التوحيد (الإيمان بإله واحد) في العالم القديم
يُعرّف التوحيد ببساطة على أنه الإيمان بإله واحد، وعادة ما يُنظر إليه على أنه النقيض لتعدد الآلهة أو الإيمان بالعديد من الأرباب. تعتبر كلمة التوحيد كلمة حديثة نسبيًا صاغها الفيلسوف البريطاني (هنري مور 1614-1687 ميلادي) في منتصف القرن السابع عشر الميلادي. فهي تأتي من الكلمات اليونانية (مونو وتعني واحد) و(ثيوس وتعني إله). يشير “الإيمان بإله واحد” في التقليد الغربي تحديدًا إلى إله الكتاب المقدس. إله اليهودية والمسيحية والإسلام. ومع ذلك، لم يكن مفهوم التوحيد موجودًا في العالم القديم كما نفهمه اليوم. فقد كان القدماء جميعهم مشركين. ربما قدّسوا أحد الآلهة أكثر من غيره (الهينوثية)، إلا أنهم سلّموا بوجود التعددية الإلهية.
يقسم مفهوم الكون عند القدماء إلى ثلاثة عوالم: السماء (الجنان)؛ والأرض (البشر)؛ والعالم السفلي (يُعرف أحيانًا “أرض الموتى”). كانت السماء هي مجال الآلهة واحتوت على مجموعة من الآلهة لها تدرج في القوى. كان لدى العديد من الحضارات القديمة إله مهيمن أو ملك الآلهة، مع وجود آلهة أخرى مسؤولة عن جوانب مختلفة من الحياة، وهم يشكلون ما يشبه المستشارين في المحكمة، أو مجرد رسل للبشر.
يمكن للعديد من هذه القوى أن تعبر إلى الأرض في تجليات مختلفة. يمكنهم أيضًا السفر إلى العالم السفلي، وكانت تلك التجليات تُعرف باسم (chthonic وتعني قوى العالم السفلي). كان يُنظر إلى بعض الآلهة الصغرى على أنها شريرة وكانت تعرف باسم الشياطين. يُعتقد أن هذه القوى قادرة على استحواذ الأشخاص وهي بمثابة تفسير للأمراض والاضطرابات العقلية.
الخلق صورة: Fr Lawrence Lew, O.P. (CC BY-NC-ND)
الإيمان والاعتقاد والعقيدة
يفترض مفهوم التوحيد الحديث وجود مفهومين آخرين هما “الاعتقاد” و”الإيمان”. لم يكن السبب في صعوبة فهم الأديان في العصور القديمة عائدًا لعدم ايمانهم بالأشياء أو نقص ايمانهم بالآلهة، ولكنهم في الغالب لم يعبّروا أو يظهروا ذلك بالطريقة التي نفترضها اليوم في أنظمتنا الدينية. وعلى عكس العقائد اللاحقة للمسيحية، لم تكن هناك عقائد متماثلة في الطوائف العرقية المختلفة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
جرى العثور على تماثل وتشابه للمعارف في أعمال هوميروس «الإلياذة والأوديسا» وأعمال (هسيود) «ثيوجوني؛ الأعمال والأيام» وأساطير الشعراء كأساس لقصص الخلق والآلهة والأبطال. لم تكن هناك سلطة مركزية (مثل الفاتيكان) لتملي التوافق في المعتقدات والممارسات. طورت كل مجموعة عرقية طقوسًا وممارسات ضرورية للعبادة (كالقرابين) كان قد أورثها الأسلاف لأحفادهم عن آلهتهم. لقد كان من المهم جدًا تنفيذ هذه الطقوس دون أخطاء.
الجذور القديمة للتوحيد
نظرًا لحداثة مصطلح التوحيد في حد ذاته، فقد حاول العلماء الكشف عن الجذور القديمة للمعتقدات التوحيدية في العالم القديم. وكان على رأس القائمة الفرعون المصري (إخناتون 1353-1336 قبل الميلاد)، الذي يشار إليه غالبًا باسم الموحِّد الأول. خلال فترة (العمارنة)، روّج (إخناتون) لعبادة (آتون) رمز الشمس، كأعلى شكل من أشكال العبادة، وألغى عبادة (آمون) في الأقصر، والذي كان الإله المهيمن في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن محاولة تدمير معابد (آمون) وصوره وكهنوتيته تشير إلى الإيمان بوجود هذا الإله (وتأثيره). في الوقت نفسه، لا يوجد دليل على أن (إخناتون) قام باضطهاد أو محاولة القضاء على آلهة أخرى من الديانات المصرية، كما أنه لم يحاول إلغاء العديد من الأعياد الدينية أو معتقدات الحياة الآخرة في جميع أنحاء مصر.
