1- هل أسماء الأنباط عربية ؟
نسمع هذه العبارة كثيراً من أشخاص لم يقرؤوا نقشاً نبطياً واحداً في حياتهم ، صحيح أن مملكة الأنباط تمددت جنوباً و شملت مدناً و قبائل عربية لذلك من المنطقي أن هؤلاء الذي خضعوا للأنباط و تركوا نقوشاً أن يكون لديهم أسماء عربية ، لكن الأنباط سموا كثيراً بأسماء آرامية و عبرية و حتى أكادية كما يؤكد كتاب ديل ريو شانزيس المذكور في الأعلى ، و أسماء تنتهي بحرف الواو و هي على الأغلب أسماء نبطية أصلية لعلها تعود للهجة النبطية الآرامية
يذكر موقع Nabataea.net الغير أكاديمي القائل بعروبة الأنباط هذه الحقيقة بنفسه و يؤكد أن الكثير جداً من أسماء الأنباط هي غير عربية و غير موجودة سوى لدى الأنباط
نذكر لكم بعض الأسماء النبطية المذكورة في النقوش و التي ليست عربية مذكورة في كتاب ديل ريو المذكور أعلاه : نتيرو ، هنينو ، هتيشو ، بيتامون ، فاصي إيل (و هو اسم آرامي واضح) ، إيتاي بل (يبدو الاسم آرامي بامتياز رغم أن الإله "بل" من أصل أكادي و لكنه عبد لدى الآراميين في تدمر لذلك وروده ليس مستغرباً) ، قوس نيتان (قوس بتخفيف الواو هو اسم أدومي و الصيغة قوس نيتان حسب الكتاب هي صيغة عبرية) ، كمكم ، حرمو ، هودو ، أميو ، هاريشو ، حلافو ، شيدو ، منواث ، سنامو ، ريباماث ، مشيخو ، حيان (مذكور في نصوص أوغاريت من مئات السنين ، على الأغلب كنعاني الأصل) ، قوس ملك/ملخ (اسم عبري) ، منسأ ، ناتان ، تارو ، هنائيل ، مسكئيل ، غاليشو ، باناتو ، أسبو و غيرهم الكثير مما لا يحصى ، نجد أسماء واضحة أنها كنعانية أو آرامية مثل چرم البعلي ، فبعل إله كنعاني و اسمه يرد في اللغة الآرامية أما كلمة چرم ܓܪܰܡ هي كلمة آرامية تعني "قرر" و رغم أن موقع Nabataea فسره على أنه اسم غير عربي و قال أنه يعني "بعلي أو إلهي قرر" إلا أنه تعمد كالعديد من الحالات عدم القول بأنه من أصول كنعانية أو آرامية و حتى الأسماء التي تبدو عربية مثل وهب ألاهي و الذي من الممكن أنه اختصر في النقوش النبطية إلى وهبو (بالواو النبطية الآرامية) أو وهبا (بألف الإطلاق الآرامية الشهيرة) يقول الكتاب أنه مذكور في نقوش آرامية أخرى لثقافات و شعوب مختلفة في نفس الفترة الزمنية و نفس المنطقة ، هذا يعني أنه اسم وارد في الآرامية و ليس خاصاً بالعرب ، ترد كلمة يهب في الآرامية السريانية الحديثة بمعنى "وهب" و قد تكون واواً في لهجات آرامية أخرى غربية منقرضة ، بمطلق الأحوال ييدو أن الأنباط في العصور الأخيرة تسموا بأسماء رومانية مع بقاء العديد من الأسماء الآرامية ، لكن هذا دليل أن الأسماء لوحدها لا يمكن الأخذ بها لتحديد هوية شعب كامل ، و إن أخذنا بها فالأنباط بالمجمل لم يكونوا عرباً ، لا ننسى أننا عندما ندرس النقوش يجب أن ندرس الموقع الذي عثر فيه عليها فلا نتوقع أن تكون الأسماء جنوب نبطيا التي توسعت نحو المناطق العربي مشابهة لوسط و شمال نبطيا التي كانت أماكن آرامية بامتياز
2- هل تكلم الأنباط العربية و استعملوا الآرامية فقط للأعمال الرسمية ؟
أساساً مصطلح لغة عربية لم يكن موجوداً و اللغات التي تسمى بالعربية اليوم مجازاً كالسبئية و اللحيانية و الثمودية و الصفوية هي غير متجانسة فالعربية مصطلح نشأ بعد القرن السابع الميلادي على الأغلب و وفق هذا المنطلق لم يتكلم الأنباط لغة عربية لأنهم لم يوجد شيء اسمه لغة عربية حينها بل تكلموا لغة نبطية لكن تجاوزاً سنعتبر أن الادعاء يقول أنهم تكلموا لغة أقرب للعربية
و هذه من أكثر الحجج التي ليس لها دليل أن الأنباط استعملوا العربية في حياتهم العامة و كتبوا بالآرامية فقط للتجارة و المعاملات الرسمية و عندما تسأل كيف عرفوا أنهم تكلموا بالعربية إذ أنه لا مسجل صوت يثبت ذلك يقولون أن هناك بعض الكلمات العربية (مثل "غير") في نقوشهم الآرامية أي كلمات عربية بأحرف آرامية و بالتالي هي دليل على عروبة لسانهم..
