الطب بين الدين والدنيا

الطب بين الدين والدنيا 40461

من أسباب تخلف المسلمون، هي أنهم في القرون القليلة الماضية، أصبحوا يفسرون ويقحمون الدين في كل شيء، حتى في بعض القضايا المرتبطة بشكل وثيق بالعلم والعقل والتقنية، ويبحثون لتبرير بعض القضايا ولو أنها مستحدثة عبر الاختراع والتصنيع، من خلال نصوص دينية، في القرآن والحديث، بالرغم من أن الرسول بنفسه لم يتدخل يوما في الأمور التي لا تدخل ضمن مسألة الدين والشرائع.
لنفهم هذه المسألة جيدا، اقترح عليكم وجهة نظر المؤرخ ابن خلدون، وكيف ينظر إلى الطب.
في الفصل الخامس والعشرين في المقدمة، يعرف ابن خلدون
علم الطب ويقول : "ومن فروع الطبيعيات صناعة الطب، وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصح، فيحاول صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالأدوية والاغذية، بعد أن يتبين المرض، الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن، واسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها، وما لكل مرض من الأدوية، مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها وعلى المرض بالعلامات المؤذية بنضجه وقبوله للدواء أو لا ...محاذين لذلك قوة الطبيعة ، فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض....ويسمى العلم الجامع لهذا كله علمَ الطّبِّ".
واستدل ابن خلدون بكتاب جالونيس، وقال عنه: ولجالونيس في هذا الفن كتاب جليل، عظيم المنفعة، وهو إمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين....وتآليفه فيها هي الأمهات التي اقتدى بها جميع الأطباء من بعده.
ابن خلدون وهو يتحدث عن الطب، بالرغم من كونه مؤرخا وقاضيا مسلما عارفا بكل تلابيب الشريعة الإسلامية، فإنه وهو يتحدث عن الطب استشهد بطبيب اجنبي اغريقي، ليبين أن الطب علم طبيعي مستقل عن الدين وعن الشريعة، وقد قام بتعزيز هذا الرأي بحديث نبوي، يفيد:
" فإنه صلى الله عليه والسلام إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات، وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال : (أنتم أعلم بأمور دنياكم)" حديث أخرجه مسلم.
هكذا هو رأي ابن خلدون، الذي عاش خلال النصف الثاني من القرن 14 م، وهو رأي عقلاني ومنطقي، وهو يحمل فكرا متنورا مبني على العلم والبرهان، ولا يفسر كل شيء بالدين أو يعود إلى السلف الصالح ليفسر أمور دنيوية محضة، عكس ما نراه اليوم، حيث يتشبث المسلمون بتفسير كل شيء في الحياة اليومية، مهما بلغت من تعقيدات، بنصوص دينية، أو بسلوكات واحكام يقال انها من سلوك وافعال الخلفاء.
ويختم ابن خلدون فصله عن علم الطب، ناصحا القراء والمسلمون بشكل عام، قائلا: " فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع." مقدمة ابن خلدون، الباب السادس، الفصل 25، ص 531.
والله الهادي إلى الصواب لا رب سواه.








http://www.amazighworld.org/arabic/studies/index_show.php?id=6796