تعرف على التقنية الفريدة التي طوّرها أسلافنا قديماً لاصطياد أبقار البوفالو الضخمة في أمريكا الشمالية
لوحة زيتية من إبداع (ويليام لي) بعنوان ”اقتياد البوفالو“ في سنة 1947.
على مدى آلاف السنوات، كان الأمريكيون الأصليون في شمال القارة الأمريكية يصطادون أبقار البيسون، حيث أصبحت هذه الشعوب معتمدة بشكل كلي على هذه الحيوانات في حياتها لدرجة أصبحت تستغل كل شيء ممكن تحتوي عليه أجسامها وجثثها.
كانت الجلود تستعمل من أجل صناعة الألبسة والمأوى والأفرشة، وكان الشعر والذيل يستخدمان لصناعة الحبال والفراشي، وكانت أوتار العضلات تستخدم لصناعة الأنسجة والغراء وحبال أقواس الصيد، بينما كانت العظام والقرون تستخدم لصناعة عدد واسع من أدوات الاستعمال اليومي، وذلك كله من أجل إطعام وإلباس وإيواء مجتمع كامل، هذا المجتمع الذي كان يتعين عليه اتباع نظام ”الصيد الجماعي“.
مع التخطيط الجيد، والتنظيم، وبعض الحظ، نجح هؤلاء الصيادون من فترة ما قبل التاريخ في قتل العشرات، بل حتى المئات، من هذه الحيوانات في آن واحد، وذلك باستعمال القليل من الأسلحة فقط.
كانت بعض هذه التقنيات التي طورها الأمريكيون الأصليون لاصطياد أبقار البوفالو هي ”جرف البوفالو“، حيث كان يساق بقطعان من البوفالو على حافة جرف لتلقى حتفها إثر سقوطها من على قمته.
لوحة من إبداع الفنان (تشارلز موريسون روسل) بعنوان ”اقتياد البوفالو من على قمة الجرف“.
من أجل استدراج هذه الحيوانات الضخمة إلى غاية قمة الجرف وإخافتها لدرجة تتسبب في فزع وتشتت قطعانها وأخيرا سقوطها، كان من الضروري بذل مجهود مضني تضمن تخطيطا حذرا، لكن الجائزة كانت عظيمة وتستحق العناء، حيث أن قفزة واحدة كانت توفر لقرية كاملة الطعام والملبس والمأوى لمدة شهور كاملة.
كانت أول مهمة للقيام بـ(قفزة الموت) هذه هي العثور على جرف مناسب، وكانت أفضل المواقع المناسبة لهذه المهمة تبدأ بمراعي جيدة جاذبة لقطعان البيسون، ثم تمتد بسلاسة لتنتهي بحافة جرف حاد يصل انحداره إلى عشرة أمتار أو أكثر.
وبمجرد أن يتم تحديد موقع من هذا النوع، يبدأ الصيادون التحضير للمهمة عبر تكديس أكوام كثيرة من الصخور وأجذع الأشجار لتتخذ شكل حرف V الذي تشير زاويته إلى حافة الجرف.
ثم يتلحف أحد الصيادين في جلد عجل بيسون ويتنكر تحته ثم يحاول استدراج القطيع إلى مدخل الشرك، وكان هذا الصياد المتنكر أحيانا يخور من أجل جذب انتباه القطيع ثم يبدأ بالتحرك باتجاه الجرف.
بتقدم القطيع بشكل أقرب إلى مدخل الشرك، كان صيادون آخرون مختفين خلف الصخور يقفزون وهم يصرخون ويلوحون بجلود يحملونها من أجل الإبقاء على القطيع داخل تشكيلة الـV بينما تقوم مجموعة أخرى من الصيادين بإثارة فزع القطيع من الخلف.
بينما يتقدم القطيع باتجاه الحافة، ترى من في الصفوف الأمامية من أفراده ما ينتظرها من مصير في الأسفل، فتحاول التوقف لكن التشتت الحاصل في القطيع بأكمله وقوة التدافع الحاشد تجبرها على السقوط من على قمة الجرف، فينتهي بها الأمر على سفحه.
