عزيز البقالي: الموسيقى الريفية والأمازيغية عموما لم ترقى لانتظارات الجماهير..
رغم كل المجهودات المبذولة لازالت الموسيقى الريفية والأمازيغية عموما لم ترقى لانتظارات الجماهير..
نرحب بكم على صفحات جريدة “العالم الأمازيغي” ضمن حواراتها الشهرية، حبذا لو تعطونا نبذة تعريفية عن شخصكم؟
في البداية اسمحوا لي أن أتقدم لكم بالشكر الجزيل على كل الجهود المبذولة وعلى اهتمامكم المعهود بالفن والفنان الأمازيغي خصوصا والثقافة الأمازيغية بشكل عام.
عبد العزيز البقالي من مواليد 1979 بمدينة الحسيمة، حاصل على شهادة الإجازة في علم الاجتماع، بالإضافة إلى شواهد علمية أخرى كشهادة تقني في التسيير والمعلوميات..
أما على المستوى الفني فقد أطلق عني مجموعة من الألقاب أهمها «عزيز أمرذاس» بمعنى المحارب نسبة إلى كون أغلب الأغاني التي كنت أصدرها كانت تدافع عن القضية الأمازيغية. وكذلك أطلق علي اسم «عزيز تيفيور» وذلك لأني كنت المسؤول عن فرقة تيفيور. وأما حاليا بعد اختيار مساري الخاص أخذت لنفسي اسم «عزيز البقالي».
يقال إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، هلا حدثتمونا عن خطواتكم الأولى في عالم الموسيقى الأمازيغية؟
بدايتي الأولى كانت عصامية مع بداية التسعينات حيث تعلمت العزف على آلة القيثارة وسط حي دهار مسعود الذي ترعرعت فيه بمدينة الحسيمة، ثم خضت تجربة موسيقى الهواة مع أصدقاء الدراسة بدار الشباب بالحسيمة، كما كانت لي مشاركات في العديد من الملتقيات الفنية والثقافية الأمازيغية، انطلاقا من الأنشطة المحلية وصولا إلى المستوى الوطني خصوصا المشاركات الجامعية مع مواقع الحركة الثقافية الأمازيغية والجمعيات الأمازيغية، كما ساهمت في تأسيس العديد من الفرق الفنية بالريف، حيث أثمرت هذه التجربة مع فرقة تيفيور التي كانت محطة حاسمة في مساري الفني، إذ عملت على بناء فرقة محترفة إلى جانب خيرة الموسيقيين بالريف من خلال تطوير الإمكانيات الفنية والموسيقية للفرقة وجعل هذه التجربة فريدة من نوعها بالوصول إلى قلب الجماهير بالريف والظفر بمكانة مهمة بين الفرق والفنانين المعروفين في الساحة الفنية على المستوى الوطني وتمثيل الأغنية الريفية أحسن تمثيل في التظاهرات والمهرجانات الفنية والموسيقية داخل الوطن وخارجه.
لا ريب في وجود مصاعب وتحديات واجهتكم في بداياتكم الفنية، فما هي، وكيف تغلبتم عليها؟
ككل البدايات غالبا ما تكون صعبة، لكن حبنا للموسيقى والشغف الذي كان بداخلنا في اكتشاف عالم الموسيقى وأنواعها، وقناعتنا بوجود ثقافة خاصة بوطننا الأم وتراث متنوع وتاريخ عظيم، هذا الوعي جعل ايماننا قوي يمكن أن يتحدى كل الصعوبات رغم قلة الإمكانيات وانعدام معاهد موسيقية لصقل الموهبة بالإضافة إلى التهميش والإقصاء الذي عرفته الأغنية الملتزمة.