في الواقع الأنباط لم يستعملوا الآرامية للأعمال الرسمية كالتجارة فقط مع الأمم الأخرى (أي لغة تواصل مع العالم الخارجي) ، بل كتبوا بها نقوش القبور خاصتهم ، فلماذا يكتبون بلغة لا يعلمها إلا المسؤولون و التجار على شيء شخصي مثل القبور من المفترض أن تكون مخصصة للعائلة و ليست حالو لغة تواصل مع شعوب أخرى ، و كذلك نقشوا بالآرامية صلواتهم.. فهذه شأون شخصية و ليست دولية ، و كذلك فإنه حتى أحد ملوكهم (أريتاس الرابع) سمى نفسه (راحم عامه) أي (محب شعبه) باللغة الآرامية و قد وردت عشرات المرات في نقوش حتى بعد موت أريتاس الرابع و تولي ملوك غيره الحكم كما يوضح الكتاب و يمكنكم الاطلاع عليه بأنفسكم ، فلماذا يلقب نفسه بلقب آرامي إن كان عامة الشعب يفهم العربية ؟ بل و تناقلوا هذا الاسم و اللقب لأجيال عديدة..
و لماذا عند ذكر الأنساب يستخدم الأنباط كلمة "بر" بدلاً من "بن" العبرية و العربية ؟ أليست الأسماء الشخصية كذلك ضمن نطاق الحياة العامة ؟ و حتى نقوشهم القريبة من المناطق العربية شرقاً و جنوباً كامت تستخدم "بر" و فقط القليل جداً يكتب "بن" هذا دليل أن المجتمع تكون بغالبيته آرامي مع وجود بعض المجتمعات العبرية و العربية فنحن نعلم أن من نسميهم اليوم بالعرب يحفظون أنسابهم غيباً منذ العصور القديمة لذا من الغريب ألا تتغير هذه الكلمة إلى "بن" إن كانوا على استطاعة بتغيير كلمات أخرى للعربية
في الواقع العديد من الباحثين يؤكدون أن الأنباط كتبوا و تكلموا الآرامية و أن التأثير العربي أتى لاحقاً ، و هذا ملاحظ من النقوش فنقوش الأنباط الأولى هي آرامية بامتياز أما التأثير العربي فقد لوحظ في الكتابات المتأخرة بعد تمدد المملكة النبطية فمثلاً مدونة أومنيغلوت Omniglot المختصة باللغات و الكتابة تقول أن اللغة النبطية هي لهجة آرامية غربية و قد تأثرت بالعربية خاصة في القرن الرابع بعد الميلاد أي بعد سيطرة الرومان على نبطيا بكثير و دخول العناصر العربية أكثر نحو الولايات الداخلية
كما نشر مقال بعنوان Benjamin Suchard receives Veni grant for research on Nabataean Aramaic as a spoken language
(بينجامين سوتشارد يحثل على منحة ڤيني على بحث حول الآرامية النبطية كلغة محكية)
على موقع جامعة Universiteit Leiden 
أنهم كتبوا بالآرامية و ربما كذلك تكلموا العربية (بالإضافة لتكلمهم بالآرامية)
الدكتور أحمد الجلاد رغم قوله بعدم عروبة الأنباط إلا أنه قال أنهم تكلموا العربية (في الواقع هذا لدعم أطروحته التي يقوم بها حول تأثير الخط النبطي بالخط العربي) و أورد نصوص فيها كلمات عربية و منها نص ديني واحد (من بين مئات النصوص الدينية الآرامية) و كان نصفه الأول و هو المقدمة بالآرامية أما الدعاء فبالعربية و لا ندري كيف استنتج أنه بسبب هذا النص الواحد فإن لغة الأنباط عربية
لكن كلامه هذا تعرض لانتقاد و قد تم التأكيد على أنه غير مستوفي للأسباب التالية :
1- هو لم يراعي أماكن تواجد النصوص ، فقد يكون النص موجوداً أساساً في مجتمع ناطق بالعربية ضمن سيطرة الأنباط
2- لم يراعي الفترة الزمنية التي كتب بها النقش
الجميل هو أنه حتى المصادر التي تقول بعروبة اللسان النبطي ( كويكيبيديا الإنكليزية) تتكلم دائماً بصيغة الاحتمال و تقول أنه ربما بعض المناطق فقط كانت تتكلم العربية
