كما تشير الكتابات القديمة و بالاعتماد على معاجم اللغات السامية الأقدم و المصادر المكتوبة بالآرامية و العبرية فإن كلمة "عرب" لم تكن تعني قومية أو عرقية أو إثنية إنما كانت كلمة عامة تطلق على سكان البوادي و الصحاري في أماكن معينة من شرقنا
و على ذلك فقد أطلقت كلمة عرب على أناس ينتمون إلى قوميات مختلفة كالأنباط الذي دعوا بالعرب إلا أن المصادر العربية قبل و بعد الإسلام تقول أنهم من الآراميين و السريان و كذلك على بعض القبائل في شبه جزيرة سيناء و كذلك  في شبه الجزيرة العربية و في صحراء النقب في فلسطين
و قد ناقشنا سابقاً قضايا العرب و العربية حسب القرآن الكريم و من هم العرب و حقيقة أن الأنباط ليسوا عرباً
إذاً إن كانت كلمة "عرب" هي كلمة عامة لا تشير إلى شعب بنفسه فماذا كان يسمى سكان شبه الجزيرة العربية و الذين ننفي صلتنا نحن  سكان بلاد الشام بهم من الناحية العرقية أو الإثنية ؟
باستثناء اليمن القديم الذي تذكر نقوش مسنده أنهم كانوا يحاربون العرب , و بالتالي هم ليسوا عرباً , و كذلك الممالك التي كانت امتداداً لليمن مثل مملكة معين أو الممالك الآرامية مثل نبطيا , لم يوجد إرث كتابي تركه سكان شبه الجزيرة العربية يكشف عن هويتهم أو قوميتهم فمعظم النقوش باستثناء نقوش اليمنيين و النقوش الآرامية هي عبارة عن خطوط مقتبسة من المسند اليمني عرفت باسم النقوش الثمودية و هي كتابات مارقة لا ترقى إلى كونها نقوش مملكة أو مدينة و كان يتركها في الغالب رعاة أو بعض المحاربين المحليين أو مسافرين يتركون أسماءهم كتذكارات , و لا يحوي أي نقش على هوية شعب عربي يسكن تلك المنطقة , لذا فإن كل المعلومات التي نمتلكها عن هوية ساكني تلك المنطقة تأتي من الخارج و بشكل أخص من السريان و اليمنيين و اليونانيين و الرومان.
مر على بلاد الشام و بلاد الرافدين و مصر و غيرهم الكثير من الشعوب منها شعوب أصلية و منها من استوطن لاحقاً كاليونانيين و الرومان , لذلك سيكون من غير المنطقي عدم وجود العديد من الجماعات القومية و الإثنية في شبه الجزيرة و اقتصارها على العرب فقط.. في الواقع تؤكد المصادر الغريكو-رومانية ذلك أي وجود عدة جماعات بجانب العرب و سنوضح كيف تمت إذابة الفوارق بنيهم و أصبحوا يدعون جميعاً بالعرب
 
البداية كانت مع السراسين
من هم السراسين ؟
السراسين أو السراقين (بسكون الراء و ليس شدها) هي كلمة كما "العرب" تطورت عبر الأزمنة فكانت تعني شيء و أصبحت تعني شيئاً آخر لذا علينا تقفي أثرها في الكتابات القديمة لنعرف تطورها و على من كانت تطلق
يعتقد أن كلمة سراسين و التي تكتب بالإنكليزية Saracen هي كلمة لاتينية تأتي من الكلمة السامية "شرق" أي السراسين هم الشرقيون أو من كلمة "سرق" و تعني أن السراسين سارقون أي جماعات من قاطعي الطرق و هناك احتمال ثالث نرى أنه منطقي كذلك و هو أنها من الجذر القديم šrkt  الذي يعني "قبيلة" كما وردت في نقوش نبطية
و نرى أن الاحتمالين الثاني و الثالث أقرب للصحة
بغض النظر عن معنى الكلمة فقد أطلقت في البداية على سكان الصحاري الذين سكنوا في سيناء قرب محافظة عربيا بتريا و في عربيا ديسرتيا (شبه الجزيرة)
أما في بدايات العصور الوسطى في أوروبا فقد استخدم المصطلح للإشارة إلى القبائل التي تسكن شبه الجزيرة العربية
و في القرن السابع ورد في  Doctrina Jacobi أن السراسين هم غزاة لمنطقة بلاد الشام عبر الحروب الإسلامية
ماذا عن سكان شبه الجزيرة تحديداً ؟
في القرن الثاني الميلادي كلاً من الثيولوجي المسيحي الشهير هيبوليوتوس و كذلك يورانيوس ذكرا في الواقع 3 شعوب مختلفة تسكن شبه الجزيرة هم الطيين و هم قبيلة طي و السراسين و العرب! إذاً في القرنين الأول و الثاني الميلاديين كانت كلمتا عرب و سراسين غير متطابقتان تماماً و أكثر من هذا قبيلة طي التي أفرد لها في المعاجم السريانية مساحة لها لم تكن كذلك تعتبر عربية!
