رمز من رموز بلدنا ..... البطلة التي استشهدت وعمرها لم يتجاوز 19 سنة ..... لكنها دخلت التاريخ من بابه الواسع وكتبته بأحرف من ذهب ...... إنها الأسطورة حسيبة بن بوعلي رحمها الله تعالى وجزاها عنا كل خير .... البطلة التي ضحت بنفسها و بأجمل سنوات حياتها من أجل أن تحيا الجزائر ........
ولدت حسيبة بن بوعلي يوم 20 جانفي 1938 بمنطقة سنجاس ( إسم قبيلة أمازيغية من مغراوة ، تنحدر من الملك صولات بن وزمار أول من أتى بالإسلام لبلدنا حوالي سنة 650 م ) ، حوالي 14 كم جنوب شلف على السفوح الشمالية لجبال وارسنيس ، وسط عائلة بن بوعلي النبيلة العريقة ، و هي عائلة ميسورة الحال معروفة بالمنطقة ، و أمها من عائلة آيت سعادة التي تنحدر من منطقة القبائل و التي استقرت في منطقة شلف منذ القدم ، بدأت دراستها في مسقط رأسها ، لما بلغ عمرها 9 سنوات إنتقلت مع عائلتها إلى الجزائر العاصمة أين كان يعمل أبوها عبد القادر في مديرية الفلاحة
في سنة 1950 تحصلت على الشهادة الإبتدائية و التحقت بثانوية باستور ، عندما بلغت 16 سنة التحقت بالإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ( UGEMA ) ، في نفس الوقت كانت تنشط مع أمها في جمعية خيرية : " كأس الحليب " ، التي كانت توزع المواد الغذائية و المساعدات على العائلات الجزائرية الفقيرة بحي بلكور ، مما جعلها تطلع على حالة البؤس و الحرمان التي كان يعيشها الجزائريون من أبناء شعبها ... قررت البطلة حسيبة بن بوعلي الإلتحاق بمستشفى مصطفى باشا لتتلقى تكوينا كممرضة لمساعدة المحتاجين ، بالموازاة مع دراستها الثانوية .....
إلتحقت حسيبة بن بوعلي بجبهة التحرير الوطني مع إضراب الطلبة في ماي 1956 ، حيث جندت في المنطقة المستقلة ( الجزائر العاصمة و ضواحيها ) مضحية بدراستها ( كانت تحضر لشهادة البكالوريا ، و كانت من الطالبات المتفوقات ) ، رغم صغر سنها ( 18 سنة ، كانت تلقب بالمازوزية ، و هي كلمة أمازيغية تعني أصغر طفل في العائلة ) إلا أنها اكتسبت ثقة و احترام القيادة ، لذكائها و قوة شخصيتها ، و لجمالها و ملامحها الأوربية ( كانت بيضاء بعينين زرقاوين ) مما جعلها تجتاز حواجز الجيش الفرنسي دون أن تفتش ، و تتجول في الأحياء الراقية بالعاصمة بكل حرية
إلتحقت البطلة بفريق الدكتور الفرنسي شولي ( Chaulet ) الذي أسس عيادة سرية بقلب العاصمة لعلاج جرحى جيش التحرير الوطني ، حيث كانت تزود العيادة بالأدوية و لوازم الجراحة التي كانت تحضرها من المستشفى ، و تقوم شخصيا بمداواة الجرحى ، كما التحقت كذلك بشبكة القنابل التي أوكلت لها مهمة صنع المتفجرات و ضرب مصالح المستعمر الفرنسي بالعاصمة ، حيث كانت حسيبة تنقل مواد صنع المتفجرات إلى مخابر البطل الشهيد طالب عبد الرحمن و دانيال تيمسيت ( يهودي جزائري كان مناضلا في جبهة التحرير و عضوا في أول حكومة بالجزائر المستقلة ) ثم تنقل القنابل إلى المنفذين
إكتشفت السلطات الفرنسية نشاط حسيبة بن بوعلي مما اضطرها إلى مغادرة بيت أهلها و الإختفاء وسط حي القصبة الشعبي ، حوكمت البطلة غيابيا و أصدر في حقها حكم الإعدام في ديسمبر 1956 ، في جانفي 1957 ساهمت البطلة في تنظيم إضراب 8 أيام الذي خطط له البطل الشهيد عبان رمضان رحمه الله تعالى ، و الذي كان منعرجا حاسما في تاريخ ثورتنا المباركة ..... إضراب كان في قلب معركة الجزائر التي خطط لها البطلان عبان رمضان و لعربي بن مهيدي رحمهما الله ، و اللذان قررا تكثيف العمليات بالعاصمة بعد مؤتمر الصومام
مع تزايد وتيرة العمليات الفدائية خلال معركة العاصمة قرر الفرنسيون إرسال 4 فرق من المظليين ( نخبة الجيش الفرنسي ) أي حوالي 10.000 جندي تحت قيادة السفاح ماسو ( Massu ) الذي دخل المدينة في جانفي 1957 لتطويق العاصمة و حسم معركة الجزائر ، في 23 فيفري اعتقل الفرنسيون البطل الشهيد العربي بن مهيدي الذي استشهد يوم 4 مارس رحمه الله ، في 28 سبتمبر ألقي القبض على ياسف سعدي و بعد تمكن عبان رمضان من الفرار خارج الوطن ( استشهد أواخر ديسمبر 1957 ) أصبح البطل الشهيد علي لابوانت رحمه الله إبن مليانة قائد المنطقة المستقلة و حسيبة بن بوعلي مساعدته ، في يوم 28 سبتمبر و بعد الحصار الخانق الذي فرضه الجيش الفرنسي على القصبة ، اضطر علي لابوانت ( 27 سنة ) و حسيبة بن بوعلي ( 19 سنة ) إلى الإختباء وسط منزل بقلب القصبة ، في غرفة مساحتها 4 م مربع ، و كان معهما عمر الصغير ( 12 سنة ) و الشهيد البطل محمود بوحميدي ( 18 سنة ) الذي كان المخبأ في بيت والديه ، المخبأ الذي كان مركزا لقيادة جبهة التحرير الوطني منذ سنتين !!
