“”الغزوات العربية في روايات المغلوبين: هكذا كان ينظر المغلوبون إلى السراسنة (العرب) قبل “الغزوات!
“”الغزوات العربية في روايات المغلوبين: هكذا كان ينظر المغلوبون إلى السراسنة (العرب) قبل “الغزوات!  12005
لا تظهر الشعوب فجأة على مسرح التاريخ… كذلك كان حال العرب، الذين ربطتهم علاقات وثيقة بباقي المراكز الحضارية المحيطة بالجزيرة العربية، إن في التجارة أو ما رافقها من تبادل للثقافة.
لا تظهر الشعوب فجأة على مسرح التاريخ… كذلك كان حال العرب، الذين ربطتهم علاقات وثيقة بباقي المراكز الحضارية المحيطة بالجزيرة العربية، إن في التجارة أو ما رافقها من تبادل للثقافة.
لكن المصادر التاريخية للشعوب المغلوبة في “الغزوات” لم تتفق على أصل العرب وفصلهم، كما لم تجمع على صفاتهم ولا على أسمائهم.
كان هذا حال المؤرخين الإغريق والرومان، الذين تعرفوا على العرب قبل الإسلام، وحال المصادر المتأخرة عن “الغزوات” أيضا.
أسماء هؤلاء الغزاة، أي العرب، كانت متعددة وأكثرها شيوعا: السراسنة، الطائيون، الهاجريون، الإسماعيليون.
الإسماعيليون هنا لا يقصد بهم الفرقة التي ظهرت لاحقا، إنما نسل إسماعيل الذي ولد لإبراهيم من هاجر، التي كانت خادمة لزوجته سارة حسب الترجمات المختلفة للتوراة.
أما اسم السراسنة، فليس قريبا إلى الفهم، وقد ورد للمرة الأولى في الأدب اليوناني القديم، فيما يبدو أنه إشارة إلى قبيلة معينة في صحراء سيناء.
“”الغزوات العربية في روايات المغلوبين: هكذا كان ينظر المغلوبون إلى السراسنة (العرب) قبل “الغزوات!  1697
وإذا كان بالإمكان أن نستنتج من الكتابات الإغريقية أنها دمج لمفردة Sarak، وEnos التي ترفق للنسبة، إلا أن معنى المفردة الأولى ظل غامضا؛ فالبعض يعتقد أنها تعني الشرق، والبعض أنها اسم لقبيلة السواركة التي كانت قديما اسما لمكان شمال يثرب (المدينة).
البعض الآخر لا يستبعد أيضا أن تكون مشتقة من جبل السراة في الحجاز، فيما اعتقد آخرون أنها مشتقة من كلمة صحراء.
بيد أن المؤرخ أوسابيوس (أبو التاريخ الكنسي)، كان أول من اعتبر السراسنة شعبا من الشعوب التي تحدث عنها التوراة؛ أي أبناء إسماعيل، وبالأحرى؛ الأمة التي “حرمت من الوعد الإلهي” (أرض الميعاد).
هذه النقطة بالمناسبة ستكون مهمة في فهم الشعوب المغلوبة لأسباب “الغزوات ”.
استخدام اسم السراسنة توسع في القرون الوسطى من البيزنطية إلى الغرب عموما، بعد نقلها من اللاتينية وتحويلها من Sarakenos إلى  Saracens، لتشير إلى الشعوب المسلمة.
الواقع أن الأوروبيين أبدوا امتناعا عن تسمية المسلمين بـ”المسلمين”، مفضلين صفات عرقية أو قبلية، في محاولة للتقليل من الدين الإسلامي؛ فسموهم السراسنة أو المورو، أو الأتراك أو غيره.
… وكذلك فعل المسلمون حيال الشعوب التي احتكوا بها، كتفضيلهم تسمية “الفرنجة” مثلا.
“”الغزوات العربية في روايات المغلوبين: هكذا كان ينظر المغلوبون إلى السراسنة (العرب) قبل “الغزوات!  1--650
مع ذلك، ظلت هاجر تطارد العرب، إذ كان عربُ سوريا يسمّون جميع العرب بالهاجريين، فيما استخدم المسيحيون في سوريا كلمة طايي أو طائي لدى الحديث عن العرب، نسبة إلى قبيلة طي المعروفة، التي كانت بعض بطونها قد تنصّرت. ويبدو أن الفرس هم من عمموا تسمية الطائيين على العرب.
هاجر بالمناسبة وإن كانت لا تحتل موقعا مهما في النص الإسلامي، إلا أنها بالنسبة للشعوب التي جاءها العرب غزاة، إسوة بابنها إسماعيل، يحتلان موقعا مهما لما كان مسيحيو الشرق ويهودها يعلمونه عن هاتين الشخصيتين من نصوص العهد القديم.