أخناتون والعائلة المالكة التي باركها آتون صورة: Troels Myrup (CC BY-NC-ND)
يمكن العثور على مصدر آخر لجذور التوحيد القديم في الزرادشتية التي كانت المذهب الشائع لبلاد فارس القديمة. كان (زرادشت) نبيًا (من 1000-600 قبل الميلاد) روّج لعبادة إله واحد (أهورا مازدا)، الخالق الوحيد لكل شيء آنذاك. ومع ذلك، فقد انبثقت عن (أهورا مازدا) ستة Amesha Spentas (قوى روحية) بالإضافة إلى Yazatas (القوى المجردة الأخرى) وفي مجملها كانت تمثل الطرف النقيض لقوى أخرى (كالتناقض بين الخير والشر). كان نقيض لـ (أهورا مازدا) هو druj أو “الفوضى”، التي تم تجسيدها بشخص Angra Mainyu.
على هذا النحو، فقد أدى وجود قوة معارضة للخلق في النهاية إلى ظهور مفاهيم يهودية ومسيحية وإسلامية لاحقة عن “الشيطان”. على الرغم من التناقض الواضح بين الخير الخالص والشر الخالص (أو المفهوم المعروف باسم الثنائية)، يزعم الزرادشتيون المعاصرون أنهم المنشئون الحقيقيون للتوحيد، حيث نشأ كل شيء من “الواحد”.
تستمر اليهودية القديمة في تلقي القدر الأكبر من الاهتمام بكونها صاحبة الفضل في خلق أصول التوحيد في التقاليد الغربية. أصبح بعض الباحثين في الآونة الأخيرة يطلقون مصطلح “monolatry”، وهو نظام يعترف بتعدد الآلهة لكنه لا يسمح بعبادة أكثر من إله واحد. تمامًا مثل جيرانهم، فقد تصور اليهود القدماء تسلسلًا هرميًا للقوى السماوية: “أبناء الله” (سفر التكوين 6) والملائكة ورؤساء الملائكة (رسل الله الذين ينقلون مشيئة الله إلى البشر) و(الشيروبيم والسيرافيم). كما اعتبر اليهود بوجود الشياطين مع العديد من الأمثلة في الأناجيل عن دور (يسوع) في طرد الأرواح الشريرة.
لطالما حاول العلماء تحليل ما ورد في سفر التكوين 1:26: ” “وَقَالَ اللهُ: ’نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا،”.فإلى من يتحدث الله؟ هل الضمير المتصل “نا” يشير إلى الضمير “نحن الملَكية”؟ جاء بالاقتراحات تأكيدٌ على الأفكار القديمة والقابلة للمقارنة في الثقافات القديمة بأن السماوات تعكس الهياكل المجتمعية القائمة على الأرض؛ فكما كان للملوك محكمة من المستشارين، كذلك كانت هناك محكمة سماوية أيضًا.
تعود الفكرة القائلة بأن اليهود كانوا توحيدين لقصة النبي (موسى) عندما تلقى وصايا الله على جبل سيناء: ” أنا الرب إلهك ولا يكون لك إله غيري”. في الواقع يمكن ترجمة هذا الكلام العبري بالقول “لا توجد آلهة أخرى معي”. لا يشير هذا إلى عدم وجود آلهة أخرى؛ إنما وصية لكيلا يعبد اليهود أي آلهة أخرى. كانت العبادة في العالم القديم دائمًا ما تعني تقديم القرابين. كان بإمكان اليهود الصلاة للملائكة والقوى الأخرى في السماء، لكنهم اكتفوا بتقديم القرابين لإله إسرائيل.
