قالوا قديما إنه ليس من الحكمة أن ترفع صوتك عاليا بينما أنت في الغابة، حتّى لو كنت تطلب المساعدة، حيث يمكن أن يأتيك ما لا يُحمد عقباه بدلا من مُنقذ، وحينما نُطبِّق الأمر على الكون الواسع المحيط بنا فإنها ستكون لا شك حجة قوية. ماذا لو كان الكون غابة واسعة، ونحن -مثل أرنب ساذج- ننادي بصوت عالٍ بحثا عن الحياة فيه؟ نعم، يحدونا فضول ممتزج بالوحدة، ورغبة في التعرف إلى ذواتنا تغلب كل رغبة أخرى، رغم ذلك فالثمن قد يكون أغلى مما نتوقع إن حدث ووجدنا شيئا ما، لكن هل سنفعل ذلك؟!
حسنا، تبدأ الحكاية من جلسة غداء صيفية عادية في مختبر لوس ألاموس الوطني، بولاية نيوميكسيكو الأميركية سنة 1950، دار خلالها نقاش ضاحك بين مجموعة من تسعة فيزيائيين حول خرافات الأطباق الطائرة، كان بينهم إحدى أشهر علامات الفيزياء في القرن الفائت "انريكو فيرمي" الذي انطلق فجأة بصوت أعلى قليلا من المتوسط ليقول(1): "هل تساءلتم يوما: أين ذهب الجميع؟"، انفجر الجالسون ضحكا على أثر تلك الجملة، فهم يعرفون أن فيرمي يقصد الأشكال الأخرى من الحياة العاقلة في هذا الكون، ورغم أن الأمر قد يبدو للوهلة الأولى مثيرا للضحك بالفعل، فإن سؤال فيرمي كان أعمق مما يمكن أن نتصوّر.
ما الحضارة؟
لفهم الفكرة يمكن أن نتأمل دراسة شهيرة صدرت بدورية "نيتشر"(2) في منتصف الخمسينيات من القرن الفائت، لمؤلفَيْن من جامعة كورنل هما جيسيب كوكوني وفيليب موريسون، تقول إنه عبر محاكاة بسيطة لوضعنا كحضارة بشرية، فإنه من المحتمل أيضا لأية حضارة عاقلة أن تتمكّن من بث أو استقبال إشارات راديوية بدرجة كبيرة من السهولة، وذلك لأن كل ما تحتاج إليه الحضارة هو بدايات علم الفلك الراديوي فقط بحيث يمكن لها أن تفعل ذلك، في تلك النقطة قد تتساءل عن السر في أننا نقيس الحضارات الأخرى المتوقعة على مقياس حضارتنا، أليس من الممكن أن تكون لهم تركيبة أخرى فلا يصلون إلى نوع الأجهزة نفسه الذي صنعناه، أليس من الممكن أن تكون لهم لغة أخرى، ميول أخرى، مشاعر أخرى؟
إنه تساؤل مشروع بالفعل، لكن دعنا نسأل في المقابل: ما الحضارة؟ هناك إجابات متنوعة عن هذا السؤال، وجود الفن على سبيل المثال يعني حضارة، وجود المباني والكهرباء والزراعة والكتابة والعلم إلخ، كل ذلك يعني أننا نتحدث عن كائنات عاقلة تفاعلت اجتماعيا وأنتجت معارف معقدة، لكن -هنا على الأرض- لا يمكن لنا ببساطة رصد كل ذلك، الشيء الوحيد الذي يمكن أن نرصده بسهولة هو إشارات كهرومغناطيسية، لكن لأن الوصول إلى تلك المرحلة -مرحلة إرسال أو استقبال إشارات من هذا النوع- يتطلّب إنتاج أدوات متقدمة، فإن ذلك هو أفضل ما نمتلكه لتعريف(3) "الحضارة"، أن تكون قادرة على التواصل.
الآن دعنا نتعرف إلى أكثر العناصر غزارة في الكون، إنه "الهيدروجين"، لو افترضنا أنك كائن عاقل لا بد أن أول شيء ستفعله بعد امتلاك بعض المعارف وتراكمها هو أن تنظر لمحيطك وتحاول فهمه، هنا ستلتقي بالهيدروجين ولفهمه ستضطر لاستكشاف القوانين الفيزيائية التي يعمل من خلالها، ولأن القوانين هنا هي القوانين هناك، فإن ما توصّلنا إليه على الأرض قد يتوصل إليه كائن عاقل آخر، بالتالي فإنه قد يستخدم أي تكنولوجيا ممكنة، إلا أنها ستعتمد على القوانين نفسها وتداعب الطيف الكهرومغناطيسي نفسه.


هل ستأتي الكائنات الفضائية وتحتل كوكبنا؟ Ayaiao10






هل ستأتي الكائنات الفضائية وتحتل كوكبنا؟ Ayaiao11