#الشهيدة_المزابية_مريم_عبد_العزيز
ملف عن الشهيدة مريم عبد العزيز من اصول مزابية ( ات يزجن) ولدت بالعاصمة بساحة أول ماي .في الرابع من جويلية 1937 واستشهدت في 26 فيفري 1957 بمسيلة
مجلة 01 نوفمبر العدد 69 سنة 1984 ....
الممرضة “مريم عبد العزيز” مولدها ونشأتها:
عبد العزيز مريم بنت عبد العزيز من مواليد 4 جويلية 1937، من آل عبد العزيز ببني يزﭬن، بغرداية( )، نشأت مريم عبد العزيز بين أحضان عائلتها التي انتقلت للإقامة بالجزائر العاصمة، وكانت وضعيتها المادية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية قد ازدادت سوءًا كحال السواد الأعظم من الأسر الجزائرية، ونظرا لتلك الظروف العسيرة انقطعت مريم عن الدراسة لما بلغت الشهادة الابتدائية، والتحقت بمدرسة “بيجي” (bigi) الخاصة بتعليم الضّرب على الآلة الرّاقنة، وعندما تحصلت على الشهادة فيها صارت تنتقل بين المؤسسات والإدارات الاستعمارية علّها تجد عملا تُعين به عائلتها الفقيرة، وكانت تُواجَه بالرفض التام لكونها جزائرية، فالتحقت بمدرسة الممرضات وهي عيادة الصليب الأحمر لصاحبتها الآنسة “لونك” (lonk) الأوربية، بحي “صالون بِي” سابقًا (salombai) “المدنيّة” حاليا، أين تحصلت على شهادة ممرضة.
ثم حولتها الآنسة “لونك” إلى عيادة “فيردان” (ver daine)، إيدير عيسات، أين باشرت عملها بجد ونشاط، يحذوها أمل كبير مثلما كانت آمال كل الوطنيين الأحرار، ثم انتقلت بعد ذلك إلى المستشفى الجامعي الكبير، ثم إلى مستشفى القطَّار الذي بقيت فيه ثلاث سنوات( ).
التحاقها بصفوف جيش التحرير الوطني:
عندما تغيبت مريم عن المنزل يومين كاملين، انتاب عائلتها القلق والخوف رغم إطلاعها إياهم على غيابها عن المنزل بضعة أيَّام، وفي اليوم الثالث من تغيّيبها أسرع والدها إلى مقر عملها واستفسر عنها مسؤول المستشفى الذي ردّ عليه بأنها تغيبت عن العمل خلال اليومين المذكورين.
وقد اكتفى والدها بالاستفسار عنها في مقرّ عملها لأنه فهم من تصرفاتها في المدة الأخيرة أن شيئًا ما قد حدث برضاها، وبالفعل لم تمضِ سوى أيام قلائل من تغيّبها عن المنزل حتى قدم شخص إلى عائلتها وأبلغهم التحية منها واخبرهم أن مريم بخير، وبذلك تأكد لعائلتها بأنها قد حققت حلمها الغالي المتمثّل في الالتحاق بإخوانها المجاهدين من جهة ومشاركتها في مواجهة جنود العدوّ في الميدان من جهة أخرى.
عملها الثوري قبل التحاقها بصفوف جيش التحرير الوطني:
ذكر والدها في شهادات حيّة عن نضال مريم ومساهماتها قبل التحاقها بالعمل الثوري المسلح أنها طلبت من والدها أثناء فترة تربصها بعيادة “فيردان” أن يشتري لها آلة راقنة، كي تواصل تدريبها عليها في المنزل، فأصبحت تشتغل كل أوقات فراغها في كتابة الوثائق بالآلة الراقنة مدّعية لعائلتها أنّ تلك الوثائق للزملاء الذين يشتغلون معها في المستشفى.
وكانت تتأخر من حين إلى آخر عن الدخول إلى المنزل في المساء، وتدّعي لعائلتها أنها تخلفت في الشغل أو زارت إحدى صديقاتها، ومع تكرار تغيّبها وتأخر دخولها إلى المنزل، بدأ الشك يتسرب إلى نفوس أفراد عائلتها، وكانت تأخذ من المنزل المرّة تلو المرّة كمية من المواد الغذائية، وتزعم أنها ستذهب بها إلى مرضى مستشفى القطَّار من المساكين( ).
تعلقها باللباس العسكري:
لقد بلغ شغف مريم باللباس العسكري أنها كانت تنتهز فرصة عطلة شقيقها الأكبر، الذي كان مجندًا ضمن صفوف الطيران الفرنسي فترتدي ثيابه العسكرية، وتبقى بعض اللحظات تلف في غرفة الشقة جيئة وذهابا وهي تتطلع على نفسها في المرآة.
وذات يوم وضعت قبّعة أخيها فوق رأسها وخرجت إلى الشقة، وصادف خروج جارتها الأوربية السيدة “باردو” إلى شرفتها هي الأخرى، فلفتت مريم انتباهها وهي تبادلها التحية، تصنّعت السيدة “باردو” ابتسامة، وقالت لمريم: “إن اللباس العسكري يُناسبك”، فردت عليها مريم بسرعة وبدون تحديد بأنها ستلبسه عن قريب إن شاء الله.