تشير الكتب المقدسة اليهودية باستمرار إلى وجود آلهة الأمم (الجماعات العرقية): سفر التثنية 6:14 (“لاَ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ،”)؛ 29:18 (“لِئَلاَّ يَكُونَ فِيكُمْ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ عَشِيرَةٌ أَوْ سِبْطٌ قَلْبُهُ الْيَوْمَ مُنْصَرِفٌ عَنِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِكَيْ يَذْهَبَ لِيَعْبُدَ آلِهَةَ تِلْكَ الأُمَمِ”)؛ 32:43 (“سبحي أيتها السماوات يا شعبه اسجدوا له يا جميع الآلهة”)؛ أشعياء 36:20 (“مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هذِهِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟”)؛ مزمور 821 (“الله يترأس الجماعة العظيمة، ويصدر الأحكام بحق الآلهة”). في قصة خروج اليهود من مصر، يحارب الله آلهة مصر لإظهار من يتحكم في الطبيعة. وهو أمر لا معنى له لو لم يتم الاعتراف بوجودهم: “… سأحكم على جميع آلهة مصر.” (سفر الخروج 12:12)
موسى وانشقاق البحر الأحمر صورة: Providence Lithograph Company/Public Domain
في حين أن اليهود لم يقدموا سوى القرابين لإله إسرائيل، إلا أنهم يشتركون في قناعة واحدة بأنه يجب احترام جميع الآلهة؛ كان من الخطر إغضاب الآلهة الأخرى. وقد أمر (سفر الخروج 22:28) اليهود بألا يشتموا آلهة الأمم. مع تدمير الرومان للمعبد اليهودي في القدس عام 70 م، لم تعد الذبائح الدينية مسموحة. وبدأ قادة اليهودية اللاحقون، (الحاخامات) عملية طويلة لإعادة تفسير العبادة على أنها تركيز على “الواحد”، مما سيؤدي إلى المفهوم النهائي وهو وجود إله واحد فقط في الكون.
تحت الاضطهاد من قبل الإغريق السلوقيين (الذي أدى إلى ثورة المكابيين عام 167 قبل الميلاد)، كان يُعتقد أن أولئك الذين ماتوا لرفضهم عبادة الآلهة اليونانية ستتم مكافئتهم على الفور بنقلهم إلى جنان الخلد قرب ربهم باعتبارهم شهداء.
التوحيد الفلسفي
مع ظهور مدارس الفلسفة اليونانية في عام 600 قبل الميلاد في مدينة (ميليتوس) بآسيا الصغرى، بدأت التكهنات الفلسفية المتعلقة بالكون ومكان الإنسان فيه بالانتشار في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط. جمع العديد من الفلاسفة الطلاب حولهم (التلاميذ)، وغالبًا ما كان هؤلاء الطلاب يكتبون التعاليم وينقلونها إلى الجيل التالي. ارتبطت الفلسفة أيضًا بالطبقات العليا، حيث لم يتوفر الوقت أو الراحة لتكريس هذا النوع من التعليم العالي سوى للأغنياء. بيد أن الفلسفة لم تكن مجرد تكهنات من برج عاجي، بل كانت مثل الدين القديم، علّمت طريق الحياة، وقدمت تفسيراتها الأخلاقية والروحية.
قدّمت مدارس أفلاطون وأرسطو والرواقيون طرقًا للتعامل مع تقلبات الحياة، حيث اهتمت بالحالة الروحية للمرء أكثر من اهتمامها بالخارجيات الدنيوية. وكان التركيز على عودة الروح إلى أصولها في العالم الأعلى بعد الموت لتتحد مع “الإله الأعلى”. بالنسبة لأفلاطون، لم يكن هذا الإله السامي مخلوقًا، ولم يكن قابلًا للتغيير، وإنما جوهرًا نقيًا (منزّه عن المادة الفانية). لقد كانت المجردات الواقعية تنبثق عن عقل الله، مثل انبثاق الضوء عن الشمعة. وينبثق عن هذا الإله أيضًا كلمة الله، أو مبادئ الحكمة، التي تنظم العالم المادي.
أفلاطون صورة: Mark Cartwright (CC BY-NC-SA)
تعامل أرسطو (384-322 قبل الميلاد) مع الميتافيزيقيا أو وجود المبادئ الأولية. فالإله الأعلى هو الأول، “المحرك غير المتحرك” الذي يتسبب في حركة الكواكب والمجرات. كان الكون ككل يعتبر بالنسبة للرواقيين كائنًا حيًا واحدًا يتم تنشيطه بواسطة قوة عقلانية إلهية وشيكة نظمت الكون وفقًا للقانون الطبيعي. لقد علموا الناس بأن يتقبلوا الخير والشر على حد سواء، وأوجبوا عليهم تهذيب النفس لتحقيق الانسجام النهائي مع هذه القوة الإلهية.
انتقدت العديد من المدارس الأساطير اليونانية التقليدية التي جسدت الآلهة (تعيين الخصائص البشرية للآلهة)، على الرغم من أن عددًا قليلاً جدًا من المدارس أدانت القرابين التقليدية أو دعت إلى القضاء على الطقوس التقليدية. ساهمت الفلسفة عبر كتاباتهم في ظهور وجهات النظر التوحيدية النهائية لكل من اللاهوتيين المسيحيين والحاخامات اللاحقين.
