تاريخ الدولة  الساسانية في بلاد فارس  
تاريخ الدولة  الساسانية في بلاد فارس   7279
 تاريخچه شاهنشاهي ساساني جواهر
----------‐‐------------------------------------------------
أسس الإمبراطورية الساسانية أردشير الأول ابن بابك ابن ساسان و حكم بعده ابنه سابور الأول ( ت ٢٧٢ م) و كانت الدولة في عصرهما في أوج قوتها .
بعد موت سابور الأول مرت الإمبراطورية الساسانية  بفترة ضعف ( منذ سنة ۲۷۲م  - إلى ۳٦٠م ) وقد حكمها بعد سابور  خلال تسعة عقود سبعة ملوك ضعفاء و ثامنهم أمضى نصف حكمه فترة ضعف
   1- هرمزد الأول   ؛ 2 - بهرام الأول ؛ 3 - بهرام الثاني
   4 - بهرام الثالث  ؛ 5 -  نرسي        ؛  6 هرمزد الثاني
   7 - آذر نرسي      ؛ 8  -  سابور الثاني ( ت ٣٧٩م )
وبعد موت سابور الثاني مرت الدولة الساسانية بفترة ضعف إلى ظهور قباد الأول .. وتسمى فترة الضعف الثانية ، وحكم خلالها ملوك ضعفاء  استمرت فترة حكمهم ( ۳۷۹م إلى ٥٤١ م ) .. وهم : 
1-  أردشير الثاني ؛ 2 -  سابور الثالث ؛   3 -  بهرام الرابع
4 - یزدجرد الأول ؛ 5 -  بهرام الخامس؛  6 - یزدجرد الثاني
7 - هرمزد الثالث  ؛  8 -  فيروز الأول ( ت ٤٨٤ م )       
عندما اشتد أذى قبائل الهياطلة الهون على الحدود ، قرر فيروز  الأول التصدي لهم ، ولكنه.هزم في أول معاركه ، وأسر واضطر لدفع فدية كبيرة ، ورهن ابنه ( قباد ) لحين
سدادها .
 لم يتعظ فيروز  من هذه الهزيمة بل سرعان ما عاود حرب الهياطلة بعد افتداء ابنه ،.ودفع حياته ثمنا لتلك المغامرات سنة ( ٤٨٤ م)  ، وقد حاول عدد من قادته ثنيه عن الإقدام عليها فأصر على رأيه .
ومنذ ذلك الوقت أصبحت الدولة الساسانية خاضعة بشكل غير مباشر لأوامر ملوك الهياطلة الهون..
  9 - بلاش : بعد مقتل فیروز وقع اختيار عظماء إيران  على أخيه الأصغر المدعو بلاش ، وكان القائد ( زر مهر ) الحاكم الفعلي في الدولة في عهد هذا الملك الذي استمر من ( ٤٨٤ م - ٤٨٧ م)
10 -  قباد الأول : كان عظماء الدولة يرغبون من وراء اختيارهم  قباد ملكا عليهم ؛ هو إرضاء الهياطلة ، فقد كان قباد رهينة في بلاطهم نحو سنتين ، وقد توطدت علاقاته بهذا البلاط على نحو توقع العظماء معه تحسنا ما في علاقاتهم مع الهياطلة ..
وقد استمر.القائد زر مهر في بداية حكم قباد؛ الرجل الأول بين عظماء الدولة؛ ولكن قباد لم يقبل وجود شخصية بجانبه بهذه القوة فعين سابور مهران ،  خصم زر مهر ،  قائدا  لجيشه « إيران سباهيد » ، وساعده على التخلص من زر مهر بقتله ..
وبسبب مقتل زر مهر تعاظمت النقمة ضده إلى درجة خطيرة  وبسبب تأییده لفرقة دينية اجتماعية رهيبة ظهرت في عهده ؛ دعت إلى مشاعية النساء والأموال  هي فرقة المزدكية ...
