عرش بني توفوت
عرش بني توفوت 11736
بني توفـوت: ينحدر جدهم الأول، عبد الله بن لطيفي، مـن أصـل بـربـري قـدم مـن المغرب ليستقر فـي بـن هـارون، ضواحي مويا، عند بداية السيطرة التركية، ولما أقام عبد الله سـوقـا فـي هـذا المكان، ضاقت السلطات التركية به درعا، إما بسببه أولسـبب
آخر، فأرسلت جندها فغزوا السوق، وقتلوا أبناءه السبعة. فر عبد الله بجلده رفقة إخوته الثلاثة وسكن جبل بن عباس، الذي حمل تباعا اسم جبل أولاد الحاج، جبـل حـوفـة، وجبل بني توفوت، حسب القبائل التي سكنته. استوطن عبد الله في لقرونة، واستوطن
اخـوه فـي المكان المسمى منذئذ بني بركات، حيث تقام زردة يدعى اليها أبناء القبائل الأخرى، استقر دوكان، الأخ الثاني، في البلاد المسماة حاليا رقادة، حيث يوجد بها
قبـره إلى يومنا هذا. أما الأخ الثالث المسمى سعيد ، فاستقر فـي مـداح، ومـن هـؤلاء الإخـوة الأربعة خرجت كافـة فـروع بنـي تـوفـوت. وتوجـد ضـمـن القبيلة عائلة تنحدر من المرابط سيدي مسعود عتيق، الذي يتمتع بسمعة جيدة في مجال الورع في كافة أرجاء المنطقة، وفي منتصف القرن التاسع عشر، كان أزيد من تسعة وسبعين قرية تغطي تراب هذه البلاد وتسكنها سبعة آلاف نسمة، وهو ما يجعلها إحدى أكبر قبائل بلاد القبائل الحضرة عددا.
عندما تؤسس الأساطير للأصول تمنح الروايات الشفوية أصولا لقبائل بلاد القبائل الحضرة، تنسبها إلى أناس قادمين من أماكن بعيدة كالمغرب الأقصى، ومن مناطق متفرقة من بلدان المغرب
الكبير، لكن هذه الروايات نادرا ما تنسب هؤلاء الناس إلى البربر، أما أن تنسبهم إلى كتامة، فذلك الذي لم يحدث أبدا، والغريب أن كلمة كتامـة لـم يعـد لهـا وجـود فـي لغة الأهالي، إنه المصير المذهل لنسب تاريخـي تـم مـحـوه تماما من الذاكرة الجماعية.
والأغرب من ذلك، ، هـو الغياب «الذي يشبه حالة الهوس من أي إشارة إلى الأصـول البربرية».
وكما نعلم فإن كتامة وجيرانهم الزواوة، لا تجمعهم علاقات جيرة فقط، إنما علاقة نسب وعلاقـة تقـارب لـغـوي وثقافي أيضا. وبالرغم مـن هـذا وذاك، لـم تشـر أية روايـة شفوية، ولو ضمنا، إلى هذه الروابط. وكأن لا هذه المنطقة، ولا تلك، انتمتـا يوما إلى نفس المجال التاريخي. لكن ينبغي الاعتراف أن سكان بلاد القبائل الحضرة يعتبرون أنفسهم غرباء تماما عن المجال البربري ولا تجمعهم بالزواوة سـوى رابطة الدين.
ونجـد عنصرا يتكرر دائمـا فـي الروايـات الـتـي سـردناها ، ويبرز بالمناسبة الأصـول المهاجرة للسكان. وعن الهجرات ينبغي أن نذكر صنفين على الأقل، فأما الهجرة الأولـى فـهـي داخلية، وتخص القبائل القديمة والأكثر عددا، باتجاه مجالات جديدة غير آهلة أو قليلة السكان. وأما الهجرة الثانية، فهي القادمة من الخارج، والتي شهدت قدوم سكان جدد للاستقرار في بلاد القبائل الحضرة.
