الأستاذ و العالم أحمد الجلاد هو اختصاصي و باحث في النصوص الصفوية و كذلك تاريخ لغات الشرق الأدنى قبل الإسلام و تطور اللغة العربية , لدى الدكتور أحمد الجلاد العديد من الكتاب و الأعمال حول النقوش الصفوية و النبطية و الثمودية و غيرهم.
اليوم و بعد سلسلة من المنشورات التي قمنا بنشرها حول العرب و العربية و السراسين يمكنكم الاطلاع عليهم في المدونة , نريد أن نتوج سلسلة أبحاثنا برأي عالم لا علاقة بقضايا الإثنيات , فقد نشر الدكتور أحمد الجلاد سلسلة من التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي الشهير تويتر عبر حسابه @Safaitic يجاوب على أسئلة حول العرب و العربية و العروبة قديماً من الناحية التاريخية
يذكر الدكتور أحمد الجلاد في سلسلته الأسباب الميثولوجية و الأسباب الحقيقية لتسمية شبه الجزيرة بـ "عربيا Arabia"
فيقول مثلاً أن في "أخبار اليمن" على عصر الخليفة الأموي معاوية ذكر أن العربية أول ما تكلم به هو يعرب بن قحطان و يقول الدكتور أنها شخصية من الواضح أنها مختلقة و غير حقيقية , ثم يذكر هشام الكلبي حيث يعتبر أن العماليق الذين هاجروا من بابل إلى شبه الجزيرة هم أول من تكلم العربية (ملاحظة : العماليق في العديد من المصادر العربية هم الكنعانيون و الأموريون و الآراميون سكان بلاد الشام و العراق و قد هاجر بعضهم إلى شبه الجزيرة العربية) ثم جعل الله سكان شبه الجزيرة يفهمونهم , و هذه كذلك مجرد خرافات , و يرى الدكتور أحمد الجلاد أن المؤرخين المسلمين القدماء كانو يرون أن كل شيء أصله من عمق الصحاري أو من اليمن فهو عربي و أن العرب هم من هناك , ثم يبدأ الدكتور بالسرد التاريخي الحقيقي
يقول أن أول ذكر للعرب كان هو الملك جندبو الذي شارك مع الممالك الآرامية و الكنعانية في معركة قرقر ضد الإمبراطورية الآشورية و ذلك سنة 853 قبل الميلاد , و أنه في بلاد الرافدين دعوا معظم أعدائهم في الشمال الغربي بأنه سكان عربيا أي عرب (و ملاحظة أخرى هذا دليل أن كلمة عرب كانت متغيرة فأينما وجدت صحراء كانت تسمى عربيا و سكانها بالعرب حتى لو لم يكونوا يشكلون وحدة إثنية أو قومية أو لغوية مع باقي الذين دعوا بالعرب) , كما ذكر أن سنحاريب دمر مدينة العرب و أخذ ملكتها كرهينة , و أن مجتمعات عربية عاشت في بابل و في سيناء
و يقول أن M.C.A. Macdonald يشير إلى أن سكان بلاد الرافدين كان لديهم كلمة خاصة بالبدو و لكنهم لم يستخدموها للكلام عن سكان شمال غرب شبه الجزيرة لذا يعتقد أن كلمة عرب هي كلمة استخدمها شعب معين في منطقة معينة (لكنها ليست شبه الجزيرة) للإشارة إلى إثنيتهم (و نحن نجد أن هذا رغم عدم تأثيره على نتيجة البحث إلا أنه غير دقيق لأن لا دلائل كافية للجزم و لا كتابات ذاتيه من هذه الجماعة تؤكد أنهم كانوا يسمون أنفسهم عرباً) لكنه يقول أن اليونانيين أول ما دخلوا لشبه الجزيرة العربية كان عبر شمالها الغربي و عبر سيناء و هناك التقوا بأناس يدعون بالعرب
و يقول أن كل الدلائل حتى الآن تقول أن العرب كانوا فقط في منطقة شمال غرب شبه الجزيرة إلى سيناء و جنوب بلاد الشام , ثم يطرح التساؤل التالي : هل كانت كل اليابسة بين البحر الأحمر و الخليج إثنياً عرب و يتكلمون العربية ؟
