[rtl] 
مثلت فترة حكم ماسينيسا وابنائه انفتاحا لنوميديا على العالم الإغريقي، وكانت جزيرة ديلوس من اكـثر المناطق التي قدمت لنا شواهد مادية على هذا الانفتاح ووجود لحركة تجارية بين نوميديا والعالم إلإغريقي، وتمثلت هذه الشواهد في إهداءات وتماثيل اقامتها الجزيرة على شرف الملوك النوميد، مقابل هدايا وإعانات من المملكة النوميدية لشعب ديلوس او لنيقوميد ملك بيثينيا، وعند العودة لهذه المصادر المادية نالحظ ان العديد من الباحثين قد تسرع في إطلاق احكام وتكهنات حول طبيعة هذه العالقات وطريقة ربطها، لذا لابد من ان نكون حذرين في استقرائها وتقديم التكهنات حولها، ومحاولة فهم ابعادها السياسية والحضارية، وما إلإضافة التي بإمكانها تقديمها حول مكانة المملكة النوميدية في الحوض المتوسطي.




[/rtl]
 "بقرار من الشعب جسد ]تمثال[ ماسينيسا، ابن الملك غايا، ]مكرس من طرف[ خارميلوس Charmylos ابن

نيكارخوس Nicarchos لهة ، من رودس، لل " ، والذي يبدو نهمثل قاعدة ل 31 ا هداه خارميلوسللملك النوميدي
[rtl]
- الإهداء الأول :
 
"تمثال الملك ماسينيسا، ابن الملك غايا، [مكرس من طرف] هرمون Hermon ابن صولون Solon، صديقه، من انجاز بوليانتيس "Polianthés
[/rtl]
βασιλέα Μασαννάσαν βασιλέως Γαία   Χαρμύλος Νικάρχου Ῥόδιος
[rtl]
θεοῖς.
الشكل 2
 
Inscriptions Grecques (IG) : XI,4 1116
 
- الإهداء الثاني :
-         
[/rtl]
"بقرار من الشعب جسد [تمثال] ماسينيسا، ابن الملك غايا، [مكرس من طرف] خارميلوس Charmylos ابن نيكارخوس Nicarchos، من رودس، لللهة"، والذي يبدو انه مثل قاعدة لتمثال اهداه خارميلوس للملك النوميدي

[rtl]وعلى اساس ان يكون الإهداءين يمثلان عربون شكر  للملك ماسينيسا مقابل هبته، فقد ارخا بفترة قصيرة من وصول الهبة عام  179 (ق.م[/rtl]
[rtl] (، وذلك اعتمادا على احتواء الإهداء الإول على اسم احد المحافظين الديليين الذي كلفوا بعملية  بيع القمح النوميدي، في حين ربط اإلهداء الثاني بشخصية[/rtl]
[rtl]السفير الرودي المجهولة واعتبر انه هو نفسه خارميلوس. غير ان هذا الراي يبقى مجرد تخمين، حيث لا نعلم تاريخ الإهداءين بالضبط، وحتى فكرة ربطهما بهبة القمح النوميدي اعتمدت على كون اإلهداء االول كان من طرف هرمون، احد اعضاء اللجنة الثانية المكلفة بعملية البيع. وبالعودة لقراءة هذا اإلهداء االول نالحظ ان هرمون وصف الملك ماسينيسا بصديقه، مما يرجح انه زار نوميديا ليربط عالقة الصداقة معه، وإن كان هذا صحيحا فنتساءل عن مدى جدوى االستعانة بوساطة من رودي، ولو ان Gautier افترض ان هذه الصداقة قد ربطت بعد قدوم الهبة اما الإهداء الثاني الذي ربط خارميلوس بالهبة ايضا، فقد اعتمد[/rtl]
[rtl]
هذا الراي فقط على كون صاحب اإلهداء من رودس، والتكهن بكونه هو نفس الشخصية الرودية المذكورة في عملية البيع االولى، لكن ال دليل يدعم هذا الراي، والذي نراه إصرارا غير مؤسس من طرف الباحثين فقط إلثبات ان رودس لعبت دور الوساطة في البالط النوميدي من اجل إيصال هذه الهبة إلى ديلوس، واستخدمت في ذلك سفنا رودية لعدم امتالك نوميديا لسفن بحرية تقطع هذه المسافات الطويلة. ورغم صعوبة تقديم تفسير لهذه الملاحظات، فإنه ال بد من العودة إلى جوانب اخرى لنرى مدى إمكانية ربطها بعملية القمح النوميدي، وعلى راسها إشكالية التاج الذهبي الذي اهدته ديلوس للملك ماسينيسا.
ثانيا : تاج ديلوس الذهبي المهدى لماسينيسا
 
