدعى ستيلكو Stilicho ومنحه تفويض تام في النواحي الحربية.
- اعتمد أركاديوس في الشرق على وزير قوطي يدعى روفينوس Rufinus الذي عرف عنه القـسـوه والأنانيـة وعـدم الإخلاص ويبدو أن القـوط الغربيين كانوا في تلك الفترة في حالة استياء منذ الإتفاقية التي عقدها معهم ثيودسيوس في 382م ولذا نجدهم قاموا بالثورة في 395م.
 قامت ثورة ثورة القوط الغربيين 395م بزعامة القائد ألارك Alaric وغزوا مـقـدونيا وتساليـا واقـتـحـمـوا أثيـنا ونـهـبـوا كورنثة حتى اقتربوا من القسطنطينية.
في تلك الفترة كانت حكومة الإمبراطورية الشرقية في حالة تبلد وجـمـود فلم تتـحـرك لدفع خطر القـوط الغـربـيـين مما جـعـل سـتيـليكـو قـائد جيش الإمبراطورية الغربية يقوم بهذه المهمة حيث قام بعبور البحـر الأدرياتي وحاصر القوط في الركن الشمالي الغربي من شبه جزيرة المورة Elis ولاذ ملكهم ألارك بالفرار 396 م.
رأى أركاديوس حاكم الإمبراطورية الشرقية ان يمنح ألرك زعيم القوط اقليم الليريا سنه 398 م حيث ظل القوط الغربيون مستقرين هناك لمدة أربعة سنوات في حين عاد ستيلكو إلى غاليا وجبهة الدانوب لمحاربة الوندال .
 في عام 402 م حاول ألارك غزو إيطاليا لأول مرة، لكن ستيليكو رده على أعقابه وتعرضت إيطاليا إلى غزوا أخر في عام 405م من قبل جماعات الوندال والسويفي والبرجندين واللان، الذين اضطروا للإتجاه نحو إيطاليا أمام ضغط الهون لكن ستيليكو أنزل بهم هزيمة ساحقه وبذلك نجحت ايطاليا مرة أخرى في ان تنجو من غزو البرابرة .
وقد أضطر ستيليكو هذه المرة  لسحب بعض الفرق الحربية التي تقوم بحراسة جبهة الراين مما أتاح الفرصة لجماعات الوندال Vandals والآلان Alans والسويفي Suevi لعبور الحدود الرومانية عام 406م، وقد ترتب على ذلك أنهم قضوا في غاليا(فرنسا) ثلاث سنوات خربوا فيها البلاد واندفعوا منها إلى أسبانيا .
أفزعت هذه الأحداث الإمبراطور هونوريوس الذي رأى فيها فرصة طيبه للتخلص من قائدة ستيليكو الذي ازداد نفوذه حتى أوشك أن يصبح الحاكم الفعلي في الدولة فـوجـه إليـه تـهـمـة الإهمال في حـمـايـة حـدود الإمبراطورية والتأمر ضد سلامتها وسلامة الإمبراطور نفسه وأعدمه في سنة 408 م.
و اتبع هونوريوس سياسة متطرفه مع أتباع ستيليكو بعد أن أعدمه، فراح يعمل فيهم القتل مما جعلهم يتجهون نحو ألارك ملك القوط الغربين حيث شجعوه على غزو ايطاليا .
بعد وفاة ستيليكو وجد ألارك أن الفرصة أصبحت سانحه لغزو روما وقد تمكن من غزوها في عام 410 م بعد فشل المفاوضات بينه وبين الإمبراطور هنريوس الذي كان قابعاً في أمان في عاصمته الجديدة رافنا .
وهكذا تمكن القوط الغربيون بقيادة ألارك من دخول روما، ونهبوا منازل نبلائها وأحرقوها ورغم أنهم آريوسيين إلا أنهم لم يحرقوا الكنائس الإثناسيوسيه، وقد توفى الارك في 410م ليترك الإمبراطور هونوريوس أمام قضية إخراج القوط من روما وتخليص الإمبراطورية قاطبة من شرهم.
اتبع هونوريوس سياسة المهادنه مع القوط فأعطاهم إقليم أكوتين من اللوار حتى البرانس ، وهو الإقليم الذي ضم مجموعة أقاليم غاليا والتي كان الوندال واللان والسويفي قد استولوا عليها، فأصبح على القوط بذل مجهود مضاعف لاستخلاص هذا الإقليم من أيدي الوندال واللان والسويفي .
