دراسة تكشف عن تأثير العيش على المريخ بجسم الإنسان
بزغ فجر حقبة جديدة من رحلات الفضاء مع برنامج “أرتميس” التابع لناسا، والذي يهدف إلى إنشاء قاعدة معسكر على القمر ووضع الأساس لرحلة مستقبلية إلى المريخ.
وستعيد وكالة الفضاء الأمريكية البشر إلى سطح القمر في عام 2025، لكن بعثاتها المأهولة إلى الكوكب الأحمر لن تتم قبل عام 2030.
وفي غضون ذلك، يعتقد رجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك أنه يستطيع التغلب على وكالة ناسا بإرسال رحلات مأهولة إلى المريخ في النصف الثاني من هذا العقد.
وتكمن المشكلة في أن الظروف على كوكب المريخ يمكن أن تلحق أضرارا جسيمة بأجزاء متعددة من الجسم، ما يؤدي إلى تسريع المرض والموت – حتى مع ارتداء بدلة الفضاء.
ومن الإشعاع المسبب للسرطان إلى ترقق العضلات وضعف العظام، هذا هو سبب كون التواجد على المريخ محفوفا بالمخاطر، وفقا للخبراء.
الإشعاع
من المعروف جيدا للعلماء أن المريخ له غلاف جوي رقيق بشكل لا يصدق – حوالي 0.6% من الغلاف الجوي للأرض – ما يعني أنه يتعرض باستمرار للإشعاع الكوني المجرّي المكثف والبروتونات الشمسية.
وسيتعرض أي إنسان على سطحه لهذا المعدل الشديد من الإشعاع الضار، ويتعرض لخطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وتلف الدماغ و”التدهور المعرفي” وغير ذلك الكثير.
وتقدر ناسا أنه خلال رحلة مدتها ستة أشهر إلى المريخ، سيتعرض رائد الفضاء لـ 300 ملي سيفرت من الإشعاع – أي ما يعادل 24 عملية مسح ضوئي باستخدام CAT – وذلك قبل أن يصلوا إلى الكوكب.
وقال روبرت ويمر شوينجروبر، من جامعة كيل بألمانيا: “نظرا لأن رواد الفضاء سيتعرضون لمستويات الإشعاع هذه لفترة أطول من الركاب أو الطيارين في الرحلات الجوية عبر المحيط الأطلسي، فإن هذا يعد تعرضا كبيرا. نحن البشر لسنا مخلوقين لتحمل إشعاع الفضاء”.
ووفقا لدراسة أجريت عام 2019 بقيادة وكالة الفضاء الأوروبية، يمكن قصف رواد فضاء المريخ بإشعاع يساوي 700 مرة الإشعاع الذي يتعرضون له على الأرض.
وتشمل مناطق الجسم الأكثر عرضة للإصابة بالسرطان من جراء الطفرات الخلوية، العيون والرئتين والأمعاء، وكذلك الثديين والرحم بالنسبة للنساء.
ووجدت دراسة أجريت عام 2020 أن رواد الفضاء سيتعرضون للإشعاع بمعدل 2.6 مرة أعلى من تعرضهم له على متن محطة الفضاء الدولية، ما يزيد من خطر إصابتهم بالسرطان والعقم.
وأظهرت دراسات أخرى أن الإشعاع يضر بالدماغ أيضا من خلال إضعاف قدرات التعلم والذاكرة، ويمكن أن يترك رواد الفضاء مرتبكين وغير قادرين على اتخاذ القرارات. والأشعة الكونية، مثل ذرات الحديد والتيتانيوم، تلحق أضرارا جسيمة بالخلايا التي تعبرها بسبب معدلات التأين العالية جدا.
وقال فرانسيس كوتشينوتا، الفيزيائي بجامعة نيفادا في لاس فيغاس: “سيتطلب استكشاف المريخ مهام تستغرق 900 يوم أو أكثر، ويتضمن أكثر من عام واحد في الفضاء السحيق حيث لا مفر من التعرض لجميع طاقات الأشعة الكونية المجرية للأيونات الثقيلة”.
وذكرت دراسة نُشرت العام الماضي أنه “لا تزال هناك قيود على فهم تأثيرات الإشعاع الفضائي”.
الجاذبية
تمثل الجاذبية الصغرى مشكلة خطيرة لرواد الفضاء أثناء رحلات الفضاء الطويلة المدى، حيث إنها تقلل من كثافة العظام، وتزيد من خطر كسور العظام وتدهور أداء العضلات.
وفي الفضاء، يعني الافتقار إلى الجاذبية أن العضلات بالكاد تحتاج إلى العمل وأن رواد الفضاء لديهم روتين تمرين قوي لمنعهم من فقدان كميات كبيرة من كتلة العضلات.
وعلى الأرض، في كل مرة يجلس فيها شخص أو يقف، تسحب الجاذبية الدم إلى ساقيه. إن العمل الذي يقوم به القلب للحفاظ على تدفق الدم لأنه يقاوم جاذبية الأرض يساعده في الحفاظ على حجمه ووظيفته.
وتؤدي إزالة آثار الجاذبية إلى انخفاض أداء القلب، وتقلصه بشكل مطرد، وفقا لدراسة أجريت عام 2021.
ويُعتقد أيضا أن الجاذبية الصغرى تزيد من ضغط السوائل داخل الرأس، ومن المحتمل أن تكون في مؤخرة العينين، ما قد يؤدي إلى إتلاف الرؤية.
وعلاوة على ذلك، نظرا لأن رواد الفضاء يعملون في بيئة خالية من الوزن، فإن هناك حاجة إلى القليل من تقلص العضلات لدعم أجسامهم أو التحرك.
