الملحمة السومرية و رحلة البحث عن سر الخلود
الملحمة السومرية و رحلة البحث عن سر الخلود 1--300
من الأمور الحسنة في تاريخ بلاد الرافدين أنها حُكمت ذات زمن من قبل ملك آشوري مثقف هو آشوربانيبال (669 - 627 ق.م) ترك في نينوى للأجيال اللاحقة ولعشاق الفكر والمعرفة مكتبةً ضخمةً اكتشفت عام 1853، تضم آلاف الألواح المكتوبة التي تؤرخ لزمنه وللعصور السابقة، ومنها 11 لوحا طينيا دُوّنت عليها ملحمة جلجامش بالخط المسماري باللغة الأكادية
في رحلة البحث عن سر الخلود، تكشف الملحمة السومرية التي تعدّ أقدمَ رواية أو مطوّلة شعرية كُتبت عن التفكير المتطور للإنسان ورغبته الجارفة في التمسك بالحياة بعد تغلب جلجامش ملك أوروك الذي يمثل الشر على إنكيدو الذي يمثل الخير، أبى الكاتب إلا أن يبث رسالة تقول إن الخير أقوى من الشر داخل الإنسان، ولذلك جعل جلجامش يصادق خصمه المهزوم، فتحولا إلى قوة جبارة، انتصر بها الكاتب على إرادة الآلهة المصطنعة بقتل مارد غابة الأرز والثور المجنح.
ولأن كلَّ إنسان فان.. فقد بثّ الكاتب رسالة أخرى بعد بكائيات جلجامش وحزنه على موت إنكيدو، وهي كيفية اكتساب الخلود. ذلك الهاجس الذي سيطر على عقله إثر إدراكه أنه سيموت كصديقه، وما من مهرب إلا بـالخلود.
طبقا للأسطورة، لم يكن أمامه سوى الوصول إلى (أوتونبشتم) وهو الإنسان الوحيد الذي حقّق الخلود مع زوجته بعد نجاتهما في حادثة الطوفان الشهيرة. وعلى الرغم من أن صاحبة الحانة تنصح جلجامش بأن يستمتع بما تبقى له من العمر بدل البحث عن الخلود، إلا أنه يستمر ويعبر مياه الموت ليصل إلى (أوتونبشتم) بمساعدة الملاح (أورشنابي). وأمام إصرار جلجامش على معرفة سر الخلود يمنحه (أوتونبشتم) الفرصة إذا تمكن من عدم النوم ستة أيام وسبع ليالٍ أي عدم الدخول في حالة الموت الأصغر، فيفشل.. لكن إلحاحه وإشفاقَ زوجة (أوتونبشتم) جعلا الأخير يحدثه عن نبتة موجودة في أعماق المياه تجدد شباب من يأكل منها.. وصل إليها جلجامش بعد معاناة وكفاح، لكنه قرر أن يأخذها إلى حيث ينتظره شعبه في أوروك ليزرعها هناك ويطعم منها الشيوخ فيعودون شبابا.. ويأكل هو منها حين يشيب.
بدأت رحلة العودة مع الملاح أورشنابي.. وفي استراحة وعلى غفلة من جلجامش، أكلت الأفعى نبات الحياة فتجدد جلدها.. وصرنا إلى يومنا هذا نسميها حية.
عندها يطرح الكاتب فكرته السابقة لزمنها.. وهي إدراك جلجامش أن الموت أمر حتمي للإنسان، وأن الخلود يأتي بعمل الخير، فعاد إلى أوروك وبنى سورها الكبير وظل يعمل الخير إلى أن مات.
برغم ذلك الوعي المتقدم، لم تنل حضارة الرافدين حقها من الشهرة كغيرها..


المصدر : مواقع ألكترونية