التخلي عن الفرنسية... هل يشعل الصراع اللغوي في الجزائر؟
التخلي عن الفرنسية... هل يشعل الصراع اللغوي في الجزائر؟ 2564 
تميز المشهد السياسي الجزائري هذا الأسبوع ببعض ردود الفعل تجاه القرار الذي اتخذه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون مؤخراً والقاضي بالتخلي عن اللغة الفرنسية في الطور الابتدائي وتدريس اللغة الإنكليزية محلها بدءاً من العام الدراسي المقبل. وفي هذا الخصوص تباينت ردود فعل النخب الإعلامية والنشطاء السياسيين على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي بين مرحب بالقرار ومشكك في نجاح مثل هذا المسعى لأسباب كثيرة نعالجها لاحقاً.
واللافت في هذا الخصوص هو سكوت أحزاب المعارضة بمختلف تشكيلاتها وانتماءاتها ودرجة تعاطيها مع النظام الجزائري الحاكم وأحزاب الموالاة المعروفة بمواقفها المتطابقة دوماً مع مواقف السلطات، تجاه هذا القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية الجزائرية وباركته الحكومة وممثلو مختلف أجهزة النظام الحاكم.
ففي ظل صمت هذه الأحزاب، والبرلمان، ومختلف المنظمات الجماهيرية الكبيرة، واتحادات وروابط المجتمع المدني، ذات النفوذ الرمزي فقط في الحياة الجزائرية، خرجت منظمة أساتذة التربية المحدودة، والمقربة من أجهزة صنع القرار بوزارة التعليم، تثمن قرار الرئيس الجزائري تبّون وتدعو في آن إلى حذف مادة اللغة الفرنسية من هذا الطور، جملة وتفصيلاً، بحجة أن تعليم اللغة الفرنسية إلى جانب العربية أمر يخل بالهوية الوطنية، وتستثني اللغة الإنكليزية من ذلك حيث يبدو أنها تعتبرها لغة محايدة وليس لها إرث استعماري في الجزائر، الأمر الذي يجعلها لا تشكل في تقدير المنظمة خطراً على الهوية الوطنية.


في هذا السياق ينبغي التذكير أيضاً بأن منظمة أساتذة التربية الجزائرية ما فتئت تدافع عن التمييز بين المواد الدراسية المرتبطة بالهوية وبين المواد الأخرى المحايدة، وفي هذا الخصوص نجدها تشدَد على ضرورة تدريس العلوم الإسلامية وكل ما يتصل بالمرجعيات الإسلامية من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية.
ويرى مراقبون سياسيون جزائريون أن ثمة فرقاً بين اتخاذ قرار تدريس اللغة الإنكليزية في منظومة التعليم الابتدائي وبين إحلال هذه اللغة الدخيلة مكان اللغة الفرنسية التي مضى على وجودها في مفاصل المجتمع الجزائري نحو قرن و92 سنة. ويعتبر هؤلاء هذه الخطوة حساسة جداً لأن اتخاذ مثل هذا القرار قبل أن تنطفئ عواصف فسيفساء الحراك الشعبي وما تخلل تظاهراته وشعاراته من تناقضات حادة بخصوص الهوية اللغوية الوطنية، والراية الثقافية الأمازيغية وغيرها من القضايا يمكن أن يُستغل من طرف تيارات معينة ومعروفة جيداً بمواقفها الحادة تجاه قضية تعددية اللغة أو أحاديتها في المجتمع الجزائري.
ويعتقد هؤلاء المراقبون السياسيون أيضاً أنه يمكن أن يؤدي قرار التخلي عن اللغة الفرنسية في الطور الابتدائي إلى إحياء الصراع القديم بين التيار العروبي الجزائري الذي يربط بين الهوية الوطنية وبين اللغة العربية والإسلام فقط من جهة، وبين التيار الفرنكوفوني الذي يحاجج أن اللغة الفرنسية هي الحامل الأوحد للحداثة والعلم والتقنية والآداب الراقية من جهة أخرى.
إلى جانب ما تقدم هناك من يحذر كذلك من ردود فعل التيار الأمازيغي من إلزامية تعليم الإنكليزية لجميع التلامذة الجزائريين في الطور الابتدائي والإبقاء على عدم إلزامية تعليم اللغة الأمازيغية في أغلبية محافظات البلاد باستثناء المحافظات المحسوبة على المنطقة الأمازيغية الممتدة عبر فضاءات تيزي أوزو، وبجاية، والبويرة، إلى الأوراس.
ورغم هذه التحذيرات، فإن بعض التنظيمات التربوية القريبة من أجهزة الحكم تبدي حماساً واضحا لمشروع الغاء اللغة الفرنسية من طور التعليم الابتدائي الجزائري وإحلال الإنكليزية محلها، وتبرر ذلك في الغالب بالماضي الاستعماري لهذه اللغة وبالخلافات التي ما فتئت تنشب بين الجزائر وفرنسا حول ملف الذاكرة التاريخية الخاص بفترة الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وفي هذا السياق بالذات أكد التقرير الذي نشرته يومية "الشروق الجزائرية"، التابعة للقطاع الخاص في 20 حزيران (يونيو) الجاري، للإعلامية الجزائرية نادية سليماني، ترحيب "جمعيات أولياء التلاميذ والنقابات التربوية، بقرار إدراج تدريس اللغة الإنكليزية، في الطور الابتدائي الذي كان يعتمد على اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أولى"، وأبرز التقرير ذاته أن حماسة هذه الجهات ترجع إلى اعتقادها أن "الإنكليزية باتت لغة العلم والتطور والتعامل بين الشعوب، وهو ما يجعل أمر اتخاذها اللغة الأجنبية الأولى في الجزائر، حتمية لا مفر منها".


