مدينة تخرج من باطن الأرض
مدينة تخرج من باطن الأرض 1-628
وصف الأركيولوجي المغربي السيد عبدالجليل بوزوكار المآثر التاريخية التي اكتشفها مؤخرا مجموعة من "علماء الآثار والطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه" من المعهد الوطني للأركيولوجيا والتراث ـــ وصفها ب"مدينة تخرج من تحت الأرض"، وذلك في إطار "بحث انطلق شهر أبريل من السنة الراهنة 2023" ..
وقد وصف السيد بوزوكار مادة هذا الإكتشاف بكونها "جدران تحيط بالمدينة وتحميها، وحمام عمومي، علما أنه في العهد الروماني لم يكن يؤدي وظيفة الاستحمام فقط، بل كان مكانا للاستراحة والحديث في السياسة والثقافة والفلسفة، وهو ما يفسّر مدى العناية بتجميله." هذا بالإضافة إلى "مدفن، ومكان للطقوس الدينية، وتمثال لإلهة رومانية يعود إلى الفترة ما قبل المسيحية، فضلا عن زخرفات وأرضيات مرصّعة بالطريقة الرومانية."
ولنا هذا على هذا الإكتشاف ثلاث ملاحظات تعليقان اثنان وهي:
ثلاث_ملاحظات
أولا نفهم من كلام السيد بوزوكار أن البحث عن هاته المآثر لم يكن جزءا من برنامج بحثي موجه استراتيجيا بأسئلة علمية مؤسَّسَة، بل جاء نتيجة ل"سؤالٍ للوزير الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد عما اكتُشف في محيط شالة" ... "فانطلقت هذه الأبحاث، ليجد علماء الآثار والطلبة الباحثون في سلك الدكتوراه بالمعهد جدرانا وحماما عموميا ... من المهم جدا أن نلاحظ أن السيد الوزير هو الذي يحدد للمعهد الوطني ولباحثيه وطلبة الدوكتوراه ما ينبغي أن يبحثوا عنه ور(بما) ما لا ينبغي أن يبحثوا عنه أيضا.
ثانيا ذكر السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل أن وزارته ستوفر دعما سخيا لدعم هاته الحفريات مقداره "10 ملايين درهم لتستمر عمليات التنقيب عشرَ سنوات أو خمس عشرة سنة". وبذلك فالسيد الوزير لا يوجه المعهد الوطني فقط بأن يطرح عليه أسئلة ينبغي أن يجيبوا عنها، بل يدعمهم أيضا بسخاء (مليار سنتيم) لكي يساعدوه على إيجاد أجوبة لأسئلة خطرت على باله بتجنيد "الباحثين" و"طلبة الدوكتوراه".
ثالثا لم يعرض المعهد والوزارة أية صور قريبة للقي والآثار المحددة التي وردت في الخبر الصحافي، وهي:
* حمام
* مكان للطقوس الدينية
*مدفن
* تمثال ل"إلهة" (سبحان الحقيق بالعبادة عما يصفون) رومانية.
* زخرفات وأرضيات مرصّعة بالطريقة الرومانية  
 
بل اكتفى بنشر صور تكشف عن بنية الآثار العمرانية من نقطة بعيدة نسبيا فلا نستطيع رؤية الآثار واللقي ... فكنا نود أن نرى صورا "للزخرفات" و"الأرضيات المرصعة بالطريقة الرومانية" و"المدافن" وآثار الصنم" .. فبما أن الوزير الذي أوحى للمعهد الوطني بالبحث في هذه المآثر وزير ل"التواصل"، فإننا كنا نتوقع مستوى من التواصل أدق في إيصال خبر الإكتشاف إلى دافعي الضرائب ..
تعليقان
أولا لقد تزامن الإعلان عن اكتشاف "شالّة" مع الإعلان عن اطلاق "نظام معلومات للتراث المادي المغربي" الذي يتضمن حسب الوزارة أكثر من 150 مبنى وموقعا أثريا ومعلومات حولها تخص تاريخ إنشائها وتسجيلها كتراث وطني، وكذلك وضعيتها الحالية" ... لكن مما لاحظناه على "نظام المعلومات هذا" أنه يقصي المنقوشات التيفيناغية تحديدا بشكل كبير، ويعتم عليها تعتيما مريبا. فهو يسميها بالمنقوشات (الليبو بربرية)، مستعملا العبارة العنصرية "بربري" رغم أن دستور المملكة المغربية وخطب جلالة الملك تسمي هذ المكون الثقافي ب"الأمازيغى وليس ب"البربري"، ويتعمد الإكتفاء بإدراج المنقوشات الصخرية التصويرية (صور الحيوانات والإنسان ...) بدون إدراج لمنقوشات النصوص المكتوبة بحروف تيفيناغ. فهل مرد عدم الإهتمام هذا هو أن "حروف تيفيناغ" وتاريخها لم تثر أية أسئلة في ذهن السيد الوزير ليوجه بها المعهد الوطني نحو هذا التراث الوطني الذي يبدو أنه يتحرك بدافع من الأسئلة التي تخطر على باله؟ أم يتنتظر المعهد وأهله أن يخطر هذا السؤال ببال السيد الوزير أولا قبل أن يوجه أساتذة المعهد طلاب الدوكتوراه لجمع النقائش التيفيناغية ودراستها؟
ثانيا لماذا تميل جهود البحث التي يقوم به المعهد #الوطني إلى التركيز على المناطق الساحلية التي كان يحتلها الرومان (وربما "الفينيقيون")، ولكنه لكنه لا يركز على المناطق الداخلية والجنوبية التي تكثر فيها النقائش التيفيناغية ...؟ ألا يعطي هذا انطباعا خاطئا بأننا مهتمون بتاريخ المستعمر أكثر من اهتمامنا بتاريخنا الذاتي وملامح عبقريتنا التاريخية الأصيلة ...؟ ألن يؤدي هذا التركيز إلى التشكك في وجود "جيوب مقاومة" محلية تحارب، وبشكل منهجي، الأبعاد الأكثر أصالة لهويتنا التاريخية؟ هل ينبغي على المعهد وأهله أن ينتظروا إلى أن يخطر سؤال حول النقائش الليبية الأمازيغية في ذهن السيد الوزير لكي يعطوا أولوية لهذا المكون الهوياتي الأصيل في تاريخنا؟  

أمابعد
إن جمع نقائش تيفيناغ، التي هي التعبير الثقافي الأعمق والأقدم والأرسخ لعبقريتنا الثقافية ـــ جمعها في متحف أثري لن يحتاج لمليار سنتيم ...! لن يحتاج سوى ل "كاميو" وأساتذة باحثين (لا يحتاجون لمرتبات إضافية لأن مرتباتهم تدفع أصلا من دافعي الضرائب) وبعض العمال ... لذلك فعدم إعطائها الأولوية في أعمال البحث والإستغوار والجمع والتشفير يطرح أسئلة جدية عن الآليات السرية  التي تدبر بها هويتنا الوطنية! ولأيديولوجية السرية التي تحرك هاته الآليات!  لذلك فنحن لا نحتاج أن ننتظر إلى أن يخطر سؤال حول نقائش تيفيناغ على بال السيد الوزير لنبدأ في دراستها بشكل جدي!