ظهر ذكر هذا التاج في النقائش المالية للجزيرة، فقد ورد فيها ذكر لعملية جرد لمبال    مالية في سنة 181ق.م، تمثل مبالغ اقترضها الصندوق العمومي للمدينة من معبد ابولون قصد صناعة اربعة تيجان ذهبية وإهدائها لشخصيات معروفة، تمثلت في كل من فيليب الخامس ملك مقدونيا، وماسينيسا ملك نوميديا، ويومينس الثاني ملك برغاما، ولشعب جزيرة رودس، وتم تسديد هذا القرض حسب هذه النقائش سنة من بعد 179(ق.م(.
وعليه صنعت ديلوس عام 181ق.م تاجا ذهبيا لتهديه للملك ماسينيسا، وعلى اساس ان هبة القمح قد وصلت في نفس الفترة تقريبا، يضعنا هذا امام إشكالية اي من العمليتين سابقة على الإخرى، وإن كانت معظم الكـتابات تحاول ان تركز على فكرة ان إهداء التاج كان نتيجة لتقديم ماسينيسا لهبة القمح.
فيقدم Gautier عند دراسته لهذه المسالة ترتيبا زمنيا للأحداث مثيرا للإهتمام، فيشير إلى وجود سفير نوميدي ) لا نعلم عنه شيئا ( قد زار ديلوس عام 181ق.م لتاكيد نوايا الملك الحسنة وقاد على االغلب عملية تقديم هدايا وتكريمات لصالح معبد ابولون، تمثلت في هبة من القمح )وهي التي بيعت في العملية االأولى(، مما جعل الديليين يصوتون إهداء تاجا ذهبيا للملك ماسينيسا واعطوه لشخصية رودية )السفير المذكور في النقيشة( لياخذه إلى نوميديا ثم عاد قبل نهاية
السنة 181 ق.م محمولة بهبة قمح اخرى ليسلمها لمجلس المدينة والتي بيعت في المراحل اللاحقة.
 
