حاجة المؤرخ إلى معرفة اللغة الأمازيغية من أجل فهم الحفريات وقراءة التاريخ
حاجة المؤرخ إلى معرفة اللغة الأمازيغية من أجل فهم الحفريات وقراءة التاريخ 1---167
في إطار يوم دراسي، أقيم بمدينة مريرت، يوم الأحد 5 مارس 2023، من تنظيم جمعيتا “مدرسي التاريخ والجغرافيا” و”تيغزى أطلس للتنمية”، حول موضوع: “التاريخ المحلي: إغرم أوسار نموذجا”، واسترعى انتباهي العديد من التساؤلات التي كانت تخامرني منذ مدة، وقد تأكدت لي اليوم أمامي دون شك.
إن التاريخ كعلم يدرس الأحداث والوقائع كمادة اشتغال تحتاج إلى الانفتاح على علوم وفنون أخرى كالسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والجيولوجيا وغيرها من العلوم، ثم إن هوية التاريخ كعلم قائم على النقد والتحليل ويتوخى الموضوعية لابد له من أدوات بحث وتنقيب وتحليل. أما كون ماهية التاريخ كمنهج للوصول الى حقائق علمية معينة فهو منهج تجريبي استقرائي لحصر الواقعة المراد دراستها زمانيا ومكانيا للوصول الى أحكام تمكن من معرفة الماضي والاستفادة منها في الحاضر لاستشراف المستقبل.
أما هوية التاريخ كفن فيمكن الاسترشاد بمقولة شيخ المؤرخين، عبد الرحمن بن خلدون، الذي يقول في مقدمته المشهورة: “اعلم أن فن التاريخ من عزيز المذهب˛ جم الفوائد˛ شريف الغاية…”. من هذا المنطلق اعتبر أن المؤرخ أو الباحث في التاريخ أو دارس التاريخ لابد له من أن يتشرب من مجموعة من الفنون التي لا يخلو أي مجتمع منها، الشعر والحكاية والرسم والاحاجي والألغاز والأمثال وغيرها.
حاجة المؤرخ إلى معرفة اللغة الأمازيغية من أجل فهم الحفريات وقراءة التاريخ 1-781
وبمتابعة مداخلات السادة الأساتذة في إطار أطروحاتهم حول التاريخ المحلي لمنطقة إژايان ⵉⵥⴰⵢⴰⵏ على العموم وأيت سڭوڭو على الخصوص لاحظت مت يلي:
جل أسماء الطوبونيميا المحلي تم تعريبها بإلصاق التاء المربوطة الدالة على التأنيث بمجموعة من الأسماء والأعلام مثل قبيلة (أيت أوربا) التي تحولت إلى (أوربة) ومنطقة واومنة التي أصلها في الكتابات التاريخية (واوهناⵡⴰⵡⵀⵏⵏⴰ) و(مريرت) التي كتبت (مريرة) في المصادر القديمة، والزاوية الدلائية التي تحولت عن (أيت إيديلا ⴰⵢⵜ ⵉⴷⴷⵉⵍⴰ) و (خنيفرا) تحولت إلى (خنيفرة) و أيت ملال ⴰⵢⵜ ⵎⵍⵍⴰⵍ)) التي تحولت الى (بني ملال) و(تاسكورت ⵜⴰⵙⴽⴽⵓⵔⵜ) التي أصبحت (سكورة) وغيرها كثير….
على المؤرخين ودارسي التاريخ والطلبة الباحثين المعرفة التامة باللغة الامازيغية في شموليتها وتنوعاتها المحلية حتى يتم فك شفرة الطوبونيميا التي تتحدث الأمازيغية وتأبى أن تنساها رغم حمى التعريب.