النصرانية
كانت رسائل بولس (50-60 م) دليلنا الأول على وجود الجماعات المسيحية فهي تظهر نفس الاعتراف اليهودي بقوى الكون. تم التسليم للعديد من تجليات الآلهة التي ظهرت بنفس الدرجة من القوة، ولكن لم يكن يُعبد سوى إله إسرائيل: ” وإذا كانَ في السّماءِ أو في الأرضِ ما يَزعمُ النّاسُ أنّهُم آلِهةٌ، بَلْ هُناكَ كثيرٌ مِنْ هذِهِ الآلِهَةِ والأربابِ، فلَنا نَحنُ إلهٌ واحِدٌ وهوَ الآبُ الذي مِنهُ كُلّ شيءٍ وإلَيهِ نَرجِـعُ، ورَبّ واحدٌ وهوَ يَسوعُ المَسيحُ الذي بِه كُلّ شيءٍ وبِه نَحيا.” (1 كو 8:5). كثيرًا ما انتقد (بولس) آلهة الآخرين الذين أعاقوا رسالته (2 كو 4: 4). “الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ”.
بولس الرسول
ومع ذلك فقد باتت المسيحية المبكرة ديانة معقدة فيما يتعلق بمفهوم الوحدانية الإلهية وخاصة بعدما قُدِمَ المفهوم الجديد. بدأ المسيحيون (بعد تجارب الرسل التي جاءت بعد عيد الفصح)، بالادعاء أنه بالتوازي مع قيامة يسوع من بين الأموات، “تم رفعه” إلى السماء وأعطي كرسيًا “عن يمين الله” (أعمال 7:56). تنص رسالة (بطرس) الأولى 3: 21-22 على ما يلي: ” بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ فِي يَمِينِ اللهِ، إِذْ قَدْ مَضَى إِلَى السَّمَاءِ، وَمَلاَئِكَةٌ وَسَلاَطِينُ وَقُوَّاتٌ مُخْضَعَةٌ لَهُ..
كان أتباع يسوع الأوائل متفقين مع املاءات اليهود عن عدم امكانية تقديم القرابين لغير إله إسرائيل وبقوا على ذلك حتى تدمير الهيكل في القدس. نحن نعلم أيضًا أن الأتباع الأوائل كانوا قد بدأوا بتضمين أركان أخرى للعبادة فيما يتعلق بيسوع وكان من ذلك: تعميد الناس باسم يسوع؛ علاج وطرد الشياطين باسمه؛ والتوسع في مفهوم غفران الذنوب باسمه؛ بالإضافة إلى الصلوات والترانيم الموجهة ليسوع.
تم العثور على ترنيمة مبكرة تلاها (بولس) في (فيل. 2: 5-11)
فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا:
الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ.
إن عبارة “لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ” تعني وجوب العبادة، وهو مفهوم قديم يقضي بالانحناء أمام صور الآلهة المختلفة. في إنجيل يوحنا، تم تعزيز الفكرة القائلة بأن يسوع كان موجودًا مسبقًا في السماء قبل ظهوره كإنسان على الأرض، حيث بدأ بالادعاء بأن يسوع هو كلمة الله الذي تجسد ليعلمنا عن الله والخلاص. تم إعلان هذه الفكرة لاحقًا بقيامة يسوع.
الطريق إلى الثالوث
عندما اعتنق الوثنيون السابقون المسيحية، تبنوا المفهوم اليهودي برفض عبادة الآلهة الأخرى. مما أدى إلى اضطهادهم حيث كان يعتبر ذلك خيانة للإمبراطورية الرومانية. فعدم استرضاء الآلهة يعني عدم الرغبة بازدهار الإمبراطورية وبالتالي جلب الكوارث. كانت الخيانة دائمًا جريمة يعاقب عليها بالإعدام، ولذلك تم إعدام المسيحيين في الساحات.
ناشد العديد من الكتّاب المسيحيين الأباطرة لكي يعطوهم استثناءً بتقديم القرابين التقليدية شأنهم في ذلك شأن اليهود من قبلهم (في عهد يوليوس قيصر). ادعى المسيحيون أنهم هم “اليهود الحقيقيون” وليس لديهم ديانة جديدة، مستخدمين الرموز لإثبات روابطهم القديمة في الكتاب المقدس اليهودي. وقالوا إنه في كل مكان يذكر فيه الله، كان في الواقع شكلًا من أشكال المسيح الموجود مسبقًا. إذًا هم يشبهون اليهود من الناحية الفنية، فقد كانوا يعبدون إلهًا واحدًا فقط. لكن رد روما جاء دائمًا بأن المسيحيين ليسوا مختونين وبالتالي ليسوا يهودًا.