غير ان هذه الفرضية صعبة التصديق لكون السفير الرودي ظهر في عملية البيع االولى وليس الثانية، وكذلك القرض الذي اخذته المدينة من المعبد من اجل التاج الذهبي، لم تكن بحاجة له لو صدقت النظرية لكون عملية البيع قبل إهداء التاج إن وجدت ستسمح بتوفير المال الكافي لصناعة التاج دون طلب القرض.
ودوما ضمن الراي القائل بان إهداء التاج كان عربون شكر للملك ماسينيسا على هبة القمح التي منحها للجزيرة، يرى اخرون ان الديليين قد طالبوا عبر تصويت بإهداء تاج ذهبي للملك النوميدي بعد سماعهم بالإعلان عن قدوم هبة القمح، واقترضوا المال من اجل صناعته. لكننا نتساءل كيف يمكن ان يصل الإعلان ويتم عمل التاج وتصل الحمولة في نفس الفترة القصيرة، وكذلك كمية هذه الهبة لا تستحق ضجة كبرى ليتم تسبيق الإعلان عنها، هذا مع الإشارة إلى ان الإقتراض لصناعة التاج كان ضمن قرض يشمل مجموعة من الإهداءات لأربعة تيجان ذهبية في نفس الفترة. مما يجعلنا نشك ان إهداء التاج كان نتيجة لقدوم الهبة، والراي الراجح سيكون عكس ذلك، اي ان هبة القمح قد وصلت بعد إهداء التاج، ففي هذه الحالة عربون الشكر لم يكن من طرف ديلوس إلى ماسينيسا، بل كان من ماسينيسا لديلوس على إهداءه التاج.
لكن كيف سيكون ترتيب الأحداث إن قبلنا بهذا الطرح، هنا  لابد لنا ان نعود لشخصية هرمون ابن صولون التي نرى انها لم تاخذ ما تستحق من التعمق في الدراسات السابقة، وبداية نحاول ان نعيد ذكر ما نعرفه عنه :
هو صاحب الإهداء الذي يصف الملك ماسينيسا صراحة انه صديقه مما يدل على زيارته المملكة، فالعبارة المستخدمة تدل على معرفة شخصية ولقاء مباشر وإلا لكان استخدم عبارة صديق الملك )العبارة المستخدمة لملوك يعرفون فقط عبر سفاراتهم) ، اي ان شرط الوساطة يتوفر فيه بقوة )رغم االدعاء ان صداقته ربطت بعد الهبة، لكن ال دليل على ذلك(.
-         وكذلك نجده على راس اللجنة الخاصة لبيع القمح النوميدي رفقة شخصيتين )صولون وسيموس(، ويرى
-                                         البعض انهما من اقاربه )ربما صولون هو نفسه والده)44، هذه اللجنة المذكورة قامت بعمليات البيع الثالث لعام 179ق.م، والتي مثلما سبق ذكره ليست لجنة دائمة وال رسمية بل فقط خاصة ببيع القمح النوميدي، مما يجعلنا نؤيد فكرة وجود دور لهرمون في الحصول على البضاعة النوميدية. - كذلك عملية إهداء تاج لملك اجنبي لا تكون إلا عبر تصويت من شعب ديلوس بعد ان تقدم دعوة او اقتراح لذلك من طرف شخصية ديلية45، وهو شرط يتوفر على هرمون الشخصية الديلية المرموقة بلا شك(، وليس لسفير اجنبي) ان يدعو لمثل هذه الخطوة، بل نحتمل حتى ان هرمون قد دافع عن الفكرة وعمل على الحصول على القرض لصناعة التاج، ولكونه احد المكلفين بعملية البيع فيكون قد حرص على إعادة القرض الماخوذ من المعبد عبر المال الذي بيع به القمح النوميدي.
-                                         هل يمكن القول استنادا لما سبق، ان هرمون ابن صولون، الشخصية الديلية، هو من كان العامل الرئيسي في إهداء التاج للملك ماسنيسا، والذي كانت تربطه معه علاقة الصداقة قبل هذا التاريخ 181(ق.م(، ويكون هو نفسه من حرص على نقله على الأرجح في سفينة رودية رفقة السفير