حسب الكتابات الرومانية فإن قبيلة طي كانت تسكن أساساً في خيبر و بشكل فرعي و تواجد أقل في مناطق قريبة من الفرات أما السراسين فقد كانوا أساساً من الحجاز , و في أحد الوثائق التي تعود إلى زمن الإمبراطور ديكوليتيان تذكر السراسين في منطقة من الصحراء السورية و لكنهم قد هزموا شر هزيمة و أبعدوا عن المنطقة و تم قتل البقية منهم
و كذلك ذكروا على أنهم جزء من الجيش الروماني من الطبقة الثانية و هم راكبوا الخيول مستأجرون في منطقة تابعة للرومان تمتد من فينيقيا و حتى ثمود أي أن وجودهم في منطقة بلاد الشام كان عبارة عن استئجار لقليل منهم كجزء من الجيش أما الذي كانوا في صحراء سوريا قد تم دحرهم , و حتى القرن الرابع الميلادي كان هناك فصل كبير بين السراسين و العرب و لم يذكرا على أنهم فئة متشابهة أبداً , في الواقع لم تذكر مصادر القرن الرابع الميلادي عن وجود شعب اسمه عربي , أما في وثيقة Notitia Dignitatum و هي وثيقة رومانية رسمية تتناول التقسيمات الإدارية في الإمبراطورية ذكر السراسين على أنهم مختلفون تماماً عن العرب! و لعلها الوثيقة الوحيدة في القرن الرابع الميلادي التي تذكر العرب
إذاً لهنا نفهم أن العرب و الطيين و السراسين كانوا شعوباً مختلفة , للأسف لا تعطي المصادر تفصيلاً عن خصائص كل منهم أو شرح يسمح لنا بتحديد كيف نحكم أن هذا الشعب كان عربياً و هذا كان سراسينياً و ذلك لأنهم أنفسهم لم يتركوا كتابات تخصهم , لكننا نستطيع التخمين لأقرب ما يمكن و نقول بأن السراسين هم حقاً الذي نقول عنهم عرب شبه الجزيرة في الحجاز و أن العرب قديماً كانوا سكان الصحاري خاصة القريبة من بلاد الشام بغض النظر عن قوميتهم فمن الممكن أن يكونوا سراسين أو آراميين أو غيرهم , فمثلاً الرومانيون دعوا الأنباط بالعرب لكنهم دعوا سكان سيناء و قليل من صحاري عربيا بتريا بالسراسين و ليس بالعرب , بينما دعا الأنباط أنفسهم بنبطو أما العرب دعوهم بالسريان و الآراميين , نفهم من هذا أن الأنباط مثلاً كانوا آراميين من الناحية الإثنية و نبطو من الناحية القومية (أي أنهم يرون انتماءهم القومي لنبطيا بغض النظر عن اختلاف إثنياتهم , فالآرامي فيها نبطي و الأدومي نبطي و السراسيني نبطي) و عرباً بمعنى أنهم يسكنون الصحاري و سكن في مملكة الأنباط في شبه جزيرة سيناء السراسين و هم الذين ندعوهم اليوم بالعرب سكان شبه الجزيرة و لكنهم ذكروا كجماعة مختلفة عن العرب القدماء (سكان الصحاري من الآراميين و غيرهم)
لكن كيف تغير الوضع و أصبح السراسين يدعون بالعرب و لماذا اختفى هذا الاسم ؟
في بداية القرن الخامس الميلادي الكتاب المسيحيون الرومانيون بدؤوا بالخلط بين السراسين و العرب في كتاباتهم و في كتابات القديس جيروم في القرن الخامس ادعى أن أبناء اسماعيل اختاروا أن يدعوا بالسراسين نسبة لسارة زوجة ابراهيم الحرة في مقابل الهاجريين و هم أبناء زوجة ابراهيم هاجر التي كانت عبدة إلا أن هذا الادعاء الذي انتشر في العصور الوسطى و الذي يحاول ربما ربط اسم السراسين مع اسم سارة هو خاطئ و يعود أساساً لتفسيره لقصة بولس الرمزية في رسالة العهد الجديد إلى أهل غلاطية و ليس إلى معلومات تاريخية
ذكر السراسين  في القرن الثامن الميلادي على يد يوحنا الدمشقي  الذي انتقدهم على أنهم متبعي نبي كاذب و موالين للمسيح الدجال (شأن ديني لا دخل لنا به لكن نذكره كتسلسل تاريخي للأحداث)
