" الآراميون و لغتهم الآرامية "
" الآراميون و لغتهم  الآرامية " 1---29
هنري بدروس كيفا
أقدم كتابة آرامية تعود الى القرن التاسع ق٠م بينما أقدم كتابة كنعانية تعود الى القرن الحادي عشر ق٠م و لذلك أغلب العلماء يذكرون أن الأبجدية الآرامية قد تطورت من الأبجدية الكنعانية .أما " اللغة الآرامية " نفسها فهي لغة شرقية ( سامية ) قريبة جدا من اللغة العمورية حسب بعض المؤرخين المتخصصين في تاريخ اللغات الشرقية مثل كوفمان .
هنالك عدة كتابات تؤكد تواجد الشعب الآرامي في الشرق القديم منذ أواسط الألف الثالث ق٠م تحت تسميات مختلفة ( قبائل السوتو / الأحلامو / الآراميين ) و لكن منذ القرن الحادي عشر ق٠م بدأت
التسمية الآرامية تنتشر في الكتابات بينما إختفت رويدا رويدا التسميتين السوتية و الأحلامو...
أغلب المؤرخين و العلماء اللغويين يعتبرون اللغة الآرامية لغة مستقلة عن الأكادية و العمورية و الكنعانية بالرغم من انها جميعا تتحدر من "لغة أم " مشتركة و هي الأقدم و طبعا لا أحد يعرف إسمها...
بعد هجوم " شعوب البحر " على الشرق إستطاعت القبائل الآرامية أن تنتشر في كل الشرق القديم و أن تؤسس عددا كبيرا من الممالك في الجزيرة السورية / بيت نهرين و في بلاد آرام / سوريا القديمة.
أهم مشكلات تاريخ الآراميين :
أولا - إن أبجديتهم المتطورة كانت سهلة و من ٢٢ حرف و كانت تكتب على جلود الحيوانات بعكس الكتابة الأكدية الصعبة ( ٦٠٠ نقش) و كانت تكتب على لوحات الاجر الفخار . هذه اللوحات الفخارية صمدت بينما تلفت جميع الكتابات الآرامية ما عدا التي نقشت على الصخر !
ثانيا - إن أهم مصادر تاريخ الآراميين هو الكتابات الأكادية و تقريبا ٧٠ بالمئة من معلوماتنا حول إنتشار الآراميين هو بفضل هذه الكتابات الأكادية .
ثالثا - لا شك أن سوريا و الجزيرة و و وسط العراق و شرقي الأردن و مناطق عديدة في شمال فلسطين و سهل البقاع و شمال لبنان كانت آرامية أي إستوطنها الآراميون و هنالك براهين تاريخية
رابعا - صهر بقايا الشعوب القديمة :
١- الجزيرة السورية/نهريما / بيت نهرين : لقد أسس الشعب الميتني إمبراطورية واسعة وصلت غربا الى حلب و جنوبا الى بلاد أشور بين ١٦٠٠ و ١٢٠٠ ق٠م و لكن بعد إنتشار الآراميين ١٢٠٠ ق٠م إختفى ذكر الشعب الميتني الهندو أوروبي ! لقد ذابت بقاياه ضمن الآراميين ٠
٢- سوريا / بلاد آرام : لقد إنتشر الشعب الحثي في حماة و قرب مدينة سمأل ( لواء الإسكندرون المغتصب ) و هنالك عدة كتابات حثية تؤكد تواجدهم خاصة في حماة و لكن بعد إنتشار الآراميين إختفت الكتابات الحثية و الأسماء الحثية و هذا برهان أن الآراميين قد صهروا بقايا الحثيين !
٣- بلاد أشور : لقد إنتشرت القبائل الآرامية في جميع المناطق المحيطة في بلاد أشور . و بعد إنتصارات الأشوريين على القبائل الآرامية الثائرة عمد ملوك أشور الى سياسة سبي و نقل تلك القبائل
الثائرة الى بلاد أشور و هذا مما أدى الى تفوق عدد الآراميين على الأشوريين في بلاد أشور نفسها ٠
خامسا - هل كل من تكلم اللغة الآرامية هو آرامي ؟
١- إن اللغة الآرامية مع أبجديتها كانت ثورة حقيقية في التاريخ القديم لأنها سمحت للفرد أن يدون بشكل مبسط و أن ينقل للأجيال اللاحقة ما كتبه و ترك له . اللغة الأكادية كانت محكية و منتشرة في كل الشرق القديم كلغة رسمية و لكنها كانت صعبة التدويين و عدد قليل جدا كانوا يجيدون تدوينها و فهم كتاباتها . اللغة الأكادية لم تكن محكية في بيت نهرين الجزيرة أو بلاد آرام !
٢ - الأشوريون و رغم إنتشار اللغة الآرامية ظلوا محافظين على اللغة الأكادية كلغة رسمية في جميع أنحاء إمبراطوريتهم ! القبائل الآرامية في بلاد أكاد عندما قضوا على الحكمالأشوري فإنهم حافظوا
على اللغة الأكادية كلغة رسمية ! بينما أصبحت اللغة الآرامية هي اللغة المحكية في جميع أنحاء إمبراطوريتهم و مع الوقت مسحت كل اللغات الشرقية من أكادية و كنعانية و عبرية !
٣ - لقد سبى الآراميون في بلاد أكاد قسما كبيرا من الشعب اليهودي سنة ٥٨٧ ق٠م و بدأ اليهود يستخدمون اللغة الآرامية التي تعلموها في بلاد أكاد و بعد قرنين نرى إنهم يترجمون أسفار التوراة من العبرية الى اللغة الآرامية . ليس فقط سيدنا يسوع المسيح قد تكلم باللغة الآرامية و لكن الشعب اليهودي بأكمله و لمدة زمنية طويلة جدا : بعض العلماء اليهود قد كتبوا باللغة الآرامية في الأندلس في القرن الحادي عشر الميلادي ! و جميع اليهود العراقيين كانوا يتكلمون اللغة الآرامية في القرن العشرين !
٤ - بعد إحتلال الفرس للشرق القديم سنة ٥٣٨ ق٠م سوف يختارون اللغة الآرامية كلغة رسمية في جميع أنحاء إمبراطوريتهم الواسعة .
أ- نلاحظ أن ملوك الشعب الأرمني قد دونوا أخبارهم باللغة الآرامية و هذا لا يعني أن اللغة الآرامية كانت محكية عند الشعب الأرمني !
ب- لقد وجدنا عددا كبيرا من الكتابات الآرامية في إقغانستان : هذا لا يعني أن الآراميين كانوا منتشرين في إفغانستان أو أن الشعب الأفغاني كان يتكلم اللغة الآرامية : هذا يؤكد لنا أن الفرس قد إستخدموا اللغة الآرامية كلغة رسمية و لتدوين العقود التجارية .
ج- الكتابات الآرامية المكتشفة في جزيرة الفيلة على نهرالنيل تؤكد لنا أن الجيش الفارسي كان يتراسل
مع السلطة المركزية باللغة الآرامية ٠ من المؤسف أن بعض المفكرين الآراميين يدعون أن اللغة
الآرامية كانت محكية في بلاد مصر !
الخاتمة
تحية الى العلماء السريان الذين عاشوا في العصور الوسيطة و تركوا لنا مئات النصوص السريانية يؤكدون فيها هويتهم الآرامية و أن لغتهم الأم هي السريانية المرادفة للآرامية . للأسف لنا أن علماء اللغة السريانية في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين قد خصصوا تعبير " اللغة الآرامية " للغتنا القديمة و تعبير " اللغة السريانية " للغة الآرامية التي كانت منتشرة في الرها . و هذا مما نشر بعض "المفاهيم الخاطئة " فصار البعض يتوهم أن اللغة السريانية هي غير الآرامية .
طبعا ليس كل من تكلم اللغة الآرامية فهو آرامي بالهوية : الشعب الأرمني قد إستخدم اللغة الآرامية مثل الشعب الفارسي و لكنهم ليسوا آراميين . جميع مسيحيي الشرق يتحدرون بشكل رئيسي من الآراميين و من بعض الشعوب القديمة التي إنصهرت كليا بالآراميين : لا أحد من علماء السريان قد إدعى في مصادرهم بجذور ميتنية أو حثية أو أشورية أو كنعانية أو عربية !
الصورة المرفقة :
نصب للإله هدد إله الرعد عند أجدادنا الآراميين .
١ - نرى بكل وضوح القرنين و هذا برهان بأنه إله آرامي .
٢- تحت الزنار هنالك كتابة آرامية مهمة " قصر كبارا إبن هديانو "
٣- هذه الكتابة هي باللغة الآرامية و بالأبجدية الآرامية و قد وجدت في جوزانا أي بيت نهرين و تعود إلى أواسط القرن التاسع ق٠م .
٤- سوف نبقى ندرس تاريخنا العلمي و سنحافظ على هويتنا الآرامية لأننا سريان أمينون لهوية أجدادنا ٠
٥ - فقط للتذكير أن اسم الإله" هدد " كان يكتب بحرف "الهاء " في الكتابات الآرامية القديمة . و لكن حرف الهاء قد قلب الى حرف "الحاء" و صار يكتب بالآرامية في عهد الفرس " حدد " و منها إنتقل الى اللغة العربية :الإله " حدد ".
٦- أخيرا أن الإسم العائلي المنتشر في شرقنا " حداد " لا يشير أبدا الى مهنة مثل النجار و لكنه يشير الى الإله حدد الآرامي.


المصدر:مواقع ألكترونية