-                                         ثالثا : نقيشة غولوسا في ديلوس
-                                         الرودي إلى نوميديا، وهناك سلم للملك ماسينيسا هذا التاج الذهبي كعربون صداقة من شعب ديلوس لملك نوميديا، وكان رد ماسينيسا كريما، حيث منحهم هبة القمح التي مالت سفينتهم ليعودوا بها إلى ديلوس، ويصلوا قبل نهاية عام 181ق.م.
-                                         هذا التسلسل الزمني للأحداث يجعلنا امام واقع ان ديلوس هي من قامت بالخطوة الأولى للتقرب من الملك النوميدي وليس العكس من ذلك، وإن صح هذا الراي فلا بد من إعادة بناء تصور جديد للعلاقات النوميدية الإغريقية،والتي كانت في مختلف الدراسات السابقة تعتبر خطوات وثمار مجهودات من الملوك النوميد لربط مثل هذه العلاقات.في حين انه من الممكن ان يكون العالم الإغريقي هو من سعى وجهد إلى ربط علاقات مع الملوك النوميد، لما كانت تمثله هذه المملكة الجديدة من ثراء اقتصادي، بمنتوجات مختلفة كانت تمثل الحاجيات الرئيسية للعالم الإغريقي )القمح، الخشب، العاج...(، وايضا كسوق مقتوحة لتصريف المنتوجات الإغريقية المصنعة )خاصة مع هيمنة روما على معظم االأسواق القديمة التي كانت اليونان تصرف منتوجاتها بها مثل جنوب إيطاليا وصقلية(.
ثالثا : نقيشة غولوسا في ديلوس
ΓΟΛΟΣΣΑΝ
[/rtl]
[rtl]ΤΟΤΣΕ////[/rtl]
[rtl]ΦΟΙΝΙΞΙ//[/rtl]
[rtl]ΤΟΤΣΕΑYΤΟ[/rtl]
[rtl]KAIOMONO[/rtl]
[rtl]
الشكل 0
Inscriptions de Délos : ID, 1578
اكـتشف في جزيرة ديلوس إهداء اخر كان اكـثر إثارة للجدل، ويتمثل في بقايا نقيشة كانت على االغالب تمثل قاعدة تمثال، ذكر فيها اسم "غولوسا" احد ابناء الملك ماسينيسا ، حيث نجد بها خانتين غير مكـتملتين، تحوي الخانة االولى على اسم واحد هو غولوسا )دون صفة ملك او امير(، والثانية على عبارات غير مكـتملة في اربع اسطر يمثل السطر الثاني منها اسم . Phoinixويبدو ان هذا اللوح ينقصه جزء ايمن بالتاكيد، وربما جزء اخر على اليسار، واصبحت الأجزاء الناقصة مجال للتكهن من اجل إعطاء قراءة للنقيشة، وادى ذلك الإختلافات جوهرية حول صاحب الإهداء، وتاريخه، وعلى هذا نذكر هنا
ثالثة اراء حول هذا الجدل، مع ذكر تناقضها او نقائص قراءاتها :
مستندين إلى ترجيح وجود علاقات مباشرة بين غولوسا والجزيرة
لكن هذه القراءة لاتفسر لنا لماذا ذكر هو فقط كملك رغم انه كان شريكا في الحكم إلى جانب اخويه ميكيبسا ومستنبعل، و الهدف من ذكر الإسم الإغريقي )Phoinix( في هذا الإهداء الملكي.
اما بازلي Baslez فترجح ان هذه القاعدة تمثل الجزء االوسط لثالث الواح تحمل إهداءا واحدا، موجها حسبها للملك ماسينيسا من طرف ابنائه، ويمكن التعرف على الإبن الأول وهو غولوسا اما الثاني فتحتمل ان يكون احد إخوته، إما ميساغاناس Misagénès، او مستنبعل باحتمال اقل. كما احتوت النقيشة على اسم إغريقي Phoinix الذي حسبها دوما يحتمل ان يكون شخصية إغريقية كلفت من طرف الأمراء النوميد بإقامة تمثال للملك ماسينيسا في ديلوس، ولتعطي هذه الفكرة بعدا منطقيا، ذهبت للقول بان هذا الإغريقي كان شريكا مع الأمراء النوميد، ومستقرا في البلاط النوميدي وترجح حتى كونه احد معلمي الأمراء بشكل خاص، قدم حسبها بكل تاكيد من اثينا.
 