و الآن دورنا في طرح سؤال ، بما أن الأنباط تاجروا أساساً في المنطقة الواصلة من خليج العقبة و اليمن و امتهنوا تجارة البخور اليمني ، و أنهم تاجروا و مروا حكماً بالمملكة اللحيانية و اليمن القديم و بالقبائل و المدن العربية في الحجاز ، و هذه ممالك لم تتكلم الآرامية ، و لو فرضاً أن الأنباط عرب شماليون مثل تلك القبائل العربية التي استخدمت الخط الثمودي و اللحياني ، فلماذا لم يستخدم الأنباط هذه اللغات في الكتابة أو الكلام رغم أن ثراء نبطيا يعود لهذه التجارة و لهذا الطريق الذي لم يسبقهم عليه أحد المار بكل المناطق العربية ؟ لماذا استخدموا الآرامية على اعتبارها لغة التواصل مع الأمم الأجنبية إن كانوا هم عرباً في الأساس و يتكلمون العربية و يحتكون بشعوب عربية ؟ ألا يعني هذا أن الأنباط ليسوا من هذه الشعوب العربية و أنهم لا يعرفون لغتهم و لا كتابتهم ؟
لدى العلماء ما يزيد عن 6000 نقش نبطي بالآرامية ، فقط بعض الكلمات منها بالعربية (و العبرية حتى!) و بما أنه لا دليل آخر لنا على لغة الأنباط فالعلم و العقل يقتضيان القول أن لغتهم آرامية و عدم الانجرار وراء تخمينات لا تستند على برهان
و إليكم خريطتان لتوزع اللغات السامية كما أعدها الباحثون و نجد أن الأنباط تكلموا الآرامية و في الخريطة الثانية التي تضع اللغات الأقدم كالعمونية و الموآبية و الأدومية أنهم هؤلاء تكلموا الكنعانية و ليس العربية فالأردن كانت كسوريا تتكلم كل من الكنعانيات و الآراميات


1- هل أسماء الأنباط عربية ؟ 129
المناطق الغير ملونة تعني عدم العثور على نقوش بعد أو نقوش كافية لكن مثلا المناطق الغير ملونة في العراق و الأردن حكماً تتكلم الآرامية لأنها في مناطق تكلم اللغة الآرامية


 1- هل أسماء الأنباط عربية ؟ 216
هذه الخريطة للغات في فترة أقدم و نلاحظ غياب العربية في كل الأردن و أن النبطية مصنفة كآرامية فهي ملونة بلون اللغة الآرامية حسب الصورة


 
ليس هذا فحسب بل نريد أن ننوه إلى حقيقة غالباً ما يتم تجاهلها هو أن الأنباط لم يستعملوا أبجدية الآرامية الدولية ، و هي الآرامية التي تبنتها المملكة الأخمينية و أصبحت الآرامية الرسمية للتجارة بل استعملوا الآرامية النبطية و كذلك اللهجة النبطية الآرامية و التي رغم تشابهها مع آرامية المملكة/الدولية كعديد من الآراميات إلا أنها كتلك الآراميات لم تكن متطابقة مع آرامية المملكة/الدولية بل لها طابعها الخاص فبالتالي لم تكن مخصصة للتبادل التجاري و التواصل الخارجي لأن الأمم الأخرى لن تستطيغ قراءتها أو فهمها لأنها ليست الآرامية الدولية ، إذاً فآرامية الأنباط هي آرامية أصلية للشعب النبطي و ليست لغة تجارة فقط
3- هل حمل ملوك الأنباط أسماء عربية ؟
ستسمع عن 3 أسماء هي : الحارثة ، عبادة ، جميلة و سيصمت من يقول بهذه الحجة و لن يكملوا لك أسماء الملوك الآخرين ، لكن قبل أن نوردهم دعونا نبحث هل كانت وردت هذه الأسماء حقاً هكذا ؟
لم يرد في أي نقش نبطي اسم الحارثة بل حرتت ، و حتى في أكثر خيالاتنا جنحاً بافتراض أن لغة الأنباط عربية فهي لم تكن عربية فصيحة كما لدى بعض قبائل شبه الجزيرة العربية ، فحتى قريش بذاتها لم تكن لهجتها فصيحة فكيف باسم نبطي أن يكون على وزن فاعلة ، مبالغة اسم فاعل قبل مئات السنين من تشكل العربية كلغة و تشكل لهجتها الفصيحة ؟