و بعد وفاه ألارك تمكن واليا Wallia من قيادة القوط الغربين وتمكن من طرد السويفي إلى الجزء الشمالي الغربي من أسبانيا، وأن يزيح الوندال إلى نهر إبرو وبذلك تمكن القوط الغربيون من الإستقرار في الجزء الجنوبي من غاليا بعد أن قضوا زهاء الأربعين عاماً في التنقل والترحال.
بعد وفاة واليا خلفه ثيودريك الأول 419-451م والذي انتزع عـدة مدن من الرومان في جنوب غاليا عام 436 م، وقد حاول الرومان الوقوف في وجهه ، لكنه هزمهم عام 439 م ومن بعدها ساد السلام بين الطرفين، وقد توفى ثيودرك الأول في عام 451 م أثناء حربه مع الـهـون فـخـلفـه في حكم القـوط.الغربيين ثيودريك الثاني.
قام ثيودريك الثاني 451-465 م بمحاربة السويفي في شمال غرب أسبانيا، كما غزا ناربون قرب الحدود الغاليه الأسبانية، ومد مملكته حتى نهر اللوار، وقد لاقى حـتـفه على يد أخـيـه في عام 465م والذي يدعى أيورك والذي اعتبر في التاريخ اقدر قادة وملوك القوط الغربيين.
أيورك 465 - 484 م  :
1- قضى على ما تبقى من النفوذ الروماني في أسبانيا .
2 - اخضع السويفي .
3- وضع أول مجموعة للقانون الجرماني عرفها التاريخ والمسماة Antigua على أن مملكه القوط الغربيين ما لبثت أن تمزقت بعد وفاة ملكها أيورك عام 484م لأن خلفاءه كانوا يفتقرون إلى الكفاءه التي تميز بها  .
 كما أن آريوسه القوط الغربين كانت حجر الزاوية في انهيار مملكتهم وتمزقها فـالغـالـبـيـة العظمى من رعاياهم في إقليم الغـال كـانت على المذهب الكاثوليكي المناهض للآريوسيه، وإذا تصورنا مدى الكراهية التي تبادلها أنصار المذهبين ندرك أنه كان مـسـتـحـيـلاً على أي ملك قوطي ان ينال رضاء اتباع يعتبرونه هرطيقياً في نظرهم .
الوندال Vandals
ظل الوندال يقاومون القوط الغربيين في أسبانيا على مدار أربع وعشرين عاماً ، بعدها اضطروا إلى عبور البحر إلى شمال أفريقيه 429 م تحت زعامة ملكهم جيزرك Gaiseric ، و صادف في نفس الوقت قيام حرب أهليه في شمال أفريقية وقيام إمبراطور قاصر هو فالنثيان الثالث 425 - 455 م على عرش الإمبراطورية مما سهل للوندال مهمتهم .
دور  جيزرك مع الوندال :
اثبت جيزرك أنه على جانب كبير من الكفايه والمقدرة إذ استولى على البلاد من طنجه حتى طرابلس.
وسقطت قرطاجه أهم مدينة في الغرب بعد روما في أيدي الوندال عام 439 م وبذلك ضاعت ولاية شمال أفريقيه فخسرت الامبراطورية الرومانية بضياعها أهم اجزائها التي كانت تمولها بالغلال ..
 و يمكن معرفه نهج جيزرك مع أهالي شمال افريقية من خلال النقاط التاليه :
- اتبع معهم سياسة استبدادية عنيفه. - صادر الأموال وانتزع الأراضي من أصحابها.
- تعسف في جمع الضرائب والأموال من الأهالي.
- اتبع سياسة دينيه متطرفه فبحكم أنه أريوسى نجده يصادر ممتلكات الكنيسة الكاثوليكيه بشمال أفريقيه ، ويضطهد رجال الدين الكاثوليكي اضطهاداً آثار الرأى العام حتى أصبح لفظ الونداليـه Vandalism إشارة للهمجيه والوحشيه في اللغات الأوروبية الحديثة.
عموماً فقد أصبح الوندال قوة بحرية خطيرة في البحر المتوسط وأغاروا على :
 جزر البليار   سيردينيا - كورسيكا-  صقلية  - إيطاليا  - وهاجموا روما في 455م .
وتحولت عظمه الوندال بسرعة بعد وفاة جيزرك عام 477م رغم أنه ترك أسطولاً قوياً وثروة طائله وذلك عندما تمكن بلزاريوس (قائد جيوش الإمبراطور چیستنیان) ان يسترد ولاية شمال افريقيا من الوندال بعد أن دامت دولتهم 95 عاما منذ استيلاء جيزرك على قرطاجة في 439 م .
