لكي نفهم أصل نّاير يجب أن نغوص قليلا في التاريخ .... بحثا عن الحقيقة
كل شعوب العالم تملك تقويمات ورزنامات ... الصينيون لهم تقويم والهنود لهم تقويم والفرس لهم تقويم والمايا لهم تقويم والسريان لهم تقويم ... إلخ ، الإنسان ومنذ آلاف السنين لاحظ تعاقب الليل والنهار والشمس والقمر ... وعرف الوقت والزمن .... واحتاج إلى ضبط الزمن لكي ينظم أعماله الفلاحية وطقوسه العقدية .... الله سبحانه وتعالى خلق الشمس والقمر آيتين على عظمة ملكه ، وكذلك دليلا للبشر ، يقول الله تعالى في سورة يونس : " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)" .....
يعود التقويم الأمازيغ الشعبي إلى التقويم اليولياني، وهو تقويم شمسي ينسب إلى الجنرال الروماني الشهير يوليوس قيصر ( Jules Cesar ) الذي تبناه سنة 46 ق.م ، بعد احتكاك الرومان بالأمازيغ الذين كانوا يستعملون التقويم القبطي ( شمسي من 12 شهر ) ، معوّضا التقويم الروماني القديم الذي كان يبدأ في مارس و يتميز بالعشوائية و عدم الدقة .... للعلم فإن التقويم القبطي الفرعوني يعتبر من أقدم التقويمات في العالم ، و هو تقويم أثر في كل شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط ، لكن لا نعلم إلى اليوم أصله الفعلي : شمال إفريقيا ؟ مصر ؟ الشام ؟ الحبشة ؟ بلاد الرافدين ؟ فارس ؟ أم هو تقويم متوسطي تبلور وانتشر عبر العصور !!
التقويم اليولياني يقسم السنة إلى 12 شهرا ، كل شهر يدوم 30 أو 31 يوم ، واختير 1 يناير ، اصطلاحا، كبداية للسنة لأنّه يتوافق مع تاريخ انتخاب مستشاري روما من جهة ، ولأن شهر جانفي ( يانواريوس باللاتينية، يانايير بالدارجة اللاتينية ) سمّي كذلك نسبة إلى يانوس ، إله البداية و الأبواب عند الرّومان
كيّف الأمازيغ التقويم اليولياني مع أشغالهم الفلاحية لمعرفة وضبط مواعيد الحرث والبذر والحصاد والدرس وغرس مختاف أنواع الخضر والفواكه ..... وأبدعوا تقويما فلاحيا عمليا من 12 شهر ، كل شهر به 30 يوم ، مقسمة إلى 3 فترات من 10 أيّام حسب النشاطات الفلاحية ومازالت الذاكرة الشعبية تحتفظ ببعضها : الفطيرة ، صلّاحة النوادر ، الصمايم ، آخرة الخريف ....إلخ
وأعطوا لكل شهر إسما أمازيغيا ، أسماء وتقويم لا يزال الجزائريون يستعملونهما إلى اليوم .... وفي كل المناطق سواء كان أهلها يتكلمون لهجات دارجة أو أمازيغية .... وفي هذا دليا قاطع على وحدة ثقافة شعبنا !!
جانفي = نّاير ، ينّار ، ينّاير
فيفري= فورار
مارس= مغرس
أفريل= يبرير
ماي= مايّو
جوان= يونيو
جويلية= يوليو
أوت= غوشت ، تاغوشت
سبتمبر = شتنبر
أكتوبر = توبر
نوفمبر= وامبر
ديسمبر = جمبر
وجعلو 1 يناير بداية لعامهم ، سمّوه إخف أوسڨّاس ( راس العام ) لأنّه ، حسب تجربتهم ، آخر أجل لزرع الحبوب في حال تأخر المطر .... كان أجدادنا يقولون :
إذا طاحت النّو قبل النّاير ***** قيسهم مالطّاير ( أي إزرع الحبوب )
وإذا ما طاحتش ****** كولهم فطاير ( أي إدّخر حبوبك ولا تزرعها )
في سنة 1582م قرّر علماء الفلك تحويل تاريخ 1 جانفي ب 13 يوما ، لأنّهم لاحظوا فرقا بين التقويم اليولياني ومطالع الشمس و حلول الرّبيع !! اقترح البابا ڨريڨوار XIII ( ڨريڨوار 13 ) بعد أن جمع الفلكيين والمختصين التقويم الڨريڨوري الذي يعتمده كل العالم اليوم : إضافة يوم لشهر فيفري كل 4 سنوات و اعتبار السنوات التي تنتهي بصفرين ولا تقبل القسمة على 400 مثل 1700 ، 1800 ، 1900 سنوات غير كبيسة أي شهر فيفري فيها به 28 يوما ، وأصبح 1 جانفي بالتقويم اليولياني يعادل 14 جانفي بالتقويم الڨريڨوري الجديد ، بينما بقي الأمازيغ يعتمدون على التقويم القديم ، وهذا ما يفسّر احتفالهم بالنّاير ليلة 14 جانفي !
من كل هذا نستنتج أنّ نّاير يمثّل معلما سنويا هامّا وحيويّا في تاريخ أجدادنا ، حسبوا من خلاله سنتهم الزراعية بدقّة كبيرة (طيلة أكثر من 2000 سنة !! ) في أزمنة لم تكن فيها لا أجندات ولا ساعات ولا وسائل إعلام ، هذا المعلم يعود إلى ما قبل الميلاد ، إذن لاعلاقة له أبدا بميلاد المسيح عليه السلام ..... و ربما يعود الاحتفال بناير إلى ما قبل يوليوس قيصر و إلى ما قبل شيشناق .... لأن أجدادنا يفلحون و يغرسون منذ 5000 سنة على الأقل .....

نعدكم بالمزيد لاحقا باذن الله ، سنروي لكم كلّ ما يتعلق بنّاير ، أسطورة شيشناق ، الطقوس ، الرّمزية ، العادات ، كي لا ننسى من نحن !!!


التقويم الأمازيغي وأصل ينّاير ...  A18