بوابة عشتار.. أجمل آثار بابل العراقية التي نهبتها ألمانيا
يضم العالم في جوفه وظاهره كنوز أثرية مهيبة وتحف فنية عديدة بل ومعالم لم يقل رونقها رغم مرور الزمن، كل منها تحوي وتحمل قصتها وأسرارها الخاصة، فوراء كل اكتشاف ومعلم حكايات ترجع لعصور بعيدة وأمكنة مختلفة، على رأسها تلك القطع الفريدة والمعالم التاريخية المميزة في بلادنا، صاحبة الحضارة الأعرق في التاريخ، والتي ما زالت تحتضن أشهر القطع والمعالم الأثرية في العالم.
لذلك، تعرض لكم "الشروق"، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسة "قصة أثر"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء القطع والمعالم الأثرية الأبرز في العالم بل والتاريخ.
لا شك أن مَن يُشاهد بوابة عشتار البابلية وهي تزهو شامخة داخل متحف بيركامون في العاصمة الألمانية برلين، سواء في زيارة للمتحف التاريخي أو من خلال التلفاز أو حتى رؤية صورها الكثيرة المنتشرة بين صفحات الكتب والمجلات والإنترنت، يتساءل عن قصة هذا المعلم الأثري العراقي العتيق، وكيف وصل إلى ألمانيا؟
بوابة عشتار.. عنوان بابل القديمة
"بوابة عشتار" هي البوابة الثامنة لمدينة بابل الداخلية، التي تقع بين نهري دجلة والفرات في ما بات يُعرف الآن باسم العراق، والتي شُيدت على يد ملكها نبوخذ نصر الثاني، في القرن السادس قبل الميلاد، والذي أهداها إلى "عشتار" إلهة الحب والحرب، كما تشير كتابة تذكارية مسجلة في أحد جوانبها.
وفي أوج ازدهار مدينة بابل، التي تقع ضمن عجائب الدنيا السبع، وحينما فاق عدد سكانها مائتي ألف نسمة، بل وكانت تشكل الحضارة الأكبر في العالم، كانت بوابة عشتار الضخمة تمثل الباب الرئيسي والرمز لروعة المدينة، إذ كانت تلك البوابة التاريخية أول ما يقابل زائر بابل، فظهرت كعنوان المدينة ومعلمها الظاهر الذي يُعرف عنها.
وفي بابل، ظلت بوابة عشتار الرمز الأقوى للبهاء والروعة التي كانت عليها المدينة القديمة، فكانت هي البوابة الرئيسية لسور المدينة الثاني، والبوابة الواقعة على الشارع الرئيسي للمدينة، والطريق المقدس الذي يربط المدينة ببيت الإحتفالات الدينية، فكانت المواكب تمر من خلال البوابة الكبيرة العريقة.
بوابة تاريخية شُيدت بفن وروعة
وقد شيدت البوابة التاريخية باستخدام الأحجار المصقولة الشبيهة بالسيراميك، التي الذي تنوعت ألوانه ما بين الأزرق والأحمر والأصفر، فيبلغ ارتفاعها مع أبراجها حوالي خمسين مترا، وعرضها ثمانية أمتار، أما البرجان البارزان على جانبي المدخل فعرض كل منهما حوالي أربعة عشر مترا، وهي مكسوة بكاملها بالمرمر الأزرق والرخام الأبيض والقرميد الملون، ومزينة بحوالي ستمائة شكلا حيوانيا بارزا منها التنين، والثيران، والأسد، وأبوابها مغطاة بالنحاس ومثبت عليها مغاليق ومفاصل من البرونز.
اكتشاف البوابة.. وطمع الألمان
ظلت بوابة عشتار غائبة عن الأنظار، حتى عُثر عليها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما وصل إليها علماء الآثار الألمان، بقيادة العالم الأثري روبرت كولدواي، عام 1902، والذي قال عنها إنها تشكل الأثر الأكبر، والأكثر لفتا للانتباه من بين آثار بابل.
نقل التحفة البابلية بخطة ممنهجة
وبعد اكتشاف البوابة، أعيد تجميع أجزائها على يد علماء الآثار الألمان، حتى اندلعت الحرب العالمية الأولى، عام 1914، فتوقف الألمان عن العمل على البوابة التاريخية، ولكن وبعد أربع سنوات، عندما انتهت الحرب وانهارت الدولة العثمانية، اندفع الألمان للتفاوض مع القوات البريطانية المحتلة للعراق، لشحن بعض ما عثروا عليه من آثار إلى برلين، بما في ذلك بوابة عشتار.
وسرعان ما استولت ألمانيا على بوابة عشتار الأصلية، ونقلتها من بلاد الرافدين، ففُكك التحفة الأثرية الضخمة إلى قطعها المكونة لها الصغيرة الحجم، وتحت أشراف فني أثري نُقلت عبر نهر دجلة إلى ميناء البصرة ومن ثم نُقلت بالسفن إلى برلين على عدة دفعات.
سرقة ونهب وعرض للجمهور
وعُرضت البوابة للعامة اعتبارا منذ عشرينيات القرن الماضي، لتعيد روعة بابل القديمة إلى الحياة على نحو لم يحدث من قبل منذ آلاف السنين، فما زالت بوابة عشتار بمتحف برجامون في برلين الألمانية تعد أحد أهم الآثار الرئيسية بالمتحف، وما يوجد في بابل، اليوم، من البوابة ما هو إلا رمز صغير للبوابة الأصلية المنهوبة، التي تزهو في متاحف برلين.
حرب بغداد وبرلين.. ولا نيه للرجوع
منذ ذلك الحين، أثارت بوابة عشتار جدلا كبيرا واتهامات متبادلة بين الجانبين الألماني والعراقي حول قصة اكتشافها بواسطة البعثة الألمانية، وأحقية ألمانيا بالاحتفاظ بها.
فأعلنت العراق، أن البوابة البابلية نُقلت من بغداد إلى برلين بشكل غير شرعي، وطالب وزير الآثار العراقي بإعادتها إلى العراق لكي تُعرض في المتحف الوطني لبلادها، وهو المطلب الذي لم تهتم له ألمانيا رغم مرور عشرات السنين، ليصبح مثله كمثل مئات وآلاف مطالب الدول العربية والأجنبية إلى برلين بإعادة قطعهم الأثرية التي نهبتها إبان الحروب.
وقد قال الكاتب حامد خيري الحيدر في بحثه "بوابة عشتار التحفة المعمارية العراقية الرائعة": "لقد كانت عملية سرقة البوابة وكسوتها بحق، لا تقل ضخامة ودقة وجهد وتخطيط عن عملية تشييد البوابة نفسها!".
بقلم: منال الوراقي:
المصدر:مواقع ألكترونية