أغرب موقف يستفزني هو يأتي مستعرب جاهل فاقد البوصلة وبكل وقاحة يقول لك: أتحداك أن تأتي ولو كتاب امازيغي واحد مكتوب بالأمازيغية..فهذا الوقح لا يفكر بعقله أصلا ولا يحاول دراسة الموضوع بصورة أكاديمية متناسيا الخراب والحرق الذي تعرضت له مكتبة الفرس ومكتبة الأسكندرية بالإضافة إلى تراث شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أثناء الغزو العربي الهمجي
كانت مسألة حرق الكتب أسلوبا_معروفا في العالم القديم،فيقوم المنتصر بتدمير خصمه فيعمل جاهدا على الإضرار بالإنتاجات المعرفية والثقافية وكل ما يربطه بمكونات هويته
لماذا حرق الكتب بالضبط؟.. لأن هذا الفعل يمكّن صاحبه من مسح_ذاكرة_الشعب.. الذي تلعب الكتب دورا في الحفاظ عليها، لكن بعد حرق الكتب يتم إماتة_جزء_قوي من هذه الذاكرة، مما يؤدي إلى إفراغ الشعب من "توماست" أي الجوهر الذي يجعله مختلفا عن غيره، و من ثم القيام بضمه وتذويبه_في_ثقافة_غيره .. و هكذا تتربى الأجيال اللاحقة في "وضعية إنقطاع" قاتل مع ماضي أسلافها
لقد تطرق المؤرخ المغربي "الحسن الوزان" في القرن 16 عبر كتابه "وصف_أفريقيا" إلى مسألة حرق الكتب و الدور السياسي الذي تؤديه، حيث قال: و في الوقت الذي كان حكم إفريقيا بيد المبتدعة الفارين من خلفاء بغداد، أمروا_بإحراق جميع كتب الأفارقة (الأمازيغ) و المتعلّقة بالتاريخ والعلوم، متوهمين أن الإبقاء على هذه الكتب من شأنه أن يترك الأفارقة على نخوتهم القديمة ويدعوهم إلى الثورة و الارتداد عن دين محمد :
يتضح لنا من كلام "الحسن الوزان" بحسب تصوره بالرغم من اعتماده على الروايات_الرسمية في هذا الباب.. الدور "السياسي " الذي يؤديه حرق كتب الشعوب، من تفكيك لذاتيتها الثقافية، وتفتيت لمنظومتها القيمية والتصوّرية لعالمها الثقافي
كما يظهر لنا مسألة مهمة أخرى من كلام سابق الذكر، و هي أن الخوف من تحول الأمازيغ دينيا بسبب المعرفة التاريخية والشعور القومي أو الوطني، لم_تكن_فكرة_جديدة علينا، بل كانت حاضرة في القرن 16م
فهذا الإدعاء أو الإفتراض، هو نفسه الذي تقدمه بعض الفئات في مجتمعنا حاليا بشكل دائم، و التي نلاحط عليها نفس الإرتياب_والخوف من إطلاع الأمازيغ على تاريخهم الطويل، حتى لا يعززون من شعورهم القومي.. ونجدها دائما تتشبت بظهر فرنسا و تنسب_تاريخنا إلى مختبرها المزعوم، وتعتقد أن القومية أو الوطنية عبارة عن حرب ممنهجة على الدين .. وغيرها من الأساليب الدهمائية التي مللنا منها
لقد فكّر "حسن الوزان" أيضا في لغة الأمازيغ المكتوبة، ولعلها "التيفيناغ"، و أعاد سبب إختفائها_إلى_الرومان، بحيث قال : "يذهب فريق من مؤرخينا أنه كانت للأفارقة لغة مكتوبة_لكنهم_إفتقدوها من جراء إحتلال الرومان لبلاد البربر ."
يجب أن نعلم أن المنظومات السياسية التي نشأت في العالم القديم، تكون في غالبها مائلة إلى إماتة_الذاكرات الجماعية و الرمزيات_الثقافية المخالفة لها، باسم الأفضلية وثنائية "الظلمات و النور" و التحضير و التمدين و الخلاص من الظلم و تحقيق العدل و السلم ... الخ
لقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى أن الفتح (الغزو) العروبي لمصر بقيادة عمرو بن العاص قاموا بحرق مكتبة الأسكندرية عام 640 م بأمر من الخليفة عمر بن لخطاب وظلت حمامات الاسكندرية تستخدم كوقود لمدة ستة اشهر.
بحلول السنة 16 للهجرة، بسط المسلمون سيطرتهم على سائر بلاد فارس.
كانت فارس إمبراطورية عظيمة متواصلة منذ أكثر من 1000 عام. وكانت لعلوم الحساب والهندسة والفلسفة والفلك والمنطق والموسيقى (العلوم العقلية أو علوم الأوائل) عند الفرس مكانة خاصة.
بعد سقوط المدائن، عاصمة الإمبراطورية الساسانية، والتوغل في عمق فارس، وجد المسلمون أنفسهم أمام آلاف الكتب، والمكتبات، لم يعهدوها ولم يعهدوا ما بها من علوم. فبعث قائد الجيش الإسلامي سعد بن أبي وقاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب في المدينة يستشيره.
ينقل ابن خلدون في مقدمته رد الخليفة. "فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء. فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا االله بأهدى منه، وإن يكن ضلالا فقد كفانا االله. فطرحوها في الماء أو في النار. وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا".
الخلاصة: أظنها واضحة وهي تكالب الغزاة من الرومان والمسلمين وفرنسا على الأمازيغ المسالمين العزل و محاولة إقبارهم هم وكتبهم وثقافتهم ولغتهم بكل الطرق الممكنة لكن معجزة الأمازيغ بمعنى الكلمة وها احفادهم هنا وها لغتهم في الدساتير والهويات والإلكترونيات وها الكتب تعاد تخط بالمدارس للإستشراف المستمر

حرق الكتب..النار التي تحمي العقيدة  Sans_103