  فتآمر ضده نبلاء القصر  وأودعوه السجن ، ونصبوا بدلا عنه أخوه المدعو (جاماسب) ، ولكن قباد تمكن من الهروب من سجنه بمساعدة زوجته وأحد أصدقائه ( سیاوش ). وفر إلى الهياطلة ، حيث استقبله ملكهم بترحاب وزوجه ابنته وأمر له بجيش لاستعادة ملكه ؛ وتمكن قباد سنة ( ٤٩٨ م ) من دخول عاصمة ملكه بشكل سلمي .
مرت  الحرب بين قباد وبيزنطة بمرحلتين :
الأولى حينما اضطرته ظروف دفع الجزية  للهياطلة إلى مطالبة القسطنطينية بدفع المستحقات التي كانت قد تعهدت بدفعها إلى الدولة الساسانية ، یزدجر الثاني .
 ورفض الإمبراطور انستاسيوس ( Anastassius ) الدفع أملا أن تسوء علاقات قباد بالهياطلة ، فقام قباد بتسيير جيش تمكن من تحقيق إنتصارات هامة على البيزنطيين بمساعدة الهياطلة أنفسهم .
:black_small_square:︎ تعرضت حدود دولته الشرقية والشمالية ، منطقة بحر قزوین ، لغزوات مجموعات أخرى من البرابرة ؛ الذين اضطروه نحو سنة (٥٠٦ م) إلى عقد هدنة مع البيزنطيين مدتها سبع سنوات . و بعد نجاحه في صد البرابرة عاد لمهاجمة بيزنطة التي كانت تثير  الفتن في أرمينية الساسانية .
وقد جرت في إقليم سورية الشمالية وجنوب آسية الصغرى عدد من المعارك تعاقبت فيها الانتصارات والهزائم بين
الفريقين ، ولم تتوقف إلا بعد أن تناهى إلى أسماع  قادة الجيشين موت قباد سنة ( ٥۳۱ م )، فعادت الجيوش الإيرانية باتجاه عاصمتها .
وكان قباد في الثمانين من عمره عندما توفي عن ثلاثة أبناء :
أكبرهم کاووس وكان مزدكي الهوى..
وأوسطهم زام وكان قد فقد عينه في صغره ، وكان هذا العيب يؤدي إلى حرمانه من فرصته في تولي الملك .
ثم آخرهم وأصغرهم : کسری وكان على خلق متين وعلى
علاقة طيبة بوالده الذي رغب في تقديمه على أخويه لمنصب الملك ..
ولهذا طلب من كبير قادته سیاوش مفاوضة الإمبراطور البيزنطي جستين ( Justin ) لتبني کسری ودعمه للوصول إلى عرش الدولة الساسانية .
 وقبل وفاته بقليل أملی قباد وصيته على كبير وزرائه المدعو ماهبود ، الذي دعم رغبة الملك قباد في تولي ابنه کسرى العرش من بعده ، وناصره ضد تحرك كاووس ، الذي قتل إثر معركة دموية فتسلم بعدها کسری العرش دون معارضة تذكر.
--------------------------------‐-----------------------------------

مع أول كسرى أو كسرى أنوشروان 
تعد مرحلة حكم کسرى الأول الملقب أنوشروان ( أنوشة روان ) ، وتعني الروح الخالدة ، من أزهى فترات الدولة الساسانية بعد فترة انحطاط مريرة ، فقد كانت الدولة منهكة في ، بسبب تكاثر الأعداء ، وضعف الملوك ، ومنازعاتهم مع أولياء عهودهم وأدعياء العروش ، ومفككة من الداخل بسبب أعمال المزدكيين ، التي كرست عداء العامة الخاصة ، وتوجسهم  .
* سنتوقف برهة مع هذا الملك لعدة فقرات نظرا لعلاقة العرب بالموضوع ؛ و نظرا للإصلاحات التي قام بها كسرى الأول و التي كان من شأنها انتشال دولة الفرس من منحدر الضعف و السمو بها نحو القوة ..
و ها نحن ننقل لكم ما كتبه ابن الأثير عن كسرى أنوشروان و كنا بالأمس نقول عن ابن الأثير كلاما في موضوع التتار عما ادعاه على الخليفة العباسي  .. و لننظر و نتأمل كيف يمجد ابن الأثير كسرى هنا !!