وفجأة بدأت قطعان البوفالو في السقوط من على الجرف – صورة: Sylvia Fanjoy
يتسبب ذلك السقوط في مقتل البعض على الفور، وجرح البعض الآخر، فينهي الصيادون بعد ذلك حياة الأفراد الناجية من البوفالو الساقط، وبعد وقت وجيز من ذلك، تبدأ عملية السلخ الكبيرة، فيتم استهلاك اللحم الطازج على الفور، كما تجفيفه وتخزينه لوقت لاحق.
يتم كذلك سحق عظام السيقان الضخمة من أجل استخراج النخاع الذي يكون داخلها، وقد تستمر عملية الذبح والسلخ والطهو هذه لمدة أسابيع كاملة، التي في نهايتها يجد الأمريكيون الأصليون أنفسهم غانمين بمخزونات كبيرة من المؤونة التي تتكون من اللحم المجفف، والجلود التي قد تدخل في صناعة الملابس بما في ذلك الأغطية والأفرشة، والأقمصة، والمعاطف، والنعال، والمآوي وما إلى ذلك، لا يتم إهدار أي جزء من الحيوان دون الاستفادة منه بشكل أو بآخر.
كان هذا النوع من الصيد حدثا اجتماعيا حصل قبل 12 ألف سنة وبقي مستمرا إلى غاية 1500 سنة بعد الميلاد على الأقل، وفي زمن أصبح يستعان فيه بالأحصنة، خول استعمال تلك الأحصنة وأسلحة وأدوات صيد أفضل الصيادين من ملاحقة قطعان البيسون واصطيادها من أجل الحصول على اللحم الطازج على مدار السنة، خلافا لما كان يجري في السابق من الصيد الجماعي أي ”جرف البوفالو“، هذا الحدث الذي لم يلبث أن راح بعد ذلك بوقت وجيز طي النسيان، ولم يعد يعمل به كطريقة في الصيد.
ديوراما في أحد المتاحف في (مونتانا)، تبرز عملية صيد البوفالو على الجرف.
اكتشف علماء الآثار عشرات من المواقع على طول شمال أمريكا حيث كانت تحصل بعض من عمليات الصيد هذه، ويتم تحديد هذه المواقع غالبا من خلال ركام الصخور، وشظايا العظام، والأدوات الحجرية، وآثار عن مواقع معالجة الأبقار التي يتم اصطيادها، هذه المواقع التي لم تكن بعيدة عن موقع الصيد.
يعتبر موقع (جرف البوفالو هيد إن سماشد) Head-Smashed-In Buffalo Jump واحدا من أقدم هذه المواقع المحفوظة، مع العديد من الخصائص التي ما تزال سليمة وكاملة، ويوجد هذا الموقع حيث تبدأ هضاب جبال (الروكي) في الارتفاع من السهول على بعد 18 كم شمال غرب (فورت ماكلود) بـ(ألبرتا) في (كندا) على الطريق السريع رقم 785.
يبلغ طول الجرف نفسه 300 متر، وفي أعلى نقطة منه يطل على وادي في انحدار يبلغ عشرة أمتار، وكان هذا الموقع يستعمل قبل ستة آلاف سنة مضت، حيث عثر على بقايا العظام على عمق 12 متر تحت السطح.
تتضمن بعض مواقع ”جرف البوفالو“ المثيرة للاهتمام موقع (جرف البوفالو في ماديسون) في مقاطعة (غالاتين) في (مونتانا)، وموقع (أولم بيشكون) في مقاطعة (كاسكاد) بـ(مونتانا) كذلك، وموقع (قتل البيسون في أولسن شوبوك) في (كولورادو)، وموقع (مخيم ديزابوينتمنت) في مقاطعة (غلاسيي) في (مونتانا)، وموقع (جرف البوفالو في فور) في مقاطعة (كروك) في (وايومينغ)، وموقع (بونفاير شيلتر) في (تكساس).
نموذج عن جرف البوفالو في (فور)، في متحف مقاطعة (كروك).
جرف بوفالو (هيد سماشد إن)، في كندا – صورة: uleth
عظام جواميس بوفالو قديمة استخرجت من جرف البوفالو في (فور)، في مقاطعة (كروك) بولاية (وايومينغ) – صورة: Jeff the quiet/Wikimedia
جرف بوفالو (ماديسون) في المتنزه الحكومي – صورة: AllAroundTheWest/Flickr
جرف بوفالو (أولم بيشكون) البالغ ارتفاعه 15 مترا – صورة: Travis S./Flickr
المصدر: مواقع ألكترونية