كان سفيروس ( Septime Sévère) مواطناً من مدينة لبتيس ماغنا (Leptis magna)، وهي بالقرب مما ندعوه الآن طرابلس الغرب. وقد حكم هذا الرجل الغريب الأطوار روما لمدة ثماني عشرة سنة، من العام 193 ميلادية حتى وفاته سنة 211 ميلادية بعيداً عن عاصمته روما بمدينة يورك (York) الإنكليزية. ويصفه الكتّاب الرومان “بالبربري” الذي تعلَّم اللاتينية، ولكنه لم يفقد قط لهجته الأمازيغية.أي لغة الليبيين الأصلية .
ولد سبتيموس سفيروس سنة 146 ميلادية لأبوين أمازيغيين في مدينة ( لبدة ) أو لبتسمانيا ، الواقعة بغرب ليبيا سنة 146م، وأتم تعليمه في ليبيا وحصل علي شهادة في الحقوق ، ثم التحق بالجيش ولم يلبث أن أصبح قائداً لإحدى الكتائب الرومانية ليرتقي بعد ذلك إلى أعلى المناصب ، إذ أصبح قائدا عسكريا سنة 172م بإقليم بإسبانيا ، ثم حاكما لمنطقة بأوربا الوسطى .
بعد موت الإمبراطور الروماني كومود مقتولا ، حدثت في أوائل سنة 192م انقسامات خطيرة بين كبار رجال الدولة الرومانية حول من سيتولى السلطة ويتبوأ عرش روما. ولحل المشكل ، تولى الحكم مستشار الإمبراطور برتيناكس ، لكنه سيقتل سنة بعد ذلك . هذا ما جعل سبتيموس سفيروس يعود بجنوده إلى روما بدعوى الثأر لإمبراطوره المقتول كومود .
خلال عودته ، يواجه محاولات بعض الأعيان لشراء عرش روما بمساعدة الحرس الإمبراطوري الفاسد . لذا ، وبعد أن ثأر للإمبراطور المقتول وتخلص من أعدائه ، جلب أفواجا من سكان خارج المدن ليعوضوا الحرس الإمبراطوري .
ورغم ما ميز الرومان من تسامح مع الأجانب الأمازيغ وامتياز نظامهم السياسي بالمرونة والديمقراطية ، إلا أن خصوم سبتيموس لم يخفوا احتجاجهم على عدم أصالته بوصفه أمازيغيا أجنبياً قادم من ليبيا ، يتحدث في القصر اللغة الأمازيغية وهي اللغة الليبية القديمة ولم يتعلم من اللاتينية إلا النزر القليل ، وأن شقيقته التي صحبته لم تتعلم اللاتينية هي الأخرى وأنها كانت تتفاهم في دارها بروما باللغة الأمازيغية . لكن دخول العديد من الأفارقة كقادة في صفوف الجيش الإمبراطوري واكتساحهم لمجلس الشيوخ ( السينا ) الذي يحكم الإمبراطورية في روما ، إذ أصبح مشكلاً في ثلثه من أعضاء أمازيغيي الأصل ، كل هذا سهل قبول الأغلبية بانتخاب سبتيموس سفيروس إمبراطوراً لروما في وقت مبكر من عام 193 من الميلاد ، ثم ليصبح بذلك الإفريقي الوحيد الذي لبس اللباس الإمبراطوري الروماني. وقد كتب سبتيموس سفيروس حينها باعتزاز واضح : ” في رأيي ، أن عصرنا البشري مميز ، وكأنما قدر له أن يكون كذلك . لأنه أفرز أناساً كثيرين ذوي قدرات عالية . وها هو يرى الآن أن الأطفال الذين أنجبهم ورباهم يتبوءون أعلى المراكز وأرفعها .
اعتلى إذن ، سفيروس عرش الإمبراطورية الرومانية (193_211م). ومع ذلك لم ينسه هذا العرش موطنه الأصلي ومسقط رأسه وأسرته فى ليبيا ، فاهتم بشمال شرق إفريقيا وأنشأ فيها من الآثار ما خلده به التاريخ بين عظمائه. وقد تعلم سبتيموس سفيروس اللغة اللاتينية وهو كبير السن إلي جانب درايته بالإنجليزية كأي شخص من سكان مقاطعة (ويلز) البريطانية حين كان يعسكر بها، ولكنه ظل متمسكا بلغته الأمازيغية في بيته ومع أفراد أسرته ، كما أنه كان يفضل أطعمة بلاده الأصلية على موائد قصره في روما .
بعد ذلك ، سيقضي سفيروس على حاكم سوريا سنة 194م ويستولي على بيزنطة، ثم ينتصر على الجنرال ألبيينوس الذي أعلن نفسه إمبراطورا ببلاد الغال قرب مدينة ليون ويشرد أهله . ويمكننا أن نقول إن سفيروس حكم روما في أوج عظمتها وقمة قوتها ، إذ كانت تهيمن على ثلاثة أرباع العالم المعروف آنذاك ، وبلغ نفوذها أقصي مداه ، إذ كانت تبسط سيطرتها علي رقعة كبيرة من الأرض ، تمتد شرقاً إلي نهر الفرات وغرباً إلي إنكلترا.
وفي خضم تلك الأحداث ، تعرف سبتيموس سفيروس على « جوليا دومنا » أميرة سوريا ابنة كاهن مدينة حمص الأعظم ، في حفل لمعبد إله الشمس إيلا كابل ، فتتزوجها في عام 175 ميلادية لترافقه في أسفاره قبل أن يصبح إمبراطورا لروما ، وتشاركه الحكم لتصبح واحدة من أقوى الشخصيات في الإمبراطورية الرومانية من عام 193 إلى 217 بعد الميلاد . كانت تمسك إدارة الإمبراطورية الرومانية العظيمة عندما يكون زوجها الإمبراطور سبتيموس سيفيروس بعيدا عن العرش ومشغولا بالحرب ضد الخصوم والمنافسين ويقاوم المتمردين من الشعوب الرومانية أو يطارد ويخمد الفتن في إمبراطورية روما العظيمة المترامية الأطراف . وبالفعل فقد برهنت ” جوليا دومنا ” للشعب الروماني أنها قادرة على تسلم القيادة والإدارة وأنها تستطيع احتلال مركز الزعيم عند غيابه . كما عرف عنها كذلك اهتمامها بالعلوم والفلسفة والفنون ، لذا استقدمت عددا كبيرا من رجالات الفن والعلم إلى بلاط قصرها بروما .
تميز حكم الإمبراطور سفيروس بالعديد من الإصلاحات القضائية والعسكرية ، إذ سمح لقدماء ضباط الجيش بشغل مناصب إدارية وعمل على تحسين ظروف الحياة للجنود وأحدث خزينة للإمبراطورية ، لكنه بالمقابل ضيق الخناق على صلاحيات ” السينا ” أي مجلس الشيوخ وكذا على عناصر الأرستقراطية الرومانية والكنيسة المسيحية ليستفرد بحكم شبه مطلق .
لم يكن سفيروس الأمازيغي إنسانا شاذ الشخصية أو إمبراطورا ضعيفا كما كان بعض سابقيه وبعض لاحقيه ، من أباطرة روما ، وقد تميز حكمه بالصرامة والقوة وإعادة نشر فلسفة الانضباط داخل الجيش والإدارة ، ونجح فى نشر الرخاء الاقتصادي في الإمبراطورية وترك لروما وحدها ،مخازن ملآنة بالمؤن والزاد ، وتحتفظ بعض متاحف أوربا إلى اليوم ، مثل الفاتيكان وباريس وميونيخ ، بتماثيل كانت قد نصبت له في الكثير من المدن التي كانت تابعة لروما آنذاك .
وبالإضافة إلى اهتمامه بمدن مسقط رأسه بإفريقيا، ترك سفيروس مآثر عدة أهمها قوس اللاذقية بسوريا الذي لازال شاهدا إلى اليوم على عظمة هذا الإمبراطور الأمازيغي الليبي وزوجته الحمصية السورية.
وفى عام 196 م ، زار الإمبراطور سفيروس وزوجته مصر ليكسب ود أهلها بإصلاح أحوالهم وتوحيد نظم البلاد الإدارية والمالية مع سائر أنظمة الإمبراطورية الرومانية ، ثم اصطحب سبتيموس سفيروس فى سنة 211 م ، ابنه كركالا (caracalla) إلي إنجلترا التي كان يعيش أهلها في حالة من التخلف كي يسكت بعض الفتن بها ويعود ابنه على حياة الخشونة الريفية بعد أن نشأ في قصور روما وترفها ، وخلال هذا السفر، مات سبتيموس سيفيروس في إنجلترا وبالتحديد بمدينة يورك في فبراير سنة 211 م ودفن هناك ليخلفه ابنه من بعده علي عرش روما . ثم نقل رماد جثة الإمبراطور الأمازيغي الليبي سبتيموس سفيروس إلى روما ليحتفى به الشعب وأعضاء مجلس الشيوخ احتفاءهم بالكبار من أسلافه ، وكانت آخر كلمة نطق بها سفيروس قبل موته هي : لنعمل .
وجلس إذن على عرش الإمبراطورية الرومانية فى عام 211 م كراكلا أكبر أبناء الإمبراطور السابق سفيروس ومعه أخوه ” غيتا ” الأصغر كشريكين فى حكم الدولة الرومانية ، ولكن كراكلا أصدر ، بعد ذلك ، أمره بقتل أخيه ليستأثر بالحكم وحده ، ويشاع أنه قتل عشرين ألف شخص آخرين من الذين احتجوا على فعلته الشنيعة وإقدامه على قتل شقيقه !!

