قولي أُحبك كي تزيد مصانعي.. رسملة الحب


احلى هدية لعيد الحب من صنع يديك .. كيفية عمل كلمة LOVE مع الورود

يقول الشاعر محمود درويش «لا أُريد من الحب غير البداية»
تُجيبهُ الرأسمالية «لك الحُب.. ولي ثمنه»
عديدةٌ هي الروايات التي تُفسر سبب تسمية عيد الحب بيوم الفالنتاين، كان أشهرها قصة القديس فالنتينوس، الذي عصى أوامر الإمبراطور كلاوديس بمنع عقد قران الشباب بهدف تجنيدهم في الجيش، فاستمر القديس فالنتينوس بتزويج الشباب بشكلٍ سريٍّ في كنيسته إلى أن قُبض عليه وأُعدم بذريعة عدم الانصياع لأوامر الإمبراطور في الرابع عشر من شهر شباط فبراير، ولهذا اقترن اسم هذا القديس بالحُب الذي أُعدم في سبيله، وأما عن فالنتاين اليوم، فهو عيد غني عن التعريف تغزو به الورود والدُمى الحمراء والشوكولا وبطاقات المعايدة المحال التجارية، ويحتفل به الحبيبان بحُبهما، ويعده البعض فُرصة للمُبادرة والاعتراف بحُبه للشريك.


قولي أُحبك كي تزيد مصانعي.. رسملة الحب IlqUZwq0RXd7xtgC


يجب الاعتراف في بادئ الأمر أن عيد الحب قد تمكَّن من فرض نفسه على «الهابيتوس» الجمعي، وتحول إلى «حقيقة اجتماعية» على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم؛ أي أنه أصبح طقس اجتماعي مُعولم تقبله كُل المُجتمعات وتُشارك به بغض النظر عن الخلفية المعرفية التي يمتلكونها حوله، ويُمكن تفسير قبول المُجتمعات لعيد الفلنتاين بأن الحب مُرادف للسعادة «لُغويًّا وهرمونيًّا”، وبالتالي فإن المُشاركة بهذا الطقس الجماعي لا يضر بالنسق الاجتماعي السليم؛ بل يساهم في تمتين الروابط الاجتماعية.
ويبقى السؤال الأهم: «هل نحنُ حقًا بحاجة يومٍ كي نُحب؟».
تُجيب الرأسمالية: «بالتأكيد، فقطع الأعناق، ولا قطع الأرزاق !».
بدأت الحكاية مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا في القرن الثامن عشر، واتضحت معالمها مع تبلور النظام الاقتصادي الرأسمالي؛ كنظام مُهيمن على العالم.






ساهمت الرأسمالية في تراكم الثقافة المادية من خلال تشجيعها على التفكير بمنطق السلعة، الأمر الذي أدى إلى ظهور تعابير مثل «التسليع والتشييء»، أي وضع قيمة اقتصادية لأي مُكوِّن بغض النظر عن ماهيته الأساسية، ويرى روُاد النظرية النقدية للمدرسة الفرانكفورتية بأن التشييء وتكريس منطق السلعة والاستهلاك يزيد من اغتراب الإنسان ومن عُزلته وابتعاده عن ماهيته، وهو ما تطرق إليه هوركهايمر و أدورنو في ديالكتيك التنوير بعبارة «كل تشيُّؤ عبارة عن نسيان».
اعتمدت الرأسمالية الاستهلاكية على خلق حاجات غير ضرورية عند الأفراد (أو المُستهلكين من وُجهة نظر رأس المال)، ومن ثم تكريس ماكينة الإعلام والدعاية للترويج لوجود نقص، وفي النهاية الترويج لتوفُّر ما يسد هذا النقص لقاء مُقابلٍ مادي، واعتمدت في استمراريتها على تطبيع أفكارها، وبالتالي مُنتجاتها، من خلال فرض أيديولوجيات استهلاكية على العامَّة، ويمكن اعتبار هذا المنهج الرأسمالي أحد الأبعاد الاقتصادية لمفهوم الهيمنة الثقافية التي طرحها الفيلسوف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، في سياق عجلة الاقتصاد، يهدف هذا النوع من الهيمنة إلى التطبيع مع الوضع الاقتصادي الحالي، والترويج له على أنه الوضع الطبيعي الذي يعود بالنفع على كافة طبقات المُجتمع، مما يضمن استمرارية الاستهلاك، ولكنه في حقيقة الأمر يضمن استمرارية التدفق العكسي للأموال، والثروات من الطبقات الوُسطى والفقيرة إلى رؤوس الأموال.