البرجنديون Burgundians :
هم أحد الشعوب الجرمانية الشرقية، موطنهم الأصلى جزيرة سكنديناوه Scandinavia .
في حوالي عام 150 م دخلوا إلى سـيـليـزيا وفي 286 م دخلوا إلى وادي ألمين ومن هناك وصلوا إلى نهر الراين في نهاية القرن الرابع الميلادي ، وتحت ضغط قبائل الهـون عبرو نهر الراين بعد حصولهم على موافقة السلطات الرومانية بالإقامة كمعاهدين حيث إعتنقوا المسيحية .
أثارت الحضارة الرومانية إعجابهم وبهرت عيونهم ويظهر ذلك في تأثرهم بهذه الحضارة والذي سجلته مجموعة القوانين البرجنديه Lex Burgundionum وأيضـاً مـجـمـوعـة القوانين الرومانية البرجندية    Lex Romanian Burgundiionum وكـلاهـمـا أصـدرهـمـا الملك البرجندی جندوباد Gundobad في الفترة من 483 - 516م بهدف معالجة القضايا المتداخلة بين الرومان والبرجنديين .
وفي الفترة المضطربه التي سبقت سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب حرص ملوك البرجندين على التحالف مع روما ورغم أن البرجندييين نشأوا على المذهب الآريوسي مثل بقية الطوائف الجرمانية إلا أنهم احترموا رغـبـة الإناث في اعتناق المذهب الأخـر المخـالف لآرائهم وهو المذهب
الكاثوليكي .
الأليماني  Alemanni :
تعنى كلمة أليماني ،كل الناس، و كل الرجال، وهو أسم مشتق من اللغة الـتـيـوتـونيـة القـديمة. وهـم أحـد الـشـعـوب الـجـرمـانيـة الغـربيـة التي هددت الإمبراطورية الرومانية قبيل سقوطها في الغرب ويرجع تاريخ ظهورهم إلى عهد الإمبراطور كاراكلا 211- 217 م وقد تمكن من دحرهم على الحدود وتوغل في أراضيهم ثم زاد من التحصنيات الدفاعيه في نفس المناطق التي حاربهم فيها .
جدد الأليماني هجماتهم على حدود الإمبراطورية بعد وفاة كاراكلا لدرجة أن الإمبراطور الإسكندر سيفيروس 222 - 235 م أضطر لقطع حملته في الشرق ضد الفرس لصد خطر الأليماني وانتهت المسألة بإحلال السلام بفضل المفاوضات بين الجانبين .
لقد رأى قـواد الإمبراطور ألكساندر سـيـفـيـروس ان هذا التصرف تجـاه الإليماني كان مشيناً للكرامة الرومانية فقاموا بثورة ضده في عام  235 م تزعمها ماكسيمينوس Maximinus واسفرت هذه الثورة عن مقتل سيفيروس
وتولى ماكسيمينوس عرش الإمبراطورية بدلاً منه.
وعلى الرغم من ان الإمبراطور ماكسيمينوس كان شجاعاً وبعث الحياة في الجيش الروماني واستطاع التوغل في أراضي الاليماني لمدة عشرين عاماً إلا أن الىليماني كانوا متربصين بحدود الإمبراطورية دوماً وسنحت لهم الفرصة
في 259 م .
وفي أوائل عهد الإمبراطور اوريليانوس 270 - 275م تحرك الاليماني مرة أخرى في حشود ضخمة خلال جبال الألب الرايتية إلى سهل نهر ألبو في شمال إيطاليا، غـيـر أن أوريليـانـوس تـعـقـبـهـم ودمـرهم على ضفاف نهر میتاوروس Metaurus ومن بعدها لم تجروء أي قوة اجنبية على الإقتراب من قلب ايطاليا خاصة وأن أوريليانوس كـان قد بدأ في بناء سور دفاعی جدید يحيط بمدينه روما.
ولم ينته خطر الاليماني بذلك، وإنما عادوا مرة ثانية في شكل تحالف أقاموه مع الفرنجة ؛ وفي عهد الإمبراطور قنسطنطيوس الثاني 350-361م  اندفـعـوا تجاه الراين في نفس الوقت الذي كـان فـيـه الفرس يهددون حـدود
الإمبراطورية في الشرق ..