يشير المؤرخ البيزنطي سوزومن إلى أن العرب ربما تعرفوا من خلال المسيحية على علاقتهم بإسماعيل، فاتبعوا اليهود في عدد من طقوسهم، إذ اختتنوا وامتنعوا عن أكل لحم الخنزير أيضا، قبل أن ينحرفوا عن الالتزام بالطقوس اليهودية تحت تأثير الزمن والأمم المجاورة.
الذي يهمنا هنا أن المعرفة بالأصل الإسماعيلي، منحت العرب هوية جديدة؛ إذ جعلتهم ينظرون إلى أنفسهم -على الأقل- كشعب من الشعوب التوراتية.
في غضون ذلك، دان كثير من العرب بالمسيحية، وربما يكون اعتناق هذا الدين الجديد، محاولة للتخلص من السمعة التي وسم بها التوراة العرب بالتحدر من هاجر؛ الخادمة.
ويرى سوزومن أن العرب الذين لم ينتقلوا إلى المسيحية، وشكلوا لاحقا الأرضية التي ظهر الإسلام عليها، لم يجدوا حرجا في التحدر من إسماعيل، لكن مع التشديد على أن نسبهم الحقيقي يتصل بإبراهيم، لا بجاريته وابنها.
مع ذلك، ظلت بلاد العرب الأصلية، التي انطلقت منها “الغزوات”، غامضة في مصادر المغلوبين. الواقع أن مسألة “الغزاة” ظلت تاريخيا لا تشغل بال الشعوب التي تعرضت للغزوات.
“”الغزوات العربية في روايات المغلوبين: هكذا كان ينظر المغلوبون إلى السراسنة (العرب) قبل “الغزوات!  1-331
الشعوب التي شملها غزو الغزاة العرب نظرت إلى هؤلاء بصفتهم كارثة حلت عليها، ولم تُبدِ اهتماما بالتعرف إلى معتقداتهم وأفكارهم، وأقل منها طرق معيشتهم وبناهم الاجتماعية والسياسية والثقافية، إلا عندما استقر العرب في العراق وإسبانيا وبلاد الشام.
وحتى عندما اتجه علماء الغرب في القرن السابع عشر إلى إعادة اكتشاف العرب، وجدوا أن النصوص العربية، التاريخية والدينية، لا تساعد على وضع رواية متسلسلة منطقيا لعلاقة العرب كشعب موجود في الواقع، مع العرب الذين تحدث عنهم التوراة.
تبرز في هذا السياق كلمة لطالما أثارت اهتمام العلماء دون أن يعثروا لها على تفسير. هذه الكلمة هي “حنيف”، التي كان يمكنها أن تكون مفتاحا لشرح انتقال الدين الإبراهيمي إلى العرب.
جانب آخر تشير إليه المصادر العربية القديمة ويهمله المؤرخون العرب المعاصرون، هو ذلك المتعلق بتركيبة جيوش الغزو العربية من الناحية البشرية.
تفتح هذه الملاحظة باب نقاش لم يستوف حقه عن وجود الكثير من المسيحيين بين الوافدين العرب: ممن تألفت جيوش “الغزو” سواء على المستوى الديني أو العرقي؟
المصادر العربية تحدثت بإسهاب عن انتماءات هؤلاء القبلية، لكن المعلومات شحيحة عن الانتماءات الدينية لهؤلاء الذين شاركوا في الموجة الأولى من الغزوات.
كان يومها كثير من أكبر قبائل العرب يدين بالمسيحية على اختلاف كنائسها، مثل تغلب ولخم وجذام وأياد وأخرى عديدة. لكن ثمة حلقة غائبة هنا، مثلا: في حين هاجرت أياد إلى عمق الأراضي البيزنطية رافضة الإسلام، شاركت تغلب، الأكثر عددا، في الغزوات!
“”الغزوات العربية في روايات المغلوبين: هكذا كان ينظر المغلوبون إلى السراسنة (العرب) قبل “الغزوات!  12000
نفهم مما تقدم إذن أن العرب لم يكونوا مجهولين عند جيرانهم… كانت هجماتهم البدائية مألوفة. لكن اتساع نطاق “الغزوات” كان مفاجئا ولم تلحظه الشعوب الأخرى فورا بسبب ما ترسخ في ذهنها من صورة سلبية عن السراسنة، بل ولم تفهم مضمون الأمر الديني لتلك “الغزوات” حتى.
ثم حدث ذات يوم أن حل الرعب محل الاحتقار الذي أبدوه نحو العرب، وكان ذلك مع انطلاق “الغزوات” بين مكة والفرات!


المصدر:مواقع ألكترونية