الدكتور الشامي يكتب: التقويم الأمازيغي والاعتبارات الداعية لترسيمه
الدكتور الشامي يكتب: التقويم الأمازيغي والاعتبارات الداعية لترسيمه 1----925
ليسجل التاريخ هذه اللحظة الاحتفالية الرسمية للتقويم الأمازيغي الذي انضاف إلى التقويم الهجري والميلادي، كما اعتاد أجدادنا الاحتفال به وبكل عفوية وتلقائية منذ العهود الغابرة، ولكن احتفالية اليوم حدث تاريخي عاد بنكهة العيد الوطني الشرعي والقانوني. ففيما مضى كان الاحتفال كمن ينتشي بالمحظور. أما اليوم فيحق لنا أن نحتفل مرفوعي الرأس وأمام مرأى ومسمع من الناس والعالم. فهنيئا لنا جميعا وهنيئا لكافة المغاربة بهذا المكسب الجديد الذي يعود فيه الفضل وكل الفضل إلى القرار الملكي القاضي بترسيم التقويم الأمازيغي أو بالأحرى العيد الوطني “إخف ؤسكاس” عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
أيها الإخوة، إن هذا القرار الملكي موقف سياسي من أعلى سلطة في الدولة، وهو قرار صادر من الديوان الملكي ببيان مكتوب (3ماي 2023) مبني على اعتبارات وحيثيات هامة، معبر عنها في هذا البيان بما يلي : “… باعتبارها (أي الأمازيغية) مكونا رئيسيا للهوية المغربية الغنية بروافدها ورصيدا مشتركا لجميع المغاربية بدون استثناء”. فكلمات؛ “الرئيسية أو الرئيسة” و”الرصيد” و”المشترك” و”الروافد” -بحكم تكرارها وترددها في الخطب الملكية والدستور والقوانين التنظيمية الموضحة له- ليست بمفردات لغوية عادية بل أصبحت مصطلحات ومفاهيم تستوجب الوقوف عندها :
– فأول هذه المصطلحات كلمة الرئيس أو الرئيسي : التي أعطيت للأمازيغية دون سواها من المكونات الأخرى. وذلك للدور المحوري الأساس الذي تلعبه الأمازيغية باعتبارها البوتقة التي تنصهر فيها كل العناصر والمكونات الإفريقية والاندلوسية والمتوسطية التي أغنت الهوية المغربية الأصيلة بتعبير البيان نفسه والتي وصفت بالروافد التي تصب في النهر.
– وثاني الحيثيات التي بني عليها القرار في بيان الديوان الملكي هو اعتبار الأمازيغية رصيدا مشتركا لكافة المغاربة بدون استثناء. فلماذا استعمل البيان كلِمَتي “الرصيد” و”المشترك”. فالدارسون لم يقفوا كثيرا لتحليل المغزى العميق والدلالات الكبرى التي تشير إليها هذه الكلمات البسيطة التي أصبحت مصطلحات مفاهيمية كما قلنا سابقا. فالمقصود بكلمة الرصيد لغة هو الرأسمال، إقاريضن هي العملة والممتلكات “أيدا” أو “أكرا” ⴰⴳⵔⴰ بالأمازيغية، وإن كان هذا الرأسمال ثروة لا مادية من القيم والموروث الثقافي الذي تكون وجمع وانتقل من جيل إلى جيل حتى وصل إلى محطة الاعتراف الرسمي. أما كلمة “المشترك” فهو مفهوم آخر انفرد فيه المغرب عن باقي دول العالم، ألا وهو البعد الوطني الذي أعطي للأمازيغية، البعد الذي لم يُعْطَ للإتنيات والقوميات في الدول الغربية لما لها من طابع جهوي، محصورة النفاذ والانتشار في نفس الدول التي تنتمي إليها.كما هو حال الباسكية والكاتالانية في إسبانيا وكذا الوالونية والفلامانية في بلجيكا وغيرها من قوميات الدول الأخرى التي هي سجينة المناطق الجغرافية التي تنتمي إليها.
– وثالث الحيثيات المعتمدة في القرار المتعلق بالتقويم الأمازيغي هو الدستور المغربي الذي هو أسمى قانون يلزم الجميع وخاصة الفقرة الخامسة من الفصل الخامس الذي يقر بـ “حماية وصيانة الدولة لـ “مختلف التعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب”، وتبعا لذلك أوصت القوانين التنظيمية بإنشاء معاهد عليا تعنى “بحماية وصيانة وتطوير الموروثات الثقافية المتنوعة بما في ذلك الموروث الثقافي الفلاحي وطقوسه الاحتفالية المتجدرة. فالقرار الملكي وتكريسا للدستور يضيف عيدا ثقافيا-هوياتيا إلى قائمة الأعياد الوطنية والدينية. علما بأن مثل هذه الأعياد الثقافية تعتبر لدى بعض الدول الإسلامية أعيادا قومية يجعلونها على رأس الأعياد الوطنية والدينية مثل النيروز (اليوم الجديد) والذي هو عيد رسمي في كل من إيران وتركيا وأفغانستان ودول القوقاز وغيرها من الدول. ولقد اتخذه العرب عيدا فيما مضى في ربوع الشام والعراق وفي ظل الخلافة الاسلامية وخاصة الدولة العباسية رغم ارتباطه تاريخيا بالأساطير والممارسات الوثنية. ولقد تغنّى به الشعراء أمثال البحتري قائلا :
الدكتور الشامي يكتب: التقويم الأمازيغي والاعتبارات الداعية لترسيمه 1----287
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ** من الحسن حتى كاد أن يتكلما
ولقد نبّه النيروز في غسق الدجى ** أوائل ورد كن بالأمس نوَّما
فإقراره في المغرب عيدا ثقافيا -كان بالأمس مطلبا وطنيا- يقوي مما لا شك في ذلك أواصر الشعب المغربي إن لم نقل الشعوب المغاربية. وجدير بهذا العيد، المرتبط أساسا بالأرض وخيراتها والبيئة بصفة عامة وهي من الاهتمامات الآنية، أن يقترح كتراث ثقافي عالمي لدى منظمة الأمم المتحدة (اليونيسكو) على غرار النيروز وغيرها من الأعياد الثقافية التي ضمتها الأمم المتحدة إلى قوائمها الممثلة للتراث العالمي.
التقويم الزمني
وأخيرا فاعتراف الدولة بالتقويم الأمازيغي بما فيه التقويم الزمني لسنة 2974 والذي يبدأ من 950 قبل الميلاد، ولا سيما أن هذا التقويم أثار جدلا واسعا وما زال قائما وخاصة بين الدول المغاربية حيث إن كل قطر يحاول انتسابه إليه دون غيره، علما أن الانتساب ينبغي أن يكون لتمازغا وللأمازيغ قاطبة من المحيط إلى السيوة، وخاصة وأن هذا التقويم ينتمي إلى عهود قديمة لا وجود فيها للحدود القطرية المعاصرة.
إضافة إلى كونه أي التقويم الزمني مرتبطا بحدث تاريخي عظيم يعتبر مساهمة في إحدى أكبر حضارات الشرق الأوسط القديم ألا وهي الحضارة الفرعونية. فالشعوب غالبا ما تؤرخ لأنفسها انطلاقا من الأحداث العظيمة والحدث التاريخي العظيم الذي ارتضاه الأمازيغ تقويما لهم هو مساهمتهم في الحضارة الفرعونية واعتلاؤهم للعرش الفرعوني وتأسيسهم للأسرة الثانية والعشرين سنة 950 قبل الميلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن ⵛⵉⵛⵓⵏⴳ شِيشُنْق أو شِيشُنْغ « Sheshong » تولى الملك بطريقة سلمية وطبيعية جدا ولا أحد اعترض على ذلك، نظرا لقربه من البلاط الملكي الفرعوني ونظرا لقرابته من الملك بْسُوسْنِس الثاني 2Psusnnes آخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين. وهو نفسه أي الملك بسُوسْنِس الثاني كما يبدو مهد له أمر اعتلاء العرش. فضلا عن المكانة العسكرية والدينية التي كان يتمتع بها في الدولة. فالأمازيغ إذن لم يدخلوا مصر عنوة ولم ينتصروا على رمسيس ولا على آخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين كما يزعم البعض ولم يدخلوا مصر غزاة ولا محتلين، بل استوطنوا دلتا النيل باعتبارهم مزارعين ومحاربين في الجيوش الفرعونية، وانصهروا في الحضارة الفرعونية التي هي منهم وإليهم لأنهم من أرومة واحدة، الشيء الذي يؤكده تداخل قبائل الليبو والمشواش وتمحو وغيرها من قبائل غرب ليبيا مع إخوانهم الأمازيغ في مصر كقبائل إسيوان المعروفة بالسيوة في غرب مصر والتي مازالت تتحدث الأمازيغية الزناتية إلى يومنا هذا. وشِيشُنْق نفسه ولد من أسرة أمازيغية كانت تسكن في السيوة غرب مصر وولد في إهناسيا التي تدعى بالفرعونية نِنْسُو وهي محافظة الفَيُّوم حاليا (شمال الصعيد المصري). فالأمازيغية والأمازيغ إذن مكون مصري أصيل له امتداد في إفريقيا الشمالية وكل من الأمازيغ والفراعنة من أرومة واحدة. أما ادعاء بأن الأمازيغ انتصروا على المصريين واستعبدوهم لا أساس له من الصحة، وبالتالي لا يمكن للأمازيغ أن يتخذوا الحرب أو الاحتلال عيدا لهم.
الدكتور الشامي يكتب: التقويم الأمازيغي والاعتبارات الداعية لترسيمه 1----z60
فعندما نقول بأن الفراعنة والأمازيغ من أرومة واحدة لأنهم حاميون ينتسبون إلى حام ابن نوح عليه السلام والعائلة اللغوية الحامية تشمل كلاّ من شمال إفريقيا ومصر الفرعونية والقرن الإفريقي. أما العائلة السامية فهي تنتسب إلى سام ابن نوح عليه السلام وتشمل الآرامية والكنعانية والعربية والعبرية وما إلى ذلك من لغات الشرق الأوسط القديم.
وآخر الدراسات المقارنة تفترض بأن اللغة الأم والمهد الحضاري الأصلي للحامية – السامية أو الأفروأسيوية هو شمال إفريقيا وذلك بعد هجرة قديمة إلى الشرق الأوسط على إثر كارثة مناخية تشكلت فيها الصحراء الإفريقية الكبرى. وهو ما يرجحه علماء اللغة وعلماء الآثار والميتولوجيا.
ش شِيشُنْغ (شيشنق) موحد الشرق الأوسط القديم :
لقد وسع شِيشُنْغ نفوذ مصر السياسي واستولى على أهم الممالك التي كانت في الشرق الأوسط القديم؛ ومن تلك الممالك :
أورشليم (القدس حاليا) وأخضع مدنها (165 مدينة) كما تذكر ذلك نقوش معبد الكرنك التي دونت حملة شِيشُنْق على فلسطين والتوراة أيضا تتحدث عن انتصارات شيشنغ الساحقة على مملكة اسرائيل القديمة وبقدر كبير من التفصيل.
كما استولى على المملكة الأوغاريتية (سوريا حاليا) والمشهورة عالميا بوثائقها المسمارية المكتوبة على الألواح الطينية التي اكتشفت سنة 1928.
وكما استولى أيضا على مملكة الكنعانيين في لبنان وعاصِمتها جُبِيل Jbeil التي تعني بيت الله (جب:بيت + إيل:الله) معتقدين بأن عاصمة الكنعانيين هذه بناها إيل (الإله الأكبر) وجُبِيل هذه تعتبر من أقدم المدن المأهولة في العالم ومن المدن القليلة التي استمر عمرانها وبقيت مأهولة إلى يومنا هذا.
الدكتور الشامي يكتب: التقويم الأمازيغي والاعتبارات الداعية لترسيمه 1----z40
وخلاصة القول نلاحظ بأن شيشنق وحَّد الشرق الأوسط القديم قاطبة ولأول مرة في تاريخ الفراعنة يضم العرش الفرعوني الأمازيغي ستة أقطار بالمفهوم الحالي للقطر ألا وهي: مصر وسوريا ولبنان وفلسطين وكذا ليبيا والسودان. وهي بالتتالي : مصر الفرعونية والمملكة الأوغاريتية ومملكة الكنعانيين وأرشليم (القدس حاليا) وقبائل الليبو والمشواش وتمحو شرق إفريقيا الشمالية ومملكة كوش النوبية في السودان حاليا.
كما تجدر الإشارة إلى أن العرش الفرعوني اعتلاه ثلاث أسر كبرى؛ الأسرة الفرعونية المصرية المؤسسة 1300 قبل الميلاد والأسرة النوبية في السودان 2500 قبل الميلاد والأسرة الفرعونية الأمازيغية 950 قبل الميلاد التي اتخذنا تأسيسها حدثا عظيما ومنطلقا جديرا بالتقويم.
وأخيرا نهنئ أنفسنا مجددا على هذه اللحظة التاريخية التي كانت ثمرة نضال وصمود غيوري هذا الوطن.
نص مداخلة الدكتور محمد الشامي في منتدى أزافورم بأكادير


المصدر : مواقع ألكترونية