وبدون الاستخدام المنتظم والتمارين الرياضية تضعف عضلاتنا وتتدهور، في حين أن العظام لم تعد مضطرة لدعم الجسم ضد الجاذبية، كما أنها تضعف أيضا.
ووجدت دراسة 2021 أنه حتى برنامج طويل الأمد من تمارين منخفضة الكثافة في الفضاء لا يكفي لمواجهة آثار انعدام الوزن لفترات طويلة على القلب.
غبار المريخ
على المريخ، متوسط الظروف القاحلة والمتجمدة -80 درجة فهرنهايت (-63 درجة مئوية) عند خطوط العرض الوسطى، ما يجعل الكوكب الأحمر يبدو غير مضياف للحياة.
لكن السطح الصخري مغطى أيضا بالبراكين المنقرضة والأودية والحطام، مع وجود تأثيرات نيزكية منتظمة تشكل خطرا مستمرا على أي مستعمرين في المستقبل. وأي شخص يزور المريخ سيقضي كل وقته في موطن داخلي مغلق، أو داخل بدلة فضائية يتنفس الهواء المعاد تدويره إذا كان بالخارج.
ولكن حتى عند القيام بذلك، سيواجهون خطر دخول غبار المريخ المنتشر وتلويث الممرات الهوائية.
علاوة على ذلك، من المعروف أن البركلورات perchlorate، وهي نوع من المركبات الكيميائية، تتجاوز المستويات السامة في غبار المريخ والتربة.
وقال كارل ك. وينتر، باحث السموم في جامعة كاليفورنيا في ديفيس في كاليفورنيا: “يُعتقد أن مادة البيركلورات لها آثارها السامة بجرعات عالية من خلال التدخل في امتصاص اليود في الغدة الدرقية”.
ويمكن أن يؤدي تثبيط امتصاص اليود إلى انخفاض في إفراز هرمونات الغدة الدرقية المسؤولة عن التحكم في النمو والتطور والتمثيل الغذائي.
سوء التغذية
بصرف النظر عن جميع قضايا الغلاف الجوي والبيئية للمريخ نفسه، هناك مشكلة أخرى تتمثل في النقص المحتمل في الغذاء وسوء التغذية الناتج.
وقد تكون وفرة ثاني أكسيد الكربون (CO2) مثالية لنمو النبات – إذا لم تكن بسبب نقص ضوء الشمس والماء والإشعاع.
وتعني درجات الحرارة الليلية التي تصل إلى -73 درجة مئوية تقريبا تدمير المحاصيل خارج غرف النمو الساخنة – تماما كما في فيلم The Martian عام 2015 بطولة مات ديمون.
وعلى الرغم من أن النظام الغذائي على كوكب المريخ يكاد لا يلبي احتياجات الجسم، إلا أن هناك دلائل واعدة على أن البشر يمكنهم على الأقل تناول ما يكفي من الطعام للبقاء على قيد الحياة.
في العام الماضي، وجد الباحثون أن البرسيم – نبات من عائلة البقوليات – ينمو جيدا في تربة بركانية تحاكي الثرى المريخي.
وعلى كوكب المريخ، يمكن زراعة البرسيم الحجازي ثم تحويله إلى سماد للمساعدة في زراعة اللفت والفجل والخس وغير ذلك.
وبشكل عام، قد تعني الأخطار المشتركة على المريخ أن مهمة هناك قد تكون مناسبة فقط لرواد الفضاء الأكثر حماسا – أولئك الذين لا يمانعون في بذل حياتهم لتعزيز ارتياد الإنسان للفضاء.
وقال إيلون موسك بالفعل إن الرحلة هناك “ليست لضعاف القلوب” وتجلب فرصة جيدة للموت – لكنها “ستكون رائعة جدا إذا نجحت”.
وفي النهاية، يريد موسك أن يجعل حياة الإنسان “متعددة الكواكب” – العيش على عدة كواكب – وهي قد تتطلب حوالي 1000 مركبة إطلاق من نوع “Starship”.
ويعتقد أن كارثة طبيعية أو كارثة من صنع الإنسان ستؤدي في النهاية إلى نهاية الحضارة، ما يستلزم الانتقال إلى كوكب آخر – والمريخ هو الخيار الواقعي الوحيد.
وقد يكون هذا وباء أسوأ من “كوفيد”، يؤدي إلى انخفاض معدلات المواليد باستمرار، أو ربما إصابة مباشرة بمذنب قاتل “يقضي على قارة”.
وعلى الرغم من جهودهما المنفصلة للوصول إلى المريخ، تعمل ناسا وسبيس إكس معا أيضا.
وتعاقدت ناسا مع سبيس إكس لاستخدام “ستارشيب” في توصيل رواد الفضاء إلى سطح القمر في وقت مبكر من عام 2025، كجزء من برنامج “أرتميس” (الذي خلف برنامج أبولو في الستينيات والسبعينيات).
وتهدف مهمات “أرتميس” إلى إعادة البشر إلى القمر “في موعد لا يتجاوز عام 2025”.
وتم إجراء أرتميس 1، وهي أول مهمة “أرتميس”، والتي أخذت صاروخا بدون طيار حول القمر والعودة إلى الأرض، بنجاح في ديسمبر.
وستتبع “أرتميس” 1 رحلة بشرية حول القمر في Orion في عام 2024 (Artemis 2) وأول امرأة وأول شخص ملون يهبط على سطح القمر في عام 2025 (Artemis 3).
المصدر:مواقع ألكترونية