الثالوث المقدس صورة: Fr Lawrence Lew, O.P./O.P. (CC BY-NC-ND)
أصبح الإمبراطور (قسطنطين) في عام 312 م مسيحيًا وأضفى الشرعية على الدين المسيحي وبذلك توقف الاضطهاد. ولكن مع ذلك بقي المفكرون المسيحيون يناقشون العلاقة بين الله ويسوع. فبدأ (آريوس)، أحد كبار الكنيسة في الإسكندرية، بالقول إنه إذا كان الله قد خلق كل شيء في الكون، فلا بد أنه قد خلق المسيح في وقت ما. هذا يعني أن المسيح كان تابعًا لله. أدى كلامه هذا إلى نشوب أعمال شغب في الإسكندرية والمدن الأخرى التابعة للإمبراطورية.
اجتمع (مجمع نيقية الأول) لحل هذه المسألة. وخلصوا الى أن الله والمسيح متطابقان في الجوهر وأن المسيح كان مظهرًا من مظاهر الله نفسه على الأرض:
مِن كل ما يُرى وما لا يُرى نؤمن بإله واحد، هو الآب، القدير، خالق السماء والأرض. نحن نؤمن بإله واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود الأبدي من الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود، غير مخلوق، واحد في الوجود مع الآب. به خلق كل شيء. من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء: بقوة الروح القدس وُلِد من مريم العذراء وصار إنسانًا. . . نؤمن بالروح القدس هو الرب واهب الحياة الآتي من الآب والابن. مع الآب والابن يعبد ويتمجد.
تمت مراجعة قانون الإيمان عدة مرات خلال العقود التالية، وأصبحت النسخة المختصرة شائعة وتُعرف باسم قانون الإيمان بالرسل. يدّعي مفهوم الثالوث أن الله يظل واحدًا، ولكن بثلاثة مظاهر أو شخصيات: الله والمسيح والروح القدس.
من خلال استيعاب الأفكار اليهودية واليونانية، بدأ المسيحيون يجتمعون في مقابر الشهداء لتقديم الالتماسٍ لهم في شكل صلاة. جمعت عبادة القديسين المتزايدة بين تقديس الشهداء عند اليهود والتقديس اليوناني القديم للأبطال حيث كان الناس يتجمعون عند مقابر الأبطال ويتباركون بها. تم استيعاب المفهوم اليوناني الروماني للآلهة الراعية لمجموعة عرقية معينة أو بلدة معينة في مفهوم القديسين المسيحيين القائمين في الجنة الذين أصبحوا وسطاء بين الله والبشر.
دين الاسلام
في القرن السادس الميلادي، ظهر نبي في المملكة العربية السعودية واسمه محمد، وهو النبي المؤسس للإسلام. كان في الأساس مصلحًا يدّعي أن التعاليم الكاذبة قد أفسدت كلاً من اليهودية والمسيحية. أكّد على وحدانية الله باستخدام الكتابات اليهودية. وقال بأن الجمع بين الله وأية قوة أخرى يعتبر “شركاً” يعادل عبادة الأصنام. ومع ذلك، فإن الإسلام يعترف بتدرج القوى.
آيا صوفيا من الداخل. صورة: Mark Cartwright/(CC BY-NC-SA)
خلق الله ثلاثة أنواع ذكية من الكائنات: الملائكة والجن (ما يعادل الشياطين) والبشر. لم يكن للملائكة إرادة حرة (بل كانوا عقلًا خالصًا) وبالتالي هم لا يخطئون، لكن الجن والبشر يمكنهم الاختيار بين الخير والشر. عندما خلق الله آدم، أمر جميع الملائكة أن يسجدوا له، فسجدوا جميعهم إلا إبليس (الشيطان)، حيث رفض أن يفعل ذلك وأُلقي به في جهنم. لقد أذن الله له بإغراء البشر، لكن نفوذه سينتهي في يوم القيامة.
بعد وفاة (محمد)، انقسم أتباعه إلى مجموعتين رئيسيتين على الخلافة. أولئك الذين دعموا صهره (علي) أصبحوا من (الشيعة)، في حين أن الغالبية تعرف باسم (السنة). الشيعة يكرمون معلميهم الكبار أي الأئمة، ويؤدون نفس نوع الحج ونفس الطقوس في مقابرهم. يزعم السنة أن هذا يعادل تبجيل المسيحيين للقديسين ويهدد وحدانية الله.
ساهمت العديد من العناصر على مر القرون في تجسيد ما سيصبح في النهاية المفهوم الغربي الحديث للتوحيد. لكن تكمن المفارقة عند الإعلان عن وحدانية الله، مع أننا ندرك أن الله ليس واحدًا.
المصدر:مواقع ألكترونية