بعد اندلاع ثورة التحرير 1954 وطدت مريم اتصالاتها مع إخوانها المجاهدين، إذ مما لفت انتباه عائلة مريم إلى تصرّفاتها الغربية هو أنها قامت في أواخر عام 1955، بتوزيع نسخ من صورتها على كل أفراد عائلتها، ثم جمعت ثيابها في حقيبة مدّعية أنها ستبقى مدة في المستشفى للمناوبة، ولكن الذي أدهش والديها هو ابتياعها كنزة صوفية “بيلوفير”، وصبغ معطفها الأحمر بلون مُغاير.
إن الشهيدة مريم قالت لأبيها في مستشفى سطيف قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة: “إن جروحي يا أبي لم تؤثّر عليَّ كثيرا، ولكن الشيء الذي آلمني وصرت أشعر من جرائه أن جسدي يتقطع إربًا إربًا هي الضربات العنيفة التي أنزلها جنود العدو على رأسي بأخمص البندقيات”.
كما قالت لأخيها المجند في صفوف الطيران الفرنسي، أعتبر نفسي أشرف منك، أنا جندية مقاتلة في صفوف جيش التحرير الوطني في سبيل ديني ووطني بينما أنت ترتدي لباس العدو وتقاتل في سبيل الطاغوت، رغم أنك تعرف أن الاستعماريين لن ينزلوك ولو في منزلة الوضعاء منهم لأنك عربي، والمثل يقول: العربي عربي ولو كان كولونيل بن داود”( ).
شهادات رفقاء الشهيدة في السلاح:
تقول المجاهدة زهية مباركة تتحدث عن الظروف التي عرفت فيها مريم عبد العزيز قبل أن تلتحق بالعمل المسلح وبعد التحاقها تقول: “لقد تعرّفت على الأخت مريم عبد العزيز في فترة تربصي بمستشفى القطَّار، وكانت مريم تعمل فيه ممرضة آنذاك، وفي نوفمبر 1956 التحقت بصفوف جيش التحرير، فأرسلتني الثورة مباشرة إلى ناحية المنطقة الأولى وهناك فوجئت بوجود الأخت مريم عبد العزيز التي سعدت أيما سعادة بلقائها، إذ لم يخطر ببالي إطلاقًا أن أجدها أمامي حيث لم يسبق لي أن عرفت أنها تنتمي إلى صفوف المجاهدين في جبهة التحرير الوطني، وكما علمت منها فيما بعد أنها التحقت بصفوف جيش التحرير في جانفي 1957″.
وتقول الآنسة زهور كاووش: “لقد التقيت بالأخت مريم عبد العزيز بالناحية الأولى المنطقة الأولى من الولاية الأولى أي (ببرهوم الحضنة) وذلك على إثر اجتماع مؤتمر الصومام حيث كنّا في استقبال بعض قادة الثورة العائدين من منطقة الصومام، وقد افترقنا بعد ذلك التجمع التاريخي حيث ذهبت كل ممرضتين اثنتين إلى المنطقة الخاصة بهما، وكانت “مريم عبد العزيز” و”فتيحة إراتني” مكلفتين بمنطقة “مسيلة”، وكانتا عبارة عن شُعلة من النشاط، فهما بجانب القيام بمهمّة العلاج، تشاركان إخوانهما المجاهدين في العمليات العسكرية، وتعالجان المدنيين، بحيث شاركتا في عدة اشتباكات ضدّ قوات العدو في ناحية المسيلة”.
حادثة استشهادها:
يقول الأستاذ المجاهد الدكتور عبد الرحمن بوضياف عن واقعة استشهادها ما يأتي:
“في مطلع فيفري 1957 كلّفت قيادة ناحية المسيلة الأختين “مريم عبد العزيز” و”فتيحة إراتني” بالقيام بمهمّة، فتوجهتا في الحال رفقة الشهيدين الهاشمي وبوضياف الصديق، من جبل المعاضيد إلى الحُضنة في “هضبة الحدرة” وبالتحديد “دوَّار بوحماد” بالولاية الأولى، وفي 26 فيفري من نفس السنة وقع اشتباك بين مجموعة “مريم” وقوات العدو بالدوار المذكور، وقد دام هذا الاشتباك عدة ساعات، سقط فيها عدد كبير من جنود العدو، واستشهد الأخ الهاشمي والأخت “فتيحة إراتني”، وأصيبت الأخت عبد العزيز مريم بجروح خطيرة، وقد أسرها العدوّ ثم نقلها إلى مستشفى سطيف، وتوفيت فيه متأثرة بجروحها وهي معتزة بإيمانها الراسخ في تخليص الوطن من براثن الاستعمار الفرنسي”( ).
وقد نقلت رفاتها إلى مقبرة سدي بنور للإباضية بأعالي باب الواد بالجزائر العاصمة، وتخليدًا لذكراها سمي جناح المستشفى بني مسوس باسمها، وسمي نهج “فِيِي” (feuillet) بباب الواد، باسمها بالعاصمة.
أ. يحي بن بهون حاج امحمد




الشهيدة_المزابية_مريم_عبد_العزيز     Aoa_oc10