و يجاوب : لا يوجد أي دليل أن سكان شبه الجزيرة نظروا إليها على أنها أرض واحدة (تضم قوماً أو شعباً واحداً أو أنها أرضهم و وطنهم) و لا دليل أنهم كانوا يرون أنفسهم منتمين إلى إثنية واحدة هي العربية و أن سكان اليمن بشكل قاطع لم يعتبروا أنفسهم عرباً و أن اليمن كانت مقسمة إلى أربع ممالك أساسية لكل منها لغتها و عندما كانوا يستخدمون كلمة "عرب" كانوا يشيرون إلى جماعات خارج اليمن و أنه ليس من الواضح أن كلمة عرب المذكورة في النقوش اليمنية تحوي أي معنى إثني (أي أنها تعني فقط  سكان صحراء) و يقول أن شبه الجزيرة أظهرت تنوع لغوي كبير و ليس متجانساً (أي أن سكانها لم يتكلموا نفس اللغة و بالتالي فإن أحد عناصر الإثنية العربية مفقود)
ثم يقول : كيف أتت فكرة "شبه الجزيرة العربية" (أي كيف أصبحت الجزيرة تسمى "عربية" إن لم يكن سكانها عرباً ؟
يجاوب و يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً أن اليونانيين كانوا يأخذون كلمة و يعممونها على منطقة جغرافية واسعة و يسمون كل من سكن تلك المنطقة حتى لو كانوا شعوباً مختلفة بنفس اسم المنطقة , فيقول أن مكدونالد يعطي حلاً لهذه المشكلة (سبب التسمية) بأنها نتيجة كتابات اليونانيين الجغرافية بأنهم عندما عرفوا بوجود قطعة يابسة كبيرة بين البحر الأحمر و الخليج عبر بعثات ألكسندر البحرية أصبحوا يدعون تلك اليابسة كلها بـ "عرابيا" (يقصد أنه عبر بثعات ألكسندر البحرية عرف اليونانيون بوجود يابسة كبيرة بين البحر الأحمر و الخليج و لأنهم  كانوا قد التقوا بمجموعات العرب شمال غرب شبه الجزيرة فقد أخذوا اسمهم و الذي يعني سكان الصحاري و عمموه على كل تلك اليابسة رغم أنهم لم يلتقوا كل شعوبها و سكانها) و بهذا ولدت فكرة "شبه الجزيرة العربية" أي حسب الدكتور أحمد الجلاد تم تعميم اسم منطقة صغيرة شمال غرب شبه الجزيرة و جنوب بلاد الشام على كامل شبه الجزيرة و أن جميع سكان تلك المنطقة أصبحوا يدعون عرباً رغم أنهم لا ينتمون لا لعرقية و لا لإثنية و لا لقومية واحدة
نختلف فقط مع الدكتور أحمد الجلاد في أنه يعتقد أن كلمة عرب تعني سكان الغرب و رغم أننا نقول بأن هذا الكلام صحيح إلى حد ما و خاصة أن كلمة غرب في الآرامية و غيرها من الساميات هي معربا (لفظ سرياني شرقي) أو معربو (لفظ سرياني غربية) لكنننا نجد أن جميع الذين أطلق عليهم عرب كانوا سكان صحاري و خاصة أن كلمة صحراء هي عربيا في الساميات , لكنه يقول أن كلمة غرب هي صحيحة لأن كلمة عرب لم يطلقها العرب على أنفسهم بل أطلقتها شعوب خارجية عليهم و لكن الذيين تم إطلاق اسم عرب عليهم بدؤوا (ربما) يتبنون التسمية لاحقاً (و هنا هو أكمل بشكل أدق كلام مكدونالد بأن اسم عرب لم يطلقه شعب على نفسه إلا بعد زمن من إطلاق شعوب خارجية للاسم عليهم و أنه أساساً اسم غير إثني و لا قومي)
و يقول الدكتور أن في المنطقة الأصلية عربيا في جنوب بلاد الشام و قربها شمال غرب شبه الجزيرة و ليس في عربيا الموسعة بالتعريف اليوناني نجد النقوش التي مهدت لتكوين اللغة التي أصبحت تعرف بالعربية و يقول أن في "Genesis Rabbah" فإن Rabbi Levi يستخدم مفردات من عربيا و كان يقصد بها منطقة شرق الأردن ليوضح معاني مفردات عبرية نادرة أي أنه حتى اللغة التي أصبحت تعرف بالعربية ليست عربية بمعنى اليوم!