ويوافق هذا الراي مجموعة لابأس بها من الباحثين، الذين يعتمدون في نظريتهم على مجموعة من الإشارات في النصوص القديمة حول وجود عناصر إغريقية في محيط الملوك النوميديين، وخاصة فترة حكم ماسينيسا وخليفته ميكيبسا، وبإمكاننا هنا ان نشير إلى بعضها، مثل
 
زيارة  الملك  القوريني  بطليموس  الثامن  إيفرجير  الثاني
 
II Ptolémée VIII Evergére للعاصمة سيرتا والتي كانت ما بين 155-161ق.م، فقد اشار بطليموس في مذكراته عن إقامته في سيرتا ان موسيقيين إغريق وجدوا في بلاط الملك النوميدي والذين يبدون انهم استقدمهم اساسا لإحياء حفلاته وولائمه. كما يخبرنا تيتليف ان مستنبعل ابن ماسينيسا قد تمتع بثقافة إغريقية، وهي إشارة تدل على استفادته من وجود معلمين إغريق يعيشون في القصر الملكي مكلفين بتعليم الأمراء وابناء العائلة الحاكمة. ومن جهة اخرى فإن ديودور يشير ان ميكيبسا كان يعيش رفقة إغريق مثقفين استدعاهم إلى جانبه، وهو نفسه كان يتعاطى دراسات مختلفة وخصوصا الفلسفة.
لكن القراءة التي اعتمدت عليها بازلي بكون هذا الإهداء اقيم من طرف ابناء الملك ماسينيسا ضعيفة، ومحاولتها التكهن باسم احد االأخوين لغولوسا، لم تستند فيه سوى على زيارة مفترضة الحدهم للجزيرة، فميساغاناس قد شارك بالفعل في الحملة الرومانية على مقدونيا، لكن هذا ال يمثل اي دعم لإضافة اسمه بالإهداء المذكور إلى جانب غولوسا، وحتى مستنبعل الذي يحتمل انه قد زار بلد اليونان وشارك في الألعاب الأثينية حيث سجل اسمه كمنتصر، فالدليل على زيارته لجزيرة ديلوس.
 
-في حين نجد رايا اخر لـ Durrbach الذي يعتبر هذه النقيشة جزءا من نقيشة نيقوميد الشهيرة )سنتحدث عنها لاحقا( كإهداء لغولوسا ووالده ماسينيسا من طرف الملك البيثيني. ويذهب كل من Hatzfeld و Roussel الأكـثر من ذلك بافتراض ان نيقوميد قد نصب اربعة تماثيل موجهة لماسينيسا وابنائه وربما لأشخاص اخرين تلقى منهم المعونة، ومن بينهم كان تمثال غولوسا الذي تمثل نقيشتنا قاعدته، وقد ايده في هذا مجموعة من الباحثين.
لكن هذه القراءة لاتقدم اي تفسير للخانة اليمنى للإهداء، حيث كـتب المؤلفان Hatzfeld و Roussel صراحة
: "...كما انه ال يمكن تفسير النقش على يمين لوحة ليدز، وفونيكس قد يكون اسم او لفظ ديني..." ، وعلى هذا نجد
 
ضم هذه النقيشة لإهداء نيقوميد فقط لاحتوائه على اسم احد ابناء ماسينيسا امر ضعيف الحجة.
 
وعموما إن حاولنا تقديم زاوية جديدة لتحليل هذا الإهداء، ربما علينا العودة لشخص غولوسا نفسه، فنحن نعلم ان الأمير النوميدي كان هو المفضل عند والده الملك ماسينيسا كجنرال وسفير نوميدي، فقد ذكر بالعديد من المرات كسفير للملك لدى روما )اعوام -172 152،171ق.م(، ويبدو ان تاريخ إقامة هذا الإهداء على شرفه كانت قبل وفاة والده )لكونه ذكر وحده دون إخوته ودون صفة الملك(. في هذه الفترة وكما سبق ذكره كان لنوميديا علاقات حسنة مع ديلوس، وعدة اصدقاء ديليين، فهل من الممكن انه زار جزيرة ديلوس في رحلة من رحالته كسفير لوالده، وخلال وجوده بالجزيرة اقام معلما ملكيا حمل
اسمه، لكن لا نعلم إن كان مهدىا للملك والأمراء النوميد أو خاص به فقط وعموما يثبت لنا هذا الإهداء ان غولوسا قد حصل على تمثال تشريفي له بديلوس يؤكد علاقة مباشرة بينه وبين الجزيرة.
 
