تمثال ششناق والخطاب المزدوج :
ان المثير للدهشة في الجدل الواقع حول تمثال ششناق هو أن الذين يدافعون على فكرة "ششناق مصري ولا علاقة له بالأمازيغ" فقط لأنه ولد بمصر (رغم أنه حافظ على الخصوصية المشواشية الأمازيغية) هم أنفسهم من يرجعون نسبهم الى السعودية واليمن رغم أنهم ولدوا في الجزائر الأمازيغية التاريخ والهوية و يمارسون ثقافة وعادات أمازيغية محلية لا مثيل لها في السعودية والحجاز وهم أنفسهم كذلك من يقولون أن حنيبعل بطل فينيقي مشرقي رغم أنه ولد في مدينة برقة الليبية من عائلة برقية (double discours) !
فالفرق بينهم وبين ششناق هو أن قبيلة المشواش وكذلك ششناق قد حافظوا على خصوصيتهم الثقافية حيث أن صور ششناق على الأثار المصرية تصور بشكل دائم ريشة النعام التي يضعها زعماء المشواش على رأسهم كعلامة النبل والزعامة، هذا رغم أن ششناق من الجيل السادس للمشاوشة في أرض مصر كما نجد أن لقب "رئيس المشواش" او لقب " الزعيم العظيم للمشواش" وهو لقب ليبي خاص بالمشواش قد استمر عند هذه الجالية الامازيغية التي استوطنت مصر و حتى عند خلفاء ششناق ، كما حافظت هذه الجالية على اسمائها الليبية :ششناق، اوسركون، نمروت، باثوت، تكلوت، أمازسيس ... ) وحافظت على الوشم واللباس الأمازيغي وهذه ادلة أركيولوجية تؤكد لنا أن ششناق وقبيلته كانوا يرجعون هويتهم الى الخصوصية الماشوشة (الامازيغية) الليبية وربما لأسباب ايديولوجية فرضتها الذكريات الموروثة للصراعات القديمة بين الشعبين .
فأهمية رمزية ششناق الذي إختاره المناضل عمار نقادي سنة 1980 ليكون تاريخ وصوله الى حكم مصر 950 ق.م عبر انقلاب ناعم، كنقطة الصفر لبداية التقويم الفلاحي الأمازيغي الذي نجهل تاريخ بدايته والمعمول به في كل الشمال الافريقي، تكمن رمزيته في اعتبار وصول هذا الفرعون المصري ذو الاصول الأمازيغية الى الحكم كنهاية لسلسلة من الحروب بين الشعب المصري القديم والليبي (الشمال افريقي) التي بدأت منذ فجر التاريخ المصري (لوحة الحصون، متحف القاهرة تحت رقم je 27434) الى غاية حروب الفرعون ستي الاول ضد تحالف كبير للقبائل الليبية (الشمال افريقية) سنة 1308 ق.م وحروب رمسيس الثاني سنة 1289 ق.م التي خلد انتصارته على الليبين في معبده أبي سمبل ثم الغزوة الكبرى لقبائل الريبو الأمازيغية بقيادة Merey son of ded على مصر خلال حكم الفرعون مرنتباح سنة 1219 ق.م .
ثم رمسيس الثالث الذي خاض حربين ضد الامازيغ حسب ما وصلنا من آثار معبده "هابو" حيث قاد زعيم الريبو "themer" جيشا قوامه 30 الف مقاتل لغزو مصر سنة 1194 ق.م ، والحرب الثانية كانت في 1188 ق.م التي قاد الزعيمين keber و meshesher الأمازيغيين جيوش المشواش للثأر من هزيمة الحرب الأولى وقد تصدى رمسيس الثالث لها ايضا
لكنها كانت بداية لتوغل العنصر الأمازيغي في دولة مصر حتى بلغ بهم الأمر الى السيطرة التامة على السلطة العسكرية والدينية هناك وهو ما عبد الطريق للششناق الاول نحو كرسي فرعون مصر ليحكم الأمازيغ فيها من الاسرة 22، 23 ، 24 و الاسرة 26 . وهو ما ينطبق مع الأسطورة الشعبية بمنطقة الاوراس "أس ن فرعون" التي تأثر بها نقادي بحكم انه ابن المنطقة.