و يختتم الدكتور و يقول بأن الصلة بين مصطلح "عرب" و "عربية" مع كامل شبه الجزيرة بين البحر الأحمر و الخليج و كل البدو الذين سكنوها يأتي من أخطاء اليونانيين التعميمية و من الخرافات العباسية و هو غير مدعوم علمياً  و ينافيه علم الآثار
كامل سلسلة التغريدات مع المصادر من هنا
إذاً فالعرب قديماً كانوا مجموعات بدوية و منهم من سكن بجانب الحضر في المدن و كانوا ينتمون إلى الطيف الإثني لسكان بلاد الشام , لا عجب أن العديد منهم كانوا يدعون بالآراميين , فنحن نرى أن العرب ككلمة تعني سكان الصحراء و لا تشير إلى قومية معينة فالكثير منهم كانوا من القبائل الآرامية التي سكنت جنوب بلاد الشام و تركت العديد من الكتابات هناك عندما استقرت في مدن مثل الأنباط و العديد من القبائل في قيدار و غيرهم
نريد الآن إعادة توضيح أمور أكدنا عليها سابقاً , مثلاً أن دعوة اليونايين للأنباط بالعرب لم تحمل معنى عرقياً أو قومياً أو إثنياً إنما لأنهم سكنوا جنوب بلاد الشام و غرب شبه الجزيرة العربية و هي المنطقة التي يدعوها الدكتور بـ "عربيا" و يؤكد أن المصادر القديمة تدعوها هكذا , و أن الشخصيات التي خرجت من إقليم عربيا بتريا كالامبراطور فيليب العربي هو كذلك ليس عربياً بمعنى أنه ذو قومية عربية بل أنه ساكن في منطقة تدعى بـ عربيا و هذه عادة اليونانيين و الرومان بتسمية الناس تبعاً لجغرافيتهم لا إثنيتهم أو عرقيتهم

 
يميل معظم الباحثين اليوم إلى عدم اعتبار الأنباط على أنهم عرب
رغم وجود بعض المراجع الغير موثقة جيداً كويكيبيديا تقول بعروبتهم
مع ذلك موسوعات و باحثون عديدون سنأتي على ذكرهم يعتبرون الأنباط شعباً غرب سامي أي من منطقة بلاد الشام و تحديداً جنوب الأردن و توسعت مملكتهم و ضمت بقية الشعوب التي سكنت الأردن و هذا ظاهر من عدة نقوش أن الأدوميين و غيرهم كانوا جزءاً من المملكة النبطية
في البداية سنستعرض لكم الحجج التي يستخدمها القائلون بعروبة الأنباط و سنرى إن كانت صحيحة أم لا ، كما سنطلع على المصادر العربية قبل الإسلام و بعد الإسلام و ماذا كانت تتكلم عن الأنباط
يستند القائلون بعروبة الأنباط على دلائلهم التالية

 1- أن أسماء الأنباط عربية
2- أنهم تكلموا بالعربية و لم يستعملوا الآرامية إلا للتجارة و الكتابات الرسمية (للتواصل مع الشعوب المجاورة كون الآرامية كانت لغة العصر في ذاك الوقت) و دليلهم على أنهم تكلموا العربية وجود بعض الكلمات العربية في النقوش الآرامية النبطية
3- أن ملوكهم حملوا أسماء عربية
4- أن كل من جوزيفس فلاڤوس (مؤرخ يهودي) و كذلك الرومان أطلقوا عليهم تسمية العرب

5- أنهم تعبدوا إلى آلهة عربية
 
فهل هذه الادعاءات صحيحة ؟ و ما هو رأي العلماء و الأدلة بها
لنبدأ أولاً بتاريخ الأنباط
يرد اسم الأنباط في كل من الآرامية و العربية و لا اتفاق على معنى اسمهم