ثم إننا لا ندري ما المغزى من تسمية شخص يعيش في صحراء في أرض قاحلة (و خاصة من يسمى حارثة الأول حيث كان المجتمع النبطي أقرب للبداوة) أن يكون اسمه من الفعل حرث المتعلق بحراثة الأرض و الزراعة و هم في أرض بوار قاحلة لا زرع فيها ؟
قد ورد هذا الاسم في نقش ثمودي سنة 156 ميلادي إلا أن هذا النقش استخدم العديد من الكلمات الآرامية أي أنه في الواقع نقش آرامي-ثمودي و قد ترجمه عالم اللغويات الألماني إينو ليتمان (انتبهوا هذا ليس نقش نبطي بل آرامي-ثمودي) :
و النقش يقول
دنه قبور صنعه كعبو بر حرتت للقص برث عبد منوتي أمه دو هلكت في الحجر شنة ماه وشتين وترين بيرح تموز ، ولعن مرى علما من يشنا القبور ومن يفتحه حشى يلده ، ولعن من يغير دا على منه
و ترجمته للعربية :
هذا القبر صنعه كعب بن "حارثة" للقيط بنت عبد مناة أمه التي هلكت في الحجر سنة مئة واثنتين وستين من شهر تموز ، ولعن رب العالمين من غيّر هذا القبر ، ومن فتحه يمس بأولاده ولعن من غيّر الذي كتبه اعلاه
و ضعنا حارثة بين معترضتين لأننا لا نتحفظ على هذه القراءة
و إليكم الكلمات الآرامية فيه (بر ، برث ، شنا ، شتين ، ترين ، بيرح ، تموز ، مرى ، علما ، حشى ، يلده)
إذاً الأشخاص المسمين أو المرتبطين بشخص اسمه حرتت مرتبطين كذلك باللغة الآرامية حتى أنه سمى نفسه كعب بر حرتت و ليس كعب بن حرتت (بن هي عبرية و عربية بينما بر هي آرامية) و كذلك نطرح سؤال بخصوص اللغة ، هذا نقش ثمودي و لكن فيه كلمات آرامية و هناك العديد من النقوش الثمودية هكذا فهل نقول أن لغة كتابة العرب في الشمال هي عربية لكنهم تكلموا الآرامية بدليل وجود كلمات آرامية في كتاباتهم ؟
و فوق هذا فإن جذر "ح ر ت" الذي أتى منه حرتت في الآرامية السريانية هو ܚܪܬ و في العبرية חרת يعني حفر و نقش و هو ملائم أكثر لطبيعة نبطيا و خاصة البتراء التي حفرت بناياتها في الصخور و نقشت عليها
لا أقول أن عبدت و حرتت و جميلت أسماء بالضرورة غير عربية فالشعوب تتأثر ببعضها و لغاتهم كذلك ، لكن حارثة الرابع أطلق على نفسه لقباً آرامياً هو "راحم عامه" أي محب شعبه
و لكن هناك ملوك أنباط حملوا حصراً أسماء آرامية
فالعديد من الملوك حملوا اسم رابيل/ربئيل و هو اسم آرامي ܪܒܐܝܠ المكون من شقين "رب" و تعني عظيم و "إيل" يعني الله فيكون الاسم "الله عظيم" و هو اسم تمجيدي آرامي بامتياز مثل "حزائيل" و "فاصيئيل" و "عمونائيل" و "چبرئيل" و غيرهم بينما في العربية رب إيل يعني أن الملك هو رب الله ؟ اسم غير منطقي و على كل الأحوال لم يعرف للعرب أنهم تسموا بهكذا اسم
و كذلك الملك "ملخو" الذي يعربونه "مالك" و لكن ورد في النقوش باسم ملكو أو ملخو ، في الآرامية الكاف ممكن أن تلفظ "ك" أو "خ" و نجد أن الرومان كتبوا اسمه Malichus أي مليخوس بالخاء ، و هذه ليست من خصائص العربية ، و بكل الأحوال العرب لا تسمي باسم "ملك"
و كذلك الملكة شقيلات و التي يعود اسمها للجذر "ش ق ل" في الآرامية ܫܩܠ و تعني الحاملة أو الآخذة
و من الأسماء الملكية الأخرى الغير عربية اسم الملكة هلدو و الملكة هچرو أو هاچيرو..