ما هي التيمات والأنماط الغنائية التي تشتغلون عليها؟
دائما أحاول أن تكون كلماتي التي أكتبها وألحنها تخاطب الوجدان الإنساني عموما من خلال اختيار مواضيع اجتماعية وإنسانية (الأم، الأرض، الهوية، الحرية، الهجرة…) وقد نالت فرقة تيفيور من خلال كلماتي وألحاني جائزة أحسن ألبوم في المغرب لسنة 2012 قي الأغنية الأمازيغية المعاصرة التي يمنحها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. كما أحاول أن تكون أعمالي الموسيقية متميزة سواء في إبداعاتي الخاصة أو في الاشتغال على الأغاني التراثية، وذلك بإعطاء لمسة خاصة للأغنية باختيار آلات معاصرة مناسبة وإدخال ايقاعات تراثية وآلات شعبية في بعض الأحيان لتتفاعل مع الأنماط الموسيقية المعاصرة.
مهرجان «بويا» قبلة لتكريم المرأة الفنانة وحدث موسيقي نسائي ذو طابع وطني وإشعاع دولي..
بعد مجموعة تيفيور، حلقتم منفردين في سماء الموسيقى الأمازيغية، وبعد أغنيتي “أزول” و”ثدباث” متى سيصدر عزيز البقالي ألبومه الأول؟
بعد تجربتي الطويلة مع مجموعة تيفيور، اتخذت قراري النهائي بعدم الاستمرار مع الفرقة لعدة أسباب ذاتية وموضوعية، حيث اخترت الخوض في تجربة جديدة استمرارا في مسيرتي لخدمة الموسيقى والفن برؤية مغايرة، متطلعا من خلالها المساهمة في الرقي بالأغنية الهادفة، مع متمنياتي أن تنال هذه التجربة النجاح والتوفيق في إقناع أذواق جمهوري الكريم.
وانسجاما مع مبدئي في الحياة القائم على حب السلام ونبذ كل مظاهر العنصرية والحكرة، أهديت لجمهوري العزيز أغنية تحت عنوان «أزول» حاملة في كلماتها ولحنها وأدائها كل معاني التسامح والقيم الإنسانية، والأغنية الثانية بعنوان «ثذباث» المعبرة عن أرقى مشاعر الحب والسلام، وأعد جمهوري العزيز أن الجديد قادم في القريب العاجل بلمسات ومواضيع جديدة أتمنى ان تنال رضاكم إن شاء الله.
ما هو تقييمكم لواقع الموسيقى الريفية والأمازيغية عموما؟
رغم كل المجهودات المبذولة من طرف الفنانين والتطور المهم الذي عرفته الأغنية الأمازيغية في السنوات الأخيرة، ورغم الانفتاح على الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لازالت لم ترقى لانتظارات الجماهير الأمازيغية، وتبقى هذه المجهودات غير كافية من أجل وصول الأغنية الأمازيغية إلى العالمية.
هل تعتقدون أن الموسيقى الأمازيغية الملتزمة لاتزال لها قدرة التأثير على المجتمع؟
إن الأغنية الملتزمة أحدثت قطيعة مع جيل التقليد في مرحلة السبعينات وساهمت في تشكيل وعي حر يعبر عن الهموم الاجتماعية والسياسية للجماهير الشعبية، هذا التعبير الفني ربما تراجع لعدة أسباب من بينها انتشار ثقافة الاستهلاك وغير ذلك، لكن يبقى هذا اللون الفني له جمهوره الخاص يعبر عن شريحة مهمة من المجتمع وخطابه الاحتجاجي قوي على مستوى التأثير واستهداف الإنسان في أعماقه، وفي نظري لابد للفنانين مواكبة التطور الفني والموسيقي والتطور على مستوى الكتابة الشعرية، مما سيساعد الأغنية الملتزمة في فرض وجودها إلى جانب الأنواع الموسيقية الأخرى وجعلها حاضرة في ثقافتنا وقادرة على مقاومة كل أشكال التهميش والإقصاء المفروضة عليها.