رابعا: نقيشة نيقوميد ملك بيثينيا
[βασιλεύ]ς Νικομήδης Έπι[φ]ανής
[βασιλέως] Προυσι'ου
β[ασιλέα Μασα]ννάσ[α]ν βασιλέως Γαία
οιαν ? ττατ[ρικην έσχ]ηκότα προς αυτόν α['ί]ρεσιν
καί εΰνοιαν.
الشكل 4
Inscriptions de Délos : ID, 1577
كان نيقوميد Nicomède ملك بيثينيا، فقد قام االخير بإهداء للملك ماسينيسا يصفه فيه بعبارات المودة والعطف الأبوي  وورد في نص النقيشة : "الملك نيقيوميد
 
Nicomède Épiphane ابن الملك بروسياس Prusias
يكرس [تمثال] الملك ماساناسا Masannassa ابن الملك غايا Gaia الذي اظهر له حسنه ولطف اسلفه"
بالعودة إلى احداث بيثينيا خلال هذه الفترة قام نيقوميد ابن الملك بروسياس الثاني بالثورة على والده بالتحالف مع اتال الثاني Attale II ملك برغاما وعدو بروسياس، ونجح في اغتياله ليصبح ملك بيثينيا حوالي عام 149ق.م وبالعودة للإهداء المذكور يبدو ان الباحثين اختلفوا في تحديد تاريخه بالضبط، وإن كان من المؤكد انه اقيم بعد تقلد نيقوميد عرش بيثينيا بعد قتل والده عام 149ق.م، لكن هل كان هذا قبل وفاة ماسينيسا، بمعنى يرجح ان يكون في نهاية عام 149 او بداية عام 148ق.م، او انه اقيم بعد وفاة ماسنيسا بفترة
 
لكن لماذا اهتم نيقوميد بتكريس تمثال للملك ماسينيسا فترة قصيرة بعد إعتلائه العرش، هل هذا راجع لاستفادته من مساعدة نوميدية في ثورته على والده، هذا راي مقبول منطقيا، لكننا نجد انفسنا امام إشكالية تتمثل في طريقة ربط العلاقات النوميدية مع نيقوميد. لا بد هنا من العودة إلى وجود وسيط ممثال على الغالب في الدولة الرومانية، هذه االخيرة التي تذهب الأبحاث انها من كانت وراء تمرد نيقوميد على والده، ومما يرجح ذلك اعترافها السريع به ملكا مباشرة بعد اغتياله لوالده، ليصبح نيقوميد صديقا وحليفا للشعب الروماني بعدها، مما يشير إلى دور روماني في ثورة الإبن على ابيه، لكن ليس بطريقة مباشرة بل باستخدام اصدقاء وحلفاء لها لتحقيق مرادها، ومن بينهم ملك برغاما وربما ملك نوميديا.
عن تاريخ ربط لمثل هذه العلاقة بين نيقوميد وماسينيسا نعلم ان الأول قد ابعده والده ليقيم في روما عدة سنوات في خمسينات القرن الثاني ق.م، في حين نجد ماسينيسا قد ارسل عدة سفراء من ابنائه إلى روما، منهم ماسغابا عام 168ق.م وغولوسا اعوام 171-172، 152 ق.م .فهل من الممكن ان تكون واحدة من هذه الزيارات قد عرفت لقاء بين نيقوميد )الذي بدا يخطط للتمرد على والده تحت مظلة مجلس الشيوخ الروماني( والأمراء النوميد، غولوسا سفير الملك ماسينيسا على الغالب.
 
وما يدعم به بعض الباحثين هذا الراي القائل بوجود مثل هذه العلاقة المباشرة بين نيقوميد وغولوسا، هو ترجيحهم كون إهداء غولوسا الذي سبق ذكره جزءا من إهداء نيقوميد. لكن هذا الراي يبقى مجرد تكهن دون سند تاريخي في النصوص، ومن الممكن ان مثل هذه العلاقة المباشرة بين الطرفين لن تكن اصلا، وان مجلس الشيوخ الروماني هو من حرض ماسينيسا لمؤازرة نيقوميد,
 
