-- النبوة والغنوصية , شرح مبسط مختصر --
الغنوصية والنبوة  1630
- من يومين سألني صديق تونسي يدرس ماجستير علم الأديان , عن معنى الغنوصية , فأشرت عليه بفيديو قد كنت سجلته سابقا عن النبوة و الغنوصية , ولكن سؤاله أعطاني الرغبة في الكتابة عنهما بصورة مبسطة مختصرة خاصة الغنوصية , التي عانيت من المصادر العربية في تعريفها حتى أن بعض كبار الكتاب لا يعرفون معناها تفصيلا و يلتبس عليهم الأمر , بل حتى في المواقع المعلوماتية مثل ويكيبديا , لن تجد ما يروي ظمأك , فدعنا يا صديقي نتعرف عليهما و ما الفرق بينهما :
- أختلف علماء الأديان في أيهما ظهر أولا , النبوة أم الغنوصية , ووجدت أن بيان الأسبقية الزمنية مهم جدا لفهم الظاهرتين في سياقهما التاريخي , وباختصار , النبوة في الشرق الأوسط ظهرت أولا في الظاهر و لكن المحرك لها كان الأفكار الغنوصية الآتية من الهند إلى بلاد فارس, و الغنوصية قديمة قِدم الفيدا الهندية (كتاب مقدس هندوسي ضخم من 70 مجلدا , تم كتابته تراكميا عبر مئات السنين ) وهي راسب من رواسب التصوف الهندي ظهرت لاحقا في الشرق الأوسط في أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد!.

- ما هي الغنوصية ؟
- الغنوصية مشتقة من الغنوص وهو المعرفة و العرفان Gnosticism , الغنوصية هي تجهيز النفس البشرية لتلقي المعرفة السماوية أو القبول السماوي (القبَّلا) , وذلك عن طريق ممارسات غامضة , أبرزها "التحنث" أي التأمل و الإنعزال فوق رؤوس وقمم الجبال , وقمم الجبال مقدسة وشديدة الأهمية في مختلف العقائد و الأديان من جبل طور سيناء حيث كلم موسى ربه , وجبل صهيون , و الأخشبين حول مكة حيث يقع غار حراء الذي كان يتحنث فيه النبي محمد قبل الإسلام , و قمة ايفريست بالنسبة للهندوس , وجبال هضبة التبت بل وحتى جبل فوجي عند اليابانيين , إذ كان يعتقد البشر البدائيين أن قمة الجبل تجعلك أقرب للرب و أكثر فرصة لتلقى المعرفة لقربها من السماء حسب الإعتقادات القديمة , ومن هذه الممارسات الغنوصية أيضا التخفيف من الطعام و الإمتناع عن ممارسة الجنس , كل هذه الممارسات كانت تؤهل الشخص وتصقل روحه لتلقي العرفان أو المعرفة السماوية أو الكونية!.
- مثال على الغنوصيين ؟
- أول الغنوصيين ظهورا في الشرق الأوسط , هو زرادشت نبي المجوسية , إذ كان يمارس الغنوص , ويتحنث في الجبال , حتى ادعى التواصل مع الله بعد ذلك , و كذلك المسيح غنوصي , والنبي محمد بصورة خاصة واضحة وكما هو معلوم أن النبي محمد قبل ادعاء النبوة كان يتحنث في غار حراء لبضع سنوات اختلف في عددها!.
الغنوصية والنبوة  1-1127
-ما هي النبوة ؟
- النبوة في مفهوم علم الأديان , أصلها يهودي مشتق من كلمة "نبو" وهو المكان العالي أو الوقوف فوق مكان عالي , وهو أمر اعتاد الأنبياء على فعله , إذ كان أنبياء بني اسرائيل يقفون فوق شيء مرتفع ليخبروا قومهم عن أمر السماء وكذلك فعل المسيح في موعظة الجبل وكذلك فعل النبي محمد في أول أمره بالنبوة , و النبوة هي ادعاء التواصل مع ذات إلهية عليا , ونقل الرسائل والمعرفة والشرائع عن هذه الذات الإلهية , لأنه بحسب اعتقاد البشر السابقين , أفراد قلائل جدا هم من عندهم الإستعداد أو مؤهلين لهذا التواصل مع الذات الإلهية العليا.