حاجة المؤرخ إلى معرفة اللغة الأمازيغية من أجل فهم الحفريات وقراءة التاريخ 1-782
من هنا أقول إن أسماء الأماكن والأودية ومختلف الاشكال التضاريسية بمنطقة إژايان والتي تصرخ بأعلى صوتها: – أنا أمازيغية. وسأورد بعضا منها مثل:
نهر أم الربيع الذي تحول بين عشية وضحاها الى (أم) + (الربيع). وهو في المصادر التاريخية كان وانسيفن ⵡⴰⵏⵙⵉⴼⵏ).) وبتفكيك هذا العلم فإننا سنجد أنه يتكون من شقين: (وينⵡⵉⵏ/وانⵡⴰⵏ) وسيفن ⵙⵉⴼⵏ).) أما الشق الأول فهو دال على الملكية (صاحب/ ذو) و (سيفن) هو جمع كلمة أسيف ⴰⵙⵉⴼ)) فيكون الاسم هو (كبير الأنهار) مسافة وغزارة وصبيبا.
الاسم الثاني هو (عوام) الذي تحول من واركنس ⵡⴰⵔⴽⵏⵏⵙ)) الذي إذا ما حللنا لسانيا هذا الاسم فهو مكون من(وارⵡⴰⵔ) ومؤنثه (تارⵜⴰⵔ) الذي يدل على البدون وعدم الوجود وكنس ⴽⵏⵏⵙ)) بتشديد النون فهو من جدر (ك.ن. سⴽ.ⵏ. ⵙ ) ˛ وأضفنا اليه حرف (أⴰ) في الأول للدلالة على المذكر فهو يعني (المبارزة في القتال). وإذا ما عدنا الى منطقة إغرم أوسار ⵉⵖⵔⵎ ⴰⵡⵙⵙⴰⵔ) سنجدها محاطة أولا بسور وهي مدينة قديمة تعج بالتعدين والتصنيع وسك العملات. وهذا ما يجعل منها مدينة اقتصادية محصنة ضد القتال والمبارزة.
وإذا أخذنا هذا الجدر (كنسⴽⵏⵙ) فيمكن ان تستشف منه كلمات في نفس الحقل الدلالي (مكناس) المأخوذ من قبائل (إمكناسنⵉⵎⴽⵏⴰⵙⵏ) الأمازيغية المعروفة في التاريخ. ومعنى (أمكناⴰⵎⴽⵏⴰⵙ) هو ذلك العنيد الذي لا يتنازل عن حقه مهما كلفه الأمر. وهذه صفة من صفات الامازيغ.
حاجة المؤرخ إلى معرفة اللغة الأمازيغية من أجل فهم الحفريات وقراءة التاريخ 1--352
أما الإسم الثالث فهو (إغرم أوسار ⵉⵖⵔⵎ ⴰⵡⵙⵙⴰⵔ). فهو تركيب مزجي مكون من (إغرمⵉⵖⵔⵎ) و (أوسارⴰⵡⵙⵙⴰⵔ) وهما اسمان مذكران لانهما يبدان على التوالي ب (إⵉ) و(أ ⴰ) في اللغة الامازيغية.
وإذا عدنا إلى جدر كلمة (إغرم) فهو (غ.ر. مⵖ.ⵔ. ⵎ) ومنه (إغرمⵉⵖⵔⵎ– تيغرمتⵜⵉⵖⵔⵎⵜ– تاغرماⵜⴰⵖⵔⵎⴰ– أمغارⴰⵎⵖⴰⵔ– أمقرانⴰⵎⵇⵔⴰⵏ – مقورⵎⵇⵇⵓⵔ – إمقورⵉⵎⵇⵇⵓⵔ…)
فمن دلالة إغرم ⵉⵖⵔⵎ): الحصن – المخزن الجماعي- القرية – القصر. تيغرمت ⵜⵉⵖⵔⵎⵜ)) من دلالاتها: القصبة – القصر الصغير – القرية الصغيرة. ومنه كذلك(أمغارⴰⵎⵖⴰⵔ) الذي يعني: الرئيس – كبير القوم- حمو (اب الزوجة) – شيخ القبيلة، أما مؤنثه فهو (تامغارتⵜⴰⵎⵖⴰⵔⵜ). ومن معانيها: المرأة- المرأة الكبيرة سنا وشأنا – الحماة (أم الزوجة). كل هذه الدلالات تدل على السمو والقيمة كصفة عامة. ومنه كذلك (مقور- أمقران- تامقرانت…) وكذلك (تاغرما) التي هي الحضارة.
