أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان: هذه حكايات 9 من أشهر الاغتيالات السياسية في صدر الإسلام.. (الجزء الأول)
بعد وفاة النبي محمد، رسول الإسلام، تفتقت في كل فرصة مطامع عديدة حول قيادة الدولة الإسلامية، التي كانت بعد فتية في مهدها. هذه الفترة من التاريخ الإسلامي، عرفت عمليات اغتيال عديدة منزعها التنافس والتحاسد على السلطة، ولو على حساب قتل الأقارب وأواصر المودة؛ حتى أن بعض صحابة النبي، واجهوا بعضهم بعضا بالسيوف في عدة معارك.
في هذا الملف الذي سينشر تباعا في ثلاثة أجزاء، ننقل عن كتاب “أشهر الاغتيالات في الإسلام”، لكاتبه الصحفي السعودي خالد السعيد، إضافة إلى مصادر أخرى، بعضا من هذه العمليات. ملف نروم من خلاله تسليط الضوء على نهايات مأساوية لرجال بهم بان الإسلام واشتد عوده.
فضلا على أن ذلك يظل قابلا للنقاش، بخاصة وأن هذه الأحداث التاريخية موغلة في القدم، ثم إن كاتب “أشهر الاغتيالات في الإسلام” يؤكد في مقدمته أنه حرص في بحثه هذا على التجرد من أي عواطف تاريخية، وأنه “تخلص من أي أحكام مسبقة في سبيل البحث عن الحقيقة حتى ولو كانت مزعجة”.
أبو بكر الصديق
كان اسمه عبد الكعبة بن عثمان بن عامر، ولما أسلم، سماه النبي محمد، عبد الله. أما لقب الصديق، فأطلق عليه لكونه قد صدق النبي في قصة الإسراء والمعراج، وربما أيضا لأنه كان يصدق كل خبر يأتي به النبي.
أول من أسلم من الرجال، كان هو. وهو أيضا أول المبشرين بالجنة، ووالد عائشة زوجة النبي وأحب نسائه إلى قلبه؛ كما أنه أقرب الصحابة إلى النبي، حتى أنه قال فيه حسب رواة الحديث: “لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا”.
بعد وفاة الرسول، تمت مبايعة أبو بكر في سقيفة بني ساعدة، وأصبح بذلك أول الخلفاء الراشدين. وقد أسهبت المراجع التاريخية في ذكر بعض النقاشات الساخنة التي جرت بين المهاجرين والأنصار حول هذا الاختيار.
عرفت خلافة أبي بكر بردة طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام، كما امتنعت أيضا عن دفع الزكاة. وفيما أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر بأن يترفع عن قتالهم، قال هو: “والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونها إلى رسول الله، لقاتلتهم على منعها”.
قضى أبو بكر الصديق، عامين وبضعة أشهر، يحاول أن يحافظ على الدولة الفتية. وقمع كل حركات الردة وأخمد نار المتمردين، كما انتصر على فارس والروم، ثم فارق الحياة عن عمر يناهز 63 عاما.
لكن ملابسات وفاته، يخيم عليها ضباب كثيف جاعلا منها سرا يصعب معرفته. هكذا، في قصة موته روايتان، ذكرهما المؤرخون دون تغليب كفة الواحدة على الأخرى.
تقول الرواية الأولى إن أبا بكر اغتسل في يوم بارد فألم به المرض ثم لازم فراشه لـ15 يوما لا يخرج للصلاة، طالبا من عمر بن الخطاب أن يعوضه، وهذه وفاة قد تكون عادية.
بينما الرواية الثانية، وهنا الحديث عن اغتيال، تقول إن اليهود عملوا على تسميمه بالأرز، وقيل أيضا في حريرة، فأكل منها هو والحارث بن كلده، فكف الحارث، وقال: “ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد”. وكأن الحارث قد خمن قدرهما، فقد ظلا عليلين إلى أن ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.
تولى عمر الخلافة بعد وفاة أبي بكر، عام 13 للهجرة، وقد اتسمت خلافته التي دامت عشر سنوات، بالعديد من الإنجازات الإدارية والحضارية والعسكرية.
عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب كان ثاني الخلفاء الراشدين، وهو أول من لقب بأمير المؤمنين، وأحد المبشرين بالجنة، وقد عرف بشدته وبأسه.
إسلام عمر، حسب رواة الحديث، جاء استجابة لدعوة النبي حينما قال: “اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام”. وبإسلامه، ظهر الدين الجديد بعدما كان متخفيا، ذلك أن معتنقيه كانوا يخافون أهل قريش ممن بقوا على دين آبائهم.