 إخترق الأليماني حدود الإمبراطورية عند الراين واستطاع حينها چولیانوس الذي صار امبراطوراً فيما بعد ان يوقع بهم شر هزيمة مما اكسبه شهره فاقت شهرة الإمبراطور قنسطنطيوس الثاني نفسه .
وبفضل مـجـهـودات الإمبراطور فالينثيان الأول 364-375م احكمت الإمبراطورية قبضتها على حدود جبهة الراين ضد شعوب الألمان والفرنجة ..
 ولكن عاد تهديد الأليماني يتجدد مرة أخرى في عهد الإمبراطور فالنز الذي انشغل في صد خطر القوط الغربيين في البلقان ولكن تمكن ابن أخيه جراشيان Gratiar
من  صدهم وهزيمتهم في مكان بالقرب من هوربورج في 378 م .
ولم يستمر التحالف الذي كان قائماً بين كل من الأليماني والفرنجة طويلاً إذ انقلب إلى عداء وخرج منه الفرنجه منتصرين على حساب الأليماني إذ توسع الفرنجه في اقليم الغال.
الفرنجة Franks  :
ظهروا خلال النصف الأول من القرن الثالث الميلادي في مجموعتين هم :
الفرنجه البحريون (الساليون)  Salians Franks
الفرنجة البريون (الريبواريون) Repuarian Franks
وقد اجـتـاحـوا إقليم الغال كما ذكرنا في 253 م وتمكن الأباطره الرومان من صدهم وإجبارهم على التراجع إلى الويزر والراين حيث استقروا ، وقد انتهزوا الفرصة بعد مقتل ابن الإمبراطور فاليريانوس واتجهوا مرة ثانية إلى إقليم الغال دونما أي محاولة من جانب الامبراطوريه لصدهم.
واستطاع الإمبراطور Probubs بروبس(276 -282م) ، أن يقود عدة حملات ناجحة في منطقة الراين طهر بها بلاد الغال من خطر الفرنجه بل وانزلهم إلى مرتبه العبودية.
وقد انجذب معظم المؤرخين إلى دراسة الفارق بين حركة الفرنجه وبين بقيه حركات الشعوب الجرمانيه في غزوها للإمبراطورية الرومانية، حيث أن حركة الفرنجه كانت حركة توسعيه أكثر منها حركة هجرة ، فكانت تتصف بطابع الغزو.

 الجدير بالذكر ان العلاقات بين الإمبراطورية الرومانيه والفرنجه لم تكن كلها عدائية فكثير من شعوب الفرنجه كان على صلة طيبه بروما وكثير من شخصيات الفرنجه تأثرت بالحضارة الرومانية .
 وقـد ازدادت الروابط بين الفرنجه والإمبراطورية منذ القرن الخامس الميلادي فأصبح الفرنجة يحاربون إلى جانب القوات الرومانية في 406 م لصد جموع الغال على جبهة الراين
والغال، ويروى «ديل، ان بعض الفرنجه حاربوا في صفوف الرومان ضد كل من الوندال والاليماني وذلك طبقاً لرواية المؤرخ جريجوري في كتابه «تاریخ الفرنجة Historia Francorum .
ويعتبر كلوفيس 481 - 511 م هو المؤسس الحقيقي لدولة الفرنجه البحريين الذي عرف بمقدرته الحربية، ورغب في القضاء على سياجروس الذي يمثل آخر بقايا النفوذ الروماني في سواسون الذي تمكن من هزيمته فهرب إلى تولوز حيث مقر ألارك الثاني 485-507م ملك القوط الغربين طالبا الحماية منه .
فما كان من كلوفيس إلا أن هدد ألارك الثاني بهدف تسليم اللاجئ وانتهت المشكله بأن قتل كلوفيس اللاجئ بعد أن تم تسليمه  .
-
كان اعتناق كلوفيس للمسيحية على المذهب الإثناسيوسي (الكاثوليكي) أهم حدث في هذه الفترة وذلك لأنه بذلك خالف جميع الطوائف الجرمانية التي دانت بالمذهب الآريوسي ليصبح بطلاً للكنيسة الكاثوليكيه التي وقفت جانبه في صراعه مع الشعوب الجرمانية الأخرى كما وقف إلى جواره رعاياه في إقليم الغال مما ساعده كثيراً في التغلب على منافسيه .
وقد آثار اعتناق الفرنجه للمذهب الكاثوليكي غضب وكراهيه بقيه طوائف الجـرمـان الآريوسيين في غـالـيـا مـثـل البـرجندين الذي استطاع كلوفيس ان يجبرهم على دفع الجزية عام 500م رمزاً للتبعية، و كذلك القوط الغربيين حيث شن عليهم حرباً في 507م وقتل ملكهم ألارك الثاني بعد أن هزمه في فوجليه Vougle واستولى على تولوز 508م .
ولم ينقذ القوط الغربين من أيدي الفرنجة عنـد سـوى تدخل ثيودريك العظيم ملك القوط الشرقيين الذي اسرع لنجـدة
اقربائه .
وقبل وفاة كلوفيس في 511 م قسم مملكته الواسعة بين أبنائه الأربعة وهذا لم يمنع أو يعـوق توسعات الفرنجـه وذلك لأن لوثر الأول (كلوتير) اسـتطاع تـوحـيـد مملكه الفرنجـه عـام 588م بعد وفاة إخوته الثلاثه، غير ان مملكة الفرنجه انقسمت مرة أخرى بين ابناء لوثر الأول بعد وفاته 561 م .
من العرض السابق لغزوات الجـرمـان يتضح أنه لم يكد يأتى منتصف القرن الخامس حتى كانت الإمبراطورية الرومانية الغربية قد ضاعت معظم أملاكها، حيث انسحبت الجيوش الرومانية من بريطانيا عام 442 م، وانتزع الوندال ولاية شمال أفريقيه، واحتل القوط والبرجنديون أسبانيا وجنوب غاليا والأجزاء الشرقية منها، وعـبـر الأليـمـان نهر الراين الأعلى واستقروا في الإلزاس، في حين عبر الفرنجه الراين الأدنى ووصلوا السوم والميز .
وعموماً فيمكن الجزم بأن عـوامـل سـقـوط الإمبراطورية الغربيـة بدأت منذ عـهـد الإمبراطور هونوريوس 395-423 م والإمبراطور فالينثيان الثالث 425 -455 م الذي كافأ قائده أيتيوس Aetius بإعدامه عام 453 م .
 وقد أصبح الوندال بعد احتلالهم ولاية افريقية قوة بحرية كبرى هددت جميع بلاد النصف الغربي من حوض البحر المتوسط وفشل البابا "ليو العظيم" في إنقاذ روما من الوندال
كما سبق وأن أنقذها من الهون .
 لقد اقتحم الوندال روما وظلوا بها أربعه عشر يوماً سلبوا خلالها كنوز المدينة وقصرها الإمبراطوري والمعابد والكنائس وما في البيوت من نفائس فضلاً عن عدة آلاف من الأهالي حملوهم عبيداً ..
ورأى الدكتور سعيد عاشور في مؤلفه "أوروبا العصور الوسطى" ان هذه الاغاره ان دلت على شئ فـأنما تدل على أن مـجـد روما السياسي والحـربـي قـد أدبر و ولى بل وأصبح رهنا بمقدرة الكنيسة البابوية.
وعموماً فإن الفترة الواقعة بين مقتل فالينثيان الثالث وسقوط الإمبراطورية في الغرب تعد من اظلم عـصـور الإمبراطورية الغربية بعد ان فقدت هذه الإمبراطورية معظم أراضيها، وأصبحت القوة الفعلية في إيطاليا بأيدي ثلة من
قادة الفرق الجرمانية المأجورة ..

 وأصبح الأباطره ألعوبه في أيدي الجند حتى انتهى الأمر بأن ثار أودواكر Odovacer زعيم جموع الجرمان ودخل في 475 م إلى رافنا Ravenna حـيـث كـان الإمـبـراطور عنـدئذ هو رومـولـوس أوغسطـولوس    Romulus Augustulus ، والذي كان في الثانيه عشر من عمره فأكتفى أودواكر بنفيه لجنوب إيطاليا مع تخصيص معاش كاف له.
#جواهر_الأدب_والتاريخ
------------------------------------------------------------------
☆ دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ،دكتور حسنين محمد ربيع ،أستاذ تاريخ العصور الوسطى ، جامعة القاهرة ، كلية الاداب 1403ھ - 1983م الناشر دار النهضة العربية القاهرة
ص 40 - 50
☆ الإمبراطورية الرومانية من النشأة إلى الإنهيار ، دکتور أحمد غانم حافظ ، مدرس التاريخ القديم ،كلية الآداب - جامعة الاسكندرية تقديم الأستاذ الدكتور حسين أحمد الشيخ
أستاذ التاريخ القديم كلية الآداب - جامعة الاسكندرية
2007  دار المعرفة الجامعية، الأزاريطة - الإسكندرية.مصر.
ص 162- 177