المقاومة الأمازيغية للاستعمار
المقاومة الأمازيغية للاستعمار 1--998
لم يتوقف الرومان أبدا عن القتال في إفريقيا بسبب غارات وثورات البربر[1] المتكرّرة. وأعنف وأطول تمرّد، الذي يمكن أن يسمّى حربا حقيقية، هو ذلك الذي اندلع في أولى سنوات حكم الامبراطور تيبريوس Tiberius والذي نقله تاكيتوس[2] Tacitus وسرده بطريقة رائعة[3]. ويعتبر تاكيتوس المصدر الوحيد في سرد أحداث تلك الحرب. تسمّى الحرب بـحرب تاكفاريناس، رجل نوميدي[4] هرب من الجيش الروماني الذي خدم فيه كمساعد وعيّن نفسه قائدا على مجموعة من الصعاليك[5]. في البداية قاد تاكفاريناس مجموعته إلى مختلف المناطق  وقام بأعمال تخريبية ثم نظّم مجموعته عسكريا وشكّل فرقا نظامية من المشاة والفرسان[6]. سرعان ما كبر عدد قواته؛ انظمّ إليه الـموسيلامي[7]، القبيلة الرحّالة الكبرى التي كانت تقطن في المنطقة القريبة من جبال آوراس[8]، وبايعوه قائدا لهم، وهكذا جعلوا القبائل الـمورية[9] المجاروة لهم تنضمّ هي كذلك إلى القوّات المتمرّدة، رفقة سكان منطقة سرت الصغرى[10] Syrtis Minor. كان قائد تلك القبائل الـمورية محارب شجاع اسمه مازيبا Mazippa . كانت خطّة تاكفاريناس الحربية لامعة: كان القائد النوميدي يملك خيرة الجنود المسلّحين على الطريقة الرومانية والمتعوّدين على الحياة في المعسكرات، على النظام وعلى القيادة؛ أمّا مازيبا فقد كان يبث الخراب في الأراضي الرومانية وينشر الرعب في كل مكان يمر منه هو وفرقه الخفيفة. كان التمرّد قد أصبح خطيرا، بما أنه لم ينتشر فقط في جزء كبير من موريتانيا، وإنما انتقل إلى كل جنوب المحافظة الرومانية، مما كان يجعل كل تردّد روماني في قمع ذلك التمرّد أمرا خطيرا. ومن أجل قمع التمرّد قام الوالي فوريوس كاميلّوس  Furius Camillus، الذي كان حاكما على الولاية[11]، مرفقا بالفيلق الثالث آوغوستا Augusta والقوات التي أرسلها له يوبا الثاني، ملك موريتانيا، الذي وقف دائما خلال تلك الحرب إلى جانب الرومان، بالتقدم لمواجهة العدو. كان يبدو جيش الوالي حفنة من الرجال أمام جماهير من النوميديين ومن المور كان يجب محاربتهم، وكان الجنرال الروماني يخشى خاصة بأن يحاول المتمردون، بسبب الخوف، تجنّب القتال، وبالتالي إفشال الحرب عليهم وإمكانية الحاجة إلى التخطيط لها من جديد
المقاومة الأمازيغية للاستعمار 1---423
ولكن ما حدث هو العكس، بما أن قوات العدو قبلت القتال عندما رأت أن الرومان كانوا أقل عددا منها بكثير، راجية من خلال ذلك الانتصار في المعركة، ولكنها أخطأت في حسابها لأنّ كاميلّوس نجح في سحق النوميديين بوضع الفيلق وسط ساحة المعركة ونشر الميليشيات الخفيفة وكتيبتين من الفرسان المساعدين في الأجنحة، حسب التقليد الروماني في طريقة القتال. تسلّم كاميلّوس من الـسيناتوس (مجلس شيوخ روما) التشريف مكافأة على انتصاره. هُزم تاكفاريناس ولكن شوكته لم تنكسر فاستجمع قواه في الصحراء التي كان قد التجأ إليها، وأشعل، شيئا فشيئا فتيل الحرب من جديد وغيّر