4- أن كل من جوزيفس فلاڤوس (مؤرخ يهودي) و كذلك الرومان أطلقوا عليهم عرب
كما شرحنا سابقاً أن تسميتهم بعرب لا تعني أنهم عرقياً أو قومياً عرب ، لطالما أطلقت هذه الكلمة على شعوب غير عربية ، في الواقع جوزيفوس يقول أن أبناء اسماعيل ال 12 سكنوا المنطقة بين نهر الفرات و البحر الأحمر و أسموها نبطين و كانوا أمة واحدة و هم (قديار و إدوما و نبيوت و غيرهم...) لكننا نعلم أن هذا تاريخياً غير صحيح ، لم يعش القيداريون و الأدوميين و الأنباط كأمة واحدة بل كانت ممالكهم في أزمنة مختلفة كما لما يحكموا من نهر الفرات إلى البحر الأحمر كما لم يكن الأدوميون عرباً بل أقرب للعبرانيين و الفينيقيين كما يقول اسمهم
الدكتور جان ريتسو في كتابه يؤكد أن الكثير من أقوال الرومانيين تؤكد أن الأنباط ليسوا عرباً و أن جوزيفوس قلد الرومان في تسمية كل من يعيش في إقليم عربيا حسب الرومان باسم عربي حتى لو لم يكن عربياً فالرومان كانوا يسمون الشعوب بأسماء مناطقهم حتى لو كانوا قومياً مختلفين كما يؤكد أن صخرة العرب المذكورة في كتابات الرومان و جوزيفوس ليست هي البتراء الأردنية 
5- هل تعبد الأنباط لآلهة عربية ؟
ذكر القرآن الكريم 3 إلهات هن اللات و مناة و العزى و قد عبد الأنباط هذه الآلهة كذلك لذا فتلقائياً اعتبر البعض أن الأنباط عرب تعبدوا لآلهة عربية
لكن! المصادر العربية نفسها تقول غير ذلك
حسب الأخباريات العربية و كتب الرواة و المؤرخين المسلمين فإن العكس هو ما حصل ، العرب هم من أخذوا عبادة الآلهة عن الأنباط و الشاميين و ليس العكس ، و فوق هذا ذكروا أنهم شعب أعجمي انتقلت عبادة الآلهة من عندهم إلى العرب و فعلاً فإنه لا يوجد أي أثر يؤكد عبادة الآلهة اللات و مناة و العزى لدى العرب الحجازيين بل يوجد فقط لدى الأنباط ، و كذلك فإن الآلهة لم يكن اسمها اللات و مناة و العزى بل لت و منوتو و عزايا! (للتأكد يمكنكم الرجوع لكتاب ديل ريو سانشيز)
لت هي الإلهة الأم لدى الساميين الغربيين و قد كانت معبودة لدى الكنعانيين باسم إلت (إيلات) و هو لقب للإلهة عشيرات ، نجد أن صيغ الأسماء النبطية متقارب جداً مع الغرب سامية الكنعانية و الآرامية و نعلم أن المنطقة كانت تحت التأثير الديني الكنعاني/الفينيقي و كانت الأردن مليئية بالمدن الكنعانية فكان التأثير مباشراً على الأنباط الآراميين
أما الإلهة عزايا فاسمها ذو صيغة آرامية واضحة بألف الإطلاق المعتادة
و منوتو اسمها يحوي الواو النبطية الآرامية و تشبه الإله الكنعو-عبري ميني في اسمها
أما الإله دوشرا أو دو شرا الذي يعرب اسمه إلل ذو الشرى و يحكى أن اسمه مرتبط بسلسلة جبال عند البحر الميت ، و رغم أنه شبه منطقي كون الأنباط رؤوا في المناطق المرتفعة أماكن مقدسة و أقاموا عليها المعابد لكن المصادر تشكك في أصل التسمية هذا على اعتبار أن عبادة هذا الإله يبدو أنها انتشرت في حوران ذات اللغة الآرامية من جهة و لعدم وجود ارتباط مادية (معابد و نقوش) بين هذا الإله و بين سلسلة الجبال تلك