وتجدر الاشارة هنا الا ان تاريخ هذه الحروب بلغتنا من المصدر المصري فقط وإرجاع الانتصارات الى الفراعنة في كل المعارك محل شك، وبسبب غياب المصدر التاريخي الليبي فإن التاريخ المقارن يؤكد لنا أن الانتصارات المنسوبة للفارعنة في حروبهم ليست كلها حقيقة تاريخية وعلى سبيل المثال نذكر أن قصة معركة قادش 1274ق.م بين رمسيس الثاني و الحيتيين بقيادة الملك مواتللي الثاني في سوريا حيث خلد رمسيس الثاني انتصاره في المعركة، و قام بنقش تفاصيلها بالكامل على جدران معبد الرمسيوم و معبد الأقصر، وكذلك معبده بأبو سمبل (ما يعرف بأنشودة معركة قادش) بقيت على هذا الحال حيث يذكر التاريخ هزيمة الحيتيين على يد المصريين الى غاية سنة 1906م حينما اكتشف عالم الآثار الألماني هوجو فينكلر عدد كبيرا من لوحات طينية مجفّفة منقوشة بحروف آشورية تحدثت عن تفاصيل معركة قادش (تل النبي مندو بسوريا حاليا) وعن الهزيمة التاريخية لرمسيس الثاني فيها واضطراره لعقد اتفاقية صلح مع الحيتيين عكس ما قام بتسجيله على اهرمات مصر التي كانت تمثل الاعلام الرسمي الموجه الى الشعب ( 100 Battles, Decisive Battles that Shaped the World, Dougherty, Martin, J., Parragon, p.10–11)
والمشواش حسب جل المؤرخين المختصين هم أنفسهم الماكسيون Maxyses الذين تحدث عنهم المؤرخ هيرودوت في القرن الخامس ق.م وارجع اصلهم الى غرب نهر تريتونيوس (شط الجيرد التونسي حاليا) ونحن نعلم من خلال المؤرخ الروماني justinus أن هذا الاخير وصف الملك المحلي (هيرباس Hiarbas) الذي استقبل اللاجئة الفينيقية عليسة سنة 814 ق.م بملك الماكسيتاني maxitani ، و مازيكس Mazikes هم انفسهم الأهالي الذين أطلق عليهم justinus تسمية ماكسيطاني حسب إستفيان أغزال ( تاريخ افريقيا الشمالية، ج 1 ص 308) و الماكسيتاني تحور لغوي لاتيني لاسم مازيغ حسب غبرييل كامبس (البربر ذاكرة وهوية ، ت، عبد الرحيم حزل , ص 58) وحسب المؤرخ دونالد ريدفورد : "الماكسيس هم انفسهم المشواش " ( مصر وكنعان واسرائيل في العصور القديمة، ت، بيومي قنديل، ص 373) ،
فإذا كانت المصادر المصرية ترجع موقع قبيلة المشواش إلى أقصى الغرب مقارنة بالقبائل الاخرى التي عرفتها : تحنو، تمحو، ليبو، ريبو، واعتمادا على هيرودوت الذي جعل موقعهم غرب بحيرة "Tritonis" فنحن لدينا أدلة أركيولوجية قاطعة تأكد أن أصل قبيلة المشواش التي ينحدر منها ششناق هو الجنوب الجزائري في طاسيلي ناجّر حيث نجد هناك رسومات مماثلة للتي بمصر والتي تشير الى المشواش من حيث اللباس وريشة النعام على الرأس . (راجع الصور المرفقة) ناهيك عن اتفاق كل من عالم المصريات الأمريكي " برستد" والإنجليزي " "جاردنر " بأن المشواش هم اصل الامازيغ الذين عمروا شمال افريقيا (تاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح الفارسي، برستد، ت، حسن كمال، ج. ه، ط2، ص. 381، و آلن جاردنر، مصر الفراعنة، ت، نجيب ميخائل، ط2، 1987، ص.312)
