الصوم في مملكة أوغاريت
الصوم في مملكة أوغاريت 2-112
بعد نحو 100 عام على اكتشافها، ما زلنا لا نعرف الكثير عن الديانة الأوغاريتية. صحيح أننا تمكَّنَّا من اكتشاف العديد من الألواح التي أوردت لنا أسماء الآلهة والعديد من أساطيرها، إلا أننا ما زلنا نجهل الكثير عن خصائص معظم هذه الآلهة وطقوسها وعباداتها، باستثناء ربَّما طقوس القرابين والذبائح التي سجَّلت لنا الألواح الطينية الكثير من تفاصيلها، بما في ذلك أنواع الحيوانات التي كانت تُقدَّم كقرابين، وأيَّ حيوان يمكن تقديمه لأيٍّ من الآلهة، وأشياء من هذا القبيل.
على الرغم ممَّا سبق، تورد الألواح الأوغاريتية العديد من الإشارات المهمَّة التي من شأنها أن تسلِّط بعض الضوء على ما غَمُض من العقيدة والشرائع في المملكة. ويعدّ اللوح KTU 1.169 مثالاً مهمَّاً، إذ يتضمَّن هذا النصُّ السحريّ معلومتين فريدتين وردتا في سطرٍ يتيمٍ لا شبيه له في الألواح الأخرى؛ ففي معرض شرح الخطوات الواجب اتِّباعها عندما يتعرّض شابّ ما لشرور السحر، يورد النص عبارة: «تلحم لحم ظم»، والتي تعني حرفياً: “كُلْ من خبز الصوم”.
يتَّضح من هذه العبارة عددٌ من النقاط المهمَّة:
عرفت مملكة أوغاريت عبادة الصوم ومارستها.
كان ثمَّة نوع معيَّن من الخبز المرتبط بعبادة الصوم، في تشابهٍ واضحٍ مع خبز الصوم (خبز الفصح) في الشريعة اليهودية.
يتمتع خبز الصوم هذا بخصائص سحرية شفائية، ما يدلُّ على كونه مباركاً، وربَّما كان يُصنع وفقاً لطريقة طقسية خاصة.
تسلِّط هذه العبارة الضوء على مسألةٍ جانبيةٍ أخرى، إذ يتَّضح منها أن كلمة “صوم” مشتقَّة من الجذر السامي الأوغاريتي “ظم”، المشتق بدوره من الجذر “ظمأ” الشائع في عدد من اللغات السامية، بما فيها العربية، ما يشير إلى أن عبادة الصوم ربما كانت تتمثَّل في الامتناع عن الشراب وحده في العصور القديمة. أمَّا كيف تحوَّل حرف “ظ” إلى “ص”، فهذه مسألة شائعة في اللغات السامية، ونجدها في لغات مثل العبرية والآرامية، إذ تحول حرف الظاء في الفعل “ظمأ” إلى حرف الصاد في هذه اللغات، وربَّما استعارت العربية كلمة “صوم” لاحقاً من إحدى هاتين اللغتين.
تبقى المشكلة في أن هذا النوع من الألواح لا يقدِّم لنا إجاباتٍ إلا بقدر الأسئلة التي يطرحها؛ فعمّ كان يصوم الأوغاريتيون؟ ولكم من الوقت؟ وفي أي شهر أو أشهر من السنة؟ وفي سياق أي عبادة وإرضاء لأيّ من الآلهة؟ وكيف وممّ كان يُصنع خبز الصوم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها ستبقى دون إجابةٍ حتى يحالفنا الحظ باكتشافاتٍ جديدةٍ تكشف بعض الغموض والأسرار التي تحيط بهذه المملكة المذهلة.


المصدر:مواقع ألكترونية