ختم داقية، ابن دامق إليشو،خادم سمسو-ايلونا
ختم داقية، ابن دامق إليشو،خادم سمسو-ايلونا 1-2214
(ملك سلالة بابل الأولى)
ختم داقية (Dakiya) ابن دامق-إليشو (Damiq-ilishu) ملك مملكة ايسن (دولة-المدينة)، صنع الختم من حجر الهيمايت (Hemaetite) يبلغ طوله حوالي (3.2) سم، والقطر (1.4) سم، والوزن (21) غرام، واللون رمادي غامق، ويؤرخ إلى العهد البابلي القديم، وهو من مقتنيات جامعة إلينوي (Illinois) (الولايات المتحدة الامريكية) منذ عام (1900) م، ومن المحتمل حصلت عليه الجامعة عن طريق الشراء من سوق العاديات في بغداد آنذاك، ينقسم هذا الختم من حيث الشكل إلى أربعة أقسام: مساحة فارغة واحدة بين الشكلين، و نقش من ثلاثة أعمدة على الجانبين، ويقف على كل جانب من النقش شكل بشري، يرتدي الإله على اليمين ثوب طويل ذو اكمام قصيرة يصل إلى اخمص القدم، وشكل الثوب من الطراز السومري، كما ويرتدي الإله قبعة مقرنة دليل الالوهية، ويسدل خصائل شعر الرأس في الخلف على الكتف، وقد رفع الإله يديه في حالة دعاء (كما نفعل حاليا ونحن نقرأ سورة الفاتحة أو في حالة الدعاء)، واعتقد ان هذا الشكل هو الإلهة لاما (lama) وبالأكدية لاماسو (lamassu) التي كثيرا ما يتم تصويرها في الاختام الاسطوانية، وقد نشأت الإلهة (لاما) في العهد السومري كإلهة للشفاعة والحماية، وعملت كوسيط بين الناس والآلهة، وتصور دائما في رداء طويل متدرج وقبعة ذات قرون وتقف أمام الملك، أو تقود صاحب الختم نحو الإله الذي قد يكون الإله شمش (تخصصه العدل، والقوانين، ونوره يبدد الظلام)، أو عشتار (سيدة السماء، إلهة الحرب صباحا والحب والجنس ليلا) ، أو الإله سين (إله القمر وهو سيد الرحمة، وعبدَ في اليمن باسم رحمن أي الرحمن)، وبذلك كانت إلهة (لاما) الوسيطة بين الملك والآلهة.
أما الشكل المقابل للإلهة لاما (lama) فهو الملك البابلي سمسو-ايلونا يرتدي عمامة، و(العمة) باللغة الأكدية جاءت بلفظ يقارب اللفظ العربي اگولوم (agulum) وهو العقال أو عمامة الرأس المألوفة في العراق اليوم، واستنادا إلى المنحوتات فان العمامة يرتديها الملوك، وهي طاقية (بالعراقي عرقجين) سميكة من الصوف، وقماش طويل يلف عليها عدة مرات حتى تحيط بالرأس وتربط خلف العمامة، ففي مسلة صيد الأسود من عصر اوروك (3500) ق.م صور الملك يرتدي العمامة ورداء طويل وهو يقتل الأسد بالقوس والنبال تارة، ويقتل الأسد الآخر بالرمح تارة اخرى، كما ارتدى العمامة ملوك سومر في بلاد الرافدين منذ حوالي (2600) ق.م، فقد ارتداها الملك جوديا أو كوديا (Gudea) سلالة لكش (2144-2124) ق.م، وأيضا اعتمرها الملك اور- نمو (Ur-Nammu))سلالة أور الثالثة) (2047-2030) ق.م، وكذلك يظهر حمورابي وهو يرتدى نفس شكل العمامة في مسلته الشهيرة (قوانين حمورابي)، ويعلق الباحث (Adolf Leo Oppenheim) بان هذا النوع من العمامة لها طابع ديني في الشرق الأدنى القديم، ولا زالت هذه العمامة يرتديها رجال الدين المسلمين فهي تقليد موروث من بلاد الرافدين، كما يرتديها عوام الناس حاليا في العراق، كما يرتدي الملك تنورة قصيرة وهي لباس معروف منذ العهد الأكدي صور نرام-سين الملك الأكدي في مسلة النصر وهو يرتدي تنورة قصيرة، لان هذا النوع من الملابس ملائم في حالة الحرب وتعطي حرية الحركة وركوب العربات الحربية، ونلاحظ في الختم أن للملك لحية مع وشاح ملفوف على كتف واحد يصل إلى الركبتين، وهو يمسك صولجانا بصدره ويواجه الإلهة (لاما) طواعية.