دوشرا يذكر على أنه الإله القومي و الأعلى لدى الأنباط ، في مدينة الحجر يذكر بصيغة آرامية مع "ألهايا كلهوم" أي الآلهة كلهم
و يذكر عرشه كذلك بصيغة آرامية (موتبه - ܡܘܬܒܗ) و الذي يشير ربما إلى زوجته (و هنا نسأل لماذا ما يتعلق بكبير آلهة الأنباط مكتوب باللغة الآرامية و ليس العربية ؟ حتى صفاته و عرشه و ما يتعلق به ؟ ألا يعني هذا أن لسانهم آرامي ؟)
لذا إن كان كل ما يتعلق بهذا الإله مذكور بالآرامية أليس من الأفضل البحث عن اسمه باللغة الآرامية ؟
بما أن الإله دوشرا هو كبير الآلهة النبطية و إلههم القومي فربما من المنطقي أن يكون أكثر من إله جبال
في الآرامية دوشرا يعني صاحب المبدأ أو سيد البدء أو بمعنى أدق ذاك الذي له (يملك) البداية و كذلك ذاك الذي ابتدأ ، و هو اسم يليق بالإله القومي أو الرئيس أن يكون الذي ابتدأ العالم و كان لملكه البداية ، فـ "دو" هي مشتركة بين الآرامية و العربية لكن عكس الآرامية فالعربية تتبدل حسب الإعراب "ذو ، ذا ، ذي" لكن الآرامية السريانية تبقى ثابتة "د" و في الآراميات القديمة لعل الواو أضيفت أو أنها الواو النبطية الشهيرة ، في مطلق الأحوال "شرا" هي كلمة آرامية ܫܪܐ
كما تعبد الأنباط لآلهة آرامية مثل بعل شمين و قد ذكر في نصوص يونانية من الحقبة الآرامية النبطية إذ جعلت عبادته متماهية مع الإله زوس هيليوس المرتبط برمزية الشمس و قد ورد في النص :
"و عندما حل عليهم الجفاف رفعوا أيديهم إلى السماء تجاه الشمس إليه وحده باعتباره الرب سيد السماوات دعوه باسمه بعل شمين"
و عثر في الأردن ما يدل على عبادة الإله الآرامي حدد ، و تعبدوا كذلك للإله الأدومي قوس و للإله قيشا و هبل (هبلو؟
بالنسبة للإله هبل فسنتركه للقادم لأنه ورد في حديث يدل على أن العرب اعتبروا الأنباط من العجم و تحديداً من الشعوب الكنعو-آرامية-أمورية
كما تعبدوا للإلهة السورية الآرامية أترغاتيس و الإله الحوراني الآرامي Aara
مما ظهر فإن الأنباط لم يتعبدوا لآلهة عربية بل لآلهة نبطية محلية العديد منها آرامية ، ثم أتى العرب و أخذوا عبادة بعض هذه الآلهة منهم
الآن لنأتي على أدلة آرامية الأنباط من المصادر العربية
بالإضافة لحقيقة أن الأنباط كانت حضارتهم و ثقافتهم آرامية فمثلاً كان التقويم النبطي هو تقويم بابلي آرامي و يستخدمون أسماء الشهور (نيسان ، آب و غيرهم..) (و لا ندري هل سيقول دعاة عروبتهم أن ذلك بداعي التواصل مع الأمم الأخرى ؟ لأنه في الواقع معظم الأمم الأخرى لم تستخدم هذا التقويم و التقويم شيء يخص الشعب أكثر من الحضارات الأخرى و خاصة أنها كانت تؤرخ بسنين ملوكها فالأصح أنهم ذوي ثقافة آرامية لأنهم آراميون) و تقول ويكيبدييا أنه رغم أن الأنباط كانوا مندمجين بحضارة آرامية إلا أنهم كانوا عرباً فنسأل من أين تعلموا هذه الحضارة و لماذا حتى شهورهم و تقويمهم آرامي و لم يحتفظوا بأي دلالة تقول بأنهم عرب.. فوق هذا لدينا أدلة عربية و إسلامية تؤكد آرامية الأنباط