والجدير بالذكر أن جمعيات أولياء التلاميذ والنقابات التربوية، لها رأي استشاري فقط ولا تملك حق صنع القرار أو ممارسة الضغط الجماهيري على السلطات بما في ذلك السلطة التربوية التعليمية الممثلة في وزارة التعليم الابتدائي والإكمالي والثانوي أو وزارة التكوين المهني التي لا ينبغي أن تستثنى بدورها من قضية توظيف اللغات التي تدرّس في المعاهد المسؤولة عن سيرها البيداغوجي عبر الوطن.
ولكن هنا قضايا أخرى لم تُشبع درساً وتمحيصاً بشأن إحلال اللغة الإنكليزية محل اللغة الفرنسية في الطور الابتدائي منها، وعلى سبيل المثال فقط، قضية انعدام أي علاقة للغة الإنكليزية بالمحيط الشعبي العام في المجتمع الجزائري وبالحياة الإعلامية الوطنية وذلك لسبب معروف وهو أن الجزائر لا تصنف تاريخياً كدولة أنغلوفونية.
إلى جانب هذا، فإن الجزائر ليست لديها تقاليد بيداغوجية إنكليزية كما أنها لم تكوَن الإطارات الكفيّة بمعايير منظومات التعليم في بريطانيا أو أميركا أو أستراليا أو نيوزيلندا الجديدة أو حتى بمعايير مستعمرات بريطانيا في آسيا وأفريقيا بشكل خاص، وهو الأمر الذي يجعل إطارات منظومة التعليم الجزائري لا تملك حقَاً مفاتيح اللغة الإنكليزية وآدابها وحمولتها الثقافية والتكنولوجية، أما دروس الإنكليزية التي يستفيد منها تلامذة الجزائر في الطور الإكمالي والثانوي، فتتم على أيدي هؤلاء المعلمين الذين يفتقدون إلى التكوين الجاد الذي يخولهم استيعاب فقه اللغة الإنكليزية ومضامينها الثقافية.
 
https://www.annaharar.com/arabic/makalat/annahar-alarabi-authors/27062022074556982?fbclid=IwAR00HYoP08TeiGuCf5MGZ_ftr7M6nh1gTC-YlU5VvIRpWzCDiH-A0OrEqKM