في القرن الثاني عشر أصبح الأوروبيون يستخدمون مصطلح سراسين ليعني المسلمين كلهم و أصبحوا يميزونهم بأنهم من أصحاب بشرة أدكن من بشرتهم و أصبحوا يعرفون عن أنفسهم باسم المسيحيين أي أن السراسين أصبحت كملة إثنو-دينية تعني المسلمين و كانوا من ذوي بشرة أدكن من بشرة المسيحيين الذين أصبح اسمهم كذلك إثنو-دينياً و قد اشتهر هذا في فترة الحروب الصليبية كثيراً إذ كانوا يدعون جميع المسلمين بالسراسين
استمر استخدام مصطلح سراسين في الغرب ليعني مسلمين إلى القرن الثامن عشر ثم بدأ بعده استخدام مصطلح "محمديون" الذي بدأ استخدامه في الواقع منذ حوالي سنة 1600 و شاع في القرن الثامن عشر لكن لم ينتهي استخدام مصطلح سراسين نهائياً حتى القرن التاسع عشر
إذاً حتى القرن التاسع عشر لم يكن هناك شيء اسمه عرب أو عروبة! و لنعطيكم فائدة أكبر فإن السريان سكان سوريا و بلاد الشام الأصليين و الذين كانت لهم الكثير من المؤلفات و المعاجم لم يسموا العرب باسم العرب أبداً و لم يسموا العربية باسم العربية كذلك! بل أسموهم بالسراقين و تكتب  كلمة عربي و لسان عربي (لغة عربية) هكذا في السريانية كما ترونها في المعاجم ܣܪܩܝܐ سرقايا باللفظ الشرقي أو سرقويو باللفظ الغربي و لم تضف كلمة "عربويو" لتعني عربي إلا مؤخراً
تلخيص لما سبق
يمكن تقسيم فترات استخدام مصطلحي العرب و السراسين إلى فترتين
الفترة الأولى قبل القرن الخامس الميلادي و كان السراسين مختلفون عن العرب إذ كان :
السراسين :
1- جماعة إثنية معروفة من بدو الصحاري في منطقة شبه الجزيرة و سيناء
2- تم استئجار العديد منهم كخيالة من الطبقة الثانية في الجيش الروماني
3- هناك قبائل معادية منهم للرومان في صحراء سوريا تم دحرهم
العرب :
اسم غير قومي ولا إثني يطلق على سكان الصحاري كلهم بشكل عام و خاصة آراميي الصحاري قرب بلاد الشام لكن كذلك من قوميات مختلفة كالسراسين و حتى بدو يمنيين قدماء و كذلك بدو غير يمنيين سكنوا قرب سبأ
أما في الفترة بعد القرن الخامس الميلادي :
السراسين أصبحوا يعنون المسلمين سواء كانوا من شبه الجزيرة أو أتراك و تم خلط اسم سراسين مع عرب مع ذلك اشتهر اسم السراسين ليعني المسلمين و استمر هذا حتى القرن الثامن عشر حيث استبدل بمصطلح محمديين و بعدها شاع اسم عرب خاصة بعد انتشار الإسلام كثيراً و استخدام مصطلح لغة عربية التي أصبحت لغة دينية و أطلقت على متحدثيها بالعرب و لم يتبلور ذلك تماماً حتى انهيار الامبراطورية العثمانية باستخدام بريطانيا حجة القومية العربية لجمع شعوب المنطقة حتى تمكنت من دحر العثمانيين و تقاسمت هي و فرنسا المنطقة فكانت العروبة هي أداة بريطانية للسيطرة على المنطقة و توجت بإيعاز من بريطانيا على تشكيل جامعة الدول العربية حيث انتهى تماماً تبلور العروبة , و قبل القرن التاسع عشر لم يكن هناك هذا الفكر بشكله المتبلور السائد
مصادر :
المصادر حول السراسين و العرب حتى نهاية القرن الرابع الميلادي


السراسين و العرب  131
الصورة أعلاه تصور معركة بين السراسين و الصليبيين عبر المكتبة البريطانية


1- كتاب The Arabs and Mediaeval Europe لـ Norman Daniel
2- كتاب The Arabs in Antiquity: Their History from the Assyrians to the Umayyads لـ Jan Retso
اعتبار اسم السراسين مشتق من اسم سارة :
كتاب :  Armies of Heaven: The First Crusade and the Quest for Apocalypse لـ Jay Rubenstein
مصدر القرن الثامن :
كتاب : The Fount of Knowledge لـ Johan Damascene
تحول اسم سراسين ليعني مسلمين :
كتاب نورمان دانيال أعلاه
كتاب :  Empire of Magic: Medieval Romance and the Politics of Cultural Fantasy لـ Geraldine Henge