يقول :
{ لما لبس التاج خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ما ابتلوا به من د أمورهم ودينهم وأولادهم، وأعلمهم أنه يصلح ذلك، ثم أمر برؤوس المزدكية فقتلوا، وقسمت أموالهم في أهل الحاجة .
وكان سبب قتلهم أن قباذ كان، كما ذكرنا، قد اتبع مژدك على دينه وما دعاه إليه، وأطاعه في كل ما يأمره به من الزندقة وغيرها، مما ذكرنا أيام قباذ، وكان المنذر بن ماء السماء يومئذ على الحيرة ونواحيها، فدعاه قباذ إلى ذلك، فأبى، فدعا الحارث بن عمرو الكندي، فأجابه ، فسدد له ملکه وطرد المنذر عن مملكته .
وكانت أم أنوشروان يوما بين يدي قباذ، فدخل عليه مزدك. فلما رأى أم أنوشروان قال لقباد : ادفعها إلي لأقضي حاجتي منها. فقال : دونكها . فوثب إليه أنوشروان، ولم يزل يسأله ويتضرع إليه أن يهب له أمه حتى قبل رجله، فتركها، فحاك  ذلك في نفسه .
فهلك قباد على تلك الحال، وملك أنوشروان، فجلس للملكه، ولما بلغ المنذر هلاك قباذ أقبل إلى أنوشروان، وقد علم خلافه على أبيه في مذهبه واتباع مژدك، فإن أنوشروان كان منكرا لهذا المذهب کارها له، ثم إن أنوشروان أذن للناس إذنا عاما،
ودخل عليه مزدك، ثم دخل عليه المنذر، فقال أنوشروان : إني كنت تمنيت أمنيتين، أرجو أن يكون الله عز وجل قد جمعهما إلي .
فقال مزدك : وما هما أيها الملك؟.
قال : تمنيت أن أملك وأستعمل هذا الرجل الشريف، يعني المنذر، وأن أقتل هذه الزنادقة .
فقال مزدك : أوتستطيع أن تقتل الناس كلهم؟ .
فقال: وإنك هاهنا يا ابن ال....نية ! والله ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي، منذ قبلت رجلك إلى يومي هذا. وأمر به فقتل وصلب. وقتل منهم ما بين جازر، إلى في النهروان وإلى المدائن في ضحوة واحدة مائة ألف زندیق وصلبهم، وسمي يومئذ أنوشروان .
وطلب أنوشروان الحارث بن عمرو، فبلغه ذلك وهو بالأنبار، فخرج هاربت في صحابته وماله وولده، فمر بالثوية ، فتبعه المنذر بالخيل من تغلب و إياد و بهراء، فلحق بأرض كلب، ونجا، وانتهبوا ماله وهجائنه، وأخذت بنو تغليب ثمانية وأربعين نفسا من بني آكل المرار، فقدموا بهم على المنذر، فضرب رقابهم بجفر الأملاك  في ديار بني مرين العباديين بين دیر هند والكوفة ..
وفيهم يقول امرؤ القيس:
يساقون العشية يقتلونا فلو في يو-
-م معركة ولكن في ديار بني مرينا
ولما قتل أنوشروان مزدك وأصحابه أمر بقتل جماعة ممن دخلوا على الناس في أموالهم ورد الأموال إلى أهلها، وأمر بكل مولود اختلفوا فيه أن يلحق بمن هو منهم إذا لم يعرف أبوه، وأن يعطى نصيبا من ملك الرجل الذي يسند إليه إذا قبله الرجل، وبكل امرأة غلبت على نفسها أن يؤخذ مهرها من الغالب، ثم تخير المرأة بين الإقامة عنده وبين فراقه، إلا أن يكون لها زوج فترد إليه .