علم الفرنسيون بمكان اختباء الأبطال الأربعة بعد وشاية ، فقاموا بتطويق المكان مساء يوم 7 أكتوبر 1957 ، و طلبوا من الأبطال الإستسلام بعد إجلاء سكان الحي ، و أمام مقاومة الأبطال قرر الفرنسيون تفجير المكان ، و قاموا بذلك صباح يوم 8 أكتوبر على الساعة 6 و 15 دقيقة ، حيث انهارت كل منازل الحي و استشهد عدد كبير من المدنيين العزل تحت الأنقاض .... بعد يومين أي في 10 أكتوبر استخرجت جثتا حسيبة بن بوعلي و عمر الصغير و وجههما مشوه تماما ، بينما قطعت جثتا علي لابوانت و محمود بوحميدي إلى أشلاء .... و بهذه الجريمة اللاإنسانية إنتهت معركة الجزائر العاصمة بانتصار الجيش الفرنسي عسكريا ، لكن بخسارة فرنسا معنويا و إعلاميا .... هزيمة شوهت صورة فرنسا في الداخل و الخارج و عجلت باستقلال بلدنا .... بفضل الله ثم بفضل تضحيات شباب قدموا أرواحهم في سبيل أن تحيا الجزائر .....
دفنت البطلة حسيبة بن بوعلي رحمها الله بمقبرة سيدي امحمد بالعاصمة ، و أصبحت رمزا من رموز بلدنا و شعبنا ، بعد الإستقلال سمي باسمها أحد أكبر شوارع العاصمة ، و عديد الثانويات و المدارس ، و جامعة شلف ، حتى فكر بعض المسؤولين إعادة تسمية بلدية سنجاس ( مسقط رأس البطلة ) باسم حسيبة بن بوعلي ، في إطار حملة تغيير أسماء البلديات التي تحمل أسماءا أمازيغية ، لكن سكان البلدية احتجوا و رفضوا ذلك ، مؤكدين على تمسكهم بجذورهم و هوية أجدادهم !!!
في سنة 2010 وجدت الباحثة مليكة القورصو في الأرشيف الفرنسي رسالة كتبتها البطلة حسيبة بن بوعلي إلى والديها بخط يدها و بالفرنسية ، في شهر سبتمبر 1957 ( أقل من شهر قبل استشهادها ) ، رسالة رائعة هي اليوم مكتوبة على الرخام و معروضة في أحد متاحف العاصمة .... رسالة ختمتها البطلة بهذه الجملة : " ..... إذا مت فلا تبكوا علي ، لأنني سأموت سعيدة ، أؤكد لكم ذلك ..... "
رحمها الله تعالى و أسكنها فسيح جنانه ، بطلة من أبطال شعبنا ... ضحت بروحها و استشهدت و دخلت التاريخ و هي ابنة 19 ربيعا ..... في سبيل أن تحيا أرض الأجداد .... كيف لا و هي سليلة حرائر بلدنا ..... ديهيا ، روبا ، فاطمة ثازوڨاغث ، زينب النفزاوية ، فاطمة نسومر .... كما قال أحد أبطال شعبنا : نساؤنا رجال ، و رجالنا أبطال ، و أبطالنا أسود الجبال ....... شعب جبله الله تعالى على عشق الحرية و العيش بكرامة .... و التشبث بأرض أجداده الغالية المسقية بدماء ملايين الأبطال ..... و إنا على دربهم سائرون !!
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار
حفظ الله أرض الأجداد
تحيا الجزائر




نبذة عن حياة "حسيبة بن بو علي," الشهيدة حسيبة بن بوعلى الجزائرية


البطلة حسيبة بن بوعلي Yooo_o10