إعادة تدوير المواد لصناعة هدية مميزة

وبعدما بات كُل شيء موضعًا للتبادل التجاري في عصر تقديس السلعة، وأُخضِعَت المشاعر والقيم والعلاقات الإنسانية إلى معايير مادية، أصبح المعيار الاستهلاكي المؤشر الذي يقيس درجة الحُب بين الأفراد، وبالإسقاط على الفالنتاين، فقد أُطِّرَ الحُب في الماديات الخالصة، واستُبدلت كلمة «أُحبك» بدميةٍ تُقارع بثمنها المُرتب الشهري لمُواطنٍ يعيش في سوريا، وأضحت «الكلمات المعسولة» منقوصةً إن لم تُرافقها وردة حمراء أو لوح شوكولا أو بطاقة مُعايدة، وسقطت فيروزيات «لفتة من بعيد بتكفيني و قلبي إلك على طول» ليحُلَّ مكانها «شو اجاك/ي بمناسبة الفالنتاين؟» واللافت هو أن الأمر قد تحوَّل عند بعض الأثرياء إلى مضمار استعراضي تُقاس فيه المشاعر من خلال فخامة الهدية التي وصلت في بعض الأحيان حدَّ الأجهزة الإلكترونية، والمُجوهرات والسيارات الفارهة.
يُحاجج البعض: «إنها مُجرد وردة حمراء، وهي أسلوب لكسر رتابة الحُب الروتيني والتعبير عنه بوردة، ما المُشكلة في ذلك؟»، ويُجسِّدُ هذا الرد الخطاب المُضاد لمنطق «رأسملة الفلنتاين»، وتكمن مُشكلة هذا الرد بأنه يتعامل مع ظاهرة مُعولمة بشكل فردي بحت ويتجاهل الهيستيريا الاستهلاكية التي نعيشها مع بداية شهر فبراير (شباط) من كُل عام، يُؤكد على هذه الهيستيريا تقريرٌ نشره الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة سنة 2020 في الولايات المُتحدة؛ بأن الميزانية التي أنفقها الأمريكيون في يوم الحُب بلغت 27.4 مليارات دولار أمريكي، وبأن 135 مليون أمريكي قاموا بالتسوق من أجل الاحتفال بعيد الحُب في سنة ٢٠١٩، ناهيك عن الحرج الذي يُصيب طبقة الدخل المحدود في هذا اليوم الاستهلاكي، والذي قد يصل حد حرمان بعضهم من التعبير عن مشاعرهم بالشكل الذي يتناسب مع ظاهرة الفالنتاين عالميًّا.
من الجيد الاستناد إلى بديهية أن الحُب هرموني المنشأ للتذكير بأن أجسامنا لا تحتاج إلى مُنبِّه سنوي لإفراز مجموعة من الهُرمونات (أشهرها الدوبامين والسيروتونين)؛ أي أننا لا نحتاج إلى يومٍ مُحدد كي نُحب، بل نحن بحاجة الحُب في كُل مفصل من مفاصل حياتنا؛ فقد تشرَّبنا في صُلب موروثنا الثقافي الجمعي قصص قيس وليلى، باريس وهيلين، عنتر وعبلة، دانني وبياتريس، أنطونيو وكليوباترا، روميو وجولييت وغيرهم من حكايات الحُب النبيلة التي نضعها نُصب أعيننا متى ما أصابنا سهم كيوبيد؛ فنحن نِتاجُ الحُب، به نحيا، وبه نستمر.
 







https://sasapost.co/opinion/valentine-and-capitalism/