الملكة الأوراسية المنسية
الملكة الأوراسية المنسية 1-2979
رغم أن تاريخ منطقة الأوراس لم يذكرها، إلا أن الذاكرة الشفهية خلدت ذكراها عبر الأهازيج والقصائد.. هي أسطورة امتزجت بالواقع، لكن حدودها مبهمة، اسمها فاطمة تازوغرت، وعرفت باسم الملكة الحمراء. لكن، ما قصتها؟ ولم سميت بتازوغرت؟ وما الأقاليم التي بسطت نفوذها عليها؟
هناك القليل من المصادر التي تكلمت عن هذه الملكة الغامضة، وما نعرفه عن حياتها يأتي إلينا من القصص التي يرويها بشكل رئيسي رواة القصص والشعراء، الذين رفعوها إلى مصف الملكات المبهرات بشجاعتهن وجمالهن. ورغم أن بعض المؤرخين يكادون يجزمون بأنها لم تكن موجودة قط، غير أن الأغاني الأمازيغية لا تنفك تمجدها، هذه المرأة التي انتقلت بفضل الكلمات عبر القرون.
الملكة الأوراسية المنسية 0--49
لكن، من هذه المرأة التي تغنيها رحابات الشاوية؟
يعود تاريخ الأسطورة إلى القرن السادس عشر، بالضبط خلال العصر العثماني. فاطمة تازوغرت، التي تغزل بجمالها الشعراء، على غرار الملكتين ديهيا وتينهنان، كانت في نفس الوقت محاربة شرسة، وطبيبة مداوية، ووالية صوفية وملكة سيطرت على الجزء الشمالي من الأوراس. وقد أطلق عليها التقليد الشفهي لقب “تازوغرت”، الذي يعني “ذات الشعر الأحمر”، بسبب شعرها اللامع الذي كان يتوهج في مهب الريح.
ولدت فاطمة بجبل هيطاوين بتامروانت، أو مروانة، قرب باتنة سنة 1544، وتوفيت سنة 1641 بجبال بلزمة. التاريخ لا يذكر كيف آلت بها الحال كي تصبح ملكة. هل كانت زوجة ملك ورثت العرش بعد ترملها؟ أم إنها ورثت مملكة والدها؟ لا أحد يعلم… لكنها معروفة بأنها أسست النظام الأمومي تحت راية الإسلام، وأنشأت مجلسا مكونا حصريا من النساء، وهي سابقة في شمال إفريقيا.
بعد صعودها إلى سدة الحكم، نجحت في توحيد عدة قبائل أمازيغية، تحت راية واحدة، ويربطها التقليد الشفهي بسلالة مرموقة من القادة المحاربين، فهي من نسل إيمورين، أحد القادة الذين شاركوا طارق بن زياد في فتح شبه الجزيرة الأيبيرية عام 711.
الملكة الأوراسية المنسية 12708
ملكة بكل التناقضات
وصفت بأنها كانت تجمع كل التناقضات، فهي الملكة المحبة لرعاياها المخلصين، والقائدة قاسية القلب تجاه كل من يخالف أوامرها ويطعن في حكمها. وفي سبيل بسط نفوذها وتخويف خصومها، لم تتردد فاطمة في التضحية بشقيقيها اللذين طعنا في قراراتها. ويقال إنها قامت بالقضاء على شقيقها سلطان، ونفي شقيقها الأصغر سلام، الذي اعترض على بعض قراراتها.
كان مشهد وصولها على جوادها إلى قلب ساحات القتال أسطوريا، بزي المحاربة المدججة بالسلاح، كان الجيش يحترمها ويهابها في آن واحد، وبدعمه بسطت مملكتها على الأوراس الكبرى، إلى حدود المسيلة في الجنوب الغربي وتبسة في الشمال الشرقي.
وفي عام 1566، احتلت مدن مراكش ومكناس وفاس، التي كانت تحت السيطرة الزيانية. هذه الحقائق قد يطعن فيها المؤرخون، بسبب نقص المخطوطات والسجلات، غير أن شاعرا مغربيا شهيرا، وهو سيدي عبد الرحمان المجدوب، الذي عاش في القرن السادس عشر، خلد فتحها لهذه المدن في قصيدة.
الملكة الأم
كانت هذه الملكة المحاربة أما لسبعة عشر طفلاً، وكانت حافظة للقرآن تتلوه عن ظهر قلب، وكانت أيضا ضليعة بالطب الشعبي وتعالج الأمراض باستخدام الأعشاب البرية، وقد تلقت أسرار التداوي من والدتها أدفيلة.
وتبقى فاطمة تازوغرت، مثل ملكة التوارق، تينهنان، شخصية تمتد عبر القصة التاريخية والأسطورة.
قصائد كثيرة تروي سيرتها وبطولاتها، هذه بعض أبياتها:
“نعومة القمر نسيم الجبل قل لفاطمة ذات الشعر الأحمر لتخرج وتنير صمت الليالي”.

وفي قصيدة أخرى: “اصمت أيها اليمام، البلوط والزيتون والأرز والصنوبر، وشلالات المياه الحية تتجمد، تكفيرا عن ذنوبها منتشية، فتازوغرت ملكة الأوراس تستحم في السرير مسحورة بالتيفوراس”.


المصدر:مواقع ألكترونية