وأمر بعيال ذوي الأحساب الذي مات قيمهم، فأنكح بناتهم الأكفاء، وجهزهن من بیت المال، وأنكح نساءهم من الأشراف، واستعان بأبنائهم في أعماله، وعمر الجسور والقناطر، وأصلح الخراب،
وتفقد الأساورة وأعطاهم، وبني في الطرق القصور والحصون، وتخير الولاة والعمال والحكام، واقتدى بسيرة أردشير، وأرتجع بلادا كانت لمملكة الفرس، منها : السند، وسندوست، والخج ، وزابلستان، وطخارستان، وأعظم القتل في البارز وأجلى بقيتهم عن بلاده .
واجتمع أبخز، وبنجر، وبلنجر، واللان، على قصد بلاده، فقصدوا أرمينية للغارة على أهلها، وكان الطريق سهلا، فأمهلهم كسرى، حتى توغلوا في البلاد، وأرسل إليهم
جنودة، فقاتلوهم فأهلكوهم، ما خلا عشرة آلاف رجل أسروا، فأسكنوا أذربيجان  .
كان بين كسرى أنوشروان وبين غطيانوس ملك الروم هدنة، فوقع بين رجل من العرب، كان ملکه غطيانوس على عرب الشام، يقال له خالد بن جبلة، وبين رجل من إل لخم، يقال له المنذر بن النعمان ولاه کسری على عمان والبحرين واليمامة إلى الطائف وسائر الحجاز، ، فتنة، فأغار خالد على ابن النعمان، فقتل من أصحابه مقتله عظيمة، وغنم أمواله، فكتب کسرى إلى غطيانوس يذكره ما بينهما من العهد والصلح،
ويعلمه ما لقي المنذر من خالد، وسأله  أن يأمر خالد برد ما غنم إلى المنذر، ويدفع له ډية من قتل من أصحابه، وينصفه من خالد، وإنه إن لم يفعل ينقض الصلح. ووالی الكتب إلى غطيانوس في إنصاف المنذر، فلم يحفل به  

فاستعد کسری، وغزا بلاد غطيانوس في بضعة وتسعين ألفا، وكان طريقه على الجزيرة، فأخذ مدينة دارا، ومدينة الهاء، وعبر إلى الشام، فملك أنطاكية، وكانت أفضل مدائن الشام، وفامية، وحمص، ومدنا كثيرة متاخمة لهذه المدائن عنوة، واحتوى على ما فيها من الأموال والعروض، وسبي أهل مدينة أنطاكية ونقلهم إلى أرض السواد، وأمر فبنيت لهم مدينة إلى جانب مدينة طیسفون على بناء مدينة أنطاكية، وأسكنهم إياها، وهي التي تسمى اليوم الرومية، وكور لها خمسة طساسیج .. } أ.ه غطيانوس = جستنيان
----------------------------------------------------------------------
إصلاحات کسرى الاجتماعية
بدأ کسری إصلاحاته بالإعلان عنها في كتب أرسلها لولاة الأقاليم مركزا على هيبة السلطة المركزية ، وعدم السماح لأحد بالانتقاص منها
 وباشر بعد ذلك القضاء على الفوضى الاجتماعية التي أحدها المزدکیون ، فرد الأموال الثابتة والمنقولة إلى أصحابها ، وحول الأموال التي لا وارث لها إلى خزانة الدولة لإصلاح المفاسد.
 وانتصف.للنساء المغتصبات من مغتصبيهن ، إما بالزواج المصحوب بالمهر المناسب ، إن كانت المرأة من طبقة المغتصب ولم تكن قد تزوجت ، أما إذا كانت متزوجة فترد إلى زوجها إذا كان يريدها . وإما بالطلاق إذا لم ترغب بالاستمرار مع غاصبها ، ويعاقب الغاصب في هذه الحالة بغرامة أو بالسجن . وألحق كل المواليد المختلف في أنسابهم بالقصر الملكي الذي تكفل  بأمور رعايتهم .
إصلاحات کسری المالية
أما في مجال الحياة العامة ، فقد أمر كسري بإعادة إعمار المساكن والقرى والترع والجسور والأقنية التي عجز ملاكها عن صيانتها خلال فوضی أتباع مزدك ،وأمد الفلاحين بالمواشي والبذار ، وحصن مراكز الحدود ، ..
