لوحة فنية تجسد أسطورة الملكة إليسا ديدون الفينيقية
لوحة فنية تجسد أسطورة الملكة إليسا ديدون الفينيقية 4_bmp10
لوحة فنية تجسد أسطورة الملكة إليسا ديدون الفينيقية التي هربت من لبنان سنة 814ق.م رفقة خدمها ونزلت بالساحل التونسي حيث استقبلها الملك الأمازيغي هيرباص وباع لها قطعة ارض بحجم جلد الثور كما طلبته الأميرة التي قامت بتقطيع ذلك الجلد الى خيوط صنعت بهم حبلا طويلا إقتطعت به قطة أرض كبيرة شيدت فيها عبر السكان المحليين قرية قرطاج التي تحولت لاحقا الى مدينة-دولة  بقية تدفع الضرائب لأمراء الأمازيغ الى غاية القرن الخامس.ق م .
حيث تقول المصادر المؤسسة لهذه الاسطور الإغريقية :
يقول المؤرخ ستيفان غزال (Stéphane Gsell) نقلا عن المؤرخ تيمي (Timée) : ثيوسو Theiosso  في لغة الفينيقيين كانت تدعى إليسا Elissa  وكانت أخت بكماليون Pygmalion  ملك الصوريين. وقد أسست قرطاجة في ليبيا (يقصد شمال افريقيا). ذلك أن زوجها كان قد قتلته بكماليون، فجعلت ما تملكه في سفينة وفرت مع بعض مواطنيها. وبعد كثير من المشاق نزلت بساحل ليبيا، حيث أطلقت عليها الأهالي اسم ديدو Dido  بسبب رحلاتها العديدة . ولما أسست المدينة أراد ملك الليبيين (الأمازيغ)  أن يتزوجها فامتنعت عليه. ولكن حيث أن مواطنيها أرادوا إرغامها على ذلك، فإنها أظهرت القيام بحفلة يقصد منها التحلل من أيمانها، وكومت حطبا كثيرا وأشعلت النار بقرب منزلها، ثم ارتمت من دارها في النار" المصدر (تاريخ شمال إفريقيا القديم ،ستيفان غزال ،ج 1، ص 302 ).
يقول نفس المؤرخ غزال نقلا عن المؤرخ  عن جُسْتان justin  والذي نقل بدوره عن الطْروكا بومبي  (Trougue Pompée) :   "  وحين وصلت أليسا إلى أحد خلجان إفريقيا سعت لتنال مودة السكان الذين أحسوا بالسعادة لوصول هؤلاء الأجانب الذين سيمكنهم الاتجار معهم بالمبادلات .ثم إنها اشترت من الأرض قدر ما يمكن أن يغطيه جلد ثور، وذلك حسبما قالت ليستطيع رفقاها الذين تعبوا في رحلتهم البحرية الطويلة أن يسترحوا قبل ذهابهم. غير أنها أمرت بتقطيع الجلد قطعا ضيقة جدا، فاستطاعت بهذا أن تحتل مساحة أكبر بكثير من المساحة التي كانوا يبدو أنها تطلبتها، ومن هنا كان اسم برسا Byrsa الذي أطلق من بعد على هذا المحل .أما الأهالي المجاورون، فان الامل في الربح اجتذبهم فجاءوا بكثرة يحملون للقاديمن الجدد كثيرا من البضائع ليشتروها، بل إنهم-أنفسهم- أقاموا بهذا المكان. وجاء من أوتيكا مبعوثون يحملون الهدايا إلى هؤلاء الذين كانوا يتعبرونهم إخوانا لهم ، وحثوهم على ان يؤسسوا مدينة بالمحل الذي قادهم الخظ إليهم . وكذلك الأفارقة فإنهم من جهتهم كانوا يودون أن يبقى الأجانب . وهكذا تأسست قرطاجة بموافقة الجميع , وحددت إتاوة سنوية عن كراء الأرض وأثناء القيام بالأعمال الأولى استخرج رأس ثور من التراب. وهو نذير بمدينة لابد أن يؤدى عن الربح كثير من التعب، ومقدور عليها أن تبقى دائما خاضعة, لذلك انتقلوا إلى مكان آخر، فأستخرجوا رأس فرس. وهو رمز لشعب يكون محاربا وقويا. فكان هذا هو المكان المناسب للمدينة الجديدة وقد اجتذبت الشهرة كثيرا من الناس وفي زمن كان هناك شعب كبير ومدينة عظيمة .