و قد وردت قبيلتان في النقوش الآشورية لهما أسمان قريب من الأنباط إحداهما عربية وردت في عهد الملك آشوربانيبال بين عامي 668-627 قبل الميلاد و الأخرى آرامية في وقت أسبق على عهد الملك الآشوري تغلث فلاصر الثالث بين عامي 745-729 قبل الميلاد كإحدى القبائل الآرامية ال 38 التي عاشت في بابل و قاومت النفوذ الآشوري
و في حين أن كل العلماء ينكرون أن يكون للقبيلة العربية أي صلة بالأنباط سكان البتراء و ذلك لأن اسمها ورد بصبغة نباياتي بالتاء بينما ورد اسم الأنباط في نقوشهم و في الكتابات اليونانية و السريانية و العربية نبط أو أنباط (اللفظ حسب نقوشهم نبطو) و ليس بالتاء
و لكننا سنجد أن ذكر الأنباط كشعب آرامي سكن في كل من العراق و تحديداً في بابل و في الأردن و سوريا و فلسطين موثق حتى في النصوص العربية
نعلم من الأحداث التاريخية أن نبوخذ نصر ملك بابل التي كانت مأهولة بالآراميين غزا أورشليم حوالي 586 قبل الميلاد و يذكر كتاب 
NABATU THE NABATAEANS THROUGH THEIR INSCRIPTIONS FRANCISCO
DEL RÍO SÁNCHEZ للباحث 
أن قبيلة الريشابيين المذكورة في التوراة تحركت شمالاً و أنها شبيهة في عاداتها للأنباط

  
ثم في عام 552 ق.م قبل الميلاد قام الملك البابلي نابونيد بتدمير المملكة الأدومية و تقول أسفار التوراة أن الإله عاقب أدوم و أرسل عليهم البابليين ليغزوهم ثم جعل ديارهم للكلدانيين (و هم شعب آرامي) أي أنه من المحتمل أن يكون الأنباط هم أولئك الكلدانيون الذين حلوا محل الأدوميين (و جلبوا الثقافة الآرامية كما سنرى)
في عام 312 ق.م كان أول ذكر للأنباط لـ Hieronymous of Cardia
في عام 259 ق.م مخطوطة زينون Zenon Papyri تذكر شعب رابيل (أحد ملوك الأنباط) في منطقة حوران (و نحن نعلم أن حوران كانت منطقة سكن للشعوب الغرب السامية كالآراميين و الأموريين و الكنعانيين)
و الجدير بالذكر أن كل المخطوطات القديمة لم تذكر الأنباط كعرب و خاصة مخطوطة زينون ، بدأ الالتباس يظهر في كتابات ديودورس و جوزيفوس بوصفهم لبعض الملوك الأنباط أنهم ملوك عرب و أن الجيوش تحاربت مع العرب و في سفر المكابيين الثاني فمثلاً ذكر سفر المكابيين الثاني الملك أريتاس (الذي عرب اسمه إلى الحارثة) بأنه عربي رغم أن سفر المكابيين الأول الأقدم منه لم يعرف الأنباط على أنهم عرب (و هذا ما دفع المؤرخ و العالم جان ريتسو للبحث عن سبب إطلاق صفة عرب في بعض النصوص اليونانية و اليهودية الحديثة -و ليس القديمة لأن القديمة لم تعتبرهم عرباً) في هذا الوقت بدأت مملكة الأنباط تتوسع شمال أدوم و تضم الشعوب المختلفة في الأردن ، و لا ننسى أن التوراة خلال هذه الفترات كلها تؤكد أن الآراميين يعيشون شرق نهر الأردن و من يكون هؤلاء سوى الأنباط ؟
بعد موت الملك رابيل الثاني و سقوط مملكة نبطيا سنة 106 ميلادي على يد الرومان تم تحويلها إلى ولاية عربيا بتريا و عاصمتها بصرى ثم تحولت إلى ولاية فلسطين الثالثة ثم دخلت الجيوش الإسلامية إليها سنة 629 ميلادي
