الزواج عند البابليّين
الزواج عند البابليّين 1--317
كان الزواج عند البابليّين لا يُعتبر نافِذاً، إلّا بعقْدٍ مُسجَّل رسميّاً في دوائرهم الحكوميّة، شأنهم في ذلك شأن أرقى الأُمم المُتمدّنة اليوم، وحقوق الزواج مكفولة للطرفَيْن: المرأة والرجل. وعلى المرأة/ الزوجة أن تظلّ مُخلصة لزوجها مدى الحياة، والعكس صحيح بالنسبة إلى الرجل/ الزوج.
ومن هنا كانت عقوبة الزنا قاطعة وصادمة للغاية: الذبح بالسيف أو الغرق بالماء، وخصوصاً بعد التأكّد النهائي من جُرمِ حدوثه
ومن شروط الزواج في زمن حمورابي أن يُقدّم الرجلُ للفتاة مالاً على سبيل المَهر يُتَّفق بشأنه مع والدَيها. والفتاة لا تخرج من بَيت أهلها إلى بيت الزوجيّة، إلّا بعد أن يكون حقّها كعروس قد تأمَّن في حَوزتها أو في حوزة ذويها.. لا فرق. والمهر أو "حقّ العروس" هو على الدوام من حقّ المرأة. وحتّى إذا لم تتزوّج الفتاة، وبقيت في منزل أبيها عانساً، فإنّ مهراً ما سيظلّ ينتظرها، ومن جانب أبيها هذه المرّة، الذي هو مسؤول بالضرورة عن حفْظِ عرض ابنته من عاديّات الزمان، بخاصّة إذا ما فاتها قطار الزواج، ومَهرُ الوالدِ عادةً ما يكون "دَسِماً"، يؤهّل الابنةَ لخوْضِ غمار العمل التجاري، والمُنافَسة في الأسواق، وعقْد صفقات البيع والشراء، وكسب المال الحلال، بما يحفظ لها كرامتها واستقلالها الاقتصادي كإمرأة في وسط مجتمع ذكوري تسلّطي.
كرّس العرف الاجتماعي في زمن حكم حمورابي الزواج مرّة واحدة لكلا الزوجَين، أي أن يكون للرجل امرأةٌ شرعيّةٌ واحدة، وإذا ما تزوّج الرجل على امرأته، وهي على قَيد الحياة، وبصحّة بدنيّة ونفسيّة جيّدة، فعليه أن يتحمّل تبعات دعاوى التظلُّم المفتوح عليه من زوجته الشرعيّة، وبالقانون الذي ينحاز إليها في كلّ حالات الشكاوى المُقدَّمة. وإذا ما حاول الرجل الاحتيال على زوجته بالمُراوَغة والمُناوَرة و"الغشّ القانوني"، فإنّ مَصيره السجن.
وإذا كانت المرأة لا تُنجب، وثَبَتَ طبيّاً أنّ السبب منها، لا من زوجها، فإنّه يحقّ للزوج التخلّي عنها بموجب القانون، وكذلك يُمكن للمرأة العاقر أن تتزوّج، وبموجب القانون أيضاً، من رجل عاقر أو رجل طبيعي، شريطة إبداء هذا الأخير الرضا بحالها وبواقعها، ولكن تلك حالات نادرة في المُجتمع البابلي الرافديني القديم.
هكذا، فالزواج كان مُنظَّماً جدّاً عند البابليّين، ومؤسّسته قويّة صامدة، وتدخل في صلب العمليّة القانونيّة المُتعلّقة بالأحوال الشخصيّة لشريعة حمورابي. كما أنّ حقوق الزوجَين المُتبادَلة وواجباتهما المُشترَكة في المرحلة البابليّة الحمورابيّة، تشبه إلى حدٍّ ما صورة نظيراتها الحقوقيّة والاجتماعيّة في عالَمنا المُعاصِر.


المصدر : مواقع ألكترونية