البشرية بانتظار إعلان حقبة جيولوجية جديدة في تاريخ الكوكب
البشرية بانتظار إعلان حقبة جيولوجية جديدة في تاريخ الكوكب 11230
سيشكل إعلان الحقبة الجديدة نقلة نوعية في التفكير العلمي- CC0
تستعد البشرية لتسجيل حقبة جيولوجية جديدة في تاريخ كوكب الأرض، تعتمد في الأساس على التأثير البشري على الكوكب، واختار العلماء لها اسم "حقبة الأنثروبوسين".
منذ 2009، تنكبّ مجموعة من علماء الجيولوجيا على جمع أدلّة عن انتقال البشرية إلى عصر جيولوجي جديد ناجم عن التأثير البشري... وسيعلن هؤلاء الثلاثاء عن أحدث خلاصاتهم، وهو موقع انطلاق حقبة الأنثروبوسين التي بدأ عندها التأثير البشري الهائل على الكوكب.
وسيتوّج الإعلان المتوقع الثلاثاء خلال مؤتمرين علميين في مدينة ليل الفرنسية والعاصمة الألمانية برلين، من دون خلاصات جازمة، مغامرة علمية أطلقها في عام 2002 بول كروتزن، الحائز جائزة نوبل في الكيمياء بفضل تحديده مصادر تدمير طبقة الأوزون، وهو أول من تحدث عن ظهور هذه الحقبة التي توصف بـ"عصر تأثير الإنسان"، في نظرية لم تحظ بموافقة رسمية من أعلى السلطات العلمية.
ويُقسَّم تاريخ الأرض الممتدّ على 4.6 مليار سنة، بشكل منهجي إلى عصور وفترات وعهود وحقب جيولوجية، وهو تقسيم يتعلّمه الطلاب وتطوّره اللجنة الدولية لطبقات الأرض. وتعيش البشرية حالياً في فترة الحياة الحديثة، العصر الرباعي، الحقبة الهولوسينية (الحقبة الحديثة).
وهذه اللجنة هي التي كلّفت مجموعة العمل المعنية بالأنثروبوسين (حقبة التأثير البشري) بمهمة الإجابة، بحكم الواقع، على ثلاثة أسئلة رئيسية.
وبحسب هذه التساؤلات، فإنه إذا عمدت مجموعة كائنات فضائية خلال الأعوام المليون المقبلة إلى تفتيش طبقات الصخور والرواسب الموجودة على الأرض، فهل ستكتشف أثراً بشرياً مهمّاً بما يكفي لاستنتاج أنّ حدوداً جيولوجية جديدة قد جرى اجتيازها بوضوح؟ إذا كان الأمر كذلك، فمتى نجد أوضح دليل على ذلك؟ وأين؟
صعوبة بالغة
بالنسبة للسؤال الأول، فإنّ إجابة مجموعة العمل لا لبس فيها، إذ يؤكدون أنّ البشر أخرجوا فعلاً الكوكب من حقبة الهولوسين التي بدأت قبل 11700 عام بعد دورات جليدية عدة، ونقلوه إلى "عالم جديد".
البشرية بانتظار إعلان حقبة جيولوجية جديدة في تاريخ الكوكب 12636
وآثار النشاط البشري، من اللدائن الدقيقة (ميكروبلاستيك) إلى الملوّثات الكيميائية الأبدية مروراً بالأنواع الغازية وغازات الدفيئة، موجودة في كلّ مكان، من قمم الجبال إلى قيعان المحيطات، والاضطرابات التي تسبّبها كثيرة، بما يشمل تغير المناخ، والتلوث، وفقدان التنوع البيولوجي، إلى حد كسر التوازن الطبيعي للكرة الأرضية.
وبالنسبة لفريق العمل، فإن نقطة التحول هي منتصف القرن العشرين، عندما شهدت جميع مؤشرات وجود التأثير البشري في الرواسب ارتفاعاً هائلاً أطلق عليه العلماء اسم "التسارع العظيم".
ويبقى تحديد المكان الرمزي حيث يكون هذا التحول أكثر وضوحاً. وقد يكون ذلك في بحيرة، أو في شعاب مرجانية، أو كتلة جليدية... وقد وُضعت تسعة مواقع في الصين وكندا واليابان وأماكن أخرى في القائمة المختصرة للأماكن المحتملة في هذا الإطار.
ولا يزال غموض كبير يكتنف هذا الموضوع، خصوصاً لناحية معرفة هل ستتم المصادقة على هذا العمل رسمياً من قبل أعضاء اللجنة الدولية لطبقات الأرض، ثم من الأوصياء في الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية، المعروف بتصلبه عندما يتعلق الأمر بتعديل الميثاق الدولي لتاريخ طبقات الأرض.
والانطباع السائد يشير إلى صعوبة كبيرة في هذا الشأن. ويعتقد بعض الجيولوجيين المشهورين أنه لم يتم استيفاء المعايير التقنية المطلوبة لتوصيف الأنثروبوسين على أنه "حقبة" جديدة، رغم إقرارهم بحدوث تغييرات جذرية خلال القرن الماضي.