وعندما احتل الإيطاليون فى مطلع القرن التاسع عشر ليبيا ، وضمن ما أحدثوه من عمران وشيدوه من إصلاحات ومآثر حضارية ، نقلوا ” تمثال ” الإمبراطور سبتيموس سفيروس من روما ونصبوه فى مدخل مدينة طرابلس ، التى كان الإمبراطور قد خصها بعنايته وحول اسمها من (E A O) أي المدن الثلاث ، إلى اسمها الذي بقي حتى الآن : طرابلس TRIPOLI ، الا أن الملازم معمر القذافي بعد استلامه للسلطة اثر انقلابه العسكري ، فى الأول من سبتمبر 1969 ، حقد على التمثال ، فيما حقد عليه من رموز وشوامخ التاريخ العظيم لليبيا ، وأصدره أمره العسكري بإزاحته من موقعه بطرابلس والإلقاء به وسط أطلال ( لبتسمانيا ) أي لبده ، مسقط رأس الإمبراطور الليبي العظيم الذى حكم وابنه كراكلا ، الأمبراطورية الرومانية !!




الأمبراطورالروماني سبتيموس سيفيروس ذو الأصول الليبية الأمازيغية  241







Emperor Septimius Severus / الامبراطور سبتيموس سفيروس / ⴰⵎⵏⴽⵓⴷ ⵙⵉⴱⵜⵉⵎⵓⵙ ⵙⵉⴼⵉⵔⵓⵙ




مدينة لبدة