كانت قرطاجة مزدهرة حينما دعا هيرباس Hiarbas  ملك المكسِطانيين Maxitani عشرة من أكابر المواطنيين، وصارحهم بأنه يريد التزوج من أليسا، وأنهم رفضها يجر للحرب ...."  (تاريخ شمال إفريقيا القديم ، ستيفان غزال ،ج 1، ص 305)
الكلام الوارد في الروايتين  المؤسستين لتاريخ تأسيس قرطاج واضحة لا تحتاج الى شرح ملخصها أن أميرة اسمها عليسا او إليسا من مدينة صور في لبنان حاليا هربت مع بضع خدمها الى شمال إفريقيا و إستقبلها سكان شمال إفريقيا وفرحوا بها وساعدوها على بناء مدينة لأنها جلبت معها المال وبضع الخدم الذين لا يتجاوزون 80 شخص ومع الوقت جاء سكان شمال افريقيا من مناطق مختلفة الى تلك القرية للتجارة مع الوافدين الجدد الأغنياء والغرباء واستقروا في المكان ومع التجارة التي هي مهنة الوافدين وهي عصب الحياة والاستقرار كبرت القرية الجديدة وتحولت (قرطاج، قرت حشت ؟ أو قرطن )  مع تحريف الاسم الى قرطاج وبقي سكان هذه القرية التي أغلبها من الامازيغ المتبونقين يدفعون الضرائب لملوك الأمازيغ مقابل الحماية وكراء الارض لمدة ثلاثة قرون كما هو معروف قبل أن تكبر القرية وتصبح مدينة لها جيش أغبليته الساحقة من السكان الاصليين وبعض المرتزقة من اسبانيا وبلاد الغال، وهو ما يؤكده المؤرخ توفيق المدني في قوله : " كانت قرطاج تلم بين جدرانها 300 ألف من السكان.مخازنها الجسيمة غاصة بالسلع النفيسية والريش الفاخر . وفيها كل ما تقتضيه هذه العظمة من ملاعب وهياكل وقصور . وحياة علمية وادبية . وعوائد واخلاق خاصة بذلك الوسط الكبير كل ذلك رسخ في قلوب البربر واعتادوه، و اصبح سكان الحواضر لا فرق بينهم في شيئ وبين القرطاجيين الاصليين ، ولا ريب أن الثلاثمائة الف انسان التي كانت تقطن العاصمة ليست كلها ممن قدموا من فنيقيا ، بل أن كثيرا منها إن لم نقل أكثرها كان من البربر الذين استوطنوا تلك المدينة واستطابوا حياتها .وكذلك كان الأمر في بقية البلاد الأخرى . (توفيق المدني، كتاب قرطاج في اربعة قرون، ص . 35)
أما بخصوص هوية السكان الذين إستقبلوا تلك الجماعة الفينيقية الفارة من مدينة صور ، في الرواية الاولى ذكر تيمي (Timée) الملك الذي أراد الزواج بالوافدة عليسة وقال " ملك الليبيين" ومن المعروف تاريخيا أن الليبيين هم السكان الأصليين لشمال إفريقيا وهي تسمية قديمة أخذها الاغريق عن المصريين الذين كانوا يسمون جيرانهم الغربيين بهذا الاسم ، يقول ستيفن غزال في هذا الصدد : " وعند بعض الكتاب الاحدث عهدا (من هيردوت) نجد لفظ  ليبوس Libyes  قد أطلق على جميع سكان إفريقيا الشمالية من مصر إلى غاية المحيط  ومن البحر الأ بيض المتوسط الى الأراضي التي يعيش بها الأثيوبيون  بحيث إن النوميديين والموريين مثلا هم ليبيون  " (. غزال ، تاريخ إفرقيا الشمالية .الجزء 5 .ص94)
أما في الرواية الثانية فقد ورد إسم هيرباس Hiarbas  ملك المكسِطانيين Maxitani  ولما نبحث عن كلمة المكسيطاني نجد انها مجرد تحريف لاتيني عن المكسيس حيث يقول أغزال : " نفس الكاتب (يقصد أوستاث) يطلق مازيكس Mazikes على الأهالي الذين أطلق عليهم جُسْتان مكسطاني . وسيرفيوس الذي يستشهد "بتاريخ بونيقي " كان يعرف شخصا اسمه "يوباص Jopas  ملك الأفارقة، وأحد طالبي الزواج من ديدون"  إذ يقال إن عددا من الامراء الأهالي طلبوها للزواج، كما يذكر ذلك فرجيل أيضا، كما يضيف سيرفيوس أن هذا الأخير (يقصد يوباص Jopas) أعلن الحرب على القرطاجيين " . (أغزال، تاريخ افريقيا الشمالية، ج 1 ص 308)
يعني أن المكسطاني هم أنفسهم المازيكس و المازيكس  حسب المؤرخ ڨابرييل كامبس هم الأمازيغ حيث يقول : ".. وكما سنرى في ما يقابل من هذا الكتاب ،فأن الكثير من القبائل البربرية القديمة كانت تُعرف في العصور القديمة بإسم المازيس Mazices ، وهو في الحقيقة اسم يطلقه أغلب البربر على انفسهم : إمازيغن  Imazighen (مفردها أمازيغ Amazigh ) وقد نقل الأجانب هذا الأسم في صور شتى، فجعله المصريون مشوش، وجعله الإغريق مازيس – Mazyes ، أو ماكسيس Maxyes ، وجعلوه اللاتين مازيس Mazices و ماديس Madices . وذكر المؤرخ الكبير ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي أن فرعا من البربر وهم البرانس ، ينحدر من مازيغ Mazigh .." (كتاب البربر ذاكرة وهوية ، غبرييل كامب، ترجمة عبد الرحيم حزل , ص 58 ) 
ويقول  المؤرخ  دونالد ريدفورد في كتاب مصر وكنعان واسرائيل في العصور القديمة ترجمة بيومي قنديل ص.373 "الماكسيس هم انفسهم الماشوش " والمشوش هم الأمازيغ الذين حكموا مصر قبل وصول الفينيقين الى سواحل شمال افريقيا (راجع : O .BATES . The Eastem Libyans . London 1914.P.245-252)




مصطفى صامت