ملاحظة قبل البدء : حتى القائلون بعروبة الأنباط لا يقولون أنهم من اليمن بل من الشمال رغم وجود أشخاص حملوا اسم نبط لدى اليمنيين لكن الكلمة موجودة كذلك في العديد من اللهجات الآرامية ، أما القول بأنهم يمنيون لتشابه طرق استجرار المياه أنكره العلماء لأن هذه الطرق و الأساليب وجدت في بلاد الرافدين ، فضلاً عن عدم تشابه اللغة أو الدين أو الثقافة مع اليمن
 
إذاً لنبدأ أولاً بتعريف العرب ، من هم العرب و هل وصف شعب بأنه عربي قديماً يعني أنه عربي عرقياً أو قومياً أو إثنياً ؟
من الخطأ اعتبار أن كلمة عرب قبل أكثر من 2000 سنة تشابه ما تعنيه لدينا اليوم ، في الواقع إن كلمة عرب لم تدل على شعب أو قومية أو عرقية بل هي كلمة سامية تعني "سكان الصحراء" سواء كانوا من البدو أو المتمدنين و قد وردت الصحراء باسم ماتورابي لدى البابليين (ماتو بمعنى أرضي و أرابي أو عرابي بمعنى العربية) أي أن الأرض العربية هي الأرض الصحراوية و أرض العرب هي الأرض التي يسكنها سكان الصحراء
و كذلك في الآرامية و السريانية ܥܪܒܝܐ عربيا و كذلك ܥܪܒܐ عرابا كلاهما تعني الصحراء و اسم النسب منهما "عربي" يعني ذاك الذي ينتمي أو يسكن الصحراء
و كذلك في العبرية ערבה عرابا تعني صحراء
و قد وردت لفظ عربي في التوراة دائماً بمعنى سكان الصحراء و كذلك البدو فنقرأ مثلاً في
سفر إشعياء 13: 20 النسخة العبرية الأصلية
לֹא-תֵשֵׁב לָנֶצַח, וְלֹא תִשְׁכֹּן עַד-דּוֹר וָדוֹר; וְלֹא-יַהֵל שָׁם עֲרָבִי, וְרֹעִים לֹא-יַרְבִּצוּ שָׁם.
لاحظوا الكلمة المحددة بالأحمر ערבי و التي تقرأ حرفياً عربي ، تعني الآية : لا تعمر إلى الأبد و لا تسكن من دور و دور و لا يخيم هناك عربي و لا يربض راع هناك
و قد وردت في الترجمات الإنكليزية كلمة "عربي" هذه إما Arabian أو Bedouin بمعنى بدوي
و نحن نعلم أن من يسكن الخيم هم البدو و سكنة الصحراء و هذا ما كان عليه حال الأنباط في بداياتهم حيث كانوا في البداية سكنة خيم في صحراء الأردن و لا ننسى أن الأردن نفسها تضم منطقة مسماة بوادي عربة ، هذه الكلمة بنفسها هي كلمة آرامية ، هناك مناطق آرامية أخرى سميت بأسماء مشابهة مثل بيت عربايا
في الواقع قد استخدم سفر المكابيين الثاني نفس الكلمة للإشارة إلى الملك أريتاس
في النسخة العبرية الأصلية الإصحاح 5 الآية 10 أما في النسخة الإنكليزية الآية 8 :
אריטה מלך ערב
(أريطه ملك/ملخ عرب) و حرفياً (أريتاس ملك العرب) و كما نجد أنها تعني سكنة الصحراء أو سكنة عربا و ليس ملك شعب ذو عرقية عربية.. و أكبر دليل أن كتاب سفر المكابيين الثاني أنفسهم لم يحتكوا بالأنباط و لم يعلموا أنهم عرب هو أولاً بالطبع الفارق الزمني و كذلك استخدامهم اسم (أريطه) للإشارة للملك الذي من المفترض أن اسمه (الحارثة) فـ أريطه هو تحوير عبري للكلمة اليونانية أريتاس
لذلك و كما يؤكد الباحث و المؤرخ جان ريتسو في كتابه The Arabs in Antiquity: Their History from the Assyrians to the Umayyads
