طقوس أعراس بني جميل إقليم الحسيمة.. عادات وتقاليد أصيلة لقبائل منطقة صنهاجة
كلما حل فصل الصيف، وإلا انطلق تنظيم حفلات الأعراس ببني جميل بإقليم الحسيمة، حيث تغتنم الأسر فرصة العطلة الصيفية وقدوم العائلات المغتربة في الخارج للمشاركة في الفرحة.
فصل الصيف هو موسم الأفراح ليس فقط ببني جميل، وإنما بمختلف أرجاء المملكة، فخلاله تلتقي العائلات في مناسبات اجتماعية متعددة، وفيه تعلو الزغاريد وتغمر القرى والمدن أجواء الاحتفال تبعث البهجة والحبور في النفوس.
تحمل أعراس منطقة بني جميل، المنتمية لقبائل صنهاجة الساحل، في جوفها ما لا نهاية من العادات والتقاليد، يتبعها الناس بتفاصيل دقيقة لاعتقادهم بأن الإخلال بأي منها قد يسبب التعاسة للعريسين، تهيئ الأسرة للعرس بتحضيرات قبل الزفاف بأيام كثيرة، كالقيام ب "التخميل" (تنظيف مختلف فضاءات المنزل)، وتنقية الزرع والقمح وتهيئة الأزقة المتربة من أمام المنزل وترحيبها. ويقام كل ذلك بنكهات احتفالية جماعية.
يشهد منزل العرس أجواء خاصة، فكلما قدمت سيارة لأهل الحفل تحمل أشياء متعلقة بالفرحة كالذبيحة والمأكولات والمشروبات والتجهيزات المنزلية آتية من السوق إلا واستقبلتها النساء بالزغاريد و"الصلاة والسلام على رسول الله" وأغاني تراثية لمنطقة صنهاجة المعروفة محليا، منها ما هي متوارثة ومنها ما هي من إبداع اللحظة والمناسبة ترددها البنات أو النسوة بقافية للتعبير عن موضوع وجداني معين، مصاحبة ذلك بآلة البندير المصنوع من جلد الماعز على أيديهن، وعادة ما تقوم إحدى أهل العرس بجمع البندير من كل منزل بالقرية لتحضيره مسبقا.
ولا يقتصر الأمر في التحضيرات على ذلك فقط، إذ يتم أيضا خلال الأسبوع الذي يسبق العرس تزيين المنزل الذي سيحتضن الاحتفال بالأضواء من كل جانب، وكذلك تثبيت الخيمة، أو الخزانة كما تسمى محليا، مع الأرض بالمكان الذي سيقام فيه العرس، وتهيأ لاستقبال الضيوف الوافدين من أماكن بعيدة خاصة، ويتم في القرى المجاورة الإعلان عن موعد العرس بالمساجد من طرف الإمام بذكر صاحب الزفاف واسم والده ومكان ويوم الحفل علانية، بالإضافة لعبارة الترحيب من أب العريس أو أحد رجال عائلته الكبار في السن.
تحكي سعاد المرابط، لوكالة المغرب العربي للأنباء أنه قبل العرس بثلاثة أيام، يستيقظ أهل العريس باكرا حيث يستقبلون الشروق بزغاريد وأغاني و"الصلاة والسلام على النبي الخاتم" بسطح المنزل، تزامنا مع وضع "علم أبيض" من الحرير، يرمز للعفة والشرف، إلى جانب راية المغرب على قصبة، تزين بورود قبل تثبيتها على أحد جوانب سطح المنزل، مضيفة أنه حين يقترب رحيل الشمس تؤخذ وسائل التزيين الى داخل المنزل على أن يعاد وضعها في نفس المكان صباحا باكرا ومساء إلى يوم الزفاف.
في معرض حديثها عن تقليد ليلة حناء العريس والعروس بهذه المنطقة، أشارت هذه السيدة المنحدرة من قرية تيذمامين، إلى أن الزوجين يحرصان على ارتداء اللون الأبيض لكونه يرمز أيضا لصفاء السريرة والرغبة في السلام، فالعريس يرتدي "جلابة" و"بلغة" بيضاء، والعروس تتردي لباسا أبيض مغطى برداء مشبك باللون الأخضر، معتبرة أنه زي تطبعه البساطة في جلسة تكون محاطة بلوازم الموضوعة فوق طاولة "الطيفور"، إلى الشمع والسكر والورد.
