عاش أكبر عزلة بشرية في الفضاء.. قصة مايكل كولينز رائد الفضاء المنسي
“أكثر ما أذكره عن تلك الرحلة هو شكل الأرض حين رأيتها من مسافة بعيدة، تبدو صغيرة جدا ولامعة، زرقاء وبيضاء، مشرقة وجميلة، هادئة وهشة”.
هكذا رأى رائد الفضاء “مايكل كولينز” خلال اللحظات التي كان فيها يوجد في المركبة الفضائية وحيدا في محيط القمر، بينما ترجل زميلاه “نيل أرمسترونغ” وباز ألدرين”، ليقوما بأولى خطوات الانسان فوق سطح القمر صيف العام 1969.
إنه “مايكل كولينز” رائد الفضاء الذي رافق “أرمسترونغ” في رحلة أبولو الشهيرة التي شهدت أول هبوط للإنسان على سطح القمر.
مايك كولينز ورفاقه
وفي اللحظات التي كان فيها “أرمسترونغ” يخطو بخطواته المجيدة فوق سطح القمر، كان “كولينز” وحيدا في المركبة الفضائية يقوم بالدوران حول القمر، وتقول بعض الكتابات إن لحظات العزلة التي عاشها وقتها، خاصة عندما كان يعبر الجانب المظلم من القمر، هي أكبر لحظة عزلة عاشها إنسان عبر التاريخ منذ آدم عليه السلام، فقد كان وحيدا في مركبة فضائية معزولة وبعيدة كل البعد عن الأرض.
توفي أخيرا هذا الرجل، وهو ما حرّك بعض الضمائر التي اعتبرت أنه لم ينل نصيبه من الاعتراف والتكريم، وأنه بات رمزا لذلك الإنسان الذي يعمل في الظل ويبقى اسمه منسيا.
“إنني راض تماما بالدور الذي أديته”.. رسالة رجل منسي
رحل “مايكل كولينز” صاحب هذه التجربة التي تضج بالدلالات العلمية والأحاسيس الإنسانية، يوم 28 أبريل/نيسان 2021، عن سن يناهز تسعين عاما، مخلفا وخزة ضمير جماعية انتابت كل متابعي علوم الفضاء على مدى العقود الماضية، ليطلق عليه لقب “المنسي” لما لحقه من حيف تاريخي مقارنة بزميليه اللذين ترجلا من المركبة الفضائية لاستكشاف سطح القمر، بينما بقي هو داخلها.
“عزيزي مايك، أيا كان المكان الذي أنت فيه أو ستذهب إليه، ستكون لديك دائما الطاقة لتحملنا ببراعة إلى آفاق جديدة. سنفتقدك. أتمنى أن ترقد بسلام”. هكذا نعى “باز ألدرين” ثالث رواد الفضاء الثلاثة الذين أنجزوا مهمة “أبولو 11” صديقه “كولينز” في تغريدة له على موقع تويتر، و”ألدرين” هو الوحيد الباقي منهم على قيد الحياة.
ورغم دوره الحيوي والحاسم في وصول زميليه الآخرين وعودتهما سالمين، فإن “كولينز” يقر بمقعده الهامشي الذي خرج به من تجربة أول وصول بشري إلى سطح القمر، إذ يقول: أعرف أنني سأكون كاذبا أو أحمق لو قلت إنني كنت صاحب أفضل مقاعد أبولو 11 الثلاثة، لكن يمكنني القول بصدق واتزان إنني راض تماما بالدور الذي أديته.
“يذكر أمتنا بأهمية التعاون في تحقيق الأهداف”.. دور الظل
48 دقيقة، كانت أطول فترة قضاها “كولينز” وسط ظلام دامس كان يعبره كلما انتقلت مركبته إلى الجانب الآخر من القمر، حيث لا يرى ولا يسمع فيها أي شيء، كانت جميع اتصالاته مقطوعة، بينما اختفى نور الشمس في الجانب الآخر من القمر.
فجأة.. بدأ ينجلي له جناح المركبة الفضائية بفضل أشعة الشمس، كما كانت الأرض تشرق بالنسبة إليه حين يصل إلى موقع يسمح له برؤية انعكاس أشعة الشمس فوق سطحها، فيخلّد المشهد بصورة بديعة، فيما بدا له القمر رماديا وخشنا وهو يطوف به عن قرب، وحين استعادت المركبة اتصالها بوكالة “ناسا”، سارع “كولينز” ليخبرها بأن “النسر هبط”.
بعد تأمينه للاتصال بين زميليه الموجودين وقتها فوق سطح القمر وبين الأرض، استمع “كولينز” إلى مكالمة الرئيس “نيكسون” وهو يهنئ رائدي الفضاء المستمتعين بخطوهما التاريخي فوق سطح القمر. يقول الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” في كلمة تأبين لـ”مايكل كولينز”: ربما لم يحظ “كولينز” بمجد مماثل لما حصل عليه زميلاه، لكنه شريكهما على قدم المساواة، وهو يذكر أمتنا بأهمية التعاون في تحقيق الأهداف العظيمة.
صورة التقطها مايكل كولينز للحظات هبوط المركبة إيغل على سطح القمر
المصدر:مواقع ألكترونية