فإذا كان ششناق شخصية تاريخية مصرية خالصة ولا علاقة له بشمال افريقيا فقط لأنه ولد بمصر كما يقول هؤلاء فلماذا لا يسقطون نفس المنطق على انفسهم وهم من يرجعون نسبهم واصولهم الى الحجاز واليمن رغم انهم ولدوا في الجزائر ويمارسون ثقافة امازيغية محلية خالصة ؟
ولماذا لا يسقطون نفس منطقهم القائل بأن شمال افريقيا عربية لأن ستة ألاف لاجئ هلالي استوطنوها ويقولون أن مصر أمازيغية لأن قبائل الماشوش وقبيلة كتامة وهوارة الأمازيغية قد استوطنتها وحكمتها لعقود؟
لماذا لم نسمع لهم اي ضجيج ولا اي نقاش حول تمثال عقبة بن نافع ببسكرة إن كان شخصية تاريخية حجازية أم جزائرية وهو الذي كان يعتبر نفسه عربيا حتى لما كان يحارب الأمازيغ، حيث أنه لما أتاه ملك ودَان (مدينة أمازيغية بليبية) مستسلما وراغبا في الاسلام قام عقبة بقطع أذنه ولما قال له ملك ودان : لم فعلت هذا بى وقد عاهدتنى؟ أجابه عقبة: "فعلت هذا بك أدبا لك، إذا مسست أذنك ذكرته، فلم تحارب العرب" ... ، ولم يقل المسلمين او الاسلام !! (كتاب فتوح مصر والمغرب، ابن عبد الحكم، ج1، ص 222 )
ولماذا لم نسمع مثل هذا النقاش حينما تم تنصيب تمثال بابا عروج بعين تيموشنت في 2018 وهو الذي قُتل هناك سنة 1518 على يد قوات اسبانية قدمت الى المنطقة بطلب من أمير تلمسان المسلم الذي تحالف مع الاسبان المسيحيين هو وكل أمراء المماليك الساحلية ( وهران، تنس، دزاير، بجاية، جيجل) خصيصا لمحاربة القراصنة الاتراك وهذا بعد سنة واحدة فقط من قدومهم فاذا كان بابا عروج وإخوته أبطال من التاريخ الجزائري الوطني فهل يعني هذا أن أجدادنا الذين حاربوهم خونة مثلا ؟
فالمشكلة الأساسية اذا تكمن في علاقة الآنا بالآخر، وبالأساس في معاداة الأنا، حيث يمكن دراسة هذه الظاهرة في ضوء الدراسات النفسية من قبيل "متلازمة ستوكهولم" و "black skin , white masks" لفرانز فانون .
فأعداء ششناق في أزمة نفسية مع الأنا، فهم يعتبرون أنفسهم عربا هلاليون يبدأ تاريخهم من القرن العاشر للميلاد فقط وهو تاريخ يفتقر الى اي شخصية تاريخية بطولية تستحق الاعتزاز ومن هنا ولد شعور التوجس ورفض العودة الى التاريخ القديم الذي لا يمتلكون فيه اي ارث، حيث يذكرهم بالاغتراب والفراغ والتهديد ، وهو أمر ليس بجديد فقد أقاموا الدنيا على المجاهد والوزير الاسبق في حكومة بومدين، مولود قاسم، لأنه وضع صورة البطل يوغرطة على غلاف مجلة الأصالة في السبعينيات .

بقلم: مصطفى صامت


تمثال ششناق والخطاب المزدوج : A77
تمثال ششناق والخطاب المزدوج : B52
تمثال ششناق والخطاب المزدوج : C27
تمثال ششناق والخطاب المزدوج : D25
تمثال ششناق والخطاب المزدوج : E18