حاجة المؤرخ إلى معرفة اللغة الأمازيغية من أجل فهم الحفريات وقراءة التاريخ 1--353
المصطلح الرابع هو: (قبيلة أيت أيديلاⴰⵢⵜ ⵉⴷⴷⵉⵍⴰ) التي احتضنت الزاوية الدلائية وأخذت اسمها. فمن خلال موقع الزاوية وموضعها بين سفوح وعرة شاهقة وأسوار منيعة يمكن الرجوع إلى حدر كلمة (إيديلاⵉⴷⴷⵉⵍⴰ) والذي هو (د.ل ⴷ. ⵍ ) ومعناه: حضن وغطى واحتضن. الشيء الذي ينطبق على هذه الزاوية والقبيلة المحصنة بين أحضان حراسة طبيعية وبشرية.
المصطلح الخامس هو أيت توالا ⴰⵢⵜ ⵜⵡⴰⵍⴰ)) إذا عدنا الى تفكيك هذا المركب الإضافي أيت ⴰⵢⵜ) و (توالا ⵜⴰⵡⴰⵍⴰ). ف) (أيت) تعني (صاحب/مالك) و (توالا) من دلالاتها: النوبة والدورة وتعني كذلك القطيع الجماعي ومنه (تاوالا ن وامانⵜⴰⵡⴰⵍⴰ ⵏ ⵡⴰⵎⴰⵏ) أي نوبة الماء في عملية السقي.
وفي الأخير لا بد من الإشارة إلى كون أسماء الأماكن والاعلام المحيطة ب (إغرم أوسار) كلها تدل على وجود الماء والغابة والمحرث الطيب والمحطب الكثير والمعادن. فنجد (تافروامانⵜⴰⴼⵔⵡⴰⵎⴰⵏ – ألمو إرشكيكنⴰⵍⵎⵓ ⵉⵔⵛⴽⵉⴽⵏ – تلغمينⵜⵉⵍⵖⵎⵉⵏ – تيغزاⵜⵉⵖⵣⴰ – تاغزوت أومجاهدⵜⴰⵖⵣⵓⵜ ⵓⵎⴳⴰⵀⴷ – أريفⴰⵔⵔⵉⴼ – بوتاقاⴱⵓⵜⴰⵇⵇⴰ – إڭر أوجناⵉⴳⵔ ⵓⴳⵏⵏⴰ  – تالخباتⵜⴰⵍⵅⴱⴰⵜ – تانوتⵜⴰⵏⵓⵜ – بويقلوشنⴱⵓⵢⵇⵍⵍⵓⵛⵏ – ثوناⵜⵓⵏⴰ – تيبراوينⵜⵉⴱⴱⵕⴰⵡⵉⵏ– بوثاژولتⴱⵓⵜⴰⵥⵓⵍⵜ ….).
حاجة المؤرخ إلى معرفة اللغة الأمازيغية من أجل فهم الحفريات وقراءة التاريخ 1---45
لابد للباحث والدارس والمهتم والطالب في التاريخ المعرفة التامة باللغة الامازيغية حتى يستطيع فك شفرات الطوبونيميا الامازيغية في مختلق بقاع الوطن وذلك بالاعتماد على الحفريات على الأرض والحفريات اللغوية واللسانية واستقراء مختلف فنون الادب الامازيغي من شعر وخطابة وحكاية وألغاز وأحاجي وأمثال وغيرها…..
(°) باحث في اللغة والادب الامازيغيين: وشاعر من اصداراته: ديوانين شعريين باللغة الامازيغية ودراسة نقدية حول الشعر الامازيغي:( ⵢⵓⵍⵉⴷ ⵡⴰⵙⵙ– – ⴰⵏⵣⴳⵓⵎ ⵏ ⵓⵎⴰⵜⴰ ملامح القصيدة الامازيغية بالأطلس المتوسط)



المصدر:مواقع ألكترونية