الأنثروبوسين "حقيقي"
لذلك يعتقد فيل غيبارد، وهو أمين اللجنة الدولية لطبقات الأرض، أنّ مصطلح "حدث جيولوجي" سيكون أكثر ملاءمة.
وشدد غيبارد في عام 2022 على أنّ "الظروف التي تسببت في حدوث التجمعات الجليدية"، وهي سلسلة من عشرات الدورات الجليدية التي حدثت على مدى المليون سنة الماضية، "لم تتغير، لذلك فإنه يمكننا أن نتوقع أن الهولوسين لن يكون سوى حقبة جليدية بينية".
البشرية بانتظار إعلان حقبة جيولوجية جديدة في تاريخ الكوكب 1-2846
ولكن، بحسب مؤيدي تصنيف الأنثروبوسين كحقبة جليدية، فلأول مرة في تاريخ البشرية، لا يقتصر الأمر على تغيير نوع ما بشكل جذري لمورفولوجيا الأرض والتركيبة الكيميائية والبيولوجية فيها فحسب، بل يدرك هذا النوع أنه فعل ذلك.
ومن شأن تسمية العصر أن تدفع بالبشرية إلى التركيز على التحديات المستقبلية، وهو ما أسماه بول كروتزن "نقلة نوعية في التفكير العلمي".
وقال مدير معهد بوتسدام للأبحاث حول آثار تغير المناخ يوهان روكستروم، وهو معدّ دراسة تاريخية حول حدود الكواكب، لوكالة فرانس برس: "علينا أن نعترف بوجود نقاط تحول".
وبالنسبة إلى رئيس مجموعة العمل يان زالاسيفيتش، فإنّ عدم التصديق على الانتقال إلى حقبة الأنثروبوسين سيترك الانطباع بأن ظروف الهولوسين، التي سمحت للحضارة الإنسانية الازدهار، لا تزال موجودة.
وقال لوكالة فرانس برس: "من الواضح أنّ الأمر ليس كذلك"، مضيفاً أن "العلم يتعلق بالتمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك. والأنثروبوسين حقيقي".
وعلى صعيد تأثير البشر على الكوكب، اكتشف باحثون في أعماق خليج بيبو في اليابان، كنزا في طبقات من الرواسب والوحل، وهو دليل مادي على أن البشرية غيرت كوكب الأرض.
وبيبو هو أحد المواقع المرشّحة لتجسيد العبور إلى الأنثروبوسين.
البشرية بانتظار إعلان حقبة جيولوجية جديدة في تاريخ الكوكب 1-2847
ويدرس ميتشينوبو كواوي، الأستاذ في مركز إهيمي للدراسات البيئية البحرية، الموقع منذ حوالي عقد. وركز بحثه في البداية على تأثير تغير المناخ على تجمعات الأسماك، إذ توفر حراشف الأسماك في مخزون الترسبات أدلة.
ولم يبدأ إلا أخيرا في اعتبار الموقع نقطة ساخنة لدراسة الأنثروبوسين، نظراً إلى "البصمات البشرية المتعددة التي تشمل مواد كيميائية من صنع الإنسان ونويدات مشعة موجودة في الطبقات الرسوبية للخليج".
"التأثير البشري على الأرض"
ولكي يُعتبر ذا دلالة، فإنه يجب أن يقدم الموقع إثباتات تعود إلى قرن على الأقل وعلامات بشرية المنشأ مثل شارات على اختبارات نووية وتغيّر النظام البيئي والتنمية الصناعية.
كما أنه يجب أن يقدم أرشيفات كاملة للفترة المدروسة، ومعلومات تسمح للعلماء بتحديد كل طبقة مع الفترة التي تشكلت خلالها.
ويعتبر الباحثون الشعاب المرجانية مرشحا جيدا لأنها تنمو في طبقات مثل جذوع الأشجار وتمتص العناصر الذائبة في الماء، مثل مخلفات الاختبارات النووية.
لكن الشعاب المرجانية لا يمكنها التقاط العناصر التي لا تذوب في المياه مثل جسيمات البلاستيك الدقيقة.
البشرية بانتظار إعلان حقبة جيولوجية جديدة في تاريخ الكوكب 1--1403
وتحتوي رواسب خليج بيبو على أسمدة وعناصر من فيضانات تاريخية مؤرخة رسميا، فضلا عن حراشف أسماك وبلاستيك. ومن بين البيانات الأكثر لفتاً للانتباه وفق كواوي ويوكوياما، بصمات من سلسلة تجارب نووية أجريت في المحيط الهادئ بين عامَي 1946 و1963.
وأنتجت الاختبارات إشعاعا جويا يمكن اكتشافه عالميا لكن أيضا مخلفات مباشرة رصدت في أماكن قريبة من مواقع الاختبار. وعلّق يوكوياما بالقول: "يمكن اكتشاف الاثنين".
وأظهرت عينات مأخوذة من الخليج كميات من البلوتونيوم متسقة مع اختبارات نووية محددة، وقد تطابق ذلك مع نتائج مماثلة في الشعاب المرجانية في إيشيغاكي المجاورة.


المصدر:مواقع ألكترونية