وعموما فإن اغلب الافتراضات تؤكد مساندة ماسينيسا للأمير البيثيني، لكن كيف كانت طبيعة هذه المساعدة، هل كانت تقتصر على اموال ومؤن؟ ام ارسلت مساعدات عسكرية إلى بيثينيا لمساعدته على الثورة؟ الأمر يبدو غامضا ومن الصعب افتراض اي تصور حول طبيعة هذه المساعدة، ونجد ايضا امرا مثيرا للانتباه وهو لماذا كرم نيقوميد الملك النوميدي في جزيرة ديلوس )المحتلة من طرف الرومان خلال هذه الفترة( ولم يكرمه مثال في مملكـته )بيثينيا(، هل بالإمكان تفسيره بمكانة خاصة احتلتها جزيرة ديلوس بالبلاط النوميدي، ذلك يبقى الاحتمال ورادا.
خاتمة
 
في الحقيقة إن النصوص والشواهد حول العلاقات االإقتصادية والسياسية بالنسبة للملوك النوميد، خارج إطار العلاقات مع الدولة الرومانية نادرة وقليلة، وتعتمد دراستها وتحليلها على مجموعة من الافتراضات والتكهنات.
 
لكن من المؤكد ان الملوك النوميد ربطوا علاقات مباشرة مع الشرق إلإغريقي، مثل ديلوس ورودس ومثلت هذه العلاقات التجارية عمالا هاما في انتشار المؤثرات الهلينية بنوميديا، وساهم استقرار الإغريق بالبلاط النوميدي في ربط هذه العلاقات مثل حالة هرمون من ديلوس الذي نرجح ان له دورا في إهداء التاج الذهبي للملك ماسينيسا عام 181ق.م وكذا الهبة التي ارسلها النوميد لجزيرة ديلوس. وإن كنا قد حاولنا افتراض تقرب ديلوس من الملك النوميدي، ضمن سعيها لربط علاقات مع نوميديا، من اجل تنشيط المبادلات التجارية بين الطرفين.
ونعتبر تكريم ماسينيسا وربما عدد من ابنائه بنصب وإهداءات لهم بالجزيرة اعترافا ديليا بمكانة المملكة النوميدية وايضا ملوكها، مما يجعلنا نرجح وجود سفراء بين الطرفين ساعدا على تبادل الهدايا وتوطيد العلاقات، وحتى الملك نيقوميد اعترف بفضل كبير لماسينيسا عليه، بعبارات تؤكد مكانة محترمة للملك ماسينيسا بالعالم إلإغريقي. وهذا يعتبر نجاحا سياسيا للخيار الحضاري الذي قام به الملوك النوميديين منذ ماسينيسا بهدف ربط علاقات دبلوماسية مع الحكام الهلينيين بالمتوسط، ليكلل هذا النجاح بتبوا نوميديا لمكانة مرموقة في الحوض المتوسطي خلال القرن الثاني قبل الميلاد كإحدى القوى الفاعلة فيه اقتصاديا وسياسيا، في وقت كانت اجزاء هامة من هذا الحوض تفقد استقلالها وبريقها تحت الاحتلال الروماني.
وإن كانت جزيرة ديلوس هي اكـثر مناطق العالم إلإغريقي التي قدمت لنا شواهد حول العلاقات النوميدية إلإغريقية خلال هذه الفترة، إلا ان هذا لا يعني ان مثل هذه العلاقات لم تكن موجودة مع دول إغريقية اخرى، بل نجد اثار لها في رودس، وفي اثينا وغيرها. وربما ستقدم لنا اكـتشافات اثرية جديدة شواهد تدعم هذا الملف الذي لا يزال مفتوحا وبحاجة لدراسات اعمق، بعيدا عن دونية المملكة النوميدية مع الممالك الهلينستية الشرقية التي لطالما نجدها ضمن اراء ودراسات المدرسة الكولونيالية.
 
 
 [/rtl]






 
[rtl]العلاقات السياسية ولتجارية بين المملكة النمودية وجزيرة ديلوس خلال القرن الثاني بل الميلاد 114
[/rtl]