تمرد قبائل إحاحان على السلطة المخزنية
استمر تمرد قبائل إحاحان بعد وفاة القائد عبد الله اوبيهي مدة قاربت خمس سنين . و عجز المخزن المركزي من فرض سلطته و إخضاع القبائل المتمردة و من المؤكد أن الانتهاكات الأجنبية شكلت سببا من أسباب عدم استقرار الأوضاع في البادية كما تسبب أداء فرض المكوس عند أبواب الصويرة استياءا كبيراً لدى سكان البوادي و خلال ستينيات القرن التاسع عشر زادت حدة الجفاف و شدة الحاجة و كانت قبائل إحاحان في ذلك الوقت خاضعة لسيطرت القائد محمد اوبهي الذي تولى القيادة بعد وفاة والده سنة 1868 . وقد تزعم خليفة عبد الله اوبيهي في البداية تمردا نهب فيه معقل آل اوبهي الموجود في ازغار . و لكن استعاد محمد اوبيهي سيطرته على الوضع لكن سلتطته واجهت تحديا جديدا حين قاد الحسن اوتاكازرين تمردا في ايت تامر الواقعة شمال أكادير و هدد أهل ادوتنان بالانضمام إلى المتمردين ، و مندئد صارت نواحي الصويرة تعيش حالة مستمرة من الفوضى وعم الاستياء و قطاع الطرق كل الاقاليم الجنوبية ، و أمر السلطان قائد إحاحان بإعادة السيطرة على الوضع ، لكنه لم يستطيع
وفي ربيع سنة 1881 انفجر التمرد الذي كان يجيش في قبائل إحاحان ليتحول الى انتفاضة عارمة و انظمت قبيلة امتوگة إلى المنتفضين فدمر ازغار تدميرا شاملا . وما لبثت مدينة الصويرة ذاتها أن أصبحت مهددة بتلك الانتفاضة. اذ حل بالمدينة حشد من الحاحيين في اوئل يونيو وهددوا بقطع الماء عن المدينة لو لم يطلق سراح اقاريبهم المودعين سجنها وقد استجابت السلطات المخزنية لطلبهم فسرح السجناء الذين لا شك أن اغلبهم حبس بسبب الديون التي في ذمته لأجانب و المحميين ، وبسبب النقص في عدد العساكر عجز قائد الصويرة عن مواجهة حشود الأهالي الذين ملأوا المدينة.
وبعد أسابيع قليلة دخلت الصويرة بعثة من مائة رجل من قبائل إحاحان و ذبحوا ثلاث ثيران أمام ممثلي السلطات المخزنية ثم اعلنوا ولائهم للسلطان كما طمأنوا تجار المدينة ووعدوهم بظمان الحماية لممتلكاتهم وسلعهم أثناء عبورها أراضي إحاحان لكنهم الحوا في الوقت نفسه على ضرورة تحريرهم من الاستمرار في الخضوع لسلطة القائد محمد اوبهي.
و هناك أسباب كثيرة دفعت بالمخزن إلى أن يجعل فرض مراقبته على إحاحان من أولى اولوياته فمن جهة ترتبط سلامة الصويرة و ازدهارها بسيادة الأمن و السكينة في منطقة إحاحان ومن جهة ثانية تيسر مراقبة المخزن المركزي الأوضاع في سوس. وفضلا عن هذا و ذاك كان المخزن في حاجة ماسة إلى تحصيل الضرائب سواء في إحاحان نفسها أو في المناطق المحيطة بها . وقد تبين للمخزن أن القائد محمد اوبيهي غير قادر عن تسيير شؤون إحاحان بالإضافة إلى توصل السلطان إلى أخبار تتحدث عن استحواد القائد اوبهي على اموال المخزن و احتمال مساهمته في تحوليها للمنشقين في الجنوب فقرر ابعاده عن الخدمة نهائياً . وعاد الهدوء ولو مؤقتا للمنطقة و قد رغب المخزن المركزي في أن يقيم تحالفات جديدة و أن يخدم أغراضه بإثارة هذا الطرف على غيره خاصة وأن منطقة إحاحان تحتوي على 12 قبيلة يبدو أن كل منها كانت تحكم نفسها بالانصياع إلى أحد زعمائها المحليين . وقد تطلب الأمر عدة سنوات قبل أن يحكم المخزن قبضته على المنطقة وفي غضون ذلك تعرضت مدينة الصويرة إلى التهديد مرارا و تكرارا .
ولم يكون تعيين قائد مخزني جديد هو محمد بن الطاهر الدوبلالي سوى بديل مؤقت اذ استمرت الاضطرابات في المنطقة الممتدة شمال أكادير ، و لما تكررت حالات قطع الطرق و محاصرة اتباع اوتكازرين استدعى المخزن النجدات العسكرية من سوس و الصويرة.
و امتدت اثار الفوضى العامة في احاحان الى قلب مدينة الصويرة ذاتها ففي مارس 1872 اندلعت اضطرابات اثناء الاحتفال بعاشوراء في المدينة وترددت اخبار وصول حشود من أهل البادية الى المدينة فاقتحموا الدور و شتموا اليهود، و قد عجز القائد عن تدارك الموقف و بقي رماة المدينة وحراسها مكتوفي الأيدي أمام قوة العراك و صخبه و في سنة 1873 بدى واضحا أن الوضع في إحاحان في أمس الحاجة إلى الاستقرار، وقد شرع الخليفة سيدي الحسن في القيام ب حركات نشيطة في إحاحان قصد تسوية الخلافات، ثم عين المخزن عبد المالك اوبهي قائدا جديدا على إحاحان.
ولما توفي السلطان سيدي عبد الرحمن بمراكش 1873 و كان ابنه انذاك معسكرا ب ابي رقي بأراضي إحاحان و هناك بايعه كبراء القبائل و عاد إلى مراكش ليخلف والده على سدة الحكم . وقد وعد السلطان الجديد بتنصيب رؤساء احاحان الكبار قيادا قبل عودته لمراكش . لكن في يوم 15 اكتوبر اندلعت الثورة من جديد في ادوگرض نتيجة لقرار السلطان الجديد الذي يقتضي بتقسيم إحاحان بين أربعة شيوخ هم :
-عبد المالك اوبهي
انفلوس
اوتكازارين
و بوالعشرات
فدخل القواد الاربعة مدينة الصويرة وعندما وصل خبر التعينات الى قبائل إحاحان اصبحت المدينة مهددة بالوقوع تحت الحصار.
فأرتفع عدد المتمردين سريعاً فحاصرو المدينة. وغادر انفلوس و اتگازارين المدينة ليعودا إلى سكناهما في البادية ثم استمرت الاضطرابات عدة أيام قبل أن تتمكن سلطات المدينة من إقرار الامن و الهدوء .
و ادت سياسة تقليد كبار الشخصيات من أهل البوادي مهام السلطة إلى ظهور زعماء جدد مناوئين للمخزن , و يعتبر مبارك انفلوس اكبر قوة مهيمنة في المنطقة اذ سريعا ما انضوى جميع الحاحيين تحت سلتطه , في حين خضع للقواد الآخرين عدد أقل من الاتباع ، وتوفي بوالعشرات في نهاية العام نفسه،
و لما سجن عبد المالك اوبهي بعد الاهالي بعد تنصيبيه قائدا هدده انفلوس بمحاصرة المدينة (الصويرة ) وبعد اسبوعين توصلا القائدين الى نوع من التسوية بينهما .
وفي سنة 1875 بدأ انفلوس يتعسف في ممارسة سلتطه على اراضي تدخل في نطاق اخصاصات اوتكازرين. و تكاثرت المطالب و الاتهامات المتبادلة بين انفلوس و اوتكازرين خلال سنة 1877 في شأن سرقة الجمال و قطعان الماشية و الأسلحة النارية .
و كخلاصة القول فقد كان التمرد الذي حصل في إحاحان رد فعل على ما كان السكان يعيشونه من فقر مدقع تحت وطأة الضرائب الثقيلة و كان احتجاجا على الدولة و نظامها السياسي الجديد الذي حاولت فرضه . ثم إن تمرد الحاحيين هذا يعكس موجة شديدة من الانتفاضات المعبرة عن القلق و الاستياء اللذين عما الاوساط الاجتماعية في المغرب خلال القرن التاسع عشر ميلادي .
المصدر:مواقع الكترونية