فالمثال الحي لقبائل تشتت وشغلت مناطق مختلفة، هو مثال أولاد عطية، وبنـي قايد، والسواحلية وبني إسحاق، وبني صالح. فهذه الهجرات الداخلية الناتجة عن نقص الموارد ، وندرة الأراضي الصالحة للزراعة، أو بسبب صراعات بين الفصائل المتنازعة،
بهدف الهيمنة على البقية، ترتب عنها شغل التراب وفق قاعدة الأقرب فالأقرب. كما أن هذه الهجرات تقسم القبيلة إلى فروع، وتكرر اسمها عن طريق إنشاء تجمعات جديدة.
وهذه ظاهرة متكررة تعبر كامل تاريخ بلاد القبائل الحضرة، وتؤثر هذه التحركات في التوازن الداخلي للقبائل دون تغيير وحدتها العرقية.
ونتجت المرحلة الثانية، لإعادة التشكيل الديمغرافي لبلاد القبائل الحضرة، عن الاضطرابات المتكررة عقب سقوط الحكم الفاطمي. وهروبا من بطش صنهاجة وبطش الهلاليين، هرب سكان مدن القيروان، وقسنطينة، وميلة، وسكان السهول، واحتموا بجـبـال الشمال التي يستحيل دخولها، وهذه الحركة، التي كانت أحيانا كثيفة ، لكنهـا فـي أغلب الأحيان متقطعة، قد طعمت الأصل البربري بإضافات بشرية وثقافية متنوعة، وذكر الإدريسي، في القرن الثاني عشر، شهرة كتامة بالكرم وبالاستقبال الذي يخصصونه للأجانب إنهم ربما أكثر أناس العالم حرصا على الضيافة». وهذا التفتح
على الخارج لا يمكن أن نفسره إلا بمقارنته بطبيعة السكان المتنوعة التركيبة. يبدأ الوافدون الجدد عادة بالاستقرار عند قبيلة تستقبلهم، ثم ينتشرون بعد ذلك ويكونون حيزا جغرافيا خاصا بهم، إما عن طريق استصلاح الأرض، أو عن طريق النهب، أو عن طريق عقود الامتياز،
وأثناء فترة التكون، يطل «الجذر»، متفتحا أمام العناصر الخارجية المضافة ومتقبلا لها شريطة ألا تمس هاته العناصر بسلامته، أوتنافسه على الأراضي التي اكتسبها، وهذه العناصر الخارجية التي تأتي لتضاف إلى لقديمة، ينتظر قدومها، بل يحبذ أحيانا، كونها
تزيد من تعداد القبيلة وتضاعف من قوتها ، زد على ذلك، أنها تخلق ظروف القوة والدوام بالنسبة للقبيلة، وهذه الظاهرة ليست حكرا على بلاد القبائل الحضرة، وإنما نجدها معدمة على مجموع بلدان المغرب، عاكسة بشكل جذري توزع السكان وانتشارهم. «ونتج
عن ذلك تغيير جوهري لمركز الجاذبية الخاص بالسكان البربر، وهكذا لم تلبث كل من مناطق الريف الشرقي، وجبال زرهـون، وبنـي سنـاسـن، والترا راس، وبلا دالقبائل الحضرة، التي كانت شبه خالية، أن تحملت كثافة عالية من السكان »
يبدو أن عملية إعادة التعمير هاته، مثلما أبرزته الروايات، قد مرت بمرحلتين:
المرحلة الأولى وهي ما بعد المرحلة الهلالية ( القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر)، وشهدت تشكل أساس العرق الحريري الكتامي حول جيجل والقل في الشمال،
وحلت المرحلة الثانية بعد إنشاء الخلافة العثمانية ( القرن السادس عشر ) ، مع قدوم الدعاة الأوائل والأندلسيين الذين تم طردهم من إسبانيا مع معين القراصنة الأتراك، وقد انصهر هؤلاء الوافدون الجدد داخل الأهالي، حاملين وهم م ثلاث مقدمات أساسية : «القانون، والفقه والنسب الشريف، وغالبا ما تتوفر هذه العناصر في شخص واحد وهو المرابط،
كتاب بلاد القبائل الحضرة عبر التاريخ
المؤلف حسني قيطوني
ترجمة عزالدين بوكحيل
صفحة عرش بني توفوت