- ما العلاقة بين الغنوصية و النبوة ؟
- النبي هو غنوصي ماكر أناني صاحب غرض , أراد احتكار التواصل مع الذات الإلهية و حصره في شخصه فقط , لذلك تجد كثير من الأنبياء يدعون دائما أنه لا أنبياء بعدهم , فزرادشت قال أنا آخر الأنبياء , و المسيح قال سيأتي من بعدي أنبياء كذبة, و ماني قال أنا خاتم الأنبياء , وكذلك قال النبي محمد أنه خاتم الأنبياء و لا أنبياء بعده , لذلك طاردت الكنائس المسيحية الشرقية الغنوصيين , وقتلتهم شر قتلة , بل وقطعت بعضهم بالسواطير و سلخت جلودهم , لأنهم يتنافسون معهم على أصل بضاعتهم و هي التواصل مع الذات الإلهية و مصدر المعرفة , وكذلك فعل المسلمون السنة مع الغنوصيين أمثال ابن الفارض و الحلاج و السهروردي !.
- أعتقاد الغنوصيين في التواصل مع ذات عليا إلهية , حقيقة أم ادعاء؟
- الغنوصيون كانوا يمضون الأيام والليالي في ظلام دامس في الكهوف وعلى قمم الجبال , و المخ الإنساني في مثل هذه الظروف عندما تمر دقائق طويلة بدون رؤية شيء أو سماع شيء , يبدء في عكس عملية السمع و الإبصار , ويرسل صور عبر العصب البصري للعين و أصوات عبر الأعصاب للأذن , ليتأكد المخ من أن حاستي السمع و الإبصار مازالتا تعملان , مما ينتج عنه هلاوس سمعية وبصرية , مادتها غالبا هو ما يدور في ذهن الإنسان من أفكار , فالغنوصي يرى ملائكة بستمائة جناح أو كائنات نورانية تحدثه و تكلمه و غيرها من الهلاوس التي يصدقها صاحبها ويتخذها حُجة على صدقه , ويبدأ بالكلام عنها , الفارق أن من يتكلم عن هذه الأشياء في الماضي كان يُعتبر نبيا أو وليا لله أو قديساً, أما الآن فيتم وضعه في مستشفى الأمراض العقلية قسم المرضى الخطرين!.

- هل استمرت الغنوصية أم أنتهت ؟
- الغنوصية مستمرة إلى يومنا هذا , فقد تسربت إلى داخل المسيحية و الإسلام , فالرهبان يمارسون ممارسات غنوصية بحتة , مثل التحنث في الصحراء و الكهوف و الجبال , التقلل من الطعام و الإمتناع عن ممارسة الجنس , لكن الرهبنة أخذت هذه الممارسات بعيدا بصورة متطرفة , فالقديسون هم غنوصيون وصلوا لنوع من التواصل مع الذات الإلهية , ويتضح هذا في ما يروى عنهم من معجزات ! , أما في الإسلام فالغنوصية تسربت بقوة من خلال التصوف الإسلامي , و كرامات الأولياء , حتى أنه كان يقال أن فلان له "حالٌ مع الله" , أي صورة من صور التواصل مع الله لتلقي ما يسمى "بالعلم اللدُني" , وعقيدة وحدة الوجود و الحُلول هي صور من صور الغنوصية , ومن المثير للدهشة أنه في زماننا الحالي , أحد رؤساء الدول , وهو متصوف , يدعي بأن الله فَهَمَه فهما خاصاً و قال أمام الحضور "ففهمناها سليمان" , وأن الله قال له (لا أعلم كيف!) بأني سأعطيك البركة , وهي صورة فجة من صور الغنوصية و ادعاء التواصل مع الذات الإلهية!
- في النهاية حاولت تبسيط الموضوع و اختصاره بقدر الإمكان , وما كان في كلامي من صواب فهو مني , و ما كان في كلامي من خطأ فهو من الله !.