يضم الختم نقش بالخط المسماري البابلي خصص لسامسو- إيلونا أو شمشو-ايلونا ملك بابل وهو سابع ملوك دولة بابل الأولى، ورد في النقش:
Da-ki-ia
mâr Da-mi-iq-i-li-šu
waradu Sa-am-su-i-lu-na
داقية،ابن دامق-إليشوخادم [الملك].
ختم داقية، ابن دامق إليشو،خادم سمسو-ايلونا 1-2214
سامسو-إيلونا.
عرفَ صاحب الختم نفسه بانه داقية (Dakiya) ابن دامق-إليشو (Damiq-ilishu) المعروف جيدا بانه ملك مملكة ايسن (محافظة القادسية وعلى مسافة 200 كلم جنوب شرق بغداد)، كما ورد اسم سمسو-ايلونا ملك بابل، وكلمة وردُ (Wardu) تعني (عبد) أو (خادم)، والانثى أمةُ (amtu) (بالعربي أمة) وتعني (عبدة) أو (خادمة)، واستخدم الأحرار والموظفين في وصف أنفسهم عند مخاطبتهم الأكبر شانا بكلمة (خادم)، أو عند الصلوات إلى الآلهة يذكر المتعبد بانه خادم الآلهة، وحتى الملوك يصفون أنفسهم بانهم (خادم الآلهة) مثل ورد-سين (ملك لارسا (تل السنكرة في محافظة ذي قار) معنى اسمه (خادم الإله سين)، ولا زالت كلمة خادم مستعملة لحد الآن في الحديث بين الناس مثلا: (اقدملك خادمك فلان ..) أو (هذا خادمك فلان...)، أو (هذا ابني خادمك...)..الخ، واحيانا تستعمل الكلمة كتعبير ديني مثل خادم الحرمين ملك السعودية، على العموم في الختم ذكر ملكين هما:
1- الاسم الأول والده الملك دامق-إليشو (Damiq-ilišu) (1816-1794) ق.م: ابن الملك سين-ماﮔر، حكم (23) عاما، معنى اسمه (مرضي الإله)، وسع نفوذه في جهات متعددة، فاتجه شمالا نحو مدينة نفر بالسومري نيبرو (Nibru) وتمكن من استعادتها كما سيطر على بعض المدن المحيطة بها، وبعد ذلك اتجه نحو الجنوب وسيطر على مدينة كيسورا(Kisurrain) (تل ابو حطب (Hatab) محافظة القادسية، العراق)، كما وصلت فتوحاته بالقرب من مدينة أور ولكنه لم يتمكن من الاستيلاء عليها، كما قام (دامق-إليشو) ببناء بعض الأسوار والتحصينات حول مدينة إيسن (Isin)، وجعل العلامة الداله على الألوهية تسبق اسمه، وحمل الألقاب منها (المشرف على كل الأراضي) ولقب (الحارس الأمين) و (سيد القصور العالية)، كما شيد معبد للإله شمش في بابل وهذا يدل بان سلطته وصلت إلى بابل ولكن لمدة قصيرة، ومن مشاريعه حفر قناة أطلق عليها قناة (دامق-اليشو) وارخ بها أحدى سنوات حكمه، وقدم الهدايا للآلهة في معابدها، كما وصلنا خبر حملته ضد عيلام ولكن لم يعثر على تفاصيلها، ولسوء حظ الأمير (داقية) تمكن (ريم-سين) (Rim-Sin) (1822-1763) ق.م ملك لارسا (محافظة ذي قار) من احتلال مدينة ايسن في العام الثلاثين من حكمه وبسط سيطرته عليها، والاحتمال الكبير ان داقية ابن دامق-إليشو بعد سقوط مدينة ايسن وربما مقتل والده، فهرب طالبا اللجوء السياسي لدى حمورابي ملك بابل (1793-1751) ق.م الذي رحب به وعينة مسؤول عالي المستوى ربما منصب (مستشار الملك)، ومن المحتمل كان له دور في تشجيع حمورابي بفرض سيادتة على لارسا عام (1763) ق.م والحاقها بمملكة بابل، وبذلك حقق (داقية) الانتقام من مدينة لارسا، وبقي مطيعا لسلالة حمورابي طيلة حياته.
