5ماي  1871. الذكرى 150 لاستشهاد البطل الرمز ، الشيخ المقراني ، رحمه الله تعالى  ...... البطل المنسيّ ..... الذي كاد أن ينهي الإستعمار الفرنسي سنة 1871 لولا الخيانة .... تاريخ حافل و معقد ... لا يعرفه أغلب الجزائريين ... للأسف الشديد


5ماي  1871. الذكرى 150 لاستشهاد البطل الرمز ، الشيخ المقراني ، رحمه الله تعالى   95949197_1520007948


ولد محند واحمد أمقران ( محمد بن أحمد المقراني ) سنة 1815 م في قلعة بني عبّاس ، أقصى جنوب ولاية بجاية حاليا على الحدود مع ولاية برج بو عريريج ، ينحدر من عائلة نبيلة ، تعود أصولها إلى أبي العبّاس عبد العزيز ،  آخر أمراء الحفصيين ببجاية ، عائلة آيث أمقران ( أمقران تعني الكبير بالأمازيغية ) التي أسّست  إمارة بني عبّاس في القرن 16 م ، حكمت مناطق جبال بيبان و القبائل الصغرى و أجزاء من بابور و الحضنة و حتّى شمال الصحراء إلى غاية القرن 19 م  .... العائلة تنحدر من أصول حفصية ( الحفصيون أمازيغ أصلهم من مصمودة ، بجبال الأطلس المغربي ) و كذلك صنهاجية ، من أمراء الحماديين الذين حكموا بجاية لقرون ( أبناء حماد بن بولوغين بن زيري الصنهاجي ) .....



كلمة مستشار رئيس الجمهورية المكلف الجمعيات الدينية على هامش احياء الذكرى 150 لاستشهاد المقراني

مع مجئ المستعمر الفرنسي ، عرفت عائلة المقراني صراعا داخليا بين أحمد ( أمير مجّانة ) أب محمّد المقراني الذي تحالف مع أحمد باي  ، و عبد السّلام ( أحد أبناء عمومته ) الذي تحالف مع الأمير عبد القادر ، صراع أدّى إلى السماح للجيش الفرنسي بعبور ممرّ  ثيڨّورا ( البيبان ) الإستراتيجي في أكتوبر 1839 و أدّى بعد ذلك إلى هزيمة جيش الأمير عبد القادر وانقلاب موازين القوى لمصلحة الفرنسيين ....
 بعد استسلام أحمد باي يوم 5 جوان 1848 م ، و موت عبد السّلام ( 1847م ) عيّن الفرنسيون بصفة رسمية  أحمد المقراني خليفة وحيدا  على منطقة مجّانة ( البيبان ) ، المنصب الذي شغله منذ سنة 1845 م ، و بقي كذلك حتى موته سنة 1853 م أين خلفه ابنه محمّد المقراني ، حاملا لقب باشاغا .... اختار محمد آنذاك مهادنة الفرنسيين حفاظا على أرواح الأهالي و أعراضهم و ممتلكاتهم .... و كذلك لذكائه السياسي ، حيث أنه اقترب كثيرا من نابليون الثالث الذي كان ينوي إعطاء الجزائر حكما ذاتيا ، و ينصب عليها ملكا يضمن حقوق الأهالي و فرنسا معا ..... و كان المقراني يتمنى ذلك حينئذ ... بسبب أصوله النبيلة ، شجاعته ، و شخصيته التوافقية التي يجمع عليها الجزائريون ... وكذلك بسبب نفوذه الواسع وسط القبائل والأعراش في مختلف مناطق الوطن ، من أوراس إلى وارسنيس مرورا بالحضنة ومنطقة القبائل ومتيجة وتيطري ....
لكن الفرنسيين تخوفوا من قوة المقراني التي كانت تزداد يوما بعد يوم ، فقلّص الفرنسيّون كثيرا من صلاحيّاته و نفوذه ، صادروا العديد من أراضي عائلته ( منها التي بنيت عليها مدينة برج بو عريريج وحتى بالعاصمة ) ،  أثقلوا كاهله بالضّرائب و اقترضوا منه مبالغ ضخمة دون تسديد ديونهم ، ورغم معاهدة السّلم مع الفرنسيين إلّا أنّ المقراني تيقّن أن المستعمر لا وعد له ، فقرّر إعلان الجهاد مستغلّا انهيار فرنسا اقتصاديا بعد حربها مع بروسيا و هزيمتها و سقوط نابليون الثالث ( 1870م ) ، هاجم البطل المقراني برج بو عريريج يوم 15 مارس 1871 م ، بمساعدة أخيه بومزراق ( أمزراق تعني الرّمح بالأمازيغية ) ثمّ انظم إليهما الشيخ أحدّاد زعيم الزاوية الرحمانية بمنطقة صدّوق ( ولاية بجاية ) و عمره آنذاك 81 سنة .... البطل الذي خطب في الناس بعد صلاة الجمعة بقرية صدّوق  قائلا بأمازيغية أجداده ما معناه  : سنلقي بفرنسا في البحر كما أرمي بعصاي هاته إلى الأرض !!!


5ماي  1871. الذكرى 150 لاستشهاد البطل الرمز ، الشيخ المقراني ، رحمه الله تعالى   183111077_5411284355612444_7297710633267181834_n-1024x526


ألهبت المقاومة كلّ منطقة القبائل ، و امتدّت من أوراس و جبال بابور و شمال قسنطينة حتّى متيجة ، و الزاب و الحضنة و جبال أولاد نايل و سوف ، حيث قدر الفرنسيون عدد معارك ثورة المقراني بأكثر من 300 معركة لتكون بذلك أكبر ثورة شعبية في تاريخ بلدنا المعاصر .....  بلغ عدد جنود جيش المقراني حوالي 200.000 مجاهد من كل أعراش الجزائر ، في مدة قصيرة سيطر البطل على ثلث الجزائر تقريبا ..... و قرر الزحف  بسرعة نحو العاصمة للقضاء على الفرنسيين تماما أمام انهيار الجيش الفرنسي وتراجعه ....
 احتلّ المجاهدون لخضريّة يوم 14 أفريل ، و كادوا أن يحتلّوا العاصمة لولا الخيانة التي ذهب ضحيّتها محمد المقراني الذي اغتيل بأعالي واد سوفلات جنوب لخضرية ( بلدية المقراني حاليا ، بجبال بني جعد ) ، بينما كان يؤدّي صلاة العصر يوم 5 ماي 1871م ،  مما أدى إلى اضطراب المجاهدين و تشتّتهم وسمح للجيش الفرنسي بترتيب صفوفه وشراء ذمم بعض القادة ، استمرّت المقاومة حتى يوم 20 جانفي 1872 م أين ألقي القبض على بومزراق المقراني قرب ورڨلة ، وحكم عليه بالإعدام ثم نفي إلى كاليدونيا الجديدة ......  بعد هزيمة المجاهين قام المستعمر الفرنسي بالإنتقام من القبائل الثائرة ، فأباد قبائل بأكملها والمئات من السكّان و أحرق القرى و نفى العديد من أهلها نحو كاليدونيا الجديدة ( جزيرة بالمحيط  الهادي )  و الشّام ، أين يعيش الآلاف من أحفادهم إلى يومنا هذا .....
دفن محمّد المقراني  رحمه الله بمسقط رأسه ، في قلعة بني عبّاس ، قرب المسجد الكبير ، و سمّيت باسمه بلديّة المقراني ( سوفلات سابقا ) جنوب لخضريّة التي استشهد فيها ، لكنّ المكان ( يسمّيه الجبايلية أبناء المنطقة حجرة المقراني )  اليوم مهمل تماما ، وسط غابات المنطقة ، لا طريق إليه ولا يكاد يعرفه إلّا القليل ، بطل من أبطال بلدنا الغالي غُيّب تاريخه ، نأمل أن تقوم سلطات بلدية المقراني بإعادة الإعتبار لهذا المعلم و التعريف به ، و لم لا تنظيم ملتقى سنوي حول هذا الرّجل الرّمز ، حفيد أمراء بني عبّاس ، الذي ضحّى بأهله و ماله و جاهه في سبيل أن تحيا الجزئر ..... كما أتمنى أن يدرس أبناؤنا تاريخه وسيرته وتفاصيل حياته ومقاومته ... كي لا ننسى !!


5ماي  1871. الذكرى 150 لاستشهاد البطل الرمز ، الشيخ المقراني ، رحمه الله تعالى   1073



تحيّة إلى كلّ أحفاد محمّد المقراني ( الذين منهم أبناء عمومتي حفظهم الله ) ، إلى كلّ أهلنا أبناء قلعة بني عبّاس الغالية ، إلى كل ناس جبال البيبان الأبيّة أبناء المنصورة و المهير و زمّورة و الجعافرة و إلماين و آث سيدي براهيم و تفرڨ و بوجليل و تامقرا و إغيل علي و آث لقصر و آث راشد ......إلخ