يذكر العرب الأنباط قبل الإسلام و بعد الإسلام على أنهم قوم من العجم ، بل و يضربون بهم المثل في جهالة النسب لأن الأنباط ينتسبون لقراهم بينما العرب لقبائلهم ، و لذا من النادر أن نجد في نقوش الأنباط ذكر لقبيلة ، بل يذكرون أسماء مناطقهم إن فعلوا
و قد أصبحت كلمة أنباط هي الكلمة التي يستخدمها العرب و يطلقونها على الآراميين
و قد أورد المسعودي تعريف الأنباط في كتابه "التنبيه و الإشراف" بأنهم "السريان الذين يسكنون العراق و الجزيرة و الشام" و نحن نعلم أن الشام هي سوريا و الأردن و لبنان و فلسطين و يقول كذلك في مروج الذهب أن النبط و السريان في نينوى من جنس واحد و دم واحد و يتكلون لغة واحدة لكن مع اختلاف بسيط (يقصد أن السريانية هي آرامية شرقية بينما النبطية هي آرامية غربية)

و إليكم هذه الوثيقة المؤلفة من لغتين و لكن النص هو ذاته ، تسمى هذه الطريقة بالكرشوني أي يكتب النص بالسريانية و إلى جانبه بالعربية لكن العربية تكتب بأحرف سريانية لأن الخط العربي لم يكن منتشراً ، فالنص السرياني على اليمين هو ذاته النص العربي على اليسار ، نجد الكلمة المحددة بخط أزرق على اليمين أنها "نعمن آراميا" أي نعمان الآرامي ، و لكن ترجمته على اليسار بالعربية هي "نعمان النبطي"!!! هذا يعني و يتفق مع ما يؤكده الباحثون أن كلمة نبطي أصبحت الكلمة التي يطلقها العرب على الآراميين!!


1- هل أسماء الأنباط عربية ؟ 313
 
كما نجد الأنباط القدماء يعرفون عن أنفسهم كآراميين و أدوميين و لكن لم يقولوا أي مرة أنهم عرب و هذا نقش نبطي في منطقة تيماء التي من المفترض أن شعبها عربي يعرف النبطي عن نفسه بينهم على أنه آرامي و هناك نقش أورده الكتاب لشخص يعرف عن نفسه أنه أدومي
و ها هو طرا بر أرشو الآرامي
من كتاب الأستاذ سليمان بن عبد الرحمن محمد الذيب
لكن البعض يدعي أن هؤلاء الأنباط المذكورين مختلفون عن الأنباط سكان البتراء فهل هذا صحيح ؟
دعونا ننظر إلى أدلة تؤكد أنه شعب واحد
الدليل الأول : التسمية.
نطرح سؤالاً هو لماذا اختار العرب تسمية أنباط و نبط ليطلقوها على الآراميين من بين كل الكلمات ؟ لماذا لم يقولوا ببساطة آراميين لماذا هذا التشابه.. أو بالأحرى التطابق بين الاسمين ؟ هذا لأنهم احتكوا بالأنباط الآراميين و رؤوا أنهم يتكلمون الآرامية و يعرفون عن أنفسهم كآراميين لذا أخذوا الكلمة و عمموها على كل من شابههم من الشعوب كآراميي العراق و الشام (و من ضمنها الأردن موطن الأنباط) و الجزيرة (و من ضمنها المناطق التي توسعت إليها مملكة نبطيا) و إلا فمن أين أتوا بهذه التسمية ؟
ثانياً : لا فارق زمني.