أن اليهود و تحديداً المؤرخ اليهودي جوزيفوس بدؤوا بدعوة الأنباط بالعرب تأثراً بعادة اليونانيين بإطلاق أسماء الشعوب حسب مناطقهم أو حالتهم السكنية فاليونانيون عندما دخلوا بلاد الشام بدؤوا باحتلال سوريا و فلسطين و هناك تعلموا من الآراميين و اليهود كلمة عربيا Arabia التي تعني الصحراء فأطلقوها على كل الصحراء حتى التي لا تتبع جغرافياً لشبه الجزيرة العربية ، حتى أن الباحث سيمو باربولا يؤكد أن بادية سوريا كان يطلق عليها في النصوص الآشورية المكتوبة بالأكادية اسم نباطو و قد قال ديودورس نفسه الذي ذكر الأنباط كعرب أن هناك من يقول أن نبطيا هي غير عربيا و قد وثق ذلك في كتاب الدكتور جان ريتسو أعلاه
و أكبر دليل أنه ليس أي شعب يسمى في نصوص اليونانيين و الرومانيين باسم عرب أنه عربي يأتينا من اليمن ، نعلم أنهم دعوا ثلاث مناطق باسم عربيا و هي عربيا بتريا (البتراء) و كذلك الصحراء في الحجاز و حولها و عربيا السعيدة (اليمن) إذا فحسب الرومان فإن اليمنيين كانوا يسمون أنفسهم عرب.. لكن هذا غير صحيح
نقرأ في النص الموجود في نقش النصر الشهير الموسوم باسم RES 3945 حوالي نهاية القرن 7 أو 8 قبل الميلاد للملك السبئي كرب إيل وتر
النقش أورد لفظة عربم و الذي بتعني "عرب"
و النقش يقول أن الملك اليمني السبئي كرب إيل وتر هزم يدهان و جبزات و العرب و فرض عليهم جزية و أنه أخضهم لسبأ

 
هذه ليست المرة الوحيدة التي يذكر فيها العرب في نصوص يمنية مسندية بل وردوا عدة مرات كقبائل صحراوية تعيش على خارج الممالك اليمنية
هذا يعني أن السبئيين و اليمنيين لم يكونوا يعتبرون أنفسهم عرب و لم يسموا منطقتهم بعربيا ، و هذا دليل واضح أن كلمة عرب التي استخدمها اليونانيون و الرومانيون لا تعني قومية أو عرقية بل كلمة سامية تعني "سكان الصحراء"
إذاً لا يجب أن نتسرع و نقول عن الأنباط أنهم عرب لأن نصوص يونانية أو رومانية أو متأثرة بهم أوردتهم بهذا الاسم
و علينا أن نعلم أن الأنباط في نقوشهم لم يدعوا أنفسهم بالعرب ، حتى الملوك الذي ذكرتهم النصوص الرومانية كعرب ، نقشوا على عملاتهم و في نقوشهم الباقية أنهم "ملوك النبطو" و ليس ملوك العرب أو الملوك العرب و هذا أكبر دليل أنهم لم يعتبروا أنفسهم عرباً أبداً و إلا لصرحوا بذلك ، و تبقى أقرب قبيلة لهم هي قبيلة النبط المذكورة كأحد القبائل الآرامية الـ 38 في بابل (رغم ميلي للاعتقاد أن المملكة النبطية لم تتكون من قبيلة واحدة بل مجموعة قبائل و سكان) و كذلك الأنباط المذكورون بعد الإسلام على أنهم الآراميون و السريان الذين يسكنون العراق و بلاد الشام
أما الآن فعلينا أن نقوم بالرد على الادعاءات الخمسة التي يستخدمها القائلون بعروبة الأنباط قبل الانتقال للأدالة التي تنكر ذلك تماماً



العرب و العروبة و شبه الجزيرة العربية : ترجمة في كتابات عالم الآثار و اللغات أحمد الجلاد  128





العرب و العروبة و شبه الجزيرة العربية : ترجمة في كتابات عالم الآثار و اللغات أحمد الجلاد  215