وأصلح نظام الضرائب العقارية والشخصية التي كانت في معظمها ضرائب التزام ، فبعد أن كان الفلاحون لا يجرؤون
على لمس ثمارهم قبل دفع الضريبة عليها ، مسحت الأراضي بدقة ، وفرضت ضرائب معقولة محددة عن كل محصول على حدة ، وأعفيت المحصولات التي لم تكن تشكل إنتاجا
زراعيا كبيرت ، خاصة الحدائق الصغيرة ، كما أعفي من الضريبة العقارية من تلفت أشجاره أو زراعته .
أما في مجال الضرائب الشخصية ، فبعد أن كانت مفروضة على كل المواطنين أصبحت تفرض على العاملين منهم ممن تتراوح أعمارهم بين ( 20 - 50 ) سنة فقط، واستثنى من دفع الضريبة عظماء المملكة .
 وتراوحت الضرائب الشخصية بين (12 درهما سنويا ) على الفرد الغني ، و ( 8 دراهم سنوية ) على الفرد المتوسط الحال و ( 6 دراهم سنوية ) على المعتدل الحال ، و ( 4 دراهم سنوية ) على الفقراء الذين شكلوا معظم المواطنين ، وأمر بإعفاء المرضى والعاجزين من دفع هذه الضرائب الشخصية .
وأرسل نسخا من هذا النظام الضريبي الجديد إلى حكام الولايات للالتزام بها .
إصلاحات کسرى الحربية
أما في المجال الحربي ، فقد اتبع کسری إصلاحا حربيا جديدا ، فأجرى رواتب للنبلاء الفقراء الذين لم تكن ظروفهم المالية تسمح لهم بالإنفاق على تجهيزاتهم العسكرية ، ، كما تفترض الأعراف الحربية الإقطاعية السائدة ،
وكانت هذه التجهيزات تتكون من الدروع ، والسيف والرمح ، والقوس والتشاب ، وكانت هذه التجهيزات تكلفة باهظة ، تضاف إليها تكلفة الخيول إذا كان النبيل من الأساورة ( الفرسان ) ، الذين كانوا يحيطون بالملك أثناء المعارك ، ويشكلون مجلس بلاطه في حالات السلم ..
على أن أبرز إنجازاته العسكرية التكتيكية كان في إسكان عدد من الأقوام الرحل في مستعمرات حدودية ومراكز حامیات ، وخاصة في الشمال والشرق التي كان يتوقع الخطر منها أكثر من غيرها ، وذلك بعد إمدادهم بما يكفي حياتهم بشكل لائق
أنوشروان منصب إيران سباهيد ، وهو قائد الجيش الإيراني ، واستبدله باربعة قادة عهد إلى كل واحد منهم بولاية كبرى ، تشکل مركزا لقواته وهي : خراسان والرافدين وأذربيجان واليمن .
 وكان كل واحد من هؤلاء القادة يرأس الولايات الرئيسية الأصغر ، القريبة من مركز قيادته ، وبهذا أعطى أنوشروان لدولته طابع الحكم العسکري .
الأحداث العسكرية والسياسية
لا شك أن الجهد الذي بذله کسرى في تدعيم دولته مدنيا وعسكريا كان مبررا برغبة الملك الجديد في القضاء على خطر الهياطلة أولا ، نظرا لموقف الملوك السابقين الضعيف تجاههم ، واضطرارهم إلى دفع الجزيات ،..
ومن ناحية أخرى فرغم أن السلم مع بيزنطة قد استتب منذ السنة الثانية لحكم كسرى سنة ( 532 م ) بموجب معاهدة بين الإمبراطور جستنيان ( Justinian ) ، الذي كان مشغولا بحملاته في إفريقية وإيطالية وبين أحد قادة كسرى ،
وتعهدت بيزنطة بموجبها أن تدفع جزية سنوية للفرس مقابل ضمان حدودها الشرقية ضد البرابرة ، وأن تستبقي الدولتان ما في حوزة كل منهما من الأراضي قبل قيام الحرب مع بيزنطة ،
فقد كان النزاع متوقعا باستمرار ، خاصة أنه كان يدور في فلك الدولتين إمارات صغرى ، كان الخلاف بينها يمهد عادة لحروب بين الدولتين الكبيرتين .