تولى عمر الخلافة بعد وفاة أبي بكر، عام 13 للهجرة، وقد اتسمت خلافته التي دامت عشر سنوات، بالعديد من الإنجازات الإدارية والحضارية والعسكرية.
في يوم من الأيام، جاءه غلام اسمه فيروز الديلمي، ويكنى أبا لؤلؤة المجوسي، يشتكي له من شدة الخراج، فقال عمر: “ما خراجك بكثير”؛ ثم انصرف متذمرا. بعد أيام، دعاه عمر وقال له إنه أخبر أنه يستطيع صنع رحى تطحن بالريح، فأجابه أبو لؤلؤة قائلا: “لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها”.
الرحى التي صنعها أبو لؤلؤة كانت خنجرا ذا رأسين مشحوذا بالسم. عند صلاة الفجر، دخل عمر المسجد ليصلي، فتسلل أبو لؤلؤة بين الناس وسدد إلى عمر ست طعنات، القاتلة منهم كانت تحت سرته.
بعدما طعن، صلى عبد الرحمن بن عوف بالناس، فجيء لعمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه، ثم سقوه لبنا وخرج هو أيضا. عندما سأل عمر عمن طعنه، قيل له أبو لؤلؤة، فقال: “الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على رجل يدعي الإسلام”. أوصى بعد ذلك ابنه عبد الله، ثم مات ودفن كما أراد بجانب صاحبيه، النبي وأبي بكر.
حسب كتاب “أشهر الاغتيالات في الإسلام”، فما بعث على قتل عمر هو الانتقام منه بسبب تهدم الامبراطورية الفارسية على يده، وأيضا حرقة قاتله وحقده على عمر، بسبب استرقاقه الواسع للفارسيين بعد انتصاره عليهم.
حين طعن عمر بن الخطاب، جعل الخلافة شورى فيمن بقي من العشرة المبشرين بالجنة، فبويع منهم عثمان بن عفان وقد امتدت خلافته لاثني عشرة سنة شهدت استمرارا في توسعات عمر العسكرية.
عثمان بن عفان
حين طعن عمر بن الخطاب، جعل الخلافة شورى فيمن بقي من العشرة المبشرين بالجنة، فبويع منهم عثمان بن عفان وقد امتدت خلافته لاثني عشرة سنة شهدت استمرارا في توسعات عمر العسكرية.
هكذا أصبح عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، وقد كان قبل ذلك أحد العشرة المبشرين بالجنة، وذو النورين؛ أي أن النبي زوجه ابنتين له، رقية وأم كلثوم.
كان عثمان معروفا بالجود والعطاء وبسخاء النفس واليد، وقد قال النبي فيه يوما، وفق رواة الحديث: “رحم الله عثمان تستحيه الملائكة”، وقال أيضا “أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان”.
ست سنوات الأولى من خلافة عثمان، كانت عادية؛ بل وكان أحب إلى الناس من عمر لما ظهر عليه من لين وسخاء. لكن مع نهايتها، كتب عثمان لابن عمه مروان بن الحكم خمس إفريقيا وصب الأموال على أقاربه من بني أمية، كما ولاهم على البلاد، فأنكر الناس عليه ذلك.
ممارسات عثمان هذه أوقدت الغضب في صدور الناس، فأصبح له معارضون كثر على خلفية سياساته المالية والإدارية، من بينهم عدد من الصحابة. والحق أن هناك أكثر من رواية حول مقتل عثمان، لكنها تتفاوت في عدد القتلى والكيفية التي تمت بها العملية، بينما تحافظ على نفس المتن والدموية.
كان محمد بن أبي بكر الصديق أحد أكثر المعارضين نقمة على عثمان، وتقول إحدى الروايات إنه تسلق في ثلاثة عشر رجلا دار عثمان، فدخل عليه، ثم أخذ بلحيته قائلا: “ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك”، فقال عثمان: أرسل لحيتي يا ابن أخي، فما كان أبوك ليقبض علي ما قبضت”، فقال محمد: “ما يراد بك، أشد من قبضتي”.
طعن محمد جنب عثمان بمشقص، ثم تعاون عليه ورجاله بسيوفهم حتى قتلوه، وحين حاولت نائلة زوجة عثمان أن تمنع عنه السيف، جز أصابعها.
يشير كتاب “أشهر الاغتيالات في الإسلام”، إلى أن مقتل عثمان أفضى إلى نتائج وخيمة لا يزال العالم الإسلامي يعيش تداعياتها إلى اليوم ، فلولا مقتله لما جرت حربا الجمل وصفين، ولما انشطرت الأمة الإسلامية إلى طوائف وفرق تلعن كل منها الأخرى.


 أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان: هذه حكايات 9 من أشهر الاغتيالات السياسية في صدر الإسلام.. (الجزء الأول) Sans_200