نعلم أن المسلمين دخلوا ولاية عربيا بتريا سنة 629 ميلادي و نعلم حسب الموسوعة العربية أن المسلمين لم يقوموا بتهجير الآراميين بل بقي الآراميون غالبية هناك
و لحسن الحظ أن لدينا دليلاً من شعر جرير يؤكد عجمية أنباط المملكة القديمة
فجرير ولد سنة 653 ميلادي و توفي سنة 728 لذا فإنه عاش بفترة كانت التسمية النبطية ما زالت موجودة فلا يعقل أن ينسى قوم اسمهم خلال 50 أو 100 سنة أو يظهر الشعب الذي قال عنه المسعودي أنهم سريان الشام الذي أسماهم نبطاً فجأة مكان أنباط آخرين!
و بما أن جرير دعى أنباط حوران الذين هم حتماً أنباط المملكة القديمة بالعجم فهذا دليل على عدم عروبتهم حتى أن العرب كانوا يذمون الأنباط المستعربين كما سنرى
 في ( معجم الشعراء )(523) لابن المرزباني :
قال جرير يهجو ميجاش بن نعيم البرجي
إني لأعلم يا ميجاش انكم 
اولاد أحمر من أنباط حوران 
نحن نعلم أن حوران كانت مركزاً للملكة النبطية القديمة و فيها عاصمتهم المنقولة بصرى
فما الفائدة من هذا الشعر الذي يقول فيه جرير لنبطي حوراني أنه من أولاد أحمر ؟
الفائدة هي أن لقب أولاد أحمر تعني العجم لدى العرب
قال التبريزي في ( شرح ديوان الحماسة ) (2/891) : العرب تسمي العجم الحمراء .
و هذا وارد و منقول عن أحد النسابين العرب
بل و حتى حسان بن ثابت أورد في أشعاره تسمية النبط (كما سنرى في نهاية المقال) في إشارة إلى نبط العراق ، و حسان بن ثابت ولد عام 564-565 و توفي سنة 674 ميلادي فهو أقدم من جريري أي أنه عاش في فترة قبل دخول المسلمين إلى نبطيا و هذا يعني أن تسمية نبط على أنهم قوم مختلف عن العرب سواء في العراق أو الشام كانت معروفة لدى العرب حتى قبل دخول المسلمين لبلاد الأنباط
لدينا دليل آخر من مملكة الرها السريانية الآرامية التي حكمتها السلالة الأبجرية ، تعود السلالة الأبجرية حسب كل المصادر (و يمكنكم التأكد من العديد من الموسوعات) إلى مملكة الأنباط فهم أنباط هاجروا شمالاً و وصلوا إلى مملكة الرها الآرامية و حكموها ( الشعب أساساً كان آرامياً من شمال سوريا لكن السلالة الأبجرية وفدت لاحقاً و حكمت) و قد وصفوا لأنهم أنباط بأنهم عرب يحكمون مملكة آرامية
إذا لو أثبتنا أن هؤلاء الأنباط كانوا يدعون بآراميين و ليس بعرب إذاً فسنكون قد أضفنا دليلاً يثبت أن أنباط المملكة القديمة هم آراميون و هم نفسهم الأنباط الآراميون و السريان ساكنوا العراق و الشام و الجزيرة و إليكم هذا الدليل الذي ورد في عظة سريانية لمار يعقوب أورد فيها اسم الملك أبجر أوكاما (أبجر الأسود/المظلم بالسرياني) أول ملك سوري مسيحي و قال :

ظلام العالم و سواد أبجر (من اسمه أبجر أوكاما) ابن الآراميين ، ظلام العالم أصبح نوراً عبر أبجر في المسيح"


1- هل أسماء الأنباط عربية ؟ 412


 
الوثيقة المعنية
 
هذا دليل واضح أن الشعب كان يعرف أن الأباجرة كانوا آراميين ، فحتى كلمة ابن الآراميين ܒܪ ܐܪܡܝܐ (بر أرميي) التي أوردها تعني في الواقع ليس فقط أنه ابن الآراميين بل أنه آرمي ، ففي اللغة السرياني كلمة بر (ابن) تعني كذلك الانتماء لشيء أو لكذا.. مثلاً في السريانية عندما نريد أن نقول إنسان نقول ܒܪܢܫܐ و التي تعني حرفياً ابن الإنسان لكنها تعني في الواقع تعني إنسان
لذا فهذا دليل آخر أن أنباط المملكة القديمة هم نفسهم من كان يطلق عليهم آراميين
 كما وصف الرها و قال "ابنة الآراميين ، و إن كانت بمعزل ، قد سمعت بمعرفته"


يتبع