خطته. عزم منذ البداية على تخريب البلاد، متجنّبا ثأر الرومان بسرعة تحركاته، ثم هدّم بلدات وجمع فيها غنائم كبرى، وفي النهاية قام بمحاصرة حصن صغير متواجد على نهر باجيدا Pagida الذي نجهل موقعه بالضبط والذي كانت تحرسه كتيبة رومانية. أراد ديكريو Decrio، جندي شجاع وباسل، الذي كان يقود تلك الكتيبة[12]، أن يخوض معركة مع العدو في ميدان مكشوف، لأنه أحس بالإهانة عندما حاصره همجيون[13]، فشجع رجاله وخرج لمحاربة الأعداء ولكن الفرقة الرومانية انكسرت خلال الهجوم الأول. فاندفع ديكريو إلى الأمام وسط السهام وواجه الجنود الهاربين وشجب حاملي الرايات وأمر الجنود الرومان بأن يعطوا ظهرهم للهاربين وللمتلصّصين العصاة. ارتمى ديكريو على الأعداء وجسده مليء بالجروح وعينه مثقوبة وقاتل من دون توقف حتى سقط قتيلا لأنّ رجاله تركوه وحيدا. ارتأى لوكيوس أبرونيوس[14] Lucius Apronius، الذي كان قد خلف فوريوس كاميلّوس في منصب حاكم ولاية افريقيا[15]، من المهم اللجوء إلى تدبير تأديبي كان ينفّذه الرومان القدماء في الحالات الطارئة، لكي لا يحطّ انتصار تاكفاريناس النسبي وهروب الفرقة الرومانية من ميدان المعركة معنويات جيش افريقيا. كان ذلك التدبير يتمثل في قتل عدد معيّن من جنود الكتيبة وتم بالفعل قتل الجنود المعيّنين ضربا بالعصا. لقد كان ذلك التدبير الصارم ناجعا لدرجة أنّ مجموعة تتكون من 500 جندي قديم استطاعت أن تتغلب على فرق تاكفاريناس وتشتّتها. كان تاكفاريناس قد تشجّع بعد انتصاره السهل على ضفاف نهر باجيدا فحاصر مدينة تالة[16].  خلال تلك المعركة برز إيلفيوس روفوس Helvius Rufus، جندي بسيط، لدرجة أن تشريفا مُنح له وهو تشريف يمنح عادة للّذين كانوا ينقذون مواطنا. سلّمه أبرونيوس الأعمدة ورمحا؛ ثم أعطى له الإمبراطور تيبيريوس التاج المدني. يلاحظ تاكيتوس أن ذلك الجندي تأسف من حاكم الولاية لأنّه لم يكن قد منحه التاج بنفسه، كما كان له الحق في ذلك، ولكن لم يغضب. على صعيد آخر، بما أنّ نوميديي تاكفاريناس كانوا مصابين بالذهول ولم يكونوا يرغبون في إعادة تجربة حصار المدن، رجع تاكفاريناس إلى خطته المفضّلة، ألا وهي شن الحرب في أماكن عديدة والهروب عندما يكون متابعا ثم العودة إلى الهجوم، مما جعله يسخر من الرومان الذين كانوا يتعبون من دون جدوى خلال متابعتهم إياه[17]. ولكن عندما انسحب نحو المناطق الساحلية الممتدة على طول جنوب تونس، أرغمته الغنيمة السمينة التي كان قد استولى عليها على التوقف وإقامة معسكر قار لكي يحمي الغنيمة؛ وهناك بعد أمر من الوالي، قام أبرونيوس كايْسيانوس Apronius Caesianus، الذي كان الابن المتبنّى للوالي وضابط خدمته كذلك (أمر محتمل) ، رفقة فرقة طائرة من الفرسان ، من كتائب متكونة من جنود مساعدين ومن أكثر الرجال مهارة في الفيالق[18]، بمفاجئة تاكفاريناس والتغلّب عليه في ميدان مكشوف مما أجبره على إيجاد مخبأ جديد في الصحراء رفقة رجاله النوميد. تحصّل الوالي بمناسبة ذلك الإنتصار تشريف النصر كما تحصّل على تمثال مزيّن بتاج[19]؛ إنّ الولد الذي لم يكن قد بلغ بعد العمر القانوني للتحصل على منصب في هيئة القضاء، تمّ تعيينه عضوا في السبتمفيري الـإيبولونس[20] ، وهم الرهبان الدينيون الأكبر شأنا في روما القديمة كانوا يترأسون المآدب المنظمة على شرف الآلهة