وخلال تقليد الحناء، تردد النساء جماعة أغان تعبر عن الفرح أو عن الحزن، وتوضع الحناء بشكل محنط وليس باستعمال النقش كما هو شائع في عدد من مناطق المغرب، وغالبا ما تقوم إحدى شقيقات العروس بوضع الحناء لهذه الأخيرة، وهي تذرف الدموع لقرب فراق أهلها ومنزل والديها. أما العريس فيجلس في مكان مهيأ وأمامه مجموعة من أصدقائه، وتتقدم أخت العريس مع إحدى أفراد عائلاتها وهما يحملان قفة تقليدية مملوءة بالطحين ووسطها البيض والحناء، وذلك صحبة مجموعة من البنات وهن يؤدين امداح دينية وأغان عاطفية تردد عادة في حفل الحناء.
ولا تقتصر أجواء حفل الحناء على ذلك فقط، فالرجال بدورهم يرددون أناشيد خاصة بذلك وفي مقدمتها أنشودة "طلع البدر علينا" ويتم ذلك حتى الانتهاء من صبغ الأصبع الصغير من اليد اليمنى للعريس، وهي مهمة تتكلف بها الأخت وكذلك حمل "العلم الأبيض"، الذي بدوره يكون حاضرا في الحناء، إذ تحمله إحدى أخوات العريس أو إحدى بنات شقيقاته أو أشقائه، وليس على أحد أن يلمسه باستثناء الأسرة القريبة جدا.
وعن تقاليد يوم العرس، تقول مليكة، امرأة قروية من بني جميل، إن العروس في يوم زفافها تتوجه من منزلها إلى دار الضيافة مشيا على الأقدام مع الحرص على ترديد الأغاني الصنهاجية الخاصة بالضيافة، على أن تذهب بعد العصر وتعود بعد العشاء، وتستقبل في منتصف الطريق بالشمع والورود وصوت البنادق والغيطة والطبل في أداء تراثي يسمى "الهيت"، وهو من تقاليد المنطقة الأساسية في العرس بمنطقة صنهاجة الساحل.
بخصوص الذبيحة، تقول مليكة إنها تكون من الصنف الكبير، كالعجول والخرفان والماعز، موضحة أن كل أهل القرية يتوقفوا مؤقتا عن شؤون حياتهم اليومية، كالزراعة أو الحصاد، لمساعدة عائلة العروسين في عملية الذبح، فيصبح العرس شأنا يساهم الجميع في نجاحه، متمنين دوام المحبة والفرح للزوجين، وهي عادات تنطوي على معان إنسانية واجتماعية جميلة وراقية.
وخلال مراسيم الحفل، تقدم للعريس هدايا نقدية وعينية، تسمى عند ساكنة بني جميل ب "تاوسة"، ويحرص مقدم الهدية أن يأخذها بالسيارة معلنا عن ذلك بمنبه صوتي ويتم استقباله بالزغاريد والأغاني والهيت من قبل البنات والأطفال والرجال كذلك، على أن يتوسطهم العريس وأمامه أخته حاملة "العلم"، وإذا كانت الهدية نقدية يتم تعليقها على العريس، والجميع يرقص على نغمات وإيقاع الهيت، أما النساء فيقدمن قفة من الشعير أو الطحين وهو أمر لا بد منه.
وتختلف الطقوس حسب إمكانيات العريسين، فإذا كان العريس ميسور الحال يجلب لعرسه، الذي قد يمتد ليومين، جوقا أو فنانين مشهورين، كما يقدم للناس شتى أنواع المأكولات، لاسيما وأن العرس بمنطقة صنهاجة ما زال محاطا بهالة من الاهتمام.
وتسود في الأعراس رقصة "دارة الشطيح"، حيث تقف النساء الصنهاجيات على شكل دائري، وتؤدي إحدى البنات أو النسوة أغنية على أن يرددها الجميع على ايقاع البندير، وتكون الأغنية مقسومة الى قسمين، قسم يؤديه النصف الأول بينما يرد عليه النصف الثاني من الدائرة، ولا يخلو أي عرس من هذه العادة.
وأشارت مليكة الى أن الحفل يختتم بوضع العريس مرة أخرى الحناء على يده لتوديع العزوبية، ويوضع الكثير من السكر في هذه الحناء املا في حياة زوجية سعيدة وحلوة، ثم تستمر الفرجة مع تراث الهيت والرقص الصنهاجي، المتزامن مع فرقعات البارود من البنادق تعبيرا عن الفرحة والسعادة.
ويودع الزوجان مكان العرس نحو بيت الزوجية في "موكب" تتقدمه سيارة مزينة بالورود والأشرطة اللامعة، ويلبس الزوجان بذلة أنيقة ويجلسان على الكراسي الخلفية، على أن يسوق السيارة أحد أقارب أو معارف الزوج، وبجواره أخته حاملة "العلم الأبيض"، وتتقدم سيارة العروسين الموكب الذي ينطلق على وقع منبهات السيارات وأفراد العائلة يلوحون بالأعلام والنساء تزغردن.
المصدر:مواقع ألكترونية