ماهي الشروط والأسس التي يجب أن تتوفر عليها اي فرقة موسيقية حتى تنجح، تتألق وتحقق الشهرة والانتشار حسب رأيكم؟
من خلال تجربتي المتواضعة في الميدان الموسيقي يمكن إجمال ذلك في مجموعة من النقط كاختيار المواضيع بدقة وجودة الأفكار المطروحة دون الإغفال عن التجديد في المتن الشعري كما سلاسة اللغة وبساطتها واحترام ذكاء المتلقي، والتميز الواضح على مستوى الأداء صوتا وموسيقى بشكل تتكامل فيه الأدوار مع اختيار الآلات الموسيقية حسب الأسلوب الموسيقي المتبنى ومميزات الصوت الرئيسي بالفرقة، وكذلك الانفتاح على التجارب الشعرية العالمية والتفاعل مع القصيدة التقليدية وخصائص التراث الامازيغي وكذلك البحث على إيقاعات متمازجة حسب طبيعة التوزيع الموسيقي الملائم والآلات الموسيقية في كل لحن /مقطع أو جملة موسيقية ليكون العمل في الأخير وحدة متجانسة تظهر من داخله القصيدة واللحن والأداء والصوت التميز الكافي لإمتاع المتلقي في كل الأمكنة والأزمنة الممكنة.
ومن بين أهم الشروط المهمة في عصرنا الحالي من أجل نجاح الأغنية وانتشارها هو الاستثمار في المجال الفني والموسيقي من خلال الدور الإعلامي والتوزيعي على مستوى القنوات التواصلية والإشهارية التي تقوم بها شركات كبرى متخصصة في التسيير..
برأيكم أيهما يعتبر أكثر تأثيرا على الجمهور، الكلمات ام اللحن؟
الكلمات واللحن يكملان بعضهما البعض بالإضافة إلى صوت المغني القادر على إتقان الانتقالات السلسة بين المجالات الصوتية والمقامات ومجاراة الإيقاعات التي يفرضها التوزيع الموسيقي وأيضا الآلات الموسيقية المستعملة التي تزيد جمالية الأغنية، وبالتالي هذه العوامل عندما تتكامل وتتفاعل فيما بينها يمكنها التأثير أكثر على المتلقي.
بصفتكم مدير مهرجان “بويا النسائي للموسيقى”، ما هي الدوافع التي جعلتكم تؤسسون لهذا المهرجان الذي أقيم للمرة التاسعة هذا العام؟
ربما النظرة السلبية للبعض في حق المرأة المبدعة، والعقلية المنغلقة التي تعتبر الفن مجرد تفاهة ولا قيمة له في المجتمع وأن كل من ذهب في طريق الموسيقى ضاعت أخلاقه وخصوصا المرأة، بالإضافة إلى دوافع أخرى لها علاقة ببعض المفاهيم الدخيلة على ثقافتنا، لذلك منحنا اهتماما خاصا للمرأة وللإبداع النسائي، من منطلق تعزيز قيم المساواة، والحفاظ على الموروث والهوية الوطنية بتعدد روافدها، عبر مختلف الدعامات والأشكال الفنية، وتكريس ثقافة الاعتراف والتقدير لجهود المرأة؛ في مختلف مجالات الحياة العامة، ولاسيما في المشهد الثقافي والفني.
أيّ خصوصيّة لمهرجانكم ضمن خارطة التظاهرات الموسيقية العديدة محليّا ووطنيا؟
ربما تسمية المهرجان «بويا» يلخص الرمزية التاريخية عند القبائل الريفية، حيث بقيت للا بويا موشومة في التراث الثقافي والفني من خلال التغني باسمها كلازمة في الأشعار الريفية ازران، باعتبار للا بويا امرأة أسطورية تستحق كل التقدير والاحترام لأنها ترمز للهوية، الحب، السلم، العدل، الحرية والشجاعة.. وبالتالي فميزة المهرجان وخصوصيته تكمن في إعادة الاعتبار للمرأة الفنانة، من خلال تشجيعها على إبراز قدراتها الفنية والإبداعية وإخراجها إلى حيز الوجود والكشف عن مميزات منطقة الريف المتجلية في التراث والإيقاعات الأمازيغية ومدى تأثرها وتأثيرها بالثقافات الأخرى ودور النساء الحيوي في هذا الجانب، وبالتالي المساهمة في نشر وترويج التراث الموسيقي والغنائي للمنطقة وجعل المهرجان قبلة لتكريم المرأة وحدث موسيقي نسائي ذو طابع وطني وإشعاع دولي من خلال استضافته لفعاليات نسائية من خارج الوطن.
هل أنتم راضون بما فيه الكفاية عن كل ما تحقق في هذا المهرجان منذ الدورة الأولى إلى اليوم؟
ربما حققنا الكثير من المكاسب المهمة خصوصا في توفير مجال وظروف مناسبة للمبدعات للتعبير عن مواهبهن الموسيقية والفنية ودعمهن من أجل إبراز وتطوير قداتهن الإبداعية من خلال خلق جسور التواصل بين الفنانين ومنح فرص تبادل التجارب الموسيقية مع فنانات محترفات مثل الفنانة سعيدة فكري والفنانة نبيلة معان وفنانات أخريات. وقد استفادت من ذلك العديد من الفنانات من الريف اللواتي أصبحن معروفات وطنيا ودوليا، وقد كانت انطلاقتهن من مهرجان بويا النسائي: سيليا، لينا، مليلة، ايمان تيفيور، ديهيا، مروة، ايمان اومغار، فطوم.. يمكن القول إن إدارة مهرجان بويا رغم كل جهودها وتضحياتها المبذولة للنهوض بهذه التظاهرة النوعية والوازنة التي حققت نجاح متميز بشهادة الجميع وشقت الطريق نحو تسجيل بصمة ضمن أحسن المهرجانات الفنية والموسيقية على الصعيد الوطني، لكن يبقى ذلك لا يرقى إلى المستوى الذي كنا نطمح إليه ونرغب في تحقيقه، بسبب غياب إرادة حقيقية من طرف بعض الجهات المسؤولة لتوفير الدعم الدائم لاستمرارية المهرجان وتحقيق الأهداف الفنية والثقافية والاجتماعية المتوخاة منه.
ما هي مشاريعكم الموسيقية المستقبلية؟
هناك أعمالا مستقبلية سترى النور قريبا برؤية جديدة من خلال التعامل مع شعراء من الريف أو من خلال إنتاج مشترك مع بعض الفنانين الوازنين على مستوى الساحة الفنية الوطنية.
ثلاث أسماء فنية أثرت في مسيرتكم الموسيقية؟
المرحوم ايدير: اسم غني عن التعريف، أعتبره رسول الأغنية الأمازيغية إلى العالم، كان لي الشرف أن التقيته في عدة مناسبات فنية، ودائما ما اعتبرته الأب الروحي لأني تعلمت منه أخلاق الفنان الراقية، البساطة في الإبداع، الحكمة في الكلمات، كما تعلمت منه الإيمان بالقضية الأمازيغية العادلة كهوية وثقافة ولغة.
حسن ثيدرين: مدرسة موسيقية نعتز بها في الريف ورغم كل التهميش والإقصاء الذي تعرض له، يبقى هرم من أهرام الأغنية الريفية.
المرحوم عبد السلام أشهبار: صاحب الأغنية الخالدة ـ ⵉⵏⴰⵙⵏ ⵉ ⵎⵉⴷⵏ ⵏⵛⵉⵏ ⵏⵅⵙ ⴰⵏⵉⵔⵉ ـ هذا الفنان لم يمت بل سيبقى اسمه خالدا في الذاكرة الريفية عبر أغانيه الجميلة والرائعة.
كلمة حرة…
كل الشكر لجريدة «العالم الأمازيغي» على هذه الالتفاتة القيمة، أحييكم على صمودكم ومواكبتكم المستمرة لكل القضايا التي تخص الإنسان الأمازيغي بشكل عام.
دام لكم النجاح والتألق.
حاوره: خيرالدين الجامعي
المصدر:مواقع ألكترونية