خرافة الأمة العربية
بابا نويل , الفيل الطائر , سلاحف النينجا , الأمة العربية , هناك قاسم مشترك بينهم , هل عرفتموه ؟
القاسم هو أن كلهم أمور خيالية و خرافية , لكن في حين أن بابا نويل مأخوذ عن شخصية حقيقية و يمكن اليوم تقمص دوره , و أن الفيل الطائر يستخدم في الأمثال الشعبية , و سلاحف النينجا شخصيات كرتونية و سينمائية مشهورة , فالأمة العربية قضية لا تستند إلى أي شيء واقعي
لنعرف بداية معنى "أمة"
الأمة - Nation كما عرفها معجم Merriam Webster هي مجتمع من الناس مكون من قومية أو عدة قوميات يمتلكون أراض و حكومة
كما عرفها براين غانر أنها مجتمع مستقر من الناس مكون على أساس اللغة , الأراضي , الإثنية , أو الثقافة المشتركة
بعض الأمم تكون إثنية Ethnic Nationalism أي أنها مكونة من إثنية واحد , أو قد تكون مكونة من عدة إثنيات و ثقافات Civic Nationalism/Multicultural Nationalism و تقوم على أساس الليبرالية و المساواة و العدالة بين الثقافات المجتمعة المكونة لها , و بحيث تأخذ كل هذه الثقافات حقوقها , و يجمع هذه الثقافات أهداف و قيم مشتركة نحو أمتهم
إن أنجح أمثلة عن الأمم هي الدول الأوروبية و اليابان , فكل دولة أوروبية و كذلك اليابان هي أمة بذاتها تضم شعباً متجانساً إلى حد كبير و هي أقرب إلى الأمم الإثنية , في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية و كندا هي أمم مكونة من عدة شعوب و ثقافات تقوم على أساس الليبرالية  و الديموقراطية (على الأقل يحاولون ذلك و لكنها أقل نجاحاً بكثير من الدول الأوروبية)
ماذا عن الأمة العربية ؟
أولاً و بدايةً لم يوجد في التاريخ لا القديم و لا الحديث شيء اسمه أمة عربية أو وطن عربي , و نحن نتحدى إعطاءنا تاريخاً محدداً لوجود أمة عربية! في أي سنة من التاريخ كان هناك أمة عربية تحكمها حكومة عربية واحدة و مكونة من شعب عربي ؟
لا شك أن البعض سيقول الدولة الأموية و العباسية! لكن هذا كلام غير صحيح فالدولتان الأموية و العباسية من جهة لم يشملوا بوقت واحد الدول من المحيط للخليج و لطالما فقدوا السيطرة على العديد من المناطق فيهم بسبب حركات التحرر الشعبية من احتلالهم , و من جهة لأن الدولتان لم يبنيان على أساس العروبة بل على أساس الدين , فالدولة الأموية شملت شعوباً لا تتكلم حتى بالعربية , بل إن حتى في بداياتها عندما انتشرت في سوريا كانت الدواوين و لغة الشعب هي السريانية و استغرقت الكثير لتعريب اللسان و لم تنجح تماماً فما زالت الألفاظ السريانية و غيرها من الآراميات تملأ لهجات سكان منطقة آرام و كنعان
كما شملت الشعوب الأمازيغية و القبطية و الإسبانية و البرتغالية , فهي لم تكن دولاً عربية بل إسلامية , و حتى من الناحية الدينية كانت مقسمة جداً فظهر الفاطميون مثلاً , و ظهرت دويلات عديدة ضمنها مثلاً الحمدانيون و المماليك و غيرهم...
و في النهاية لم تقم هاتان الدولتان على أسس التعايش المشترك و لا احترام الثقافات و لا اللغات و لا على أساس تشارك إثني , بل كانت مجموعة من الاحتلال التي فرضت على تلك الشعوب , و لا يمكن تسمية هذه بأمة , و قول هذا هو كأن نقول أن كل المناطق التي ضمتها الامبراطورية الرومانية هي أمة رومانية! فهل حينها سوريا كذلك تابعة لأمة رومانية ؟
إذاً في التاريح القديم سواء قبل الإسلام أو بعده لم توجد أمة عربية و لم ترَ الحضارات القديمة نفسها جزءاً من قومية عربية تمتد من المحيط إلى الخليج , بل حتى لم ترَ نفسها تنتمي لمساحة شبه الجزيرة ذاتها التي لطالما حكمتها ممالك مختلفة و شعوب متصارعة!
و حتى بعد أن قامت بريطانيا باختراع القومية العربية , لم تظهر أمة عربية من المحيط للخليج و لو لمدة ثانية بعد سقوط الاحتلال العثماني , كما لا توجد صلات قربى و لا معرفة بين الشعوب المسماة عربية , بل حتى أن عملية تعريب الألسن و أسماء المدن لم تكتمل لحد اليوم
الشعوب المنضمة في جامعة الدول العربية لا تجمعها  ثقافات و لا لغات و لا أهداف و لا مصالح و لا مصائر و لا عادات مشتركة! حتى اللغة العربية التي فرضت فيها لا تعدو عن كونها لغة طقس ديني , أما في الحياة الفعلية فاللهجات هي المحكية , و لا شك أن اللهجات متأثرة باللغات الأصلية للمنطقة , و شعوب هذه المناطقة لا تفهم على بعضها باستخدام اللهجات , لولا التلفاز و الدراما السورية لم يكن ليفهم أحد اللهجة السورية , و كذلك بالنسبة للمصرية , لكننا ما زلنا اليوم سكان سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن نعجز عن فهم اللهجة اليمنية و الجزائرية و المغربية و التونسية و نلاقي صعوبة في اللهجة المصرية خاصة لهجة القرى و اللهجات الخليجية كذلك...
المنادون بأمة عربية اليوم هم كذلك يخالفون المبادئ التي عرفتها المعاجم و الباحثون كما ذكرنا أعلاه , فهم ينكرون التنوع الشعبي و الديني و الإثني و يحاولون إلغاء الثقافات الأصلية و محاربة لغاتها و طمسها , فهم حتى لا يستندون إلى أسس التعايش المشترك و السلام بين مكونات الشعب
في النهاية الأمة العربية من الناحية التطبيقية هي أكثر خرافة من وجود سلاحف النينجا , خرافة لا أساس تاريخي و لا واقعي لها , و سيكون مقالنا التالي "لماذا لا يمكن قيام وطن عربي واحد"


خرافة الأمة العربية 848








https://syrianethnicity.blogspot.com/2020/12/blog-post_26.html