المقاومة الأمازيغية للاستعمار 1---424
من جهة أخرى لم يكن انتصار أبرونيوس كايسيانوس نهائيا بما أنّ تاكفاريناس كان قد أعاد تنظيم قوّاته في وسط افريقيا وكان يهدد الأراضي الرومانية بتوغّلات جديدة. فشرح تيبريوس للسيناتوس مدى أهمية تعيين على رأس ولاية افريقيا حاكما مختصا في الفن العسكري وقادر بدنيا على إنجاح حملة قوية ضد المتمرّدين، بما أنّ أبرونيوس كان قد فشل في مهمّته[21]. ترك السيناتوس للأمير مهمّة اختيار الحاكم الجديد، فقام الأمير بتعيين مرشحين اثنين ولام الآباء (أعضاء مجلس الشيوخ الروماني) بصفة غير مباشرة لأنهم كانوا يعوّلون عليه في كل شيء. كان المرشحان هما م. إيميليوس ليبيدوس Aemilius Lepĭdus  ويونيوس بليسوس الخامس Q. Iunius Blaesus؛ ولكن الأول لم يقبل المهمة الصعبة، في الظاهر لأسباب صحية ولعذر عائلي، ولكن في الحقيقة لأنّ ليبيدوس كان يعلم أن تيبيريوس كان يفضّل بليسوس لأنّه كان عمّ سييانوس [22]Seianus وبالفعل تمّ تعيين بليسوس. كان تاكفاريناس قد بلغ حدّا كبيرا من التعجرف لدرجة أنّه أرسل سفراء إلى الإمبراطور يطلب منه أراض له ولبني شعبه، وفي حالة الرفض سوف تنال روما حربا أبدية. إنّ طلب ذلك الهمجي الجموح، يلاحظ السيد كانيا[23] ، سلّط الضوء على الأسباب التي دفعت رحّالة الصحراء إلى الانتفاضة بفخر كبير وباستمرار ضد الإمبراطورية: لم يكن أولئك الرحّالة يقودون حربا في سبيل الاستقلال ولكن من أجل أن لا يتم إقصائهم من الهضاب الخصبة التي كان يمتلكها الرومان حيث كانت من عادتهم الظهور كل شهر في تلك الهضاب بحثا عن الطعام لهم ولجماعة جنودهم[24]. إنّ الشيء الذي أغضب تيبريوس أكثر من كل شيء آخر كان ملاحظته أنّ هاربا من الجيش الروماني وسارقا أراد أن يحسب نفسه خصما محترما؛ فضرب بازدراء عرض الحائط اقتراح تاكفاريناس الجريء وأمر بليسوس، الذي كان منذ نهاية جوان من سنة 21 ميلادي قد عيّن حاكما على الولاية الإفريقية[25]، بمنح الإعفاء لأولئك المتمرّدين الذي سيضعون السلاح وبالقبض على قائدهم مهما كلّفه الثمن. وهكذا تم الحصول على العديد من المتمرّدين وعندما رأى الوالي تاكفاريناس في حالة ضعف استعمل لمحاربته نفس مناهجه. بما أنّ المتمرّدين، أقل قوة من الرومان، ولكن أقوياء في التخريب والتدمير، كانوا يجرون هنا وهناك في مجموعات صغيرة، محتمين من الهجومات ومنظّمين كمائن، ارتأى بليسوس أنه من الضروري تقسيم جيشه إلى ثلاثة سرايا متنقّلة كانت مهمتها اتخاذ ثلاثة طرق مختلفة، على اليسار الفيلق التاسع إسبانا تحت قيادة ب.كورنيليوس لينتولوس سكيبيو[26] P. Cornelius Lentulus Scipio كان يحمي منطقة لبتيس الصغرى Leptis Minor (لمطة[27]) مستعدا بذلك لقطع الطريق أمام انسحاب الأعداء نحو منطقة الجَرْمَنْت[28]؛ على اليمين كان ابن بليسوس يغطي بقوات قوية مخارج الأوراس نحو قسنطينة؛ في الوسط كان المحافظ ذاته مع قلب الجيش، مرتكزين على ثيفست (تبسّة) كمركز العمليات القيادة العامة للفيلق الثالث آوغوستا، كان الرومان يتقدّمون وسط السريتان الأولتان ، منشئين حصونا وناشرين حرّاسا في المواضع المناسبة، بحيث لم يكن بمقدور الأعداء القيام بأية حركة من دون أن يجدوا الرومان أمامهم، بجناحهم وغالبا أيضا وراءه. وبهذا الشكل تم قتل أو سجن الكثير من المتمرّدين. حينها وسّع بليسوس نطاق عمليّاته وقسّم السرايا الثلاثة إلى عدّة مفرزات على رأس كل واحدة منها سينتوريون باسل ومخضرم؛ وبعد مرور الصيف استدعى الجيش في معسكرات الشتاء الموجودة في محافظته، متّبعا بذلك سلفه، لكن عندما وضع ميليشيات خفيفة وعملية في الصحراء استطاع مطاردة تاكفاريناس، الذي كان يظهر تارة في مكان معيّن وتارة أخرى في مكان آخر، كما استطاع القاء القبض على أخ تاكفاريناس واحتلال أراضي الـموسولام بشكل مستقر. لم يكن من الممكن اعتبار الحرب قد انتهت لأنّ تاكفاريناس لم يكن قد اعتقل ولكن تيبيريوس باعتباره أنّها كانت قد انتهت، سمح بأن تحيي الفيالق الوالي المظفّر بلقب إمبراطور وسمح لهذا الأخير أن يأتي إلى روما لكي يحصل على تشريفات الانتصار.[29]
المقاومة الأمازيغية للاستعمار 1----327
يقول تاكيتوس[30] إنّ جنرالاتنا، عندما كانوا يعتبرون أنهم قاموا بما يكفي لاستحقاق تشريف الانتصار، كانوا يتركون العدو؛ كانت ثلاثة تماثيل قد شيّدت في روما (تمثال فوريوس كاميلّوس، ل. أبرونيوس ويونيوس بليسوس) إلّا أنّ تاكفاريناس كان لا يزال يزعزع إفريقيا. لدرجة أنّ الحظ كان يبدو دائما في صالح جرأة الأمازيغ المقدامة، بما أنّ الفيلق التاسع إسبانا تلقى أمرا من تيبريوس بالرجوع إلى معسكراته القديمة بمنطقة بانونيا ، سارع حاكم المحافظة الجديد ب. كورنيليوس دولابيلّا P. Cornelius Dolabella الذي خلف بليسوس[31] إلى إبقاء الفيلق بإفريقيا، لأنه كان يخشى منصب الحكم أكثر من خطر الحرب[32]. فحاول تاكفاريناس إلى استغلال ذلك الخطأ فنشر في كل مكان خبر مفاده أنّ الرومان كانوا منشغلين في حروب أخرى وأنّهم كانوا يغادرون إفريقيا تدريجيا وبالتالي فسيكون من السهل القضاء على بقايا الرومان بفضل ضربة جريئة، شرط أن يهاجم عليهم بقوّة الكثيرون ممّن يفضّلون الحرية على الرق[33][34]. لقد أحدث الخبر الزائف الأثر المنشود بما أنّ المور، بعد وفاة الملك يوبا، كانوا غاضبين على الإبن بطوليمايوس Ptolemaeus الذي كان قد ترك إدارة شؤون الدولة للعبيد المحرّرين، فانتفضوا وناصروا تاكفاريناس الذي كان قد التحق به من قبل فقراء ومشاغبي الولاية[35]. بالإضافة إلى ذلك كان ملك الجرمنت يرسل إلى تاكفاريناس عددا معتبرا من الميليشيات الخفيفة كتعزيزات. كان إذن شمال إفريقيا انطلاقا من أعمدة هيرقل إلى حتى منطقة سيرت العظمى Syrtis Maior في حالة ثورة شاملة من جديد[36]، ثورة كانت تبدو خطيرة جدا على الرومان. من جهة أخرى لم يتجرأ تاكفاريناس على كسر خطوط المواقع المحصنة، التي كان بليسوس قد شيّدها جنوب الولاية ونومديا، وركّز كل قواه في موريتانيا وحاصر مدينة توبوسكتو (تيكلات[37] حاليا) التي لا تزال أطلالها قائمة اليوم في واد ناساواث (واد ساهل حاليا[38]). كانت تلك المدينة في زمن آوغوستوس Augustus قد صارت مركزا لمستعمرة مشكّلة من قدامى جنود رومان كانوا ينتمون إلى الفيلق السابع، كما كانت محصّنة وتستطيع الدفاع عن نفسها لمدة طويلة ضد المتمرّدين، في انتظار يد عون دولابيلّا. عندما علم النوميديّون بتقدّم حاكم المحافظة مع عدد وفير من الجنود، عالمين أنه لم يكن بمقدورهم الصمود أمام اندفاع المشاة الرومان، سارعوا إلى إيقاف الحصار وعسكروا داخل قلعة اسمها آوزيا (سور الغزلان حاليا) هدموها وأحرقوها، واثقين أنّ الموقع الجيد للمكان المحاط  بغابات كبيرة تغلقه سيحميهم من أي مفاجئة. لم يهتم دولابيلّا في البداية بمطاردة العدة بل قام بتحصين المواقع الأكثر أهمية وكسر شوكة محاولة تمرد الموسولام بمعاقبة قادتهم واستدعى بطوليمايوس للالتحاق به مع من بقي له من جنود أوفياء، ثم شكّل أربعة سرايا من جيشه يترأس كل واحدة منها ليغاتوس[39] أو أطربون، في حين أنه كان يتولّى بنفسه مسؤولية القيادة العليا للعمليات وكان يرسل مجموعات من الجنود يقودها ضباط موريين لتخريب البلاد. عندما هيأ قواته على هذا النحو زحف حاكم الولاية بسرعة نحو آوزيا وانقض على الأعداء، الذين كانوا نائمين وغير مستعدّين للمعركة، واعتقلهم وذبحهم. عندما رأى تاكفاريناس حرسه يسقطون من حوله وابنه مسجونا والرومان الذين كانوا يحاصرونه من كل جهة، وعندما علم أنّ الحرب ستنتهي إن تم اعتقاله ألقى بنفسه وسط السهام لكي لا يقبض عليه الأعداء حيّا فلقى حينها حتفه المبرّر. كانت الحرب هذه المرة قد طوت فعلا أوزارها فأرسل الجرمنت سفراء إلى روما لكي يعربوا عن خضوعهم واستسلامهم؛ من جهة أخرى منح السيناتوس للشاب بطوليمايوس، اتّباعا لعادة قديمة، هدايا ثمينة وعصا من العاج وسترة مزركشة بالألوان سلّمها له عضو من الـسيناتوس وحيّاه بلقب الملك وحليف وصديق الشعب الروماني. إلّا أنّ تشريف النصر لم يُسلّم لــدولابيلّا، الذي كان من بين كل حكام الولاية الذين حاربوا تاكفاريناس هو الوحيد من يستحقّ تسلّمها، ولكن لن يتعجّب الشخص الذي يعرف تاريخ عدم العرفان للإنسان. ينقل تاكيتوس[40] أنّ تيبريوس رفض تشريف النصر لـدولابيلّا احتراما لـسييانوس، خشية من أن يتم نسيان شهرة ابن أخيه بليسوس. كانت حرب تاكفاريناس قد دامت سبع سنين (17-24 ميلادي) وكانت أشد صراع خاضه الرومان في إفريقيا بعد زمن يوغورثا: لم تكن تلك الحرب مجرّد تمرّد رحّالة نهّابين مثلما وصفها توتان[41] وإنّما كانت انتفاضة أهالي البلد الذين استجابوا لنداء ذلك القائد المقدام الذي أطلق عليه مومسن لقب أرمينيوس الإفريقي[42].

بقلم الاستاذ والباحث ساسي عابدي