وهذا ما حصل فعلا نحو سنة ( 539 م) ، حينما نشب نزاع بين الملك الغساني الحارث بن جبلة وملك الحيرة المنذر بن النعمان . وتدخل الإمبراطور جستينيان لفض النزاع دون العودة إلى كسرى الذي وجد في هذا التدخل ذريعة للحرب .
فعبر نهر دجلة بجيش كبير ، وهاجم بلاد الرافدين ، ثم عبر الفرات ، واستولى على مدينة أنطاكية سنة ( 540 م) ، وكانت أهم عاصمة من عواصم الإمبراطورية البيزنطية في سورية .
ولم يتمكن جوستنیان من صد جيوش کسری ، واضطر إلى عقد الصلح . معه سنة ( 545 م ) مقابل غرامة حرب كبيرة ، إضافة إلى مساهمتها في تكاليف الجهود الفارسية لحماية حدود الدولتين الشرقية ضد البرابرة .
وهو الصلح الذي لم يستمر طويلا بعد أن نشب نزاع بين الزرادشتيين والنصارى في منطقة *القوقاز  ، وتدخلت قوات الطرفين دون أن تحرز أي منهما نصرا حاسمة ، واضطرت الدولتان مرة أخرى إلى توقيع صلح سنة (560 م) مدته خمسون سنة اقتسمت فيه الدولتان المنافع الاقتصادية والاستراتيجية والدينية في المنطقة .
وبعد تفرغه من حرب بيزنطة وضمان حدوده الشمالية و الغربية امتنع کسری عن أداء الجزية للهياطلة ، وشن ضدهم حملة زج فيها بكل قواته بعد أن تحالف مع إحدى القبائل التركية المجاورة للهياطلة .
ولا يعلم الكثير عن سير العمليات الحربية ضد الهياطلة ، ولكننا نعرف أن ملك الهياطلة قتل خلال المعارك ، وأصبح نهر *جيحون Jayhun يشكل الحدود الشمالية الشرقية للدولة  الساسانية .
 ولتدعيم هذه الفتوحات فقد أقدم كسرى على الزواج من ابنة خاقان الترك ( مكان خان ) وفي تلك الفترة هاجم الأحباش النصارى اليمن ، وقضوا على ملوك حمير ، وأشأوا سلالة حاكمة بتأیید من بيزنطة ، وشرعوا في نشر الدين النصراني ، وأقاموا عددا من الكنائس أشهرها في صنعاء ، وقد هرب أحد أمراء حمير إلى كسرى ، وطلب منه معونته لاسترداد عرشه .
وقد أمده أنوشروان بجيش رأسه القائد ( وهرز = وهریز )
الذي تمكن من استعادة حكم اليمن لصالح ملوك حمير سنة ( 570م ) .
ولم يعد هذا الجيش إلى إيران بل بقي في اليمن ، واختلط بسكانها، وأطلق عليهم المسلمون فيما بعد لقب الأبناء تمييزا لهم عن البنيين الأصليين .
-------------------------------‐-----------------------------------
كتاب معالم تاريخ الدولة الساسانية. د. مفيد رائف محمود العابد ؛ ص( ٦٣- ٦٧ )
الكامل في التاريخ ابن الأثير ج١ ص٣٩٥ نسخة إ.ويب
*القوقاز او القفقاس هو الإقليم الذي يقع بين بحر قزوين شرقا والبحر الأسود غربا .
جيحون أحد أنهار شرق الهضبة الإيرانية يعرف باسم نهر اوکسوس ( Oxus ) ، ينبع من منطقة طخارستان شمال کشمير ، ويصب شمالا في بحر آرال
مجموعة من قبائل الهون البيض هربت بضغط من إمبراطور الصين إلى الشرق ، وأنشأت سلالات حاكة في مناطق الشرق الإيراني وشمال الهند ، وقد أطلق عليهم لقب تورك لأول مرة ، وهو على اسم أحد الجبال الشبيه بقبعة الأتراك التي تدعى ( Durk )