2-الأسم الثاني في ختم داقية ذكر فيه انه خادم سمسو-ايلونا أو شمشو-ايلونا ملك بابل الاموري (Amorite) (1750 – 1712) ق.م ، معنى اسمه (شمش إلهي)، فقد استمر في خدمة ملك بابل كموظف رفيع المستوى بصفة مستشار، ويعتبر سمسو إيلونا سابع ملوك سلالة بابل الأولى فهو ابن حمورابي وخليفته، ولا يعرف أسم والدته، لكنه حتما الأبن البكر لحمورابي وبالتالي له افضلية في العرش والارث ايضا، وتميز عهده بالانتفاضات العنيفة للمناطق التي غزاها والده سابقا، فكما هو معروف في حضارة العراق القديم مع موت الملك أو غزو اجنبي يؤدي إلى مقتل الملك تحل الفوضى في البلاد لان الاعتقاد السائد عند الناس ان الولاء لشخص الملك وليس للوطن، وهكذا في السنة التاسعة من حكمه أعلن شخص يدعى ريم-سين الثاني (Rim-Sin) تمرده ضد السيادة البابلية وكان مقره مدينة لارسا وانظمت اليه (26) مدينة من بينهم اوروك (Uruk)، وايسن(Isin)، وأور (Ur) في الجنوب، واشنونا (Eshnunna) في الشمال، وغالبية سكان المدن الثائرة من السومريين الذين عانوا من التهميش والنسيان والفقر والاضطهاد علما بان لهم الفضل في الكثير من المنجزات الحضارية في بلاد الرافدين منها: (الكتابة، والأختام بنوعيها، والأساطير، والعجلة ...الخ)، كما وانهم فقدوا كيانهم السياسي المستقل منذ سقوط سلالة اور الثالثة (2004) ق.م، على ما يبدو ان سمسو-ايلونا كانت لدية قوة عسكرية ورثها عن ابيه، فقد استطاع ان يفرض سيطرته على مدن الشمال خلال سنة واحدة، بينما بقي (4) سنوات يقاتل في الجنوب ضد قوات ريم-سين الثاني متنقلا في عملياته العسكرية بين بابل وسومر (Sumer) وحدود عيلام (Elam)، وأخيرا هاجم الملك البابلي مدينة أور مركز عبادة الإله سين وزقورتها الشهيرة التي شيدها سابقا الملك اور-نمو (ما بقي منها حاليا طبقة واحدة)، وشمل التدمير اسوارها، كما تعرضت المدينة ومعبد الإله سين للتدمير والنهب والتخريب ومع القسوة المفرطة تخلى عن اور العديد من المدن المهمة (بشكل أساسي المدن الجنوبية في بلاد سومر)، فكان مصير اور قاتم ولم يستطع الإله سين انقاذ مدينته المفضلة وعباده وزقورته، فترك كل شيء بيد من يعبد (الإله شمش) يدمر ويقتل ويسرق، وبعد هذه الكارثة وبمرو السنين غاب الشعب السومري من الوجود شيئا فشيئا حتى اصبح نسيا منسيا .
نحن لا نعرف مصير المسؤول داقية لكن ما نعرفه انه كان معاصرا لثلاث ملوك والده دامق-إليشو، وحمورابي، وسمسو-ايلونا لذا من المحتمل مات بالشيخوخة، وكما ورد في زبور داود : (أيام سنينا سبعون سنة ومع القوة ثمانون سنة) بمعنى يعيش الانسان سبعون عام وان اعطاه الله الصحة والعافية يصل عمره إلى ثمانون عاما، أو الاحتمال الثاني مات بمرض ما، وما اكثر الأمراض التي تصيب الانسان مع تقدم العمر، عموما لا نملك نص مسماري يتحدث عنه غير ختم واحد نقش فيه داقية ابن دامق-إليشو خادم سمو-ايلونا